بعد أيام من إطلاق الرئيس عبد الفتاح السيسي. الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان. التي تهدف لمعالجة الأزمات التي يشهدها هذا الملف. أصدر المستشار علي مختار الرئيس بمحكمة استئناف القاهرة. قاضي التحقيق المنتدب في القضية رقم 173 لسنة 2011 المعروفة بالتمويل الأجنبي. أمرا بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية ضد 4 كيانات جديدة، لعدم كفاية الأدلة.
والقرار الأخير هو واحد من سلسلة قرارات أصدرها قاضي التحقيقات في القضية خلال الشهور الماضية، بألا وجه لإقامة الدعوى بحق 71 كيانا حقوقيا، وهو يراه كثيرون بأنه مؤشر قوي على وجود اتجاه لتفكيك هذه القضية المثيرة للجدل.
وتضمن القرار الأخير. مركز أندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف. ومركز دار المستقبل الجديد للدراسات الحقوقية والقانونية. وجمعية التنمية الانسانية بالمنصورة. والمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
وتضمن القرار رفع أسماء من تضمنهم الأمر من قوائم الممنوعين من السفر وترقب الوصول. وقوائم المنع من التصرف في أموالهم سائلة كانت أو منقولة. دون المساس بأي وقائع أخرى قد تكون محلا للتحقيق سواء بالقضية الحالية أو غيرها من القضايا.
71 كيانا
وأوضح المستشار علي مختار أنه بصدور هذا القرار يكون عدد المنظمات والجمعيات والكيانات التي صدر لها أمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية بشأنها. 71 كيانا كان قد اتهم فيها ما يقرب من 200 شخص. منذ أن تولى التحقيق في هذه القضية.
وقال قاضي التحقيق. إن التنمية المستدامة وترسيخ مفاهيم التكافل الاجتماعي وحقوق الإنسان هي مفاهيم لها متطلباتها التي لا تستقيم دونها، فالمساواة ومبدأ تكافؤ الفرص والحق في التعليم والصحة وحماية البيئة والقضاء على الفقر. وغيرها من الحقوق لا يمكن أن توضع موضع التنفيذ دون أن تضطلع عليها وتحميها مؤسسات بالدولة ومجتمع مدني يتسمان بالشفافية والنزاهة وعلى قدر من الكفاءة.
وكان قاضي التحقيق أصدر قرارا في أغسطس الماضي برفع أسماء عدد من الحقوقيين المدرجين في القضية من قوائم الممنوعين من السفر، ورفع الحظر على الأموال السائلة والمنقولة. ومن بينهم عزة سليمان ونجاد البرعي، وإسراء عبد الفتاح، وحسام الدين علي، وأحمد غنيم. والممثلون عن جمعيات المجموعة المتحدة محامون مستشارون قانونيون واقتصاديون، ومحامون من أجل العدالة والسلام، والجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية، والمعهد المصري الديمقراطي.
وقائع القضية.. التمويل الأجنبي بئر النشطاء
ولسنوات طويلة، ظلت القضية 173 بئرا كبيرا تٌسقط فيه الحكومة كل من يشتبه في حصوله على تمويل أجنبي لممارسة عمل سياسي، سواء كان تحت غطاء حقوقي أو تنموي. لذا كانت إثارة القضية من حين لآخر بقرار إحالة أو منع من السفر والتصرف في الأموال دلالة نقيس بها درجة تفهم الحكومة ومدى توجسها من تحركات العاملين في المجتمع المدني.
وتعود وقائع هذه القضية إلى يوليو 2011. حين قررت الحكومة فتح ملف تمويل منظمات المجتمع المدني، من خلال تشكيل لجنة لتقصي الحقائق للنظر في التمويل الأجنبي.
وفي يونيو 2013، حكمت إحدى محاكم الجنايات بالقاهرة على 43 من العاملين المصريين. والأجانب في بعض المنظمات الأجنبية بالسجن لمدد تتراوح بين سنة و5 سنوات. أما العاملين المصريين الذين ظلوا داخل البلاد فقد حصلوا على أحكام بالسجن لمدة عام واحد مع وقف التنفيذ. كما أمرت المحكمة بإغلاق المنظمات المعنية، وهي المعهد الجمهوري الدولي، والمعهد القومي الديمقراطي، وفريدم هاوس، والمركز الدولي للصحافة، ومؤسسة كونراد أديناور.
