شغلت المطالبة بإلغاء خانة الديانة من بطاقات الرقم القومي. مناقشات رواد مواقع التواصل الاجتماعي، طوال الـ24 ساعة الماضية. بعد أن أكد وزير العدل صعوبة الأمر بسبب قوانين الزواج والطلاق والمواريث وغيرها.
غير أن المتابع للحالة الدينية للمصريين طوال السنوات الفائتة سيدرك بما لا يدع مجالا للشك أن حالة التدين التي صبغت كافة مناحي الحياة قد طالت أيضًا أسماء المصريين وهو الأمر الذى لا تفلح معه خانة الديانة.
متى تغيرت أسماء المصريين؟
أشار الكاتب الراحل دكتور جلال أمين في كتابه ماذا حدث للمصريين؟ الذى يرصد التاريخ الاجتماعي لمصر في الألفية إلى أن تغييرا كبيرا طرأ على أسماء أبناء الطبقة الوسطى التي كانت تميل إلى تسمية أبنائها الذكور أسماء مثل “عادل وعماد وسامي وأمين”. بينما كانت تتسمى الفتيات بـ”هدى وهناء وليلى وصفية” وصارت في الألفية الجديدة تتجه إلى أسماء دينية يمكن الاستدلال على هوية صاحبها بسهولة فصارت البنات المسلمات “آيات وشيماء وآلاء وإسراء” أما المسيحيات “كرستين وماري وأوديت وإيفون” وغيرها وكذلك الحال بالنسبة للذكور.
يرجع جلال أمين في كتابه الشهير تلك التغيرات الاجتماعية إلى هجرة المصريين إلى الخليج ثم العودة بأفكار دينية أقرب إلى الوهابية أو الإسلام الصحراوي، وهو الأمر الذى انعكس على كافة مناحي الحياة فيولد الطفل باسم ديني ثم يذهب إلى مدرسة دينية أو ينخرط في نشاط اجتماعي ديني غير أن جلال أمين قد أغفل ما صاحب الهجرة إلى الخليج من تغييرات متوازية جرت في الشارع القبطي الذى شهد في مطلع الثمانينات عزل البابا شنودة بعد أن عرف لأول مرة ربما في التاريخ الاجتماعي مصطلح “فتن طائفية” حين وقعت حادثة الخانكة عام 1972 وهي كلها تواريخ قريبة من الفترة التي تم فيها إقرار خانة الديانة في البطاقة حيث تم وضعها لأول مرة عام 1956 بعد ثورة يوليو وبالتوازي مع هجرة اليهود من مصر وكذلك الجاليات الأجنبية واتجاه البلاد نحو تغير اجتماعي وسياسي شامل أكثر ميلا للعدالة الاجتماعية ولكنه عمل على الإضرار بالتعددية الدينية والعرقية.
تغيير أسماء الأقباط.. تمسك بالهوية ضد أسلمة المجتمع
استتبع واقعة عزل البابا شنودة بين أسوار دير الأنبا بيشوي عام 1981. تغيرات كبرى في علاقة الأقباط بالمجال العام المصري. وشهدت تلك الفترة نموا للتيارات الإسلامية. وأصبح الأقباط أكثر ميلا للعزلة وللحفاظ على الهوية القبطية وسط موجة أسلمة للمجتمع كله فتغيرت أسماؤهم من “شريف، وكمال، وسلامة” إلى “بيشوي ومينا وجورج وميخائيل”. وهي تغيرات يمكن رصدها بسهولة بالنظر إلى أسماء الباباوات فالبابا شنودة هو نظير جيد أما البابا تواضروس فهو وجيه صبحي باقي سليمان وهي كلها أسماء لا تمت إلى الأسماء الدينية بأية صلة.
استمرت حالة تديين الأسماء في المجتمع المصري في أجيال متعاقبة فظهرت منذ سنوات موضة “حمزة وأنس ومعاذ” كاسم للذكور المسلمين. يقابله “خديجة ورقية” في أسماء البنات.
