تسعى حركة النهضة لحلحلة الأزمات التي تحاصرها، مؤخراً، في تونس، خاصة بعد القرارات الدستورية التي اتخذها الرئيس التونسي قيس سعيد. ونجم عنها تعطيل البرلمان الذي يسيطر على غالبية عناصر الحركة الإسلاموية بقيادة راشد الغنوشي.
وبينما تحاول، الحركة، مجدداً، تشكيل مناورات تكتيكية عديدة، وفرض أوراق ضغط متفاوتة، لجهة الاندماج مع القوى الوطنية والسياسية بعد إزاحتها ونبذها. ومن بينها الدعوة للانفتاح على “حوار” مجتمعي وسياسي، غير أن الاتحاد العام التونسي للشغل رفض الاستجابة لذلك.
وصعدت الحركة التي تعد فرع تنظيم الإخوان في تونس من لهجتها وكذا تحركاتها ضد المسار السياسي الذي اتخذه الرئيس التونسي. كما ألمحت إلى “الاستقواء بالخارج”، عبر ممارسة الضغوط بواسطة أطراف دولية، الأمر الذي تصدت له الأحزاب التونسية بشدة، وكذا مؤسسة الرئاسة.
واللافت أن القيادي المستقيل من حركة النهضة رضوان المصمودي، رد على تغريدة لوزير الخارجية الأمريكي، يطالبه فيه بضرورة تجميد كافة المساعدات الإنسانية المخصصة لتونس، وتحديداً ما يتصل باللقاحات المضادة لفيروس كورونا.
مطلع الأسبوع، أوضح بيان للرئاسة التونسية، أن الرئيس التونسي يؤكد أثناء لقاءاته مع سائر الوفود الأجنبية أن “تونس دولة ذات سيادة والسيادة فيها للشعب. ولا مجال للتدخل في اختياراتها التي تنبع من الإرادة الشعبية”.
وشدد البيان الرئاسي على أن “تونس لا تقبل أن تكون في مقعد التلميذ الذي يتلقى دروسا ثم ينتظر بعد ذلك العدد الذي سيتم إسناده إليه أو الملاحظة التي ستدوّن في بطاقة أعداده”.
وأردف: “سيادة الدولة التونسية واختيارات شعبها لم تطرح أصلا في النقاش ولن تكون موضوع مفاوضات مع أي جهة كانت”.
تعزيز المسار الديمقراطي
وفي أعقاب زيارة الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، لتونس، حيث التقى الرئيس قيس سعيد. فقد أكد الأخير أن “هذه التدابير ستتلوها خطوات قادمة لتعزيز المسار الديمقراطي في البلاد”، كما لفت إلى “تمسك تونس القوي بمواصلة تدعيم شراكتها الاستراتيجية مع الفضاء الأوروبي. وإيمانها الراسخ بقيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ودولة القانون التي تتقاسمها مع الاتحاد الأوروبي”.
وبدوره، قال الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل بعد لقائه سعيد، إنه حرص على زيارة تونس في هذا الوقت المهم لفهم ما يحصل. وليثبت أنها شريك مهم للاتحاد الأوروبي في جميع الميادين ذات الاهتمام المشترك. وأضاف: “الاتحاد الأوروبي منخرط أكثر مع الشعب التونسي والسلطات التونسية لدعم خياراتها في بناء ديمقراطية دائمة وفعالة وديمقراطية في خدمة الشعب”.
وأردف بوريل: “دونت الرسالة التي تلقيتها من الرئيس قيس سعيد وسأشارك هذه الرسالة مع زملائي في مجلس الوزراء والمفوضية والبرلمان الأوروبي ومع جميع زملائي في المؤسسات الأوروبية”.
وخلال الأسبوع الماضي، طالب سفراء دول مجموعة السبع بضرورة “سرعة العودة إلى نظام دستوري” يتعين فيه البرلمان المنتخب على القيام بـ”دور بارز”، وذلك وفق بيان صادر عن سفارة بريطانيا. كما أكدوا “الحاجة الماسة لتعيين رئيس حكومة جديد حتى يتسنى تشكيل حكومة مقتدرة تستطيع معالجة الأزمات الراهنة التي تواجه تونس على الصعيدين الاقتصادي والصحي”. معتبرين أن ذلك من شأنه “أن يفسح المجال لحوار شامل حول الإصلاحات الدستورية والانتخابية المقترحة”.
وعليه، دان الأمين العام للاتحاد، نور الدين الطبوبي “الاستقواء بالأجنبي”، وتابع: “لا يمكن الاستقواء بالقوى الخارجية للتدخل في الشؤون الخاصة للبلاد التونسية”، مضيفا: “نحن شعب واع بقراراته ولا يستهان به”.
أهمية الحوار الوطني الشامل
بيد أن حركة النهضة حذرت مما وصفته “خطورة النزعة الأحادية في التعاطي مع القضايا الوطنية الكبرى”. وقالت في بيان، مطلع الأسبوع، إن “الدستور مثل أساساً للشرعية الانتخابية لكل المؤسسات التنفيذية والتشريعية الحالية، وحظي بتوافق جل العائلات السياسية ورضاء شعبي واسع”. وأكدت على “أهمية الحوار الوطني الشامل واعتماد المقاربات التشاركية في إصلاح الأوضاع واستكمال بناء المؤسسات الدستورية من داخل الدستور”.
