أثار تزايد عدد أندية الشركات في الدور المصري حالة من الجدل حول تأثيراتها الضارة على الفرق الشعبية التي تعاني ضعفًا في القدرات المالية والعجز عن الدخول في صفقات قوية لشراء اللاعبين، لكنه يخلق تساؤلات أيضًا عن أسباب استمرار دعم الدولة للأندية الجماهيرية الكبرى التي تنفق مئات الملايين على صفقات سنويًا، رغم عدم الحاجة إليها أو الاستفادة منها أو حتى تعزيز تلك الأندية لحصيلة مصر من المنافسات الأولمبية والدولية.
أصبحت أندية الشركات تشكل حاليًا ما يزيد على 60% من مجموع فرق الدوري المصري أو بحسبة أخرى 11 فريقا من أصل 18 فريقًا، بعد صعود ثلاثة أندية من دور “المظاليم” إلى “الأضواء” كلها تمثل مؤسسات صناعية وهي “فاركو” التابع لشركة أدوية، والشرقية للدخان ممثل لمحتكر السجائر المحلية، وأخيرًا “كوكاكولا” التابع للوحدة المحلية لشركة المياه الغازية العالمية واشترته “فيوتشر” للاستثمار والتسويق الرياضي.
استطاعت الأندية الثلاثة أن تبقى أندية شعبية قوية كان لها باع في الدوري المصري في السنوات السابقة مثل بلدية المحلة ودمنهور والمنصورة والترسانة، والتي لم تستطع مجاراتها في الإنفاق على استقدام لاعبين بمرتبات كبيرة رغم اللعب في دوري الظل، بينما كانت المفاجئة في هبوط طنطا لدوري الدرجة الثالثة، في ظل مشاكله المالية والإدارية.
يضم الدوري قبل صعود الفرق الثلاثة أندية شركات ضخمة مثل بتروجت وإنبي والمقاولون العرب ومصر المقاصة وغزل المحلة و والجونة وسيراميكا كليوباترا والبنك الأهلي. وجميعها لا تحصل على دعم من وزارة الرياضة باستثناء بعض الحالات التي يمكن لأي منها طلب سلفة مالية، كما حدث مع “مصر المقاصة” الذي يعاني أزمة مالية خانقة دفعته للاستغناء عن غالبية لاعبيه الكبار.
42 مليون جنيه
يبلغ الدعم المالى الذي تحصل عليه مختلف الأندية الرياضية على مستوى الجمهورية بقيمة ٤٢ مليون جنيه، والذي يهدف ــ وفق الوزارة ـــ إلى استقرار الأوضاع بجميع الكيانات الرياضية سواء من الناحية المالية أو الإدارية، ودعم تكثيف أنشطتها المختلفة باعتبارها مؤسسات تقدم خدمات اجتماعية وثقافية وفنية فضلاً عن خدماتها الرياضية .
يضم المبلغ السابق الدعم مختلف الأندية الرياضية ومنها أندية الأهلي والزمالك والمصرى والاتحاد السكندري والسكة وأسوان و طنطا وجميع أندية محافظات الغربية والفيوم وقنا وكفر الشيخ ومطروح والمنوفية والوادي الجديد والمنيا ودمياط وبني سويف والسويس واسيوط والقليوبية والأقصر والجيزة والإسكندرية والقاهرة والإسماعيلية والبحر الأحمر وشمال سيناء ومطروح وبورسعيد وأسوان والبحيرة والدقهلية وسوهاج والشرقية.
تشير الأرقام إلى أن أندية الزمالك والأهلي تتمتع بحصة الأسد من الدعم، فخلال 4 سنوات حصل نادى الزمالك علي 22 مليون جنيه، والنادى الأهلى 19 مليون جنيه، رغم الموارد المالية الكبيرة التي يتمتع بها الناديين في حقوق البث وبيع اللاعبين والعضويات.
