تتجدد أزمة الأعلاف بين الحين والآخر في مصر، وتلقي بظلالها على أسعار اللحوم والدواجن. وتتذبذب الأسعار بين هبوط وصعود مفاجئ حيث تعتمد مصر على 90 من مدخلات الأعلاف على مكونات مستوردة من الخارج.

تخلق الأزمة حالة من عدم الاستقرار بين المنتجين والمربين وأصحاب المجازر الذين يتعرضون لضربات قاسية تعصف بمصدر رزقهم وتهدد الثروة الحيوانية ويلجؤون للتخلص منها ببيعها. الأمر الذي وصل إلى توقف المربين، خاصة الصغار منهم عن التربية لتخفيف الأعباء. على أمل تراجع أسعار الأعلاف.

هذا التوقف أو الانقطاع يحرم آلاف الأيدي العاملة من مصدر رزقهم الوحيد، ويدخل العديد من الأسر لاسيما في الريف ضمن صفوف العاطلين. وهي عملية إن طالت تهدد بالقضاء على الثروة الحيوانية المحلية وتضرب الاستقرار المادي لعديد من الأسر.

مشروع البتلو يواجه أزمة ارتفاع أسعار الأعلاف
مشروع البتلو يواجه أزمة ارتفاع أسعار الأعلاف

ويعمل بهذا القطاع آلاف من الفلاحين والعاملين بالقطاع الزراعي. كأحد الأنشطة التي تدر دخلا لهم وتعتبر مصدر رزق وحيد لأبنائهم من حاملي المؤهلات المتوسطة الذين يتزوجون ويعيشون في أسر مشتركة في مناطق نائية ومتطرفة في المحافظات، ولا يحصلون على وظائف يضمنون بها مصدر دخل.

يقدر حجم صناعة الدواجن في مصر بنحو 65 مليار جنيه. ويعمل بها حوالى 2.5 مليون عامل، يعملون في نحو 47 ألف مزرعة تقريبًا على مستوى الجمهورية. 70% منها تعمل فى مرحلة التسمين.

وتعد برامج إنتاج وتربية الحيوانات في الريف من المشروعات المنتشرة لسهولة تدبير رؤوس أموالها عن طريق معاونة الأسر لهؤلاء الأبناء أو عن طريق مشروعات إنتاج ” البتلو” التي تدعمها وزارة الزراعة وتعطي لها قروض بفوائد محدودة “5%” لتشجيع عملية الإنتاج للحد من الاستيراد. ضمن مبادرة المشروعات الصغيرة والمتوسطة لدعم المزارعين من المربيين في تقليل تكلفة التربية.

عجز عن السداد

لكن خلال السنتين الآخيرتين تعرض هذا القطاع لعدة أزمات متتالية بسبب ارتفاع أسعار الأعلاف. عرضتهم لخسائر فادحة وتهديدات بالحبس بسبب عجزهم عن سداد ديونهم التي تراكمت.

سيد عبد التواب، أحد المربين الصغار في محافظة الفيوم، يقول إنه يمتلك 4 أفدنة زراعية يعمل بها هو وأبنائه الذكور الثلاثة. مبينا أن عملية تربية المواشي وتسمين العجول هي حرفة ملازمة لمهنة الزراعة من القدم ورثها عن أجداده.

عبد التواب: اعتدت على تربية حوالي من 10 إلي 12 رأس من العجول لتحسين دخلنا. وكان المشروع يدر دخلا جيداً استطعت منه تجهيز أبنائي الاثنين الكبار وتزويجهم. والأن يعيشون معي في نفس المنزل ويعملون معي في الأرض. لكني اضطررت إلى التوقف عن تربية العجول بسبب ارتفاع تكلفة الإنتاج وغلاء الأعلاف.

أما ممدوح قرني مربي ماشية، فقال إن القطاع الحيواني في مصر يعاني منذ عامين من ضربات متتالية ليس فقط ارتفاع الأعلاف. إنما أيضا بسبب الفيروسات التي أصابت الحيوانات في العامين الآخرين. مثل الحمي القلاعية وحمي الوادي المتصدع وأدت إلي نفوق أكثر من ثلث الثروة الحيوانية.