لكن الاتحاد العام التونسي للشغل الذي وقف على النقيض من دعوات النهضة وتحركاتها الأخيرة، واعتبرها مجرد حيل لإنهاء وضعها السياسي المأزوم. لا سيما وأنها سبق وعطلت مبادرات القوى الوطنية لإنهاء الأزمة التونسية عندما كانت في موضع التمكين والسلطة. ودعا الاتحاد النقابي الرئيس التونس لعرض رؤيته حيال المرحلة القادمة في أقرب بهدف عدم إهدار أي فرصة لبناء دولة حديثة.
ووجه الأمين العام للاتحاد، خلال تجمع نقابي بمحافظة نابل، حديثه للرئيس التونسي، بينما طالبه بضرورة “الإسراع في طرح رؤيته للمرحلة القادمة وشرح أهدافها للرأي العام ورفع الضبابية عن المشهد الحالي حتى لا تتعطل دواليب الدولة أكثر ولا تتوقف مصالح البلاد”.
وانطوت الخارطة، المقترحة من قبل الاتحاد، على أربعة محاور كبرى تتعلق بالجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والصحية ومكافحة الفساد، ونصت على الإجراءات والإصلاحات المقترحة والأطراف المعنية بها.
حكومة مصغرة
ومن الناحية السياسية، اقترح اتحاد الشغل تكوين “حكومة مصغرة ومنسجمة في أقرب وقت. تتكون من كفاءات وطنية غير معنية بالانتخابات القادمة، وتحديد سقف زمني للإجراءات الاستثنائية والحسم النهائي في مصير البرلمان لتأمين عودة السير الطبيعي لدواليب الدولة”.
ويضاف لذلك “وضع هيئة استشارية وطنية تتولى تحديد إطار قانوني ومجتمعي تشاركي يشمل أساساً النظامين السياسي والانتخابي والدستور. وشدد على ضرورة محاسبة الفاسدين وتطبيق القانون على الجميع وإجراء إصلاحات لإنقاذ الاقتصاد”.
دعا الاتحاد، وفقا للخارطة المقترحة، إلى ضرورة إحالة التقرير العام للمحاسبات حول نتائج مراقبة تمويل حملات الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لسنة 2019 للسلطة القضائية، المختصة، وذلك قبل نهاية هذا الشهر، بغية تحديد أسس الشفافية ومحاربة الفساد السياسي والجرائم الانتخابية وتكريس ثقافة القانون والمؤسسات.
وعرجت الخارطة على الوضع الاقتصادي والاجتماعي، وخلصت في رؤيتها لهذا الملف الحيوي بـ “إطلاق إصلاحات اقتصادية عاجلة من أجل إنقاذ الاقتصاد. وبلورة الخطوط العريضة لقانون المالية التكميلي لسنة 2021 وقانون مالية 2022 من أجل تعبئة استثنائية للموارد المالية اللازمة لاستكمال سنة 2021 والمقدرة بـ13 مليار دينار”. وشددت على “أهمية المتابعة العملية لتقرير التفقدية العامة لوزارة العدل من أجل البت الهائي في موضوع الاغتيالات السياسية، وعلى وضع آليات جديدة لضمان نفاذ القانون على الجميع دون استثناء ودون حصانة”.
نظام مؤقت للسلطات
وبينما قال مستشار رئيس الجمهورية وليد الحجام، إن “هناك ميلا لتعديل النظام السياسي في تونس ربما عبر استفتاء، وإنه يُفترض تعليق الدستور وإصدار نظام مؤقت للسلطات”. مضيفا أن “ملامح خطة الرئيس في مراحلها الأخيرة ومن المتوقع الإعلان عنها رسميا في وقت قريب”، فقد أكد الرئيس التونسي قيس سعيد أنه يستعد لتعديل دستور البلاد، لكن بشرط الالتزام بالآليات واطرق الدستورية القائمة.
وبحسب المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، فإن المشكلة الأساسية بتونس تتمثل في وجود نظام انتخابي ونظام سياسي هجين لم ولن يفرز سوى التنافس وتنازع الاختصاصات بين رئيسي الدولة ورئيس السلطة التنفيذية. وبين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وبسبب هذا النظام فكل الحكومات التي يفرزها ستكون هشة وغير مستقرة. ولن تكون لها أي قدرة على الصمود، وسرعان ما ستنهار بمجرد نشوب خلافات بين مكوناتها.
ويضيف: “يعتمد النظام الانتخابي التونسي على نظام القائمة النسبية، مع اعتماد أكبر البواقي (جمع باقي)، أي أن الانتخابات تتم على مستوى كل دائرة. حيث يتم فيها حصر إجمالي عدد الأصوات التي تتحصل عليها كل قائمة في الدائرة ليقسم على عدد المقاعد في تلك الدائرة الانتخابية. ويقوم النظام السياسي على نظام تشاركي يحد من هيمنة رئيس الجمهورية ويعطي للحزب الحاصل على أغلب مقاعد البرلمان الحق باختيار رئيس الحكومة. ويوزع الحكم بين رأسي السلطة التنفيذية. ويترك بعض الصلاحيات غير واضحة مما يخلق أزمة بينهما. وقد جاء هذا النظام السياسي نتيجة توازنات أفرزتها الانتخابات الماضية، وأيضا نتيجة اقتناع حركة النهضة، المؤثرة في الحياة السياسية التونسية. أنه لن يكون في استطاعتها انتزاع المنصب الرئاسي لصالحها؛ لكنه لم يأخذ في الحسبان الأزمات التي قد تظهر داخل السلطة التنفيذية، مما أدى مع أول صدام إلى تعارض في المواقف وتعطيل دواليب الدولة”.