حجز محمد الشامي، الموظف الأربعيني في إحدى شركات الملابس، مكانًا في فرع أحد البنوك الحكومية من الساعة السابعة صباحًا لضمان الدخول السريع بمجرد فتح الأبواب. وظل لقرابة الساعة ونصف يفكر في شقة العمر التي تريحه من الارتفاعات المستمرة في أسعار الإيجارات، وتحكمات الملاك التي أجبرته على الانتقال بأسرته عدة مرات لمساكن مختلفة طيلة 15 عامًا.
خاض الشامي جولة ماراثونية بحثًا عن شقة تتواكب مع شروط المبادرة الجديدة بفائدة 3% التي حفظها عن ظهر قلب. لكن بمجرد دخوله البنك تبددت آماله بعدما تبين له أن المصرف لم يشترك فيها بعد. رغم ورود اسمه ضمن 22 بنكًا أعلنت قبل قرابة الشهر عن اشتراكها في المبادرة.
مر الرجل الذي لديه ثلاثة أطفال على عدة بنوك. كلها أعلنت في وقت سابق اشتراكها أيضًا في المبادرة، لكن بلا جدوى. ليتبين له أن ثلاثة بنوك فقط هي التي اشتركت بالفعل بينها، وأحدها ذو طبيعة إسلامية ونظام مختلف يجعل الفائدة “عائدا” ومبلغ التمويل “مرابحة”.
أعلن 22 بنكًا اشتراكهم في المبادرة وتشمل: البنك الأهلي المصري، مصر، القاهرة، التعمير والإسكان، العقاري، التجاري الدولي، العربي الأفريقي الدولي، المصرف المتحد، التنمية الصناعية، وقطر الوطني الأهلي، وبلوم-مصر، والزراعي المصري، وقناة السويس، والكويت الوطني، كريدي أجريكول، والشركة المصرفية العربية الدولية، والمصري الخليجي، والمصري لتنمية الصادرات، وأبوظبي التجاري، والمشرق، والاستثمار العربي، وفيصل الإسلامي.
تمثل مبادرة التمويل الـ ٣٪ طوق نجاة من الوحدات المؤجرة. خاصة في ظل مزاياها من فائدة متناقصة بنسبة 3% فقط. وفترة تسديد طويلة تصل إلى 30 عامًا. لكنها تثير في الوقت ذاته تساؤلات عن أسباب تلكؤ البنوك في الاشتراك الجدي بها رغم تحمسها للمبادرات السابقة التي كانت بفائدة 8%.
تباطؤ ملحوظ
حتى الآن، لم ينخرط جديًا في مبادرة التمويل العقاري سوا بنك “القاهرة” الذي من المقرر طرحه في البورصة قريبًا ضمن 24 شركة اختارتها الدولة لتنشيط سوق الأوراق المالية. و”المصرف المتحد” والأخير مملوك بنسبة ٩٩.٩٪ للبنك المركزي المصري. منذ دمجه عدة بنوك خاسرة في مصرف واحد مثل المهندس والدلتا.
وأطلق البنك المركزي مبادرة التمويل العقاري التي يفترض استمرارها حتى نفاذ الشريحة التمويلية الخاصة بها بقيمة 100 مليار جنيه في 13 يوليو الماضي. وأرسل الضوابط التنفيذية لها للبنوك. التي قالت إنها تحتاج بعض الوقت للانتهاء من إجراءات العمل الداخلية، وتهيئة أنظمة الحاسب الآلي. ما يستغرق بعض الوقت من أسبوعين إلى 3 أسابيع حسب طبيعة كل بنك، ومر ضعف تلك المدة دون تحرك جدي.
تحججت البنوك في التأخر وقت تدشين المبادرة بتزامنها مع إجازة عيد الأضحى التي استمرت قرابة العشرة أيام متتالية. وبعد أسابيع عادت وقالت إنها اتصلت بالشركات الخاصة لتهيئة الأنظمة في البنك لاستيعاب ضوابط المبادرة. من فترة سداد طويلة تستلزم تنفيذ الإجراءات بدقة متناهية.
تسمح الشروط التي وضعها البنك المركزي بأكبر قدر من الاستفادة بمجرد وجود أي مستندات خاصة بإثبات الدخل أو متعلقة بالوحدة السكنية. التي تختلف من عميل لآخر حسب حالته المهنية. وتتضمن الشخص سواء أكان موظفا أو صاحب مهنة حرة. أو عمل حر، أو صاحب معاش، كما يمكن لمن لا يملك دخلاً ثابتا الاشتراك برهن سيارة ميكروباص أو نقل أو غيرها.
لكن المشكلة في البنوك أنها تتلكأـ في التنفيذ بزعم حاجتها لمراجعة ودراسة كل مستندات الوحدة السكنية في العقار . التي يشترط أن تكون مسجلة في الشهر العقاري أو قابلة للرهن العقاري أو في المدن الجديدة. بجانب إرسال لجنة لتقيم الوحدة السكنية للتأكد من تناسب سعرها مع التمويل المطلوب وهو أمر شاق يحتاج لعدد كبير من الموظفين.
انخفاض المكسب
يقول محمد محمود، الثلاثيني الذي يعمل موظفًا في وزارة الري. إنه زار فروع أحد البنوك الحكومية أكثر من مرة وفي كل منها يخبره خدمة العملاء إن البنك لا يزال في طور تفعيلها. قبل أن يغير وجهته صوب صندوق الإسكان الاجتماعي ودعم التمويل العقاري. الذي تم إنهاء الإجراءات بسرعة على عكس البنوك.