يذكر قرني أن العام الماضي تعرض ما يقرب من 50% من ماشية مزارع تربية وتسمين العجول للنفوق. بسبب عدم وجود تطعيمات بالوحدات البيطرية وضعف الأمصال الموجود بالصيدليات البيطرية بسبب الغش التجاري.

لم يستطيع المربي أن يتعافى من آثار أزمة الفيروسات. حتى لحقتها أزمة ارتفاع أسعار الأعلاف التي أدت إلى عزوف الغالبية العظمي منهم عن المجازفة وتكرار التجربة خاصة. وأن اغلبهم لم يتمكن من سداد ثمن الأعلاف السابقة.

نظام الآجل

يضيف قرني أنه لا يمتلك رؤوس أموال لتمويل مشروعه كاملا. فيلجأ إلى سحب الكميات التي يحتاج إليها من مدخلات الأعلاف الجافة من التاجر بنظام ” الأجل” لحين انتهاج الدورة وبيع الحيوان وتسديده ديونه.

وأكد أن تراكم الديون علي الفلاحين لبنك التسليف وتجار الأعلاف جعلهم يتحولون إلي صفوف البطالة لأن التجار رفضوا منحهم كميات جديدة قبل تسديد مديونياتهم القديمة.

حمادة جمعة مربي حصل على قرض من بنك التسليف لتربية البتلو بضمان مؤهله. حيث إنه حاصل علي دبلوم صنايع. يروي مأساته قائلا: كنت شغال كويس لكن أزمة ارتفاع أسعار الأعلاف عرضتني إلى خسائر كبيرة لدورتين متتاليتين لم يتحقق لي خلالهما أي ربح، تمكنت بالكاد من سداد ديون تجار الأعلاف. لكني لم أتمكن من سداد قرض البنك، واضطررت الي بيع ذهب زوجتي والاستدانة من أقاربي لسداد الأقساط خوفا من التعرض للحبس.

وطالب حمادة بضرورة وضع حل سريع وفعال لارتفاع أسعار الأعلاف التي تهدد بفقر آلاف الأسر التي تعمل بهذه الحرفة حتى يتمكنوا من تلبية احتياجات أسرهم وسداد مديونياتهم.

لجان ثلاثية

يتقدم المربى الراغب في الحصول على قرض لإنتاج البتلو. لتبدأ إجراء معاينات ميدانية على الطبيعة لمكان إقامة المشروع من خلال لجان ثلاثية مشتركة من مديرية الزراعة والطب البيطري. والبنك الزراعي المصري. وعند التأكد من أن المشروع حقيقي والحاجز جاد في عمله يتم صرف 50% من القرض فوراً وتتم محاسبة المربى أو الشركة على الرأس بـ 10 آلاف جنيه بالإضافة إلى 5 آلاف جنيه تغذية لكل رأس.

ويري حسين أبو صدام نقيب الفلاحين. أن الدولة اتخذت إجراءات جيدة في مشروع إنتاج اللحوم الحمراء لتقليل الفجوة بين الاستهلاك والإنتاج، لتقليل الاستيراد.

يلفت إلى أن حجم الاكتفاء الذاتي لمصر من الانتاج المحلي يبلغ 55%. وتستهدف الدول رفعه بنهاية العام الحالي الي 6% لكن أزمة ارتفاع الأعلاف تهدد بضرب أهداف المشروع بسبب عزوف الغالبية من المرين عن عمل دورات للإنتاج حاليا سواء من الحاصلين علي قروض أو ممن يربون برؤوس أموالهم الخاصة من المزارعين البسطاء.

نقيب الفلاحين يطالب بتدخل الدولة لدفع المربين للاستمرار والبقاء في الإنتاج وتحفيزهم ووضع آليات من شأنها خفض أسعار الأعلاف وهي أهم مكون وعامل في عملية التربية.

 

آليات التحسين

من هذه الآليات، بحسب أبو صدام. العمل على إنشاء مصانع لإنتاج الأعلاف باستغلال المخلفات النباتية. وتحويلها إلى أعلاف كتحويل قش الأرز خاصة مع زيادة المساحة المزروعة أرز هذا العام.

أيضا الاتجاه لتحفيز وتشجيع المزارعين. على زراعة المحاصيل العلفية كالقطن والذرة والبونيكام وتجريم ذبح إناث الماشية وتفعيل القوانين الخاصة بذلك مع تشديد الرقابة على محلات الجزارة.

