لم يتوقف الأقباط طوال أسبوع كامل عن الإشادة بصورة البابا تواضروس الثاني جالسا في المقاعد الخلفية بمؤتمر شبابي عقدته الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بدير الأنبا بيشوي، فقد ظهرت صورة البابا البطريرك جالسًا في الصف الأخير إلى جوار الشباب المشاركين في المؤتمر يستمع إلى مقترحاتهم بإنصات كبير. بينما يرى معلقو مواقع التواصل الاجتماعي في الصورة كسرًا للسائد والمألوف أما التيارات المعادية للبابا، فلم تشأ إلا أن تستخدم اسم المؤتمر “التمتع بالجذور” لتنقض على البطريرك المجدد وتصفه بهادم الجذور.

الأولون آخرون والأخرون أولون

“وَلكِنْ كَثِيرُونَ أَوَّلُونَ يَكُونُونَ آخِرِينَ، وَآخِرُونَ أَوَّلِينَ.” (مت 19: 30) يقول إنجيل متى، ربما تلك الآية هي التي شغلت البابا تواضروس وهو يقرر مشاركة الشباب مقعد خلفي في مؤتمر أرادوا فيه محاكاة طريقة عمل المجمع المقدس وهو الهيئة العليا للكنيسة حيث استمرت فعالياته لمدة أسبوع كامل قضاهم البطريرك وسط الشباب يلتقط الصور السيلفي ويربت على كتف البعض ويحاضر في جلسات ويستمع لشكاوى في جلسات أخرى حيث عملت الكنائس في كافة ايبراشيات الكنيسة القبطية بالداخل على ترشيح الشباب من الخدام وأمناء الخدمة لحضور هذا المؤتمر الذى حظى برعاية البطريرك شخصيًا.

لعل احتفاء الأقباط بصورة البطريرك المتواضع يجلس في المقاعد الخلفية لمؤتمر شبابي لهي دليل قوي على غياب الصورة الطوباوية للأب الأسقف أو البطريرك المتواضع المتقشف بعد أن سادت صور الأساقفة بسيارات فارهة وثراء فاحش وهو الأمر الذى استدعى كثير ممن احتفوا بتلك الصورة إلى مقارنتها بصورة أخرى جلس فيها البابا كيرلس السادس في مقعد خلفي بالمجمع المقدس، وكأن السنوات الماضية كانت خروجا عن نغمة أساسية تحتفظ فيها الكنيسة القبطية بروحها الرهبانية التي تقدس التواضع والفقر الاختياري وتضع الرهبان بصفاتهم تلك في مناصبها العليا لأنها دعوة ربانية وليست تشريفا أو جاه أو سلطان.

البابا تواضروس يعيد النظر في خدمة الشباب بالكنيسة القبطية

على الرغم من أن المؤتمر الذى حمل عنوان التمتع بالجذور هو في الأساس مؤتمر يستهدف خدمة شباب الكنيسة وهو الهدف الأساسي الذى تأسست من أجله أسقفية الشباب في الثمانينات إلا أن الـ200 شاب وفتاة الذين حضروا المؤتمر ليسوا على علاقة بأسقفية الشباب التي لم تساهم في الترتيب لهذا الحدث ولم تشترك فيه بأي حال من الأحوال وهو الأمر الذى تكرر مع ملتقى شباب المهجر الذى استضافه البابا البطريرك في دير الأنبا بيشوي أيضا قبل عامين بينما كانت أسقفية الشباب تشرف على مؤتمر مماثل لشباب الكنيسة القبطية في أوروبا وكأن الكنيسة تعمل بجناحين لخدمة الشباب.

يعرف المتابع لشئون الكنيسة أن خلافًا قد تصاعد في السنوات الأخيرة بين البابا تواضروس من ناحية وبين الأنبا موسى أسقف الشباب من ناحية أخرى أدى إلى لجوء البابا إلى عقد تلك المؤتمرات من أجل توسيع نطاق خدمة الشباب بعيدا عن الأسقفية التي سيطر عليها التيار التقليدي وانخرط العديد من خدامها في جماعة حماة الإيمان المعادية علنا للبابا تواضروس وتياره الكنسي.

جاءت تلك الخلافات بعدما كلف البابا تواضروس الأنبا بافلي النائب الباباوي بالإسكندرية للإشراف على الشباب في عاصمة الكرازة التي تشهد نهضة لاهوتية كبرى وتتمتع كنائسها بحضور قوي للتيار الآبائي لاسيما وإن القمص متى المسكين خدم فيها سنوات عديدة وخرجت كنائسها عشرات الباحثين في اللاهوت والعقيدة حافظوا على مدرسة الإسكندرية اللاهوتية بعيدا عن أفكار أخرى سادت في السنوات الأخيرة.

مؤتمرات الشباب الباباوية تعيد للعلمانيين دورهم كنسيًا

البابا البطريرك أكد في حوار تلفزيوني لفضائية قبطية إن الهدف من المؤتمر هو ترسيخ الانتماء لدى الشباب بهدف التمتع بجذورهم القبطية ولكنه لم ينس في الوقت نفسه دمجهم مع المجتمع المصري من خلال زيارات سياحية ومحاضرات للشخصيات العامة مع جدول من الصلوات والاجتماعات الروحية.

تأخذ رؤية البطريرك شباب الكنيسة إلى منحنى جديد في علاقتهم بالمجتمع المصري، فهي من ناحية تحافظ على التراث الكنسي والطقس والعقيدة من خلال عقد الصلوات والاستماع للكلمات الروحية ولكنها من ناحية أخرى تحرص على دمج الشباب بالمجتمع المصري ومجاله العام بعيدا عن الانغلاق الكنسي الذى عانى منه الشباب القبطي سنوات طويلة.

كذلك فإن رؤية البطريرك تلك تعيد للعلمانيين الأقباط (الأقباط من غير رجال الدين) دورهم في الكنيسة بعد غياب لسنوات طويلة جرى فيها تهميشهم لصالح الاكليروس ورجال الدين حيث حرص المؤتمر على رفع مقترحات شبابية للمجمع المقدس للكنيسة بالشكل الذى يجدد للكنيسة شبابها ويحفظ لها عقيدتها في آن واحد وهي رؤية تختلف عن إدارة ملف الشباب في الكنيسة القبطية طوال عقود مضت انعزل فيها الأقباط داخل أسوار الكاتدرائية فغابوا عن المجتمع في مجالات الفن والرياضة والسياسة.