كان باب العزب لمئات السنين المدخل الرئيسي لقلعة صلاح الدين، أو قلعة الجبل كما كانوا يطلقون عليها. إلى أن قام محمد علي باشا بإنشاء الباب الجديد المقابل لمنطقة الحطابة. لكن الباب القديم احتفظ بحكاياته القديمة.
تعود تسمية الباب إلى أحمد كتخدا العزب. الذي كان قائد طائفة من الجنود العثمانيين. أقاموا بهذه المنطقة في الفترة من عام 1517 إلى عام 1805. حيث أعاد تنظيم المنطقة وأنشأ مسجد على الطراز التركي وتقسيمات لإقامة الجنود العثمانيين.
استثمار التراث
تشهد القاهرة التاريخية والفسطاط اهتماماً غير مسبوق من القيادة السياسية في الآونة الأخيرة. وهو ما ظهر في استكمال وافتتاح المتحف القومي للحضارة بعد توقف الأعمال فيه لسنوات، وتطوير المنطقة المحيطة.
ويأتي الاهتمام بالقلعة كخطوة أكثر اتساعًا، انتظرتها طويلًا كأحد أكبر المدن التراثية المسجلة على قائمة مواقع التراث العالمي بعد أن بقيت مقراً للحكم قرابة سبعة قرون.
تعتمد استراتيجية وزارة السياحة والآثار حالياً على إعادة تأهيل المباني الأثرية بعد ترميمها. بهدف الحفاظ عليها، ورفع كفاءتها وقيمتها الأثرية والحضارية، إضافة إلى تحقيق مردود اقتصادي، وفق الدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار.
ليست سياسة الاستفادة الاقتصادية من المواقع الأثرية جديدة، فقط كانت الحكومة تحتكر كل شيء من قبل، العناية بالمنطقة وتقديم الخدمات. لكن، منذ تولي العناني حقيبة الآثار ثم ضم حقيبة السياحة إليه، اعتمدت الوزارة سياسة التشارك مع القطاع الخاص. وهو ما حدث في منطقة أهرامات الجيزة، وقصر البارون بمصر الجديدة، وقلعة صلاح الدين، مع التخطيط لتشغيل مواقع أخرى.
أعوام من النسيان
تعود فكرة تطوير منطقة باب العزب إلى الوزير الأسبق فاروق حسني. الذي ترك وزارة الثقافة بعد 23 عامًا قضاها في السلطة. بعد رحيله شغل المنصب عدة مثقفين في عشر سنوات. شهدت أغلبها خمولًا كبيرًا وتراجعًا في القوة الناعمة. وفصل الآثار عن الثقافة. ثم إعادة ضمها إلى السياحة. طوال تلك الأعوام بقي “باب العزب” في طي النسيان، حتى ظن البعض أنه تم تجاهله.
رغم تصريح حسني أن المشروع كان حلمه وفكرته التي شرع في تنفيذها، لولا الأحداث السياسية التي أطاحت بنظام الرئيس الراحل حسني مبارك. إلا أن مصطفى الأمين، أمين عام المجلس الأعلى للآثار السابق. عند سؤاله عن المشروع في عام 2015، قال إن منطقة باب العزب تحتاج إلى مبالغ طائلة لترميمها بسبب مياه الصرف الصحي.
وأضاف: “وزير الثقافة الأسبق فاروق حسنى كان يريد تطويرها حين كانت الآثار تحت سلطته بإقامة عدد من الفنادق، وتعرض الاقتراح لهجوم كبير من الصحافة وتوقف لعدم جواز استغلال المناطق الأثرية في مشاريع استثمارية”.
كانت اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية بالمجلس الأعلى للآثار قد أقرت مشروع تطوير باب العزب عام 1993. لكن المشروع واجه معارضة شديدة من الأثريين، ما تسبب في تجميده عام 1998، بعد دعوى قضائية رُفعت ضده، ليتجدّد الحديث عنه مرة أخرى في نهاية عام 2001، ويلقى نفس المعارضة، التي ركزت على رفض فكرة إنشاء فندق في المنطقة، وعلى أساليب الترميم المقترحة.
