أخيرا حسم الصراع على تركة الأديب الراحل نجيب محفوظ لصالح مؤسسة «هنداوي» للنشر والترجمة. ما أغضب كبرى دور النشر في مصر بعد سباق طويل للفوز بهذه الصفقة الرابحة بكل المقاييس.
وفي بيان مقتضب خرجت مؤسسة «هنداوي» لتؤكد تعاقدها مع أسرة نجيب محفوظ على حق نشر أعمال صاحب جائزة نوبل.
جاء في بيان مؤسسة الهنداوي عبر صفحتها الرسمية على موقع فيسبوك: «ستتاح أعمال الأديب العالمي نجيب محفوظ من الروايات والمسرحيات والقصص القصيرة وكل ما أُنتج العامَ القادم؛ لتكون في يد القارئ العربي عبر الموقع الإلكتروني وتطبيق هنداوي كتب».
وأضافت: «يأتي هذا التعاقد انطلاقًا من رؤية مؤسسة هنداوي ورسالتها التنويرية في تحقيق الريادة في إثراء المعرفة وإتاحتها للناطقين باللغة العربية في كل أنحاء العالم. يأتي هذا التعاقد استكمالًا لنشر أعمال العديد من كبار المفكرين والأدباء، أمثال: طه حسين، ويوسف إدريس، وزكي نجيب محمود، وفؤاد زكريا، وحسن حنفي، وعبد الغفار مكاوي، وغيرهم».
ماذا نعرف عن مؤسسة هنداوي؟
تعرف مؤسسة هنداوي نفسها على موقعها الإليكتروني بأنها «مؤسسة غير هادفة للربح، تسعى إلى إحداث أثر كبير في عالم المعرفة».
في عام 1997، بالتحديد في بريطانيا، أسس أحمد هنداوي وزوجته نجوى عبد المطلب مؤسسة هنداوي عام 1997. كإحدى دور نشر المجلات مفتوحة المصدر بالكامل في العالم، وخلال سنوات عملها عمدت إلى المداومة على نشر أكثر من 200 مجلة علمية عبر منصتها فينوم.
نجحت خلال سنوات عملها في تحقيق مكاسب وانتشار كبيرين، وأوجدت لنفسها موقعا جيدا بين دور النشر العالمية. حيث حققت إيرادات هنداوي نموا قدره 50% على أساس سنوي في العام المالي المنتهي في 31 ديسمبر 2020، بما يقدر بنحو 40 مليون دولار.
ماذا يعني مؤسسة غير هادفة للربح؟
بحسب المعلومات المتوافرة عن مؤسسة «هنداوي» فهي مؤسسة للنشر والأبحاث العلمية مسجلة في بريطانيا، كمؤسسة غير هادفة للربح. وبحكم كونها مؤسسة غير هادفة للربح فهي تتمتع بمزايا خاصة منها الإعفاء من الضرائب والجمارك.
هنداوي مؤسسة غير ربحية وقانونيا مسجلة في انجلترا، وهذا يسهل عليها الكثير من تلقي التبرعات، ولا يضع أعباء مادية عليها. وبالتالي يكون من السهل عليها تقديم كل هذا الكم من الكتب والإصدارات الجيدة وربما يعطي ذلك إشارة إلى أهمية السوق المصري والعربي. وتفتح الباب أمام الكثير من المؤسسات للعمل في مصر بنفس الطريقة أو بطرق أخرى ما يعني أن الكثير من دور النشر قد تختفي أو تغير من طريقة تعاملها مع الكتاب، حسبما يوضح الكاتب الشاب محمد البرمي.
وبرأي برمي، فإن دخول مؤسسة هنداوي للسوق المصري يحتم على دور النشر الكبيرة في مصر أن تراجع نفسها بداية من ضرورة تبني مشاريع ثقافية محددة أو تغيير طريقة تعاملها مع الكتابة وضرورة احترام حقوقهم. كما على الدولة المصرية أن تغير من طريقة تعاملها مع الكتاب سواء بدعم دور النشر، وعلى المؤسسات الثقافية في مصر الهيئة العامة للكتاب وقصور الثقافة أن تستخدم كل ما لديها من إصدارات وإطلاقها وإتاحتها إلكترونيا. وأن يكون لديها مشروع جاد للنشر الإلكتروني بما يخدم الثقافة المصرية وهو ما سبقت مؤسسة هنداوي فيه الجميع خلال السنوات الماضية.
عائلة نجيب محفوظ توضح
من المقرر أن تنتهي عملية الارتباط بين دار الشروق وعائلة نجيب محفوظ في أبريل 2022. وهو ما دفع عائلة صاحب جائزة نوبل للبدء في التشاور مع دور النشر المختلفة من أجل توقيع عقد جديد لاستكمال طبع ونشر أعمال نجيب محفوظ.
وقالت «أم كلثوم» نجلة نجيب محفوظ، إن التشاور مع مؤسسة هنداوي بدأ منذ فترة على أن تنال حق نشر أعمال الاديب العالمي بشكل غير حصري. لافتة إلى أن الإعلان تأخر لحين الانتهاء من كل التفاصيل وهو ما حدث بالفعل.
وأضافت أم كلثوم في تصريحات صحفية: «لا أفهم سبب غضب البعض من سعينا للحصول على مقابل مادي في مقابل نشر أعمال نجيب محفوظ، فهي بالطبع موجودة ومنتشرة على المواقع الإليكترونية. لكن في الوقت ذاته توجد أعمال أكثر من التي عرضت على الإنترنت والتزوير، وبالتعاقد مع مؤسسة هنداوي سيكون أعمال والدي موجودة ومتاحة بشكل أفضل».
