من دور صغير في مسرحية “حواديت”، عام 1967، إلى دور أكبر في “فندق الأشغال الشاقة” ثم “جوليو ورومييت” لفرقة ثلاثي أضواء المسرح، بدأ يعرف الشاب النحيل المائل للسمرة – نجاح الموجي، طريقه إلى قلوب جماهير المسرح، منتزعًا بخفة دمه، ضحكات الجمهور، عبر بضعة جمل هي حدود المساحة التي منحتها له تلك الأدوار.

في عام 1976 يختاره سمير غانم وجورج سيدهم، وحسن عبد السلام -مخرج  مسرحيتهما الأشهر “المتزوجون”، لأداء دور “مزيكا”. لم تتعد مساحة هذا الدور أيضًا، 14 جملة حوارية كما يذكر “نجاح” بنفسه في لقائه مع “رمسيس” ببرنامج “يا تلفزيون يا”.

لكن الشاب الذي كانت قد بدأت موهبته في النضوج، صنع من جمله الأربعة عشر مساحة كبيرة داخل العمل ومساحة أكبر في وجدان وعقل الجماهير، مغذيًا دوره الصغير بأداء حركي ملأ المسرح حيوية، وملأ جمهوره بالبهجة.

ربما كانت جملته الأشهر في “المتزوجون” ردًا على سؤال حنفي “جورج سيدهم”:  “إلا قولي يا واد يا مزيكا.. أنت تفهم في السياسة؟” ليجيبه “مزيكا” بعد أن يعتدل في جلسته واضعًا ساقا فوق الأخرى: “أفهم في السياسة!.. أنا الشعب”. الدليل الأكبر على قدرة نجاح الموجي على توظيف أدائه الحركي وتعابير وجهه ليصنع من كلمات بسيطة، موقفًا كوميديًا عالي الطراز.

 

عقب مسرحية المتزوجون. كان نجاح الموجي قد اقترب من الخامسة والثلاثين من عمره، قضى أكثر من 10 سنوات منها في أدوار صغيرة وأحيانًا صامتة. فربما فكر أن ما حققه من نجاح لا يتناسب مع قدراته، فقرر عدم قبول الأدوار الثانوية، في الوقت الذي عرض عليه تجربة مستقلة ليقوم ببطولة عمل مسرحي يحمل اسم “عيل وغلط” ليصاب بخيبة أمل بعد الفشل الكبير للمسرحية التي لم يستمر عرضها سوى 25 يومًا، لكنه استطاع أن يخرج من