بين فريق يعتبرها بداية مرحلة جديدة وبمثابة تغيير نوعي في سياسات الحكومة المصرية إزاء الملف الحقوقي، وآخر لا يجد فيها ما ينم عن هذا التغيير، دار اللقاء الشهري الإلكتروني لصالون بن رشد، الذي ينظمه مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، عن الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، التي أصدرتها الحكومة المصرية في 11 سبتمبر.
مازالت الاستراتيجية الجديدة محل جدل واهتمام، واكتسبت زخما إضافيا مع إعلان الولايات المتحدة الأمريكية تخفيض حجم المساعدات العسكرية المقررة سنويا، بسبب الاعتراض الأمريكي على محاكمة بعض النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان، وتحديدا المتهمين في قضية التمويل الأجنبي المعروفة إعلاميا بالقضية 173.
مدى تأثير رفع المساعدات الأمريكية على الحكومة المصرية
هذا المحور الخاص بالأداء الحقوقي للحكومة وارتباطه الدائم بالضغوط الأمريكية تصدر نقاش الصالون، الذي عقد هذه المرة تحت عنوان “أي أفق لاستراتيجية الحكومة المصرية لحقوق الإنسان”، بحضور الحقوقيين بهي الدين حسن وأنور السادات، ومديرة برنامج الشرق الأوسط، بمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، الدكتورة ميشيل دن، وأدارها الروائي المصري عز الدين شكري فشير.
اعتبرت مديرة برنامج الشرق الأوسط، بمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، الدكتورة ميشيل دن، أن الحكومة أدركت مدى تأثير وارتباط الأداء الحقوقي بعلاقتها الدولية، لذا اتخذت إجراءات مؤخرا تعكس وجهة نظر مختلفة تجاه ذلك الملف فيما يتعلق بسياستها الخارجية.
ورغم الإجراء الأمريكي الأخير الخاص بحجب المساعدات الخاصة بحقوق الإنسان، إلا أن ميشيل دن ترى أن سياسة الرئيس الأمريكي بدأت تخفف من بعض الإجراءات، وتتخذ خطوات للإمام، وهو ما يتأكد من ترتيب لقاء بين السيسي وبايدن في قمة المناخ المقبلة.
ولا تعتقد أن التقارب الاستراتيجي بين الإدارتين في ملفات حيوية مثل القضية الفلسطينية وسد الفراغ السياسي في ليبيا يمكن أن يغني عن قضية حقوق الإنسان، قائلة: “هذا البلد يعاني أزمة حقيقة على مستوى حقوق الإنسان، فلابد أن يكون هناك انتقال جذري في الاتجاه المعاكس وهذا لا نراه في الاستراتيجية”.
تسجل الباحثة الأمريكية الكثير من النقاط على الأداء الحقوقي تحتاج مصر إلى معالجتها في أقرب وقت ممكن، أبرزها مساحة الرأي وعدم ملاحقة منتقدي الحكومة، وتطبيق ما جاء على لسان الرئيس نفسه بخصوص حرية المعتقد، مدللة على ذلك بالاتهامات التي يواجهها نشطاء أقباط لحديثهم عن أوضاعهم في مصر، في إشارة إلى الباحث باتريك جورج الذي أوشك على إتمام عامين في السجن باتهام نشر الأخبار الكاذبة.
السادات يدافع عن الاستراتيجية
ليست الانتقادات الخارجية وحدها ما تستدعى لإطلاق استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان، فمصر الآن أصبحت في وضع مستقر واستعادت عافيتها ورأت أنه من الضروري والملح، ليس لنتيجة ضغوط من الخارج، ولكن لشعبها الذي ينادي منذ سنوات سواء سياسيين وحقوقيين، بأنه لابد من فتح المجال العالم في السياسة والإعلام وحرية التعبير، وفقا لرئيس حزب الإصلاح والتنمية، والمنسق العام لمجموعة “الحوار الدولي”.
لا يريد السادات، الذي قطع مشوارا طويلا في ملف إخلاء سبيل المحبوسين احتياطيا من خلال مجموعة الحوار الدولي، أن يحكم مبكرا على الاستراتيجية الجديدة، فعندما تأتي الدولة على مرأى ومسمع من الجميع وتعترف بحاجتها إلى منهجية جديدة في الملف الحقوقي يجب أن نرحب بها ونأخذها مأخذ الجد، ونرى ما سوف تحققه، وما ورد فيها من خلال جدول زمني.
“لن ننتظر مدة الاستراتيجة 5 سنوات، بل سيتم سنويا رصد ماذا تحقق في مجالات التشريع والقوانين المتعطلة والإجراءات الجنائية والعقوبات، والقوانين المتعلقة بمفوضية عدم التمييز، والتي تعتبر مجموعة من القوانين العاجلة” يقول السادات خلال كلمته بصالون بن رشد، مشيرا أنه لدى المجتمع المدني فرصة والتشكيك فيها سابق لأوانه لأنه لم يتم اختبار الاستراتيجية بعد.
