في المدارس الحكومية يبدأ التلاميذ التعليم ثم يخضعون لاختبارات بنهاية الفترة الدراسية. لكن الوضع بات مختلفًا لدى المدارس الخاصة التي تضع التلاميذ وأولياء أمورهم على بوابة الاختبار (إنترفيو) للعبور إلى الدراسة. تلك المنهجية في قبول التلاميذ الجدد بالمدارس غير الحكومية مثيرة للجدل مع بداية كل عام. ففي حين تدافع المدارس بأنها طريقة إيجابية لضمان تفوق الطلاب الذين يمتلكون الحدود الدنيا في العملية التعليمية، تعتقد الأسر أنّها مجرد “بيزنس” بأهداف مالية ليس أكثر. في حين يرى آخرون أنها تمييز غير مبرر بين الطلاب، بغض النظر عن درجة تعلّم أولياء الأمور.
اجتياز التلميذ اختبار القبول يتطلب أن يكون ملمًا بقواعد الكتابة والقراءة وأساسيات اللغات الأجنبية، وهذا أيضًا غير كافٍ. فالمرحلة الثانية هي خضوع أولياء الأمور لـ”الإنترفيو” مع إدارة المدرسة، لقياس مستوى التعليم والثقافة، وفي بعض الأحيان المستوى الاجتماعي.
أعباء مالية ونفسية
“ابني اللي اترفض السنة اللي فاتت في مدرسة (…) بسبب الإنترفيو، واتقال عليه ضعيف ومحتاجين نخاوية عشان مدلع.. النهاردة أول يوم له في مدرسة حكومية في دولة لوكسمبورج”. بتلك الكلمات عبر ولي الأمر عن الظروف التي واجهها طفله قبل قبوله في أحد المدارس الخاصة، والتي تكون أولاً عبر بوابة “الإنترفيو”.
هذه المنهجية تلقي بأعباء مالية على الأسر المصرية، باعتبار أنهم مطالبين بتأهيل ابنهم قبل مرحلة الإنترفيو. كما أن الجانب المادي ليس هو فقط السلبية الوحيدة التي يراها المنتقدون. ذلك أن الطفل يضطر لتعلم الكتابة والقراءة وغيرها في سن مبكرة تلغي تمتعه بفترة الطفولة، واللهو مع ألعابه.
لاجتياز مرحلة “الإنترفيو” التي تحمل الأسرة أعباء ذهنية وأخرى مادية، تقوم الأسرة بإعداد أنفسهم أيضًا. من أجل تجاوز تلك المرحلة، التي تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى أكبر مشكلة تواجه الأسرة. لكن الأمر الآخر هو إمكانية رفض قبول الطفل لأسباب تجهلها أحيانًا الأسر.
وفيما تمثل تلك المرحلة أعباء مالية إضافية، فإن 2.1% من الأسر المصرية باعوا ممتلكات خاصة للوفاء باحتياجاتهم الأساسية العام الماضي، مقارنة بـ0.5% العام السابق له، وفق تقرير للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء. كما أشار التقرير إلى انخفاض إنفاق الأسر على البنود الترفيهية. مع زيادة الاستغناء عن جزء من احتياجاتها الأساسية ومحاولة التكيف مع نقص الدخل. خاصة في ظل التأثر الاقتصادي بجائحة كورونا.
مقابلات رسمية
يسبق مرحلة مقابلة الطفل، لقاء والديهم في مقابلة قد تطول أو تقصر عن مدة العشر دقائق، للتعرف على مستواهم الفكري. وتلك المقابلات تجرى مع مديرة المدرسة، بحسب ولي الأمر المهندس مصطفى محمود.
ويضيف محمود: عقب الانتهاء من ذلك اللقاء يتم مقابلة الطفل للتعرف على مهاراته اللغوية. وكذلك إجراء اختبار تحريري يتعلق بمواد الرياضة والإنجليزي والعربي، للتعرف على مستوى الطفل وهل يصلح للقبول في تلك المرحلة التعليمية، أم يحتاج إلى فصول تقوية”.
