“أدعي على ابني وأكره اللي يقول أمين”

هذه هي الأم، حالة متناقضة في الغضب، لكنها تتسق مع المحبة المفرطة التي مسببة ولا متطلبة، وبرغم حالة الارتباك والمشاحنات التي تعيشها البنت مع أمها، تظل علاقة الأم هي المحبة والعطاء، ونحن هنا نتكلم عن الأشخاص الأسوياء، وليسوا هؤلاء الذين انسلخوا من فطرتهم سواء كانوا آباء أو أمهات.

في أحد لقاءات الأصدقاء كان (واو) حزينًا بشكل جعله يتخلف عن سيل الضحك والمزاح سمة اللقاءات، وحين غالبنا الفضول عرفنا منه أنه على وشك الانفصال عن حبيبته، فأمها ترفض الارتباط، والسبب انه منذ فترة شب بينهما خلاف، وعرفته الأم، تصافى الحبيبان واستعادا حبهما، لكن الأم لم تصفوا.

السيد (واو) غاضب من رفض الأم، وهو لا يعرف أن كل/أي أم هي محبة خالصة لأبنائها فقط، تُحب من يُحبهم، وتكره من يُحزنهم أو يُغضبهم.

كيف نحكي المشاكل؟

عندما تتعرض امرأة لمُشكلة تُغضبها، فإن الغضب هو القائد، الانفعال قضبان يسير سهل تنزلق عليه الكلمات، يكون الحكي من منطقة المظلومية، في المشكلات كل طرف يرى نفسه المظلوم، قليلون هم من يرون أخطاءهم ويضعونها في حجمها.

على مقعد المظلومية سيكون المصاب جلل، وتُصبح رهافة المشاعر والحساسية التي تمتاز بها غالبية النساء هي قنبلة موقوتة عند الغضب، تُعبئ السامع بشحنات مهولة من الكراهية حتى لو مؤقتة تجاه الطرف الآخر، من يحكي لا يكون منصفًا في الغالب، ليس لأنه لا يتصف بذلك، بل لأن مشاعر أخرى تُسيطر على العقل، وتُعمى عن الكثير من التفاصيل، ونحن لا نحكى إلا في أوقات الغضب!

عندما تحكي فتاة لأمها عما يُحزنها أو يغضبها، فإن حزن الابنة وغضبها يتحول لدانة تُطلقها الأم بكل قسوة وقوة نحو سبب غضب وحزن ابنتها، موقف كل أم نادرًا ما تنحاز الأم للموضوعية، وتحاول سماع الطرف الآخر، وإن لم تتمكن الأم من النيل من الطرف الآخر فإن غضبها الذي قد يصل حد الكراهية يظل مكبوتًا بداخلها وتأثير المكبوت أعظم لو تعلمون.

“يخانقني في شارع ويصالحني في حارة”

للشر صوت أعلى، نسمع الشجارات والمعارك، نسمع السباب والشتائم ولا نسمع كلمات الحب، وتبادل الجمل اللطيفة، نرى الخناقة والدم، ولا نعرف شيء عن المصالحة، وربما ذلك هو ما دفع الجماعة الشعبية لصك المثل الشعبي “يخانقني في شارع ويصالحني في حارة” لما لدلالات الشارع من اتساع المكان وكثرة الجموع والمارة، في حين أن الحارة ليست لها نفس الخصائص.

في علاقات الحب والزواج ومع أي مشكلة تحزن المرأة بشدة وتكون الأكثر غضبًا وشكوى بغض النظر عن موقعها من المشكلة ودورها، ولأن كثيرات من النساء يسهل مصالحتهن ولو ظاهريًا فإنه بجهد ربما قليل يمكن للرجل استرداد المرأة لمنطقة الحب والوفاق بسرعة، وفى هذه الحالة لا تكترث الغالبية بإزالة بؤر الكراهية التي صنعتها من قبل برفع رايات المظلومية والغضب.

 

مشكلة الفينشينج (التقفيل) Finishing

تعيب كثير من منتجاتنا فكرة التقفيل، يكون المنتج ذو طبيعة جيدة وفيه جهد مبذول لكن النهايات غير سليمة وتملأها العيوب، نحن أيضا يعيب أغلبنا التقفيل، أو الجزء الثاني، نحكى الضغوط والمشاكل، نُخرج شحنات الغضب، لكننا حين تنتهي الأسباب لا يهتم الكثيرون بمشاركة الآخرين زوال الأسباب، نحكي السلبي ولا نقترب من الإيجابي.

تُسرع الفتاة وتحكي عن غضبها، تثور وتبكي وتكيل الشتائم وتعلن بإيمان وقوة قطع العلاقة، لكنها حين تصفو وتهدأ وتعود لنهر علاقاتها يفوتها أن تحكي عن التصالح، وتترك بذور الغضب لتُنبت بركان كراهية ينفجر في أي وقت.

لأننا لا نهتم بالتقفيل، لا ننشغل بمن يسمع، نحكي بكثير من الأنانية، نُسرب الغضب والحزن، نبدد الطاقة السلبية باقتسامها مع الآخرين، ونتركهم أسرى الحزن والمشاعر السلبية تجاه الطرف الآخر، ولا يعنينا أن نعود إليهم لنطمئنهم، لنقول عن الود، ونحكي عن المحبة، وحتى نتعلم الاعتناء بالنهايات من الأفضل ألا نحكي المشكلات، ولا نقص الغضب فنصنع كراهية مجانية في قلوب من يهتمون لأمرنا.