مشهد أول: نهار خارجي – سهل جنزور، قرب بلدة قباطية في محافظة جنين.

الزمن: أوائل الخمسينيات.

كان الوضع يبدو مأساويًا. لم تكف أعوام الشتات التي مضت للإفاقة من أثر النكبة بعد. ولكن ها هي مأساة أخرى تحل بهم، لتزيد الطين بلة، ليس بالمعنى المجازي وإنما الحرفي. ذلك السهل الذي آواهم لأعوام عدة، بعدما هُجّروا قسرا من منازلهم بالكرمل في حيفا وجبال الكرمل وقراها، لم يعد صالحا للعيش به.

غمرته المياه جـراء الأمطار والسيول الغزيرة فتحول السهل إلى أكوام من الطين المتحرك، التي كادت تُغرق مـن كان يسكنه من اللاجئين الذين أتت المياه على خيامهم وأغراضهم، فخرجوا مرة أخـرى بالملابس التي على أجسادهم، دون أن يتمكنوا من انتشال شيء من أغراضهم سوى القليل. وكأن المأساة تتكرر مرتين.

رحلة أخرى من الخروج. هذه المرة قادتهم أقدامهم وأرواحهم المتعبة إلى قطعة أرض فارغة، ووسـط أجـواء البـرد القارص، حصلوا على عدد محدود من الخيام تقاسموها فيما بينهم، لتحصل كل عائلـة على خيمة تؤويها وتقيها وطأة البرد الذي أزهق أرواح العشرات من الأطفال وكبار السن. ثم بـدأ ذلك التجمع بالتطور تدريجيا حتى بات يُعرف اليوم بمخيم جنين.

مشهد ثانٍ: نهار خارجي – أحد شوارع المخيم الضيقة.

الزمن: ربيع 2002.

كانت عدة أيام قد مرت على المحاولات الإسرائيلية لاجتياح المخيم في خضم الانتفاضة الثانية. المقاومة الشرسة والملحمية تُحرج دولة الاحتلال فتستعين بالطائرات والدبابات دون جدوى. سبعة أيام مرت دون تحقيق أهدافها فانتقلت من الاقتحام إلى التدمير، وهنا ظهرت الجرافات المصفحة كسلاح أول، يدك منزلا تلو الآخر.

في وسط هذه الأجواء من الدماء والدمار، كان أبو إياد يقف في شارع جانبي يحادث صحفيًا؛ مسجلاً شهادته عن الأحداث. وبينما كان الحديث دائرًا مر فتى بالرابعة عشرة من عمره فسارع أبو إياد لسؤاله: وين أبوك يا سمير؟ فأجاب دون أن يتوقف مكتفيا بإدارة رأسه نحوه: “لا أعرف.. سمعت أنه استشهد” ثم مضى في خطاه.

هكذا بدت صورة الحياة بالنسبة لفتى؛ نتيجة الدمار والرماد الذي يغطي كل ما هو حوله. وهكذا سينشأ جيل بعد عقدين تقريبا ليحمل إرثا من الصعب التخلي عنه.

مشهد ثالث: ليل خارجي – منطقة أخرى في المخيم.

الزمن: آواخر صيف 2021، قبل أيام من الخريف.

أمام حائط به صور ملصقة لعدة شهداء، يقف مجموعة من الملثمين ليعلنوا تشكيل “غرفة العمليات المشتركة”، التي تضم للمرة الأولى منذ سنوات الأجنحة العسكرية المحسوبة على حركات التحرير الوطني “فتح”، والمقاومة الإسلامية “حماس”، و”الجهاد الإسلامي” استعدادا لأي هجوم إسرائيلي على المخيم في عملية بحث عن اثنين من الأسرى الذين هربوا من سجن جلبوع، الأسبوع الماضي.

يقول أحدهم: “تم إعلان النفير العام في المخيم، كافة الفصائل على استعداد للقتال. سيرى الجيش الإسرائيلي ما لا يتوقعه في حال فكر ودخل المخيم (..) وسنحمي الأسرى بكل ما نملك”، ويضيف آخر “لا مجال للحديث مع إسرائيل سوى بالرصاص. مستعدون للقتال، لن نتراجع”.