فتح القضية من جديد
أعيد فتح هذه القضية مرة أخرى في 2016، حيث أدرج عدد من المحامين الحقوقيين ضمن قوائم الممنوعين من السفر ومنعهم من التصرف في أموالهم، استنادا إلى تحريات أمنية بأن نشاطهم يضر بالأمن الوطني.
شملت القائمة أسماء بارزة مثل جمال عيد، مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، وحسام بهجت، مؤسس المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، ومحمد زارع، مدير مؤسسة القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، وهدى عبد الوهاب، المديرة التنفيذية للمركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة.
وتضمنت القائمة: مزن حسن، المديرة التنفيذية لـمؤسسة نظرة للدراسات النسوية، وناصر أمين، مؤسس المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة، ورضا الدنبوقي المدير التنفيذي لمركز المرأة للإرشاد والتوعية القانونية، وإسراء عبد الفتاح، مديرة المعهد المصري الديمقراطي، وحسام الدين علي وأحمد غنيم وباسم سمير، من المعهد المصري الديمقراطي.
وفي ٢٠ ديسمبر 2018، أصدرت محكمة جنايات القاهرة الدائرة الخامسة عشر برئاسة القاضي محمد علي الفقي، وعضوية القاضيين محمد يحي رشدان وأسامة يوسف أبو شعيشع ، حكماً في الجزء الاول من القضية ١٧٣ لسنة ٢٠١١، قضي ببراءة واحد وأربعين متهم جميعهم من العاملين في” المعهد الجمهوري للشئون الدولية “و “المعهد الوطني الديمقراطي” و “مؤسسة بيت الحرية” و” مؤسسة كونراد اديناور” من تهم انشاء وإدارة منظمات ذات صفة دولية دون الحصول علي ترخيص، فضلاً عن تسلم وقبول أموالاً ومنافع من مؤسسات وهيئات خارج جمهورية مصر العربية بما يخل بسيادة الدولة المصرية نتيجة مباشرة ـنشطتهم وما يقدم لهم في سبيل ممارسته في مصر، من تمويل أجنبي غير مشروع.
وأقامت المحكمة حكمها بالبراءة على أسباب من بينها ” إن تعامل الجهات الرسمية الحكومية مع الجمعية أو المنظمة يضفي علي عملها صفة قانونية باعتبار أن وجودها في العلن بدون اعتراض معناه أن الدولة توافق على عملها”.
اتجاه لغلق الملف
وسبق أن صرح رئيس حزب الإصلاح والتنمية محمد أنور السادات أن الدولة لديها نية لغلق هذا الملف، مشيرًا إلى أنه كان يحاول دومًا التحدث عن ضرورة وجود آذان تسمع الأصوات، مع تأكيد على أن هناك عديد من الجمعيات ترحب بالإشهار والإجراءات اللازمة للعمل تعمل مظلة القانون.
وتحدث المحامي نجاد البرعي عن وجود مؤشرات إيجابية يلمسها العاملون في المجتمع المدني المصري على غلق القضية، لأشخاص لم يثبت إدانتهم أو حصولهم على “تمويلات مشبوهة”.
وسبق أن أوصى مركز التنمية والدعم والإعلام (دام)، في ورقة بحثية له، بالمبادرة بإغلاق التحقيقات في القضية 173 لسنة 2011 وفقًا للإجراءات المنصوص عليها قانونيًا بما يضمن رفع حظر السفر المفروض على عدد من المتهمين فيها، ورفع تجميد الأموال المفروض على بعض المنظمات الحقوقية أو قيادات تلك المنظمات.
كما أوصت الورقة بالتوقف الفوري عن الملاحقة والاستهداف الأمنيين للمنظمات الحقوقية المصرية العاملة في الداخل والمبادرة بإطلاق سراح المحبوسين احتياطيًا على خلفية نشاطهم داخل هذه المنظمات.
وناقش باحثون وصحفيون مدى أثر الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان. والخطوات العاجلة المطلوبة لتفعيلها.