يستيقظ كريم زكي من نومه على أنباء تفيد بأن المنطقة التي ولد وتربى بها سيتم إزالتها. وليجد نفسه مطالب هو وأسرته بترك المنزل في أسرع وقت. والانتقال لمنزل وحي جديد لا يعرفه، ويتم إزالة منطقة نزلة السمان التي تربى وعاش بها منذ ولادته.
كريم واحد من أبناء منطقة نزلة السمان، التي بدأت أعمال نقل السكان منها لمنطقة حدائق أكتوبر، ضمن خطة التطوير بالمنطقة. فوفقا لمصادر بمحافظة الجيزة، تشمل أعمال التطوير المنطقة المحيطة بالأهرامات بالكامل وتحسين المداخل والطرق المؤدية إليها. وإنشاء ممشى سياحي. بالإضافة إلى إزالة جزء من منطقة نزلة السمان، والمعروف باسم منطقة سن العجوز.
مخطط التطوير كان من المقرر تنفيذه منذ سنوات وتشمل المرحلة الأولى نقل سكان سن العجوز الذي يبلغ عددهم أكثر من 8 آلاف نسمة. ويعيشون على مساحة قدرها 29 فدانا.
مساحة الشقة التي سيتم نقل السكان بها بمنطقة حدائق أكتوبر تبلغ 59 مترا في الدور الأرضى، و65 مترا في الأدوار المتكررة. وهي عبارة عن غرفتي نوم وصالة ومطبخ وحمام، ونماذج أخرى 85 مترا في الدور الأرضى، عبارة عن 3 غرف نوم، والأدوار المتكررة نفس المساحة.
احتجاجات الأهالي
يرفض كريم وصف نزلة السمان بالمنطقة العشوائية قائلا: “نزلة السمان مش عشوائية ممكن يتقال إنها خطة تطوير، لكن بلاش يتقال عليها عشوائية وفيها بلطجية. المنطقة اللي المفروض نتنقل ليها مش وحشة بس لسه مفيهاش كل الخدمات”.
قال كريم إنه يسمع منذ الصغر نفس الأنباء عن نقل المنطقة. حتى جاء اليوم الذي تحول فيه الأمر إلى حقيقة لا رجوع فيها. ويرى كريم أن المنطقة التي سيتم الانتقال إليها ليست بعيدة عن مكان سكنه الأصلي.
بدأ كريم في تجميع أغراضه استعدادا لترك المنطقة، ولكنه لن يترك منزله فقط بل يترك معه ذكريات وحياة كاملة عاشها. وفي المقابل يرفض العديد من أهالي المنطقة فكرة النقل والتطوير والتي بدأت مطلع الشهر الجاري. فبدأت المنازل تأخذ علامات باللون الأحمر، مما يدل على اقتراب موعد إزالتها، وفقا لما قاله محمد رمضان، أحد سكان المنطقة.
كان عدد من الأهالي خرجوا في تظاهرة احتجاجية على هذا الأمر، وقبض على 6 منهم، يجدد حبسهم حتى الآن أمام نيابة.
ويرى رمضان أن الإعلام اعتاد على مدار السنوات الماضية تشويه المنطقة وسمعتها بترديد عبارات أنها تضم خارجين عن القانون، يسيئون معاملة السياح، وهو ما ينفيه رمضان.
وقال إن التعويضات التي تتحدث عنها الحكومة هي شقق سكنية تُمنح للمالك أو المستأجر كحق انتفاع، بشرط امتلاك أو تأجير الوحدة قبل عام 2014. ولن يتم تعويض أي صاحب عقد إيجار أو بيع عقد بدايةً من 2014، مؤكدا “هناك أسر بالفعل تمتلك عمارات في المنطقة. كيف يمكن نقل تلك الأسر في شقق لا تتعدى مساحتها 70 مترا، كما أن الشقق المقرر نقل السكان بها عددها ما يقرب من 4000 شقة بحسب تصريحات حكومية. وسكان المنطقة أكثر من 8000 أسرة، فأين سيذهب الباقي؟”.
تطوير ولكن
ولا يرفض رمضان التطوير ولكنه يريد أن يصبح تطويرا بأيادي أهالي المنطقة متسائلا: “لماذا لا تسمح الدولة بمشاركة شباب وسكان المنطقة في التطوير. ونحن لا نرفض التطوير، ولكن نرفض ترك منطقة عشنا وتربينا بها، وكثير من أبنائها يعملون في المنطقة، أو المناطق المحيطة بها”.
أما محمد محي، الذي يسكن مع عائلته في منزل مكون من 5 طوابق، تبلغ مساحة الشقة 250 مترا “سألنا عن التعويضات والشقق. وكان الرد أن مالك العقار سيحصل على شقة مساحتها 70 مترا، فكيف يمكن لـ5 أسر الإقامة في شقة واحدة 70 مترا”. مضيفا “أصحاب العمارات أو الشقق تتبعهم محلاتهم وأعمالهم بالمنطقة، ولم يتم الحديث عن تعويضات تلك المحلات أو أماكن بديلة لها، كما أن الشقق المعروضة هي حق انتفاع أي أنها لا تصلح لأولادنا بعد ذلك”.