في بقعة لا تتجاوز نصف كيلو متر مربع، حيث الكثير من الأبنية المتلاصقة والكثافة السكانية العالية والبنية التحتية المتدهورة والأوضاع الاقتصادية السيئة والبطالة المرتفعة، يُمكن أن تخلق الهندسة الاجتماعية الاستعمارية سجنا كبيرا يسد معه أي أفق لحياة هانئة.

وهنا يتحول مفهوم الحياة الكريمة إلى مقاومة المتسبب في ذلك، بلا خوف من حسابات الخسارة، فلا يوجد المزيد لتخسره لأنك خسرت الكثير بالفعل. وأي خسارة أخرى هي مراكمة هامشية، وأي انتصار يتحقق فهو مراكمة مركزية. البارود بالبارود وليس الحجارة في “ستالينجراد الفلسطينيين”، أو “جنين-جراد” مثلما وصفها ياسر عرفات يوما.

ونفق الحرية الذي حفره يوما 6 أسرى من سجن جلبوع، نمت زنابقه من بين شقوق جدران جنين ومخيمها، آخر بؤر المقاومة المسلحة في الضفة، و”عش الدبابير” و”عاصمة الانتحاريين”، مثلما تتشكل في ذهنية المحتل.

اقرأ أيضا – (رحلة إسراء 6 أسرى).

مجتمع المخيم

في مخيم جنين تمثل العلاقات الاجتماعية رابطا يتخطى العلاقات الفصائلية، فتتعاون كتائب “سرايا القدس” التابعة للجهاد الإسلامي، مع كتائب “شهداء الأقصى” التابعة لفتح، ورفقة كتائب “القسام” التابعة لحماس، ويشكلون معا غرفة عمليات مشتركة تنسق الجهود لردع الاحتلال عند دخوله المخيم. وهو ما لا يحدث تقريبا في أي مكان آخر.

ولكن كيف تشكّل المخيم أصلا؟ وما هي ديمغرافيته؟ يدعونا ذلك للعودة إلى عقد الخمسينيات حين هُجّر أهالي قرى قضاء حيفا وعين غزال وعين حوض والطنطورة وغيرها. وبُعيد رحيلهم عن سهل جنزور، مشوا بضعة كيلومترات وانتظروا في جنين ثم نصبوا الخيام ينتظرون يوم عـودتهم. لكن هذا لم يحدث إلى الآن.

وفي عام 1953 أقامت وكالة غوث اللاجئين “الأونروا” المخيم ضمن الحدود البلدية لمدينة جنين في جانبها الغربي، على تلة صـخرية بأطراف مرج بن عامر، حيث كان المكان حتى 1948 موقـع معسـكر لجـيش الانتداب البريطاني. وقد تغير اسم المخيم عدة مرات فمن “العودة” إلى “المحطة” (نسبة إلي محطة تركية للسكك الحديد في أسفل المخيم ولا تزال قائمة) إلى “جنين”، بحسب ما ذكرته دراسة “الخصائص العمرانية والتخطيطية للمخيمات الفلسطينية: حالة دراسية لمخيم جنين”.

وكانت النية آنذاك استيعاب نحو أربعة آلاف لاجئ فشيد المخيم على مساحة 372 دونما توسعت لاحقا لتبلغ 473 دونما، أضيفت إليها مساحات قليلة في التسعينيات، وهي مساحة لا تتجاوز نصف كيلو متر مربع ويصل عدد سكانها الآن إلى 22 ألفًا تقريبًا.

“بسبب قرب المخيم من القرى الأصلية لسكانه، فإن العديد من سكانه لا يزالون يحافظون على روابط وثيقة بأقاربهم داخل الخط الأخضر”. وكالة الأونروا

ووفقا للدراسة المذكورة، فإنّ أكثر من نصف سكان المخيم دون 15 عاما، وثلاثة أرباعه تقريبا أقل من 34 عاما، فيما يمثل معدل الزيادة السنوية 4% نتيجة ارتفاع نسبة الزواج والإنجاب، إذ إن 80% من الذكور متزوجون مقابل 25% من الإناث، ليصل الوضع أحيانا لمعدل كثافة نحو 20 شخصا في غرفتين.