بينما أسماء القديسين الأقباط صارت أكثر شيوعا. فيتم استدعاء قديسين من الماضي مثل “اثناسيوس وكاراس ورافائيل” في مقابل أسماء مسيحية أجنبية للفتيات مثل ناتالي ومادونا وليديا”، وهي كلها ظواهر تعكس التمسك العميق بالهوية في ظل استقطاب ديني حاد يعيشه المجتمع المصري من سنوات بعيدة.
السودان.. قد يكون صاحب اسم بطرس مسلمًا ومحمد مسيحيًا
بالمقارنة، فإن مجتمعات تنتمي لنفس المنطقة الجغرافية. لا تتمسك بحالة تديين الأسماء أو التمييز عبر الاسم.
ففي حفل تخرج لطلاب معهد جبال النوبة لدراسات الكتاب المقدس التابع للكنيسة الأنجليكانية بمصر. تم تخريج دفعة من المسيحيين السودانيين دارسي الكتاب المقدس. وكانت أسماء الخريجين المسيحيين أقرب للأسماء اللبنانية مثل خالد إسماعيل. وبطرس محمد، وأيوب عبد الرحمن، ومقبول خميس. كذلك فإن القس المكلف بخدمة السودانيين فى القاهرة ضمن الكنيسة الأسقفية يسمى القس جعفر، بينما يحمل زميله اسم القس ياسر.
لبنان.. مسلمون على أسماء قديسين
وفي لبنان التي عانت من ويلات الحرب الأهلية لسنوات طويلة، فإن استخدام أسماء القديسين المسيحيين لا يعني بالضرورة أن صاحب الاسم مسيحي وربما كان مسلمًا تيمن أبواه باسم مسيحي.
في المقابل في مصر. فإن الأنبا رافائيل أسقف كنائس وسط القاهرة وسكرتير المجمع المقدس السابق قد شدد في عظة شهيرة على ضرورة أن يسمي الأقباط أبناءهم بأسماء مسيحية وخاصة أسماء القديسين لأنهم عاشوا حياة التقوى منتقدا استخدام أسماء وصفها بالعادية بينما رفض إطلاق اسم “مارتن” على أبناء الكنيسة القبطية باعتباره اسم مارتن لوثر مؤسس الكنيسة البروتستانتية الذى وصفه بمخرب المسيحية على حد تعبيره.
لماذا أصر وزير العدل على عدم واقعية حذف خانة الديانة؟
لم تعد خانة الديانة في الرقم القومي كافية لتخليص المصريين من إرث الصبغة الدينية التي غيرت كل ألوان الحياة في مصر. فصارت تتلون بألوانها وتتسمى بأسمائها. إلا إنها وبطبيعة الحال مطلب يحفظ للمواطنين حق عدم التمييز على أساس الدين أو إنه لبنة في طريق طويل نحو المواطنة الكاملة.
يضع إلغاء الديانة. الدولة على الحياد أو بمعنى آخر تصبح دولة مدنية لا مكان للدين في أوراقها الثبوتية ومعاملاتها اليومية.
غير إن هذا الإجراء يستتبع بطبيعة الحال فتح الباب أمام الزواج المدني لجميع المصريين سواء مسلمين أو أقباط. أي أن يتاح هذا الخيار إلى جوار الزواج الديني. فيذهب من يشاء إلى الخيار الذى يريده وهو نفس الطرح الذى أكده وزير العدل عمر مروان.
فمازالت الكنائس تلعب الدور الديني في زواج المسيحي وكذلك دور موثق الشهر العقاري فكاهن الكنيسة يحمل دفتر التوثيق ويعمل كموثق لدى وزارة العدل من ناحية ويتمم مراسم الزواج الكنسية من ناحية أخرى، ومن ثم لا يستطيع المسيحي الزواج خارج سلطة الكنيسة، في المقابل فليس للمأذون الشرعي أي سلطة على المواطن المسلم، ولا يعمل إلا موثقا لعقد الزيجة الذى يتم دون مراسم طقسية، ولا يستلزم إلا استيفاء أركان الزواج مثل الإيجاب والقبول والإشهار.