قبل نحو ثلاث سنوات لم يكن الجمهور المصري والعربي يعرف عن فن «الراب». سوى أنه طريقة غناء شبابية مستوردة من الغرب.

كان الراب في نظرة المجتمع يمثل مظهرا لثقافة غربية بعيدة كل البعد عن الشارع الفني المصري والعربي.

خلال تلك الفترة نجحت مجموعة من الشباب في توطين فن الراب ومزجه مع فن المهرجانات ليظهر فن جديد حمل اسم «التراب». ليسطر تاريخا جديدا من الفن النابع من الشارع ويبسط سيطرته على المسارح والحفلات الصيفية ذائعة الصيت.

على الرغم من أن التراب استفاد بالمزج الحاصل بين المهرجان والراب. إلا أنه أوجد لنفسه خطا واحدا وفاصلا بينه وبينهما. ونجح خلال فترة وجيزة أن يخلق حالة جديدة خاصة لا يمكن الخلط بينها وبين المهرجان ولا يمكن كذلك فصلها.

في الوقت ذاته، بدأ المهرجان يتراجع خطوات عديدة للخلف. أزمات ومناوشات وخلافات شغلت مؤدي المهرجانات وشغلتهم عن جمهورهم، فيما استثمر الرابر المصري تلك الحالة الرافضة للمهرجانات رغم تواجدها وإثبات حقها في الوجود.

خلافات المهرجان للسقوط.. وخلافات الراب للصعود

 «أنا داخل المهرجان عشان أخده لحتة تانية، عايز كل الناس والشرايح تسمع مهرجان من غير كسوف ولا إحراج».. عمر كمال مغني مهرجانات.

يبدو أن «عمر كمال» ظن أنه سيمثل دور المنقذ، لكنه لم يكن يدرك أنه سينسحق وسط خلافات عشوائية بين مؤدي المهرجانات وبعضهم البعض.

مطرب المهرجانات عمر كمال
مطرب المهرجانات عمر كمال

غاص عمر في «الخناقات» وانسحق بين دوائر المهرجانات، فيستيقظ على خلاف وينهي يومه على آخر.

على الجانب الآخر. كان «التراب» في مصر يزيد من تطوره، الخلافات التي تحدث داخل الرابر في مصر يحولونها إلى وقود ليزيد من قوة دفع الرابر إلى القمة أكثر فأكثر.

قبل نحو ثلاثة أشهر، وقع خلاف بين أعمدة الراب في مصر (ويجز، أبيوسف، عفروتو، مروان موسى)، ظل الأربعة في تراشقات ومناوشات «غنائية». زادت من نسبة انتشارهم دون أن تخصم من رصيد أحدهم. أصدر كل منهم «تراك» أو أكثر، حققت تلك التراكات ملايين المشاهدات. وتناقلت الأزمة وسائل الإعلام المختلفة صحف ومواقع وبرامج توك شو.

الخلاف داخل عالم الراب يبدو أمرا طبيعيا، وعرف الرابر في مصر كيف يتعاملون معه مع تجنب الخسائر أو الوقوع في المحظور.

فلسفسة الرابر

يبدو جليا أن مؤدي المهرجانات يرغبون بشدة في إثبات أنفسهم على الساحة الفنية. حالة الرفض والتجاهل التي يواجهونها زادت من رغبتهم في أن يصلوا إلى المساحة الدافئة في المجال. يظهرون في البرامج ويقفون على المسارح ويؤدون أغانيهم دون أن يشعر أحد أنهم بعيدون عنهم، وأن الفئة المستهدفة لذلك الفئة هي الفئة الدنيا في المجتمع.

على العكس بالنسبة لـ«الرابر»، منذ بداية تواجدهم على الساحة. عمدوا إلى خلق مساحة خاصة لهم لا ينافسهم أحد فيها.

لم يسع الرابر في مصر إلى إثبات جودتهم سواء للنقابة أو للجمهور. هم يعرفون الفئة المستهدفة ويقدمون ما تحتاجه ولا يسعون إلى ما هو أكثر. يستمرون في تقديم فنهم الخاص وبدأت قماشة الجمهور تتسع شيئا فشيئا.

يبتعد الرابر في مصر عن الظهور الإعلامي بشكل كبير والتعرض لتساؤلات حول قيمة ما يقدمونه، وهل يعد حالة من حالات الابتذال.

 ابتعد الرابر عن تلك الكليشيهات ولم يخوضوا عراك أو منافسة على كونهم يصلحوا للظهور على المسارح ويقيمون في الاستديوهات من عدمهم. بل كانت خلافاتهم دوما من الأفضل والأكثر صيتا وجودة.