يشير ولي الأمر، الذي يدخل ضمن المستوى المتوسط للأسر بمنطقة حلوان، إلى أن مدرسة أطفاله كانت تهتم بمستوى الطفل. وكذلك القدرة المالية للأسرة لدفع المصروفات الدراسية كاملة، لذلك كانت توفر فصولاً للتقوية، لرفع مستوى الطفل.
اختبارات تحريرية
“اختبارات قراءة وكتابة”، هو ما خضع له الطفل يامن، لقبوله في إحدى المدارس الخاصة بمنطقة الشروق. بجانب سؤاله عن أسماء الحيوانات باللغتين العربية والإنجليزية وتكوينها بالمجسمات. وعن الاستعداد لذلك الوقت تقول الأم مايسة أحمد، ربة منزل: “كنت أقوم بتجهيزه وتدريبه استعدادا لتلك المرحلة التي حملت همها منذ التقديم لابني في رياض الأطفال قبلها بعام ونصف”.
انتهى يامن من الامتحان وسأل والدته إن كان قد أصبح طالبًا في المدرسة. لم ترد الأم على طفلها بالإيجاب أو الرفض تقول: “لم أعلم حينها من قبول ابني في المدرسة أم لا”. وتؤكد أنه من حق كل طفل أن يحصل على تعليم دون المرور بتلك الاختبارات التعجيزية أمام الطفل والأسرة.
انتقل يامن إلى مدرسة أخرى لظروف أسرية، ورغم قبوله في مدرسة قضى فيها عامًا، إلا أنه خضع لاختبار جديد للتعرف على مستواه مرة أخرى.
مهارات ما قبل التعليم
وقبل أيام تداول أولياء أمور منشورًا يتحدث عن ضرورة حصول الطفل على لغة مسبقًا قبل التحاقه بالمدرسة. بعدما ثار أولياء الأمور معبرين عن غضهم جراء هذا التوجه الذي لم يُعرف بعد إن كان حقيقيًا أم شائعة. لكن قصة المنشور فتحت صندوق الأسر التي تعاني دائمًا من مقابلات ما قبل التعليم.
هنا يتحدث الوالد رامي عن تجربة نجله خلال التقدم بمدرسة حكومية في لوكسمبرج، يذكر أنه قال لإدارة المدرسة: “ابني مبيتكلمش غير عربي وبيفهم شوية فرنساوي، لكن لسه مش بيكون جملة. لترد عليه موظفة البلدية، ويا ترى بيفهم في الكيمياء العضوية!. يا أستاذ المدرسة فيها ٤٠ جنسية مختلفة والأولاد بيتكيفوا بسرعة وبيتعلموا على طول. ثم لو هو عارف كل حاجة هدخله مدرسة ليه؟”.
تجاوزت الطفلة “ربا” اختبار اللغة الإنجليزية بالكامل في إحدى المدارس الخاصة، رغم رفض أطفال أخرى. لكن والدتها شيماء علي، (ربة منزل) تقول: “الإنترفيو لم يكن سهلا على الطفل. فقد تم رفض أطفال رغم التحاق أشقائهم الكبار بنفس المدرسة؛ بسبب أن الطفل لم يكن قويًا لغويًا سواء عربي أو إنجليزي”.
الأبناء يدفعون ثمن مستوى تعليم الأولياء
عبد العزيز فتحي، والذي يعمل مزارعًا، يقول إن مدرسة خاصة رفضت ابنه بسبب عدم حصول والده على مستوى تعليم جامعي. فيقول: “ظروف أسرتي لم تتيح لي الوصول إلى الجامعة، فحين أرغب برفع مستوى ابني رغم تمتعي بمستوى مالي جيد يتم رفضه. بحجة أن الأسرة لن تتمكن من متابعته منزليًا”. ليتساءل” وأين دور المدرسة؟”.
تشترط بعض المدارس الخاصة لقبول التلاميذ، حصول أولياء الأمور على مستوى تعليمي جامعي بجانب التعرف على مستواهم المادي. فتقول ولي أمر نشوى حسن، إدارية بإحدى الشركات الخاصة: “الانترفيو مع الأب والأم في المدرسة أهم من الطفل”.
تمييز مستتر
لذلك تعتبر عبير أحمد، مؤسس ائتلاف أولياء أمور المدارس الخاصة، واتحاد أمهات مصر للنهوض بالتعليم، أن إنترفيو أو المقابلات الشخصية للأطفال عند تقدمهم للمدارس الخاصة “حاجة شكلية وحبر على ورق”.