وعن التخطيط للاستراتيجية عقب تولي حكومة الرئيس الأمريكي جو بايدن، أشار السادات إلى أن الاستراتيجية تمت بقرار من مجلس الوزراء من 2019 أى قبل تولي بايدن للحكم، مشيرا إلى أن الدولة نتيجة مطالبات الداخل قبل الخارج تعي أنه آن الآوان من فتح هذه الملفات، وعن حديث البعض عن ضغوط الخارج فهي من المهم الاستماع لها، ولكنها ليست المحرك الوحيد.
“لابد أن نلتقط هذا ونبدأ نفكر في كيفية تحقيق نتائج إيجابية، الاستراتيجة قائمة على كل الملاحظات التى أطلقت من خلال المراجعة الدورية الشاملة التي تمت في جنيف” يقول السادات مؤكدا أن الاستراتيجية تحدثت عن قانون الإعدام والتعذيب والحبس الاحتياطي، “فيها مادة نستطيع ان نبني عليها”، فضلا عن أن الدولة حققت نجاحات على مستوى الإصلاحات الاقتصادية والحزم الاجتماعية وبالتأكيد ماهو متعلق بالملف السياسي يحتاج لشغل وجهد واهتمام من الدولة، قائلا:” نحن متفائلين من إطلاق الاستراتيجية حتى إن تم اعتبارها حسن نوايا”.
وفيما يخص المعونات، قال منسق لجنة الحوار الدولي، إنه لا يتفق من من يطالبون باستقطاع جزء من المعونات كنوع من أنواع الضغط فتلك تعطي رسالة يستغلها البعض ضد العلاقات الاستراتيجية بين الدول،
سياق حقوقي معاكس
أما مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، بهي الدين حسن، وضع 6 ملامح للسياق الذي صدرت فيه الوثيقة،من بينها تزايد قلق أصوات من المستويات الدنيا داخل نظام الحكم في مصر على من التفاقم الحاد في الأحوال المعيشية، ومن ناحية أخرى انعدام وجود وسائط سياسية تستطيع امتصاص أو الحيلولة دون حدوث صدام عفوي كبير في أي لحظة أو التنبؤ بعواقب مثل هذا الصادم المحتمل على استقرار نظام الحكم الحالي.
وتطرق بهي إلى التقارير التي تنتقد الأوضاع السياسية والحقوقية في مصر، والحملات الشرسة التي يتعرض لها المدافعون عن حقوق الإنسان، وتعرض أكاديمين أجانب لمشاكل كبرى إلى أن حد أن المؤسسات الكبرى أصدرت تحذيرا أكاديميا بخطورة العمل الأكاديمي الميداني من داخل مصر، فالأمم المتحدة نفسها لا تمتع بإمكانيه إرسال مقررين وحين أرسلت المقررة الخاصة بها بالحق في السكن تعرض من التقي بها من المصريين للتهديد والملاحقة الأمنية.
وفي سياق صدور الاستراتيجية، أشار حسن إلى أن من أشرف على إعدادها وإصدراها هو وزير الخارجية ومعاونوه وهي الوزارة المختصة بالعلاقات مع كافة دول العالم إلا مع مصر، فهذا ليس شأنها. مرجحا أن يكون مهمة الوثية إحدى أدوات إدارات العلاقات العامة مع المجتمع الدولي وتهدئة خواطره.
لكن محمد أنور السادات اختلف مع بهي في هذه النقطة، موضحا أن وزارة الخارجية كانت ترأس اللجنة وكانت تضم 13 وزارة وحقوقيين ولجنان استشارية، نافيا أن تكون الخارجية وحدها من قامت بإعداد الاستراتيجية.
وأكد رئيس حزب الإصلاح والتنمية أن إعلان الدولة المصرية الاستراتجية التي عملت عليها على مدار عاميين هو اعتراف منها على أنهناك مشكلة لديها في حقوق الانسان، موضحا أن الإشكالية المهمة إنه على مدى السنوات الماضية في أن كل ماهو متعلق بكلمه حقوق الانسان تربى التشكك والتخوين، ونحتاج إلى التعامل مع تلك الثقافة وهذا دور الإعلام والتثقيف بالإضافة إلى الجهاز الإداري في الدولة لفهم ثقافة حقوق الإنسان.
وعن تقييمه للاستراتيجية، أشار بهي إلى أن المشكلة الأساسية التي أكدت عليها الوثيقة والتي جاءت في 71 صفحة بتكرارها 30 مرة بأن التقصير من جانب وعي المجتمع المدني والمواطنين والأحزاب السياسية والمنظمات، قائلا:”نأمل أن تشكل الاستراتيجية خارطة طريق ولكنها تقوم بالتضليل أكثر”.