إعادة إنتاج القرية

وتشير إلى أنه “بعد تخطي مرحلة اللجوء والرضا بالأمر الواقع بدأت مرحلة إعادة إنتاج القرية والمدينة الفلسطينية قبل عام 1948 فـي المخيم وهي أساس الحفاظ على الوحدة، فبدأ أهل المخيم بالتجمع على شكل حارات تربط بينها شبكة من الشوارع، بحيث انقسمت أحياء المخيم بشكل يتيح لأبناء العائلة الواحدة السكن في منطقة واحدة”، لتنسج العلاقات العائلية والعشائرية ثقلها داخل المخيم

وعلى الصعيد الاقتصادي، كشفت استطلاعات أن المشكلة الكبرى لدى 70% من السكان هي تأمين الطعام. ويعتبر المخيم مع منطقة الخليل الأفقر في الضفة، ولا يزال نحـو 20% مـن سكانه يتلقـون مساعدات طارئة مخصصة لحالات الفقر الشديد من وزارة الشؤون الاجتماعية ومن “الأونروا” ومنظمات أخرى غير حكومية. وتعادل نسبة البطالة في المخيم (ربع سكان المخيم) ثلاثة أضعاف نسبة البطالة في مدينة جنين.

ويوضح حسن العموري، رئيس اللجنة الشعبية لخدمات مخيم جنين، أن “البنية التحتية سيئة للغاية والشوارع لم تعبد من 30 سنة، بالإضافة لمشكلة الصرف الصحي”، وفيما يتعلق بالمؤسسات التعليمية يتواجد 4 مدارس للأونروا، اثنتان للذكور واثنتان للإناث، ما يخلق مدارس مكتظة للغاية، بحسب اعتراف الوكالة.

الانتفاضة الثانية.. ملحمة ومجزرة

10 أيام من القتال المحتدم أسفرت عن سقوط 53 فلسطينيا و23 جنديا إسرائيليا -منهم 13 في كمين واحد نصبه المقاومون- فيما وصفته منظمة العفو الدولية بأنه “جريمة حرب” و”قتل جماعي” متهمة إسرائيل بانتهاك قوانين حقوق الإنسان والقانون الدولي، وهي توصيفات لها تداعيات قانونية، لا تأت من فراغ.

وقد بررت أسباب التوصيف في: عدم إعطاء المدنيين تحذيرا أو وقتًا لإخلاء المخيم قبل أن تشن مروحيات الأباشي هجماتها الأولى. تقاعس جيش الدفاع الإسرائيلي عن حماية سكان المخيم لاسيما أنهم يحملون صفة الأشخاص المحميين بموجب اتفاقيات جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين. تنفيذ عمليات إعدام خارجة عن نطاق القضاء. عدم السماح طوال ثلاثة عشر يوما بتقديم المعونات الإنسانية العاجلة. وحرمان الجرحى من الحصول على المساعدات الطبية. الاستخدام المفرط للقوة المميتة واستخدام المدنيين كدروع بشرية. إساءة معاملة وإهانة المعتقلين وإلحاق أضرار واسعة بالممتلكات دون ضرورة عسكرية واضحة.

يُمكن لهذه النقاط أن تشرح مدى الجنون الذي أصاب الاحتلال بعدما منعهم مئات المقاومين من اقتحام المخيم عدة مرات، لتسقط هيبتهم وتتسبب في إقالة قائد الحملة على المخيم. ولكن لماذا مخيم جنين تحديدا دونا عن غيره؟

توضح لنا مقالة، نشرتها مؤسسة الدراسات الفلسطينية بعنوان: “تجربة المقاومة في مخيم جنين” أن المخيم “تحول إلى نقطـة تجمع للمطاردين من جانب قوات الاحتلال، وللمطلوبين من السلطة بناء على تعهدات أوسلو. وقد بدأت هذه الحركة منذ انتفاضة النفق سنة 1996. فمنذ ذاك الحين أخذ بعض العناصر المتمردة يجد مكانا آمنا في المخيم. ومع انفجار الانتفاضة الثانية تواصل هـذا الاتجاه وتسارع، بحيـث أصبح المخيم مـأوى لعشرات المطاردين والمطلوبين”.