إنفاق كبير
أنفق الأهلي على 4 صفقات للموسم الجديد: ”لويس ميكيسوني قادمًا من سيمبا التنزاني – بيرسي تاو من برايتون الإنجليزي – كريم فؤاد نادي النجوم – حسام حسن مهاجم سموحة السكندري “، 84 مليون جنيه مصري، وضم الأهلي خلال آخر 5 سنوات لاعبين بقيمة 28.7 مليون يورو مقابل 25.5 مليون يورو باع بها النادي لاعبين، بخسارة 3 ملايين يورو، أما الزمالك فضم لاعبين بقيمة 18.6 مليون يورو مقابل بيع 17.1 مليون يورو بخسارة قدرها 1.5 مليون يورو.
وفقا لتقرير “الفيفا” لعام 2019، حلت مصر صدارة إفريقيا من حيث ضم اللاعبين من الخارج، بتكلفة مالية بلغت 33.7 مليون دولار من أصل 40.8 مليون دولار إجمالي انتقالات قارة أفريقيا، وحلت في المركز 39 عالمياً من حيث تصدير اللاعبين للدوريات الأخرى بقيمة 17.5 مليون دولار.
أرباح بيع اللاعبين
على عكس الأندية الشعبية، كانت إدارات أندية الشركات أكثر ذكاء في تحقيق الربحية من بيع اللاعبين، ففريق مثل “أنبي” جنى مكاسب بنحو 9.5 مليون يورو خلال آخر 5 سنوات بعد بيعه لاعبين بقيمة 9.8 مليون يورو ، مقابل مشتريات بنحو 325 ألف يورو فقط.
الفكر الذي تعتمد عليه أندية الشركات حاليا أكثر إفادة لكرة القدم من فكر الأهلي والزمالك اللذين تخليا عن قطاع الناشئين لصالح شراء اللاعب الجاهز من الأندية الأخرى، فإنبي يعتمد في عوائده على اكتشاف المواهي الصغيرة، وكذلك الحال بالنسبة لـ”مصر المقاصة” الذي حقق إيرادات بنحو 10.3 مليون يورو كفارق بين اللاعبين الذين اشتراهم والذين أعاد بيعهم مجددا وفقا لموقع ترانسفير ماركت” الألماني.
يملك الأهلي والزمالك موارد مالية كبيرة من اشتراكات العضوية، فالأحمر تبلغ سعر العضوية به 750 ألف جنيه في الفرع الرئيسي شاملة لكل الفروع، أما فرع الشيخ زايد فيقدر بنحو 250 ألف جنيه وعضوية فرع مدينة نصر 500 ألف جنيه، وبالنسبة للزمالك فالعضوية 250 ألف جنيه للحاصل على المؤهل العالي و310 آلاف جنيه للمتوسط، مع عضوية للفئات المستثناة بـ 60 ألف جنيه للصحفيين والقضاة والضباط.
استطاع النادي الأهلي عام 2019 الحصول على 520 مليون جنيه قيمة عقد رعاية، و400 مليون جنيه قيمة حقوق بث المباريات، ليجمع إجمالي 920 مليون جنيه في أربع سنوات، ما يجعل الموسم الواحد للفريق يحصل خلاله الأهلي على 130 مليون جنيه عقد رعاية سنوي، و100 مليون بث فضائي، واستطاعت تلك الأرقام تعويض الفجوة الناجمة عن سوق الصفقات.
لماذا الرفض؟
وقال طارق السيد، عضو مجلس النواب ورئيس نادى الأولمبي، إن فتح اتحاد الكرة الاحتراف منذ التسعينيات دون ضوابط هو السبب الرئيسي، فى توغل أندية الشركات على الأندية الشعبية، فقانون الرياضة منحها حق صرف 05% من أرباحها على النشاط الرياضي ولم يحدد حدد أقصى، مما جعل هناك حالة من عدم تكافؤ الفرص، مع الأندية الشعبية غير القادرة على توفير نفقاتها.