الحديث عن تهجير أو إزالة العقارات بنزلة السمان، أمر يحدث من فترة، ففي عام 2019، انتشرت أنباء وصفتها البيانات والأخبار حينها بأنها شائعة حول تهجير المنطقة. وأعلن حينها المركز الإعلامي لمجلس الوزراء، أن ما انتشر في بعض المواقع الإلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي أنباء ومقاطع فيديو تزعم تهجير أهالي نزلة السمان وإزالة جميع عقارات المنطقة تمهيدًا لبيعها لأحد المستثمرين العرب، غير صحيح.
ويتفق المحامي الحقوقي خالد على مع الأهالي على رفضهم ترك المنطقة التي عاشوا بها. ويرى أن بقاء السكان لا يتعارض مع خطط التطوير، قائلا: إنه يجب وقف كل إجراءات الإخلاءات القسرية التي تتم بزعم تنفيذ خطط التطوير وتوسعة الطرق.
وقال علي إن هذه الخطط تتم بدون حوار مجتمعي حقيقي مع أهالي تلك المناطق وتوفير بدائل ترضي من يرغب في ترك تلك المناطق قبل الإخلاء. وأيضا ضمان عودة كل من يريد البقاء في تلك المنطقة بعد تطويرها، فالتطوير يكون بأهل تلك المنطقة وليس استبدالهم بآخرين.
البديل في حدائق أكتوبر
في الشهر الماضي، بدأ بالفعل نقل عدد من الأسر بالمنطقة لحدائق أكتوبر، وتم الإعلان عن نقل 48 أسرة، وقال المهندس محمد مصطفى، رئيس جهاز مدينة حدائق أكتوبر. إن المشروع يضم 104 عمارات الذي تم تنفيذه لسكان عشوائيات الجيزة، لافتا إلى أن المشروع على مساحة 170 فدانا، ويضم حوالي 2500 وحدة سكنية.
إحدى القاطنات في المنطقة، طلبت عدم ذكر اسمها. قالت إن الإزالة جاءت بشكل مفاجئ، ولو كان الأمر حدث بعد تمهيد لاختلف الوضع. مضيفة “فوجئنا بهدم منزلنا بدون أي مقدمات، وعندما حاول زوجي الاعتراض والرفض فتم القبض عليه، هو وستة آخرين بسبب اعتراضهم. وأخلى سبيلهم فيما بعد”.
وأكدت “لو كان هناك تنسيق من البداية وتم إبلاغنا بموعد النقل لاختلف الأمر ولم تحدث كل هذه المشاكل”.
المنطقة التي انتقلت بها نعمة لا يمكن وصفها بأنها منطقة سيئة، ولكن مساحة الشقة بها تقل عن 100 متر. وهي كانت تعيش في شقة مساحتها تتعدى الـ120 مترا. كما أن زوجها كان صاحب أحد المحلات بالمنطقة، ولم يتم حتى الأن الاتفاق على تعويض هذا المحل.
بلا خدمات
ما يحدث في نزلة السمان، يأتي مشابها لما حدث بمناطق سابقة، منها منطقة نادي الصيد بالإسكندرية، وجزيرة الوارق وغيرها من المناطق. وتعلق الباحثة العمرانية، أمنية خليل، قائلة إن الوضع مشابها لما حدث بمناطق أخرى ووصفت ما يحدث بالإخلاء القسري، موضحة “لا يتم نقل الناس في أماكن آمنة وتعاني نقص كثير من الخدمات مثل الأسمرات”.
وترى أمنية أن عمليات الإخلاء مستمرة فيجبر السكان على ترك شققهم في مقابل شقق في مشروعات الإسكان الاجتماعي التي تحددها الحكومة. دون خيار من أصحاب الشقق أنفسهم، وتطلق الدولة على الأمر إعادة التعمير واستخدام لقانون المنفعة العامة، وفي المقابل يواجه السكان ضغوظا عند عدم رغبتهم ترك أماكنهم. وهجر محالهم وحرفهم.
تابعت أمنية أنه بين عامي 2001، و2005. طرحت الحكومة المصرية والحزب الحاكم سياستهم للتنمية العمرانية في مصر في صورة أجندة عمرانية جديدة. تحت مسمى “المخطط الاستراتيجي لإقليم القاهرة الكبرى 2050”. والذي يشار له بمخطط القاهرة 2050، وهدفت رؤية المخطط ومشروعاته المتعددة لتحويل القاهرة الكبرى لعاصمة سياحية وتجارية. وتبع ذلك إخلاء بعض المناطق بدعوى إنقاذ حياة السكان، مثلما حدث عند إخلاء ساكني منشية ناصر ونقلهم إلى مدينة النهضة والمساكن الأولى بالرعاية بمدينة 6 أكتوبر.
وفي عام 2014 أصدرت الحكومة استراتيجية مصر للتنمية المستدامة 2030. وتضمنت محاورها العمرانية تنفيذ مخطط القاهرة 2050 بنفس تصوراته المُصممة قبل قرابة عشر سنوات. كما شهد عام 2019 تبني نفس سياسات الإخلاء التفاوضي في مناطق مصر القديمة والشرابية. وغيرها من المناطق، وهي نفس الممارسات التي تتم حتى الآن.