وتضيف “تفاهمًا ما جرى بين السلطة والمطلوبين قضى بأن السلطة لن تلاحقهم إلى المخيم. إنه تفاهم غريب، لكنه حـدث على أرض الواقع. فكـل مطلوب من جانب السـلطة تحت الضغوط الإسرائيلية، يسـتطيع أن يذهب إلى المخيم دون أن يخشى اعتقال السـلطة له. وعليه تكون السـلطة وضعته، بإرادتها أو بغير إرادتها، خارج سلطتها. لقد صار منطقة لا تنطبق عليها القوانين ذاتها”.

اقرأ أيضا – (فلسطين: أمَّا بعد).

علاقة شك

يقول أحد المقاتلين الأسرى الذين خاضوا معركة المخيم حتى النهاية: “من تجربة الاجتياحات السابقة تكوّنت لدينا فكرة أن المكان الأكثر أمنا بالنسبة لنا هو داخل المخيم.. لم يكن أمامنا إلا أن نصمد لأن الخروج منه خطر”.

ومن الأسباب الأخرى التي ذكرتها المقالة أن المقاتلين كانوا على علاقة شك بل وعداء أحيانا مع أجهزة السلطة الأمنية، بجانب تكوّن مرجعية محلية لا تخضع لترتيب أوامر القيادات الهرمي، ووقوع المخيم في دائرة تتميز بوجود قوي للروح الدينية المجاهدة (المعقل الأكبر في الضفة لحركة الجهاد الإسلامي) الأمر الذي دفع بفكرة الاستشهاد إلى حدودها القصوى. ويذكر أحد الأسرى أنه من منطقة جنين خرج شعار “الشهيد هو القائد”، الذي جرى تعميمه في كل المناطق.

وأضف إلى ذلك الخبرة القتالية الكبيرة التي تمتع بها بعض قادة المقاومة من أمثال يوسف الريحان “أبو جندل”، وكذلك أمثال محمود طوالبة وزياد العامر ممن ابتدعوا تكتيكات قتالية جديدة كفتح ثغرات في البيوت والانتقال من خلالها، أو تفخيخ مواسير المياه والحنفيات، فيقول أحد المقاتلين: “تم تفخيخ المواسير والحنفيات الممتدة على جدران بيوت المخيم. كان الجنود يظنونها مواسير ماء فيقتربون منهـا دون حذر لحاجتهم إلى الجدران للاحتماء بها، وعندها يتم تفجيرها، وهي عادة ما تكون بمستوى رأس الجندي الذي يحتمي بالحائط”.

هذه التكتيكات أطالت أمد المواجهة وأحرجت الجيش الإسرائيلي. وعندما استسلم آخر المقاومين كان نحو 20 ألف جندي يراقبون مشهد الاستسلام، بحسب ما سردت المقالة.

“كل ما أعتقدت أنني أملكه من معلومات عن الأوضاع في فلسطين قد تحطم، فالمعلومات والصور شيء، والواقع شيء آخر، يجب أن تضع قدمك على الأرض لتعرف حقاً ما الذي جرى هنا.. يجب قرع أجراس العالم بأسره لكي يعلم أن ما يحدث هنا جريمة يجب أن تتوقف.. لا توجد أفران غاز، ولكن القتل لا يتم فقط من خلال أفران الغاز. هناك أشياء تم فعلها من الجانب الإسرائيلي تحمل نفس أعمال النازي. إنها أمور لا تغتفر يتعرض لها الشعب الفلسطيني”. الكاتب البرتغالي جوزيه ساراماجو بعد زيارة مخيم جنين

آخر بؤر المقاومة المسلحة في الضفة

مع قدوم محمود عباس إلى السلطة وتبنيه المقاربة الأمنية الإسرائيلية لما يجب أن تكون عليه العقيدة الأمنية لأجهزة السلطة، سرعان ما سعت تلك الأجهزة إلى تفكيك خلايا المقاومة في الضفة، وتحديدا في مخيم جنين. وبالتنسيق مع الجيش الإسرائيلي شنوا عدة حملات أمنية صادروا خلالها آلاف الأسلحة وألقوا القبض على أولئك الذين تحدوا السلطة والاحتلال معا. وللمفارقة فقد كان اسم تلك الحملة “البسمة والأمل”، وفقا لما تذكره دراسة “تجريم المقاومة: حالة مخيمي بلاطة وجنين“.

اقرأ أيضا– (الهندسة الأمنية في الضفة الغربية.. من النشأة إلى التنسيق).