احتفاء مشروع
الاحتفاء بإتاحة مؤلفات نجيب محفوظ مجانا على الإنترنت يعود لأن القراء اعتبروه انتصارا لحق القارئ في نجيب محفوظ، باعتباره تراث مصري خاص.
ولسنوات طويلة، تتعرض دار الشروق التي احتكرت نشر وتوزيع أعمال الأديب الراحل على مدار العقدين الماضيين، لاتهامات من المثقفين بحجبها أعماله لكن الدار نفت وجود أي عمليات حجب، وأكدت أن كل كتب الأديب الكبير متاحة لدى مكتبات الشروق ولدى كبرى سلاسل المكتبات فى مصر والمنطقة العربية.
وفي هذا الصدد، قال وائل الملا، مدير عام دار مصر العربية للنشر، إن من حق القارئ أن يفرح ويحتفي بوجود فرصة أو متنفس شرعي للاطلاع وقراءة أعمال نجيب محفوظ. طبعًا الكثير سوف يكون مرتبط أكثر بالكتب الورقية وهو الجزء الأهم، ولكن سيتم خلال العام المقبل من خلال ناشر جديد غير دار الشروق ولم يعلن عنه.
وأوضح الملا أن المستفيد الأول من هذه الخطوة هو القارئ الذي يرى أن قراءة كل أعمال الأديب العالمي المصري حق أصيل باعتباره ثروة قومية وتراث مصري خالص يحكي عن مرحلة وفترة من فترات الحياة في مصر.
يتفق معه البرمي، قائلأ: « تعاقد مؤسسة هنداوي لنشر الأعمال الكاملة للكاتب الكبير وأديب نوبل نجيب محفوظ حدث هام جدًا في رأيي لأسباب كثيرة. منها أن الأعمال ستتاح بشكل جيد، بإخراج وبأخطاء أقل وجودة أعلى وبشكل مجاني ومشروع لكل القراء والمحبين والباحثين بدلا من اللجوء لنسخ مقرصنة وغير منقحه وبها أخطاء كثيرة».
وكذلك أشار إلى أن هذه الخطوة أعادت الحق لأسرة نجيب محفوظ الحق المادي والاستفادة من الأعمال بعد سنوات استفادت مؤسسة الشروق بشكل كبير من طباعة أعمال نجيب محفوظ. والجزء الثاني أن الشروق سنويا كانت تتسبب في أزمة نتيجة عدم طباعة كل الأعمال وعدم توافرها والكثير من النسخ لا تحظى باهتمام كبير هناك الكثير من الأخطاء والإخراج سيء وبعضها باهظ الثمن.
ميزان المكسب والخسارة
أما عن احتكار دار الشروق لعدد من أعمال الأدباء، يرى الناشر المصري شريف بكر رئيس مجلس إدارة دار العربي للنشر والتوزيع، وأمين عام اتحاد الناشرين السابق. أن الأمر لا يمكن وصفه بالاحتكار لكونها كلمة سيئة السمعة لكن من حق الناشرين أن يحصلوا على حقوق النشر بشكل حصري ليتمكنوا من تحقيق أرباح مالية وراء التعاقدات التي يوقعونها.
شريف بكر: «دار الشروق على مدار سنوات كانت تضم عدد من كبار الأدباء وبشكل حصري، وهنا تخضع الأمور إلى القيمة التجارية وميزان الربح والخسارة. في مقابل الحصول على حق النشر الحصري تم دفع مبالغ ويحق لدار الشروق أن تختار أي الأعمال التي يجب إعادة طباعتها لما تحقق من مكاسب. لذا الأمر عادي ويجوز من وجهة نظري لأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتم مقارنة دار نشر عادي تعمل في مجال الطباعة بـ”مؤسسة هنداوي” والتي تتعامل مع الموضوع على أنه علما ينتفع به. فهي تعتمد على أعمال تجارية أخرى تحقق لها الأرباح. فيما تمنح الجزء الخاص بالكتب الأدبية بشكل مجاني من باب تشجيع الناس على القراءة. لا يمكن وضع دار الشروق أو أي دار أخرى في قفص الاتهام وكذلك الأمر بالنسبة لمؤسسة هنداوي».
واستطرد: «منذ أن تم الإعلان عن إتاحة أعمال نجيب محفوظ مجانا، وساد لغط كبير، وتم الخلط بين دور النشر التي تعتمد على المبيعات كدخل مالي أساسي لاستمرارها. وما بين مؤسسات تعتمد على النشر ضمن مجالات وأنشطة أخرى تقدمها، الأمر الآن أصبح يتم بشكل أكثر احترافية وأعتقد خلال الفترة المقبلة سوف يتم إعادة النظر في بعض العقود التي تمثل احتكار لبعض الادباء الراحلين. لوجود مكاسب مالية ضخمة تلوح في الأفق لأسر الأديب والكاتب، في النهاية هي خطوة إيجابية ويجب الإشادة بها ولكن دون تحميل دور النشر فاتورة عدم الإتاحة أو وضعها في مقارنة مع مؤسسات غير هادفة للربح من النشر في حين تمتلك روافد أخرى للتربح على عكس دور النشر».