ووافقه الرأي محمد سراج الدين، عضو مجلس إدارة الأهلي، الذي قال، على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، إنه يحترم أندية الشركات وما تعمل به من احترافية في منظومة عملها، ولكن المضي بهذا الشكل على المدى الطويل لن يكون إيجابيا على الكرة المصرية ، مطالبا بتفعبل اللوائح الخاصة باتحاد الكرة وإنشاء دوري خاص بالشركات، ويتم الفصل تماماً بمعايير ولوائح قانونية واضحة لكي يكون الترقي للممتاز مقتصر على الأندية الجماهيرية والشعبية التي تمثل مدن ومحافظات.
يطالب البعض بإبعاد أندية الشركات باستحداث دوري خاص بها بعيد عن الدوري الممتاز على اعتبار أن فوزها بالبطولة لن يسعد حتى الموظفين، لكن الأمر أصبح محكومًا باللوائح الدولية تدفع نحو الاستمثار الرياضي، ويبدو قانون الرياضة الجديد 2017 حلاً بالسماح بالأنية الشعبية بامتلام شركات في الاستثمار بما يمنحها موارد مالية ويغنيها عن دعم الدول مستقبلاً، بإقامة شركات لكرة القدم وطرح نسبة 49% من أسهم الشركة للمستثمرين.
شركات مدرجة في البورصة
يمثل الدعم الذي تقدمه وزارة الرياضة والتدخل في قراراتها بتعيين لجان مؤقتة لحين إجراء الانتخابات. أمرًا مغايرا للسائد في العالم كله. فحميع الأندية ذات الشعبية عالميا تحولت لشركات قابضة، مثل فالنسيا الإسباني مانشستر سيتي ومانشستر يونايتد وبايرن ميونيخ وتتنوع بين الشركات المدرجة بالبورصة أو ذات المسئولية المحدودية أو شركات مغلقة.
ما جعل الأندية الشعبية تتذمر كثيرًا. هو تراحع العائد في خضم أزمة كورونا. بغياب الحضور الجماهيري في المباريات حتى قبل أزمة كورونا. وهو أحد الأرباح المهمة للأندية الشعبية الفقيرة. بجانب حقوق البث وعائد الإعلانات.
ويرى البعض أنها ستمثل عنصرا سلبيا على المدى البعيد. فأندية الشركات ليس لها جمهور وبالتالي مبارياتها لن تدر عائدا من الحضور الجماهيري.
لم تحقق أندية الشركات بطولات باستثناء غزل المحلة الذي حقق لقب الدوري موسم (1972-1973)، والمقاولون العرب الذي كان أول نادٍ مصري يحقق (الكونفيدرالية حالياً) ثلاث مرات إضافة إلى لقب الدوري موسم (1982-1983)، والترسانة الذي حقق لقب الدوري موسم (1962-1963).
الأهلي يؤسس 3 شركات
وتتجه الأندية الشعبية ذاتها لفكر الاستثماري في إدارتها فالنادي الأهلي قرر قبل تأسيس 3 شركات أولها شركة الأهلي لكرة القدم «شركة مساهمة مصرية»، تستهدف إدارة وتنظيم رياضة كرة القدم الاحترافية وأعمال الأكاديميات و«حقوق البث – حقوق الرعاية – السلع والمنتجات المرخصة – منتجات برامج التسويق التعاوني – الإعلانات والتصديق على المنتجات – انتقالات وإعارات اللاعبين – مبيعات الإعلام الجديد، وشركة استاد النادي الأهلي «شركة مساهمة مصرية»، لإنشاء وإدارة مدينة رياضية واستاد الأهلي، وتأسيس شركة الأهلي للسياحة والخدمات «شركة مساهمة مصرية»، تتولى تقديم خدمات السياحة والرحلات والسفر لكل من الفرق الرياضية واللاعبين والأعضاء والجماهير.
كما استقرت اللجنة المؤقتة التي تدير نادي الزمالك على تأسيس شركة منفصلة لكرة القدم بالقلعة البيضاء خلال الفترة المقبلة، لرغبتهم في تطوير ملف فريق الكرة وحل المشاكل الموجودة الخاصة بأزمات النادي المادية، مؤكدة أن الزمالك يحتاج إلى 500 مليون جنيه لسداد كافة التزاماته المالية.