ورغم حالة الضعف التي أصابت حركات المقاومة في الأعوام التالية إلا أنها استعادت بعضا من زخمها خلال الهبة الفلسطينية الأخيرة، وبرزت خصوصية مدينة جنين، بحيث شكّل تهديد فصائل المقاومة، خلال المؤتمر الصحافي الذي عُقد داخل المخيم، مؤشرا خطيرا للأجهزة الأمنية الإسرائيلية على توجُّهات تلك الفصائل داخل جنين، الأمر الذي عززته عمليات إطلاق النار المتكررة تجاه آليات الاحتلال وجنوده، كلما حاولوا اقتحام المخيم، وفقا لما يبينه الكاتب المختص في الشؤون الإسرائيلية حسن لافي.

ويكمل لافي “ترى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في مدينة جنين ومخيمها، التحدي الأكبر أمام نفوذ الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية، بحيث تفيد تقديرات جيش الاحتلال بأنه يوجد في المخيم عدة آلاف من قطع السلاح، ومخازن ذخيرة كبيرة، ناهيك بوجود مطلوبين مسلحين للأجهزة الأمنية للسلطة، من حركة فتح، لا يؤيدون السلطة الفلسطينية، من دون أن تكون لأجهزة أمن السلطة القدرة على ضبط الحالة الأمنية، كما يقتضي التنسيق الأمني”.

ويشير تقرير آخر إلى أن “بعد استشهاد الأسير المحرر، جميل العموري، من سرايا القدس، عقب مطاردته من قوات الاحتلال في جنين في يونيو الماضي على خلفية إنشائه خلية مقاومة لتنظيم الاشتباكات مع الاحتلال أثناء هبّة القدس وما بعدها، جزمت استخبارات الاحتلال بأنه مع اغتياله، ستواجه الخلية مصير الشتات. مرة أخرى، فشل العدو في تقديره، لتتحوّل جنين، لأسابيع تلت، إلى مصيدة كمائن تستهدف دوريات الاقتحام”.

“أوز في ميدان الرماية”

ويصف قائد فرقة المستعربين اشتباكات جنين، بالقول: “ذكّرتني باشتباكات لبنان. تحوّلنا إلى أوز في ميدان الرماية”، في إشارة إلى قرب مسافات الاشتباك (لا تتعدّى بضعة أمتار)، وكثافة النيران، بالإضافة إلى عنصر المفاجأة والسرعة.

ومنذ حرب غزة الأخيرة لم يدخل الاحتلال إلى مخيم جنين سوى مرتين، بفعل تصدي المسلحين، وفي المرة الثانية استعان بوحدات خاصة “مستعربين”، وهي العملية التي ارتقى فيها أربعة مقاومين، في شهر أغسطس الماضي. وروى مسؤول عسكري في وحدة خاصة أنهم حوصروا داخل الدوريات نحو ساعة وعشرين دقيقة؛ بفعل إطلاق النار عليهم من مسافة صفر وأمتار قليلة جدا.

ومع هروب الأسرى الستة من سجن جلبوع، في السادس من شهر سبتمبر الجاري، كان المخيم بانتظار أي منهم، إذ ينتمي الستة إلى مدينة جنين ومخيمها، وشن المقاومون عدة هجمات على حاجز الجلمة والمناطق المحيطة به في محاولة لتشتيت القوات الإسرائيلية.

هذا التحفز قابله تخوف إسرائيلي كبير دفع رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، أفيف كوخافي للقول إنه لا يستبعد شن عملية عسكرية على المخيم، مضيفا أنه إذا زاد حجم الهجمات التي تنطلق من مدينة جنين بشكل عام، أو المخيم بشكل خاص “فقد يكون من الحتمي أن تكون هناك عملية تطهير في هذه المنطقة”.

أعادت السلطات الإسرائيلية اعتقال أربعة من الأسرى الفارين، وبينهم القيادي زكريا الزبيدي ابن المخيم، لكنّ المخيم يتمنى أن يستطيع الأسيران مناضل نفيعات وأيهم كممجي الوصول لهم، بحسب ما يقوله أحد عناصر المقاومة، الذي أكد: “سنحمي الأسرى بأجسادنا وأطفالنا، وبكل ما نملك”.