يقول محمود إنه استشعر من موظف البنك أن انخفاض الفائدة وطول مدة التمويل ليست مغرية لمصرفه للاشتراك فيها. خاصة أن الموظف أخبره بإمكانية حصوله على قرض عادي على سبع سنوات يدفعه لإحدى الشركات العقارية كمقدم ويكمل باقي الأقساط معها مع إمكانية إنهاء الأمر، في خلال 10 أيام فقط.
تشبه المبررات التي ساقتها البنوك مع مبادرة الـ 3% ما تم تسويقه لدى بداية نشاط المشروعات متناهية الصغر في مصر. حينما فضلت بعض البنوك تمويل العملاء الكبار بمبالغ ضخمة على اعتبار أنهم لا يحتاجون وقتا طويلا للمتابعة في مراحل المشروع. ولتقليل مخاطر التعثر وثبت خطأها وأصبح ذلك القطاع الأكثر تفضيلاً لها حاليًا.
نشاط الصندوق
يقول البعض إن شروط المبادرة الأساسية أن تكون الوحدة السكنية كاملة التشطيب وغير مخالفة تجعل البنوك تحتاج وقتا للتأكد من ملاءة العميل. خاصة إذا كان من غير ذوي الدخل الثابت، ويعتبر أن ذلك الهدف الأساسي في البنوك لحماية أموال المودعين، خاصة في الوحدات التي تتجاوز المليون جنيه.
وضخت البنوك المصرية المشاركة في مبادرة البنك المركزي للتمويل العقاري ذات الفائدة الـ8%. وعددها 22 بنكاً نحو 34 مليار جنيه في الفترة من مطلع عام 2014 وحتى نهاية فبراير الماضي، بينها نحو 29.2 مليار جنيه، وفرتها ستة بنوك فقط: البنك الأهلي المصري، بنك مصر، التعمير والإسكان، القاهرة، التجاري الدولي، والتنمية الصناعي,
وعلى عكس البنوك كان صندوق التمويل العقاري أكثر انخراطاً في المبادرة في مشروعات “سكن لكل المصريين” في 3 مشروعات (الإسكان الاجتماعي- الإسكان المتميز- الإسكان المتوسط). كما قدم الصندوق لفئة الإسكان المتوسط وحدات كاملة التشطيب (3 غرف وصالة) سيتم تسليمها خلال 36 شهرا. في المدن التالية: (حدائق العاصمة، 15 مايو، حدائق أكتوبر، 6 أكتوبر، العاشر من رمضان، أسوان الجديدة، العلمين الجديدة، المنيا الجديدة، ناصر، رشيد الجديدة، بني سويف الجديدة).
أما الإسكان المتميز فتم توفيره في مدينة بدر والغردقة وبور فؤاد. وبالنسبة للإسكان الاجتماعي، فيتواجد بمحافظات (الإسماعيلية، المنيا، الشرقية، سوهاج، قنا، الإسكندرية، المنوفية، كفر الشيخ، أسوان، الغربية، البحيرة، مطروح، الفيوم، بني سويف، أسيوط، الوادي الجديد، الأقصر، شمال سيناء، ودمياط).
الاستعلام الائتماني
واكتفى مصدر بالمصرف المتحد. بالتأكيد على أن البنوك تسعى جميعها للانضمام للمبادة من منطلق دورها الوطني. لكن الأمر يحتاج وقتا من أجل قيام شركة الاستعلام الائتماني بالبحث عن العميل. والتأكد من عدم تعثره في قروض سابقة حفاظا على أموال العملاء.
وأضاف، لـ”مصر 360″. أن البنوك حاليًا نشطة للغاية في مبادة تحويل السيارات للغاز الطبيعي وإحلال السيارات القديمة بأخرى جديدة . التي تتطلب أيضًا نشاطًا في الاستعلام الائتماني. ولن تتأخر في الانضمام لأي مبادرة للدولة هدفها تحسين المواطن. مضيفًا أن البنك يدرس حاليًا 20 طلبًا من شريحة متوسطي الدخل في مناطق مختلفة جاءت بصورة مباشرة من العملاء. زاروا فروع البنك. لكنه أكد أن فئة محدودي الدخل التي تحول من صندوق ضمان التمويل العقاري تمثل غالبية الطلبات.
تفضل بعض البنوك حاليًا تمويل المصريين العاملين في الخارج ضمن المبادرة على المصريين بالداخل لامتلاكهم ملاءة مالية أعلى. وتفضيلهم المدن الجديدة وذلك عبر مكاتب التمثيل وفروع البنوك المصرية المنتشرة في منطقة الخليج العربي.
إغراءات التمويل
يقول الدكتور رشاد عبده، الخبير المصرفي. إن الفائدة المنخفضة والفترة الزمنية الطويلة للمبادرة تجعل البنوك غير متعجلة في التنفيذ. خاصة أنها تعودت على تحقيق الربحية المرتفعة بأقل درجة مخاطرة. فبالنسبة لها تمويل رجل أعمال بفائدة 13% أفضل ولفترة تتراوح بين عام و7 أعوام أفضل.
ويقول، لـ”مصر 360″. إن البنوك تخشى ارتفاع التضخم الذي قد يأكل من نسبة الـ3% على المدى الطويل. لكنه أكد أن البنك المركزي مطالب بممارسة أدوات الضغط عليها من اجل تسريع وتيرة العمل في المبادرة. التي تصب في صالح التنمية المجتمعية.
وقال إن البنك المركزي لديه من الأدوات المراقبة التي يستطيع من خلالها تنفيذ توجيهاته للبنوك بالانخراط في المبادرة خاصة أن القطاع المصرفي المصري في السنوات الأخيرة يحقق ربحا مرتفعا للغاية بفضل المناخ الذي يوفره “المركزي” للعمل.