دعنا نتفق أن التوسع في إنشاء الجامعات من أعظم ما أنجزته الدولةمؤخرا.

بغض النظر عن الجدل المثار حول مسمى وأهداف الجامعات الأهلية تظل هي المشروع الأهم في مجالات الخدمات التعليمية للمستقبل.
حتى تنجح تلك المنظومة في تحقيق أهدافها يصبح تقييم التجربة وتقبل الملاحظات والانتقادات فرض عين على مسئولي التعليم العالي.
في هذا السياق تطل علينا مجموعة من التساؤلات التي تحتاج إلى إجابات سريعة.
هل نجحت تلك الجامعات في جذب المستهدف من الطلاب العرب والوافدين.. وكذلك تشجيع الطالب المصري الراغب في الدراسة بالخارج على الالتحاق بها؟
أيضا هل نجحت بعد مرور عامين على إنشائها من إتمام اتفاقيات توأمة لجميع برامجها أو أكثرها مع أفضل جامعات العالم؟
هل أقنعت المجتمع المصري بجودة ما تقدمه من برامج تعليمية؟
هل نجحت في الحد من ارتفاع مصروفات الجامعات الخاصة بمصروفات في متناول يد الطبقة المتوسطة؟
هل قدمت برامج تعليمية متميزة تمهد لجر قاطرة التعليم العالي في مصر بعيدا عن أنماط الكليات المتكررة والتقليدية؟
هل خرجت من إطار سيطرة قطاعات التعليم الطبى والهندسي على منظومة التعليم الخاص في مصر؟
هل فعلا قدمت برامج للعلوم الإنسانية والاجتماعية تجمع بين تلبية متطلبات سوق العمل والحفاظ على الهوية؟
هل تفتح باب إعداد كوادر أكاديمية متميزة؟ وهل نجحت في استقطاب العقول المهاجرة كما قيل في البداية؟
من واقع المتابعة أقول إنه لايزال الطريق طويلا أمام تلك الجامعات لتحقيق أهدافها بل قد تحيد عن الطريق إذا لم تكن هناك وقفة صادقة مع النفس للتقييم.

الإجابة على بعض التساؤلات تقول إنه لم نرصد أي معلومة عن نجاح تلك الجامعات في جذب الطلاب الوافدين ولم يصدر أى بيان يشير إلى ذلك.. في اعتقادي أن انشغال مسئولي تلك الجامعات بطالب الثانوية العامة والشهادات المعادلة لها ألهاهم تماما عن الترويج لها خارج مصر بل وداخلها أيضا والنتيجة أنها لم تحقق أي رواج بين الطلاب العرب، وللتغطية على ذلك لجأت إلى التوسع في قبول طلاب الثانوية العامة بصورة تضر بسمعة تلك الجامعات بالنزول المتكرر بالحد الأدنى للتقدم لها أكثر من مرة وبصورة معلنة تعطي انطباع سلبي خارجي خاصة في جامعة الملك سلمان بفروعها الثلاثة، حيث نزل بالحد الأدنى للتقدم لتلك الجامعة إلى أقل مستوى لجذب الطلاب المصريين فقط.. علما بأن نظام القبول في تلك الجامعات هو نظام محترم ولا يكتفي بمجموع الثانوية عند تحديد المقبولين لكن رسالة النزول بالحد الأدنى أكثر من الجامعات الخاصة -رغم تبريراته الاقتصادية- كانت الأكثر تأثيرا في الانطباعات السلبية.

 

لم يخرج مسئول واحد من تلك الجامعات ليقول للناس ماذا يحدث عن نفسى كان لي تجربة حاولت على مدار أكثر من شهر تنظيم لقاء يجمع رؤساء الجامعات الأربعة للتواصل مع أسئلة الرأي العام من خلال ندوة في صحيفة الأهرام أكبر وأعرق صحف مصر ولم أتمكن من ترتيب هذا اللقاء بسبب الاعتذارات المتتالية رغم الاتفاق على أن الترويج للمشروعات الجديدة هو أهم عوامل نجاحها.. ما بالكم بمشروعات تدعمها الدولة بكل قوة ويعزف القائمون عليها لأسباب غير مفهومة عن التواصل مع المجتمع مكتفين بإصدار بيانات عن نظام التنسيق وأسماء البرامج.

 

للأسف فوجئ الجميع -أيضا- بأن تلك الجامعات تدور في نفس فلك الجامعات الخاصة وتستخدم نفس أساليبها بالتركيز على طلبات السوق في القطاعين الطبي والهندسي.. وكذلك تتبع نفس سياساتها باستهداف الطالب المصري فقط وحتى ذلك الطالب تواجه مشكلات لجذبه إليها لأسباب جغرافية.

 

من بين الملاحظات التي يجب دراستها هي أن تلك الجامعات قدمت نفسها كمنافس للخاصة في المصروفات وفعلا وضعت مصروفات تقل قليلا عن متوسط أرقام سوق التعليم الخاص ورغم ذلك ظل هناك عزوف عن الالتحاق ببعضها خاصة تلك التي تقع في مناطق نائية مثل سلمان والعلمين وحتى الجلالة وذلك بسبب ارتفاع تكلفة الإقامة بصورة مبالغ فيها فى المدن التابعة لتلك الجامعات بصورة تقضى على أي ميزة تنافسية أخرى.

أيضا رغم اقتراب موسم العام الدراسي الثاني للجامعات الأهلية لم يتم العمل حتى الآن على إيجاد حلول عملية سريعة لإنهاء مشكلة عزوف الطلاب عن الالتحاق ببرامج العلوم الإنسانية وبعض العلوم الأساسية وهي البرامج التي يكاد لم يلتحق بها أحد العام الماضي أوهذا العام رغم أن هناك لجان تعمل منذ شهور على إعداد تصور لبرامج بينية جاذبة للطلاب.

الأهم من ذلك أنه لاتزال تلك الجامعات تخطوا خطواتها الأولى فى تلك التوأمات الدولية مع جامعات عالمية وحتى تلك الاتفاقيات التي أبرمت لم يتم إلقاء الضوء عليها بصورة كافية تشبع رغبة المجتمع فى التعرف على تلك الجامعات.

أيضا هناك ملاحظات على ما تم في اختيار كوادرها الأكاديمية والإدارية.. فرغم الطموحات العظيمة عن استقطاب المتميزين من العقول المهاجرة ورغم وضع نظام اختيار صارم للكوادر التدريسية من بين أكثر من 30 ألف متقدم.. هناك كثير من الملاحظات لأبناء المهنة.. أيضا هناك خوف من أن تدور في نفس فلك إفراغ الجامعات الحكومية من كفائتها التدريسية على غرار مافعلته الخاصة.

كل تلك الملاحظات وغيرها مما لم يتم ذكره يأتي أملا في تصحيح مسار تجربة عظيمة

وإذ كان هناك طموح لاستكمال التجربة بسلسلة أخرى من الجامعات.. فإنه بات فرض علينا وعلى كل وطنى متابع لما يحدث دق ناقوس الخطر لأن تجربة الجامعات الأهلية المنبثقة عن الجامعات الحكومية والتي ستتحمل الجامعات الحكومية تبعات إنشائها كاملة وتسديد قروضها لأن تبعات وتكلفة أية أخطاء فى التخطيط لها أو إدارتها أوتشغيلها ستكون باهظة جدا عل مستقبل التعليم العالي وسينعكس تأثير ذلك بالتبعية على ما يقرب من نصف جامعات مصر الحكومية والتي لايزال يتعلم بها 85% من شباب مصر الملتحقين بالتعليم العالي.