وطالب أبو صدام بتنظيم عملية الاستيراد والحد منها والتركيز على الاستيراد لتحسين السلالات، كاستيراد العجلات العشار والسلالات التي تتمتع بمواصفات مطلوبة كسرعة التحويل لإنتاج اللحم .

كما طالب عبد الرحمن على بالتيسير على أصحاب حظائر الإنتاج الحيواني من الحاصلين علي قروض من بنك التسليف الزراعي. وتأجيل سداد ديونهم للخروج من أزمة ارتفاع أسعار الأعلاف التي تعرضهم للخسائر ولا تحقق هامش ربح يمكنهم من سداد الأقساط المستحقة في مواعيدها. والحد من الروتين مع ضمان تسويق منتجاتهم بأسعار بها هامش ربح جيد لتحفيزهم علي الاستمرار.

عدد كبير من المربين والفلاحين لجوء للتخلص من مواشيهم بالبيع لارتفاع تكلفة التربية بصفة عامة. وارتفاع أسعار الأعلاف بصورة جنونية وأسعار الرعاية البيطرية الخاصة، ارتفعت أسعار الأدوية بصورة كبيرة وأسعار الأمصال وأجرة الطبيب البيطري.

أسعار الأعلاف

وبين أبو صدام ارتفاع أسعار مدخلات الأعلاف الحيوانية. حيث وصل سعر التبن الأبيض 1800 جنيه، تبن البرسيم 3000 جنيه، والردة 4100 جنيه، الذرة الصفراء تتراوح من 4500 الي 5000 جنيه وفول الصويا 9000 جنيه.

وأرجع الدكتور عبد العزيز السيد، رئيس شعبة الدواجن بالغرف التجارية ارتفاع أسعار الأعلاف محليا إلى الزيادة التي طرأت عليها في البورصات العالمية. وتخزين الصين ملايين الأطنان لتلبية احتياجاتها من الذرة الصفراء، قبيل تداعيات فيروس كورونا.

وعن أسباب تراجع إنتاج اللحوم. قال عبد العزيز إن هناك حالة عزوف كبير من جانب المربين عن التربية بسبب الخسائر التي تعرضوا لها.

وأرجع رئيس الغرفة أسباب تراجع الإنتاج إلي ارتفاع أسعار الأعلاف حيث تعتمد 90% من مدخلات الأعلاف علي الاستيراد.

وتوقع السيد أن يصل سعر طن الذرة إلى 10 آلاف جنيه. خاصة بعد نقص المعروض حاليا بالأسواق. وتعاقد الصين مع أمريكا على أكثر من ثلث محصولها من الذرة الموسم القادم، مطالبا بضرورة وجود حل فورى لمواجهة النقص الحالي في المعروض من الأعلاف وزيادة أسعاره المستمرة.

ارتفاع الأسعار وركود الأسواق

تجددت أزمة ارتفاع أسعار اللحوم خاصة بعد عيد الأضحى. رغم شكاوي شعبة القصابين في الغرفة التجارية من حالة ركود كبيرة وصلت إلي نسبة 70% مع ذلك تواصل الأسعار ارتفاعها.

ورصد تقرير الغرفة التجارية ارتفاع أسعار اللحوم البلدية لدى الجزارين بجميع أنواعها بين ١5 إلى ٢٠ جنيها منذ بداية الشهر الجاري.

كما واصلت أسعار اللحوم المستوردة ارتفاعاتها بين 13 إلى 20 جنيها للكيلو ليتراوح السعر من 800 لـ 1300 دولارا للطن من اللحوم الهندية والبرازيلية. ما جعل ثمن الكيلو بـ٧٥ جنيها بدلا من ٦٤ جنيها للهندي .والبرازيلي ٨٥ جنيها مقابل ٧٠ جنيها الشهر الماضي والكبدة المستوردة ٥٠ جنيها بدلا من ٤٠ جنيها.

ارتفاع أسعار اللحوم المستوردة
ارتفاع أسعار اللحوم المستوردة

كما انعكس ارتفاع  أسعار اللحوم سلبا علي أسعار اللحوم السودانية. حيث ارتفعت من 85 لتصل إلى 97 جنيها للكيلو.