وأضافت عبير، في تصريحات خاصة لـ”مصر 360″، أن المقابلات الشخصية “بدعة” من قبل المدارس الخاصة وحجة أمام أولياء الأمور المرفوضين. حتي لا يقال إن أغلب المدارس الخاصة تميز بين أولياء الأمور أصحاب الطبقة الأعلى وأصحاب الطبقة المتوسطة والأقل. وتواصل: “طفل عنده ٣ سنين إزاي هقدر اختاره من عدمه في مقابلة شخصية، دي بدعه وحجج وتمييز”.
وطالبت “عبير” وزارة التربية والتعليم والجهات المسؤولة بالضغط علي المدارس الخاصة لإلغاء فكرة “الإنترفيو” الخاص بالأطفال عند تقدمهم للمدارس الخاصة. وحول مستوى الأسرة التعليمي ومتابعتهم للطفل أثناء الدراسة، تقول عبير إن “هذا ليس مبررا لرفض الطفل، مستنكره: “جدودنا وأهالينا لم يكن أغلبهم بيعرفوا يقرأوا ويكتبوا وطلعوا دكاترة ومهندسين، وبالتالي هذا تمييز”.
تربح وتجارة
خلال 5 دقائق خضع نجل المحاسب شهاب أحمد، والبالغ من العمر عامين و7 أشهر، لاختبار جاءت نتيجته بالرفض بسبب أنهbaby talk، أي يتحدث بطريقة الأطفال وهو ما أجاب عليه الأب: “بيتكلم كده عشان هو طفل فعلا”. لكن وتلك المدة كلفت الأب 600 جنيه.
وما بين 300 جنيه و5 آلاف جنيه، يخسر أولياء الأمور أموالهم مقابل تلك المقابلات غير المضمونة نتيجتها. فتلك الأموال تدخل في حساب المدرسة دون ردها في حالة رفض الطفل من القبول في المدرسة. وتقول عبير أحمد مؤسسة ائتلاف أمهات مصر: “في حالة رفض الطفل، تلك الأموال التي تدخل تحت بند الأبليكشين لا ترد”.
شيماء ماهر: المشكلة الأخرى بجانب اشتراطات المدرسة هي المغالاة في سعر ملف التقديم أو “الأبليكشن” الذي يصل ثمنه إلى 5 آلاف جنيه
وتشير شيماء ماهر، مؤسسة جروب “نبنى بلدنا بتعليم ولادنا”، إلى أن المشكلة الأخرى بجانب اشتراطات المدرسة هي المغالاة في سعر ملف التقديم أو “الأبليكشن” الذي يصل ثمنه إلى 5 آلاف جنيه. ولا تسترد في حال عدم قبول التلميذ. واعتبرت أن ذلك الأمر “تربحًا وتجارة”، وكان يفترض أن يرد المبلغ في حال عدم القبول.
أهداف تعليمية
على الجانب الآخر، يرى رئيس جمعية أصحاب المدارس الخاصة بدوي علام أن هناك أهدافًا مختلفة لتلك المقابلات. والتي تنحصر بين تحديد نوع التعليم الذي يحتاجه الطفل، فإذا كان من ذوي القدرات الخاصة يمكن توجيهه إلى تعليم يناسب قدراته. وتغطية نفقات المدارس الخاصة والتي دائمًا ما تتطلع للتوسع في القبول. فضلاً عن أن التشدد في شروط المقابلة ربما يحدث فى المدارس الدولية.
وعن اشتراط إجادة الأبوين للغة أجنبية، يشير بدوي إلى أن ذلك بهدف أن يكونا قادرين على متابعة دروس الطفل والمذاكرة معه. واعتبر أن العملية التعليمية تكامل بين البيت والمدرسة.
وفيما يتعلق بتفاوت سعر الأبليكشن أو طلبات التقديم، يقول بدوي إن وزارة التربية والتعليم مطالبة بتحديد سعر ثابت للأبليكيشن، على أن يحتسب ضمن مصروفات الطالب حال قبوله في المدرسة أو يرد إذا لم يتم قبوله، لمنع “بيزنس المدارس”، حسب قوله.