أول منطقة إبداع متكاملة في الشرق الأوسط وأفريقيا
وخلال الإعلان عن تطوير باب العزب، قالت الدكتورة هالة السعيد، وزير التخطيط والتنمية الاقتصادية، ورئيس مجلس إدارة صندوق مصر السيادي، إن هذه الخطوة تُعّد أولى مشروعات استثمار صندوق مصر السيادي في القطاع السياحي والثقافي والخدمي، بالتعاون مع وزارة السياحة والآثار.
وتابعت: هناك خطة شاملة تستهدف إعادة تأهيل منطقة غير مستغلة بالقلعة وفتحها للجمهور بعد ترميمها، لإضافتها إلى قائمة المزارات والمقاصد السياحية التاريخية والثقافية.
وكان صندوق مصر السيادي وقع العام الماضي مع المجلس الأعلى للآثار. عقد تطوير وتقديم وتشغيل خدمات الزائرين بمنطقة باب العزب. على أن يتولى المجلس الأعلى للآثار منفردًا إدارة المنطقة الأثرية بالكامل، وأن يتولى الصندوق تقديم وتشغيل خدمات الزائرين؛ في خطوة لتحويل المنطقة إلى أول منطقة إبداع متكاملة في الشرق الأوسط وأفريقيا.
ويهدف المخطط العام للمشروع لخلق أول منطقة إبداع متكاملة في الشرق الأوسط وأفريقيا في قلب القاهرة التاريخية، بما لها من عمق ثقافي متفرد كأحد أهم مواقع التراث العالمي. وذلك من خلال توظيف المباني التراثية الموجودة داخل منطقة باب العزب كعناصر جذب هامة تستضيف بداخلها المكونات الأساسية لمنطقة الإبداع.
ويشمل المشروع محتوى تعليمي، وإبداعي، وحرفي، وتجاري، وترفيهي، وترويجي، لجذب الزائرين للمنطقة من داخل مصر وخارجها. وتحفيز مخرجات الاقتصاد الإبداعي في مصر وربطه بالشبكات والأسواق العالمية.
ويشمل الاقتصاد الإبداعي للمنطقة البالغ مساحتها 70 ألف متر مربع، كافة الصناعات والخدمات التي يدخل فيها التصميم والإبداع. مثل صناعة الأثاث، صناعة الحُلي، الموضة، التصميمات الهندسية، تصميم الإعلانات، تصميم الكتب، التصميمات السينمائية.
كما سيتم توفير ورش تدريبية للمصممين لإعطائهم جزء كبير من التعليم والثقافة من خلال تعليمهم تحويل ابتكاراتهم إلى أعمال تجارية ناجحة على مستوى العالم.
شاهد على المذبحة
تضم منطقة باب العزب مسجد رضوان كتخدا، ومصانع للأسلحة، وملابس الجنود، وبقايا قصر الأبلق، والإسطبل السلطاني. كذلك يوجد الممر الحجري الذي ذُبح فيه المماليك في مذبحة القلعة، وهو ممر طبيعي منقور في الصخر ويبلغ ارتفاعه أربعة أمتار.
يطل الباب على مدرسة السلطان حسن ومسجد الرفاعي. وهو مكون من برجين لهما واجهة مستديرة، أعلى كل منهما غرفة وبينهما توجد سقاطة استخدمت لإلقاء الزيوت المغلية على الأعداء الذين يحاولون اقتحام البوابة عنوة. ويؤدي إلى منطقة تبلغ مساحتها 13 فداناً، داخل أسوار القلعة.
كان باب العزب شاهدًا على أكبر مذبحة تمت للانفراد بالسلطة. التي دبرها الوالي محمد علي عام 1811. وبقيت -من فرط البشاعة- حكاية أسطورية كتبها المؤرخون وتناقلوها. كان أشهرهم عبد الرحمن الرافعي، والجبرتي. الذي ذكر أن دمائهم اختلطت بماء النيل. الذي كان له فرع مار أمام القلعة، فظل لون المياه بلون الدم لمدة لا تقل عن عشرة أيام.