وأرجعت الغرفة أسباب ارتفاع المستورد إلى تراجع كبير في استيراد اللحوم بعد أزمة كورونا. وتخفيض الحصص الاستيرادية بواقع 70% منها بالإضافة إلي العامل الأساسي وهو ارتفاع الأعلاف. بالإضافة إلى ارتفاع النولون وانخفاض الإنتاج العالمي للبروتين الحيواني والداجنة.

قلة المعروض

من جانبه، يقول هيثم عبد الباسط نائب رئيس شعبة القصابين بغرفة القاهرة التجارية إن أسعار اللحوم ارتفعت في الأسواق بعد عيد الأضحى بين 10 جنيهات و20 جنيهًا للكيلو باختلاف نوعه.

وأرجع هيثم ارتفاع اللحوم إلى زيادة سعر الأعلاف في الأسواق. إضافة إلى قلة المعروض في الأسواق بسبب كثرة الذبائح في عيد الأضحى. واتجاه المستهلك الي الدواجن لمواجهة ارتفاع أسعار اللحوم.

ويبين هيثم عبد الباسط أن سوق اللحوم يتحكم فيه عنصر التكلفة كالأعلاف والرعاية. واللقاحات وأجور العاملين، والكهرباء والخدمات والحلقات الوسيطة وارتفاع أسعار النقل.

حجم الاستهلاك

وذكر هيثم أن حجم استهلاك السوق المصرية من اللحوم يبلغ نحو 1.2 مليون طن سنوياً يتم الاعتماد على 50% من المستورد. منوها بأنه رغم ارتفاع أسعار اللحوم. إلا أن حركة الطلب ضعيفة خاصة بعد الخروج من عيد الأضحى.

وأوضح هيثم عبد الباسط أن قلة المعروض في الأسواق بسبب ضعف القوة الشرائية للمواطنين خلال الفترة الحالية. وأيضا خلال موسم العيد في ظل اتجاه المواطنين للمجمعات الاستهلاكية ومنافذ القوات المسلحة.

محاولات لتقليل الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك
محاولات لتقليل الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك

وأشار إلي أن عددا كبيرا من الجزارين البلدي يشترون اللحوم المستوردة خاصة منطقة الكتف وتسييحها. وبيعها للمواطنين على أنها لحوم بلدية مستفدين بفارق السعر بعد ارتفاع تكلفة اللحوم البلدية.

نائب رئيس شعبة القضابين: الأسباب الحقيقية وراء القفزات غير المسبوقة في أسعار اللحوم. يعود  إلى ارتفاع تكلفة الشحن ووجود مشكلة بين شركة حلال وبين المجازر. وفرض شروط قاسية على توريد اللحوم. حيث يعمل الآن 3 مجازر فقط من جملة 20 مجزرا بطاقة إنتاجية 50%.

أما محمد ريحان عضو الغرفة التجارية وأحد الجزارين في منطقة السيدة زينب قال كان من المتوقع أن تزيد أسعار اللحوم خلال عيد الأضحى بسبب الإقبال علي عملية الشراء لكن حدث العكس حيث ارتفعت أسعار اللحوم بعد العيد بواقع 20 جنيها في الكيلو للمذبوح.

أما عن أسعار الرؤوس الحية “القائم”، فقال: ارتفع الكيلو من 50 إلي 60 للأبقار الإناث والذكور من 60 إلي 70 جنيها كما قفز الضأن من 60 إلي 70 جنيها للكيلو.

جهود الدولة في إصلاح القطاع

وتبذل الحكومة مؤخرا جهودا للارتقاء بقطاع الثروة الحيوانية وتقليص الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك. من خلال ضخ أكثر من 3 مليارات جنيه في قطاع الثروة الحيوانية. بقروض ميسرة لزيادة الإنتاج، كما تم ضخ 700 مليون جنيه في مشروع البتلو.

وأعلن مجلس إدارة المشروع القومي للبتلو برئاسة الدكتور السيد القصير وزير الزراعة. عن تمويل جديد للمشروع بقيمة 50.5 مليون جنيه يستفيد منها 274 من صغار المربين والمزارعين لشراء وتغذية 2557 رأس ماشية مستوردة محسنة وراثياً سريعة النمو. لتسمينها ضمن المشروع القومي للبتلو لتوفير كميات من اللحوم المحلية لتضييق الفجوة بين الاستهلاك والإنتاج تصل إلى ٦٥% بنهاية العام الحالي.