دعم من رجال الأعمال
وتحصل الأندية الجماهيرية أيضًا على دعم مباشر من رجال الأعمال المنتمين أو المؤيدين للنادي. خاصة في تموسل الصفقات الجديدة أو الإبقاء على بعض اللاعبين الكبار، مثل ياسين منصور. الذي يحنل المرتبة الـ 21 في أثرياء العرب بثروات تقدر بـ 1.1 مليار دولار. الذي تولى رئاسة شركة الأهلي لكرة القدم، ويدعم صفقات النادي منذ سنوات.
في الزمالك يقوم بالدور ذاته. هاني برزي أحد كبار رحال صناعة المواد الغذائية في مصر. الذي نجح في تجديد عقود الثنائي محمود حمدي الونش مدافع الفريق. وأحمد سيد زيزو مهاجم الفريق. لمدة 3 مواسم. ويعول عليه كثيرا في صفقة التجديد لأشرف بن شرقي أحد نجوم الفريق حاليًا.
يقول نقاد رياضيون. إن دور وزارة الرياضة يجب أن يكون منصبا على مشروعات مثل البطل الأولمبي الرامي لتقديم أبطال مصريين في مختلف الرياضات وترك كرة القدم تسير وفق قواعد الاحتراف فحصة ممثلي الأندية الشعبية من الألقاب التي تحققها البطولات الفردية شحيحة وكثير منها يأتي من أندية شركات أو مؤسسات رسمية,.
دعم للجميع
وكشف الدكتور أشرف صبحي، وزير الرياضة عن دعم قطاع الأندية الرياضية بـ 104 ملايين جنيه. تتضمن المشروع القومي للبطل الأولمبي. الذي يشمل إنشاء وتطوير 282 مركز تدريب. استفاد منه 2650 لاعبا ولاعبة بقيمة 40 مليون جنيه.
ووفقا لوزارة الشباب. فإنها حققت 3 آلاف ميدالية خلال الفترة من 2018 حتى 2021. لكن غالبية تلك البطولات في منافسات قارية. وتحتاج إلى كثيرمن الجهود لتعزيز حصة مصر في الأولمبياد. التي لا تتجاوز 32 ميدالية متنوعة منذ مشاركتها في تلك المنافسات.
الناقد الرياضي مصطفى نجم يقول. إن الرياضة على مستوى العالم أصبحت صناعة تتضمن استثمارات ضخمة ومنافسة شرسة. وبالتالي لا يمثل دخول الشركات فيها بقوة في مصر أمر مستحدث. ولكن الغريب هو دور وزارة الشباب والرياضة والدعم الذي تقدمه لها على الرغم من أن هدف الوزارة ذاتها هو تحقيق رعاية واكتشاف الموهوبين رياضيا. وتقديم مزيد من الدعم للأبطال الرياضيين. وتطوير مراكز الشباب والمنشئات الشبابية والرياضية. وتحقيق إدارة اقتصادية رشيدة لها وجذب موارد اضافية للتمويل.
يقول نجم إن وزارة الشباب تؤكد في رسالتها على توفير فرص الاستثمار الرياضي. وإطلاق مبادرات للصناعات الرياضية. وهو أمر يتماشي مع وجود الشركات في عالم كرة القدم. سواء بامتلاكها فرقا أو رعايتها للأندية الشعبة القائمة. واستحداثها القانون الجديد الخاص بالرياضة. وإن فصل نشاط كرة القدم وتحويله لشركات مساهمة بداية التحرر من إدارتها لذلك الملف.
ووفقا لنقاد رياضيين. فإن وجود أندية الشركات يثري المنافسة في البطولة بتوفير فرق قوية تضم لاعبين مميزين قادرين على منافسة الأهلي والزمالك.وهو أمر سيتحقق على المدى البعيد حتى لو كانت تجربة بيراميدز. الذي كان الأكثر بذخا في الصفقات، وعقد صفقة لشراء لاعب واحد فقط بـ 3.8 مليون دولار . لم تؤت ثمارها حتى الأن في الوصول لمنصات التتويج.