خلق الرابر في مصر مساحة خاصة، شركات إنتاج خاصة، وبرامج مصورة خاصة، يقدمون فيها الجانب المظلم والمضيئ من شخصياتهم. لا ينفكون في التباري بين بعضهم البعض بصاحب الجودة الأكثر تفوقا. هم فقط يعرفون ما يحتاجه الجمهور وكيف يقدمونه، يملكون فلسفة خاصة، سواء في طبيعة الكلمات والرسائل التي تحويها أو في نوع الموسيقى التي يقدمونها، هم لا ينظرون إلى الفنون الأخرى ويعقدون المقارنة، فلا يشعرون بالدونية ولا الاغتراب عن واقعهم.

الأمر بالنسبة للمهرجانات مختلف تماما، تعرضوا في بدايتهم إلى هجوم ولقلة خبرتهم وجرأتهم كذلك فشلوا في التملص من الخلافات للالتفات إلى الفن وتطويره، بل أصيبوا بهوس الإنكار من الجميع، ولم يتطوروا مع شخوصهم الفنية الجديدة، فقط انجرفوا وراء الحصول على اعتراف بأنهم مغنون ويقدمون فنا يستحق الاحترام والتقدير.

نقابة الموسيقيين.. الحلم المنشود

بشكل حثيث، سعى مؤدو المهرجانات ليحصلوا على صك عملهم بالفن من النقابة التي تنظر لهم بشكل دوني واضح، ما بين رفض ومنع ووقف كانت تحركات النقابة في تأديب المهرجانات.

لعل الأزمة الأخيرة للمطرب حسن شاكوش ورضا البحراوي الأقرب إلى الذهن، حصل الأول على منع من الغناء فيما تم إيقاف الثاني لمدة شهرين عن العمل.

على الجانب الآخر، لم يلتفت الرابر إلى نقابة الموسيقيين. البداية كانت في تصنيف النقابة لهم ضمن فن «المونولج» دون الإشارة إلى أنهم يقدمون فنا من نوع خاص. ويرفض الرابر هذا التوصيف ويطلبون أن يتم دمجهم ضمن الفنون والموسيقى المختلفة.

تجاوز الرابر تلك الأزمة ولم يعد لها وجود. ابتعدوا عن التصنيف الذي تمنحه النقابة والتفتوا لتوصيفات الجمهور أكثر.

 نجح الرابر في توسيع مساحتهم فوجدوا لأنفسهم موقعا في الإعلانات والأفلام وبرامج التوك شو. في حين تراجع أسهم المهرجانات وباتت مجرد فن أثبت نفسه ويحتاج إلى نقلة جديدة.. ترى من يدفع المهرجان إلى القمة من جديد؟

الماضي عندما يتحكم في المستقبل

خلال السنوات الأخيرة، بدأ الرابر في التواجدة بقوة. ورأينا نجوم السين راب في مصر يظهرون في إعلانات كبرى الشركات. حيث اعتمدت شركة مياه غازية وشركة رقائق بطاطس، على أبيوسف ومروان بابلو في أحد إعلاناتهم.

فيما شارك مروان موسى في الأغنية الافتتاحية لكأس العالم لكرة اليد. كما ظهر ويجز في الأغنية الترويجية لفيلم الغسالة. في الوقت ذاته لم يتحرك مؤدو المهرجانات في مساحة غير الفئة الأقل من حيث الجودة. وكذلك تم إذاعة الإعلانات التي شاركوا فيها على القنوات الأقل جودة وقيمة بين الفضائيات.

كالعادة تفوق الرابر على المهرجانات في سوق الإعلانات. من يظن أن الأمر يسير بشكل عشوائي فهو لا يعلم خلفيات الرابر في مصر والثقافة التي انتجتهم. إلى جانب خلفياتهم الاجتماعية التي تتحكم في مستقبلهم.

«أنا كنت عايش في حي شعبي، وبروح مدرسة لغات، برجع المنطقة بتكلم عربي على انجلش، فكانوا بيشوفوني فرفور، ولما كنت بروح المدرسة ودواير الأصدقاء كنت بكون الشبح الليس في القعدة فكانوا بيشوفوني عشوائي».. مروان بابلو.

مروان بابلو
مروان بابلو

بالرغم من عدم انحدار معظمهم من مستوى اجتماعي عال، إلا أنهم تلقوا تعليما جيدا، سمح لهم بالتعرف على ثقافات أخرى مختلفة، بل ويفهمونها ويعرفون قواعدها، على عكس مؤدي المهرجانات الذين عانوا من ضعف التعليم، بل إن بعضهم واجهه أزمة كبيرة في دخول النقابة لعدم حصولهم على أي قدر من التعليم.

يتحكم الماضي في مستقبل المهرجان، فلا يمكن فصل الماضي عن طريقة رسم المستقبل، على عكس الرابرز الذي فضلوا أن ينقلوا ويضيفوا لمسة خاصة على الفن الذي يقدمونه، فيما حارب مؤدو المهرجانات لإثبات أنهم يستحقون الفرصة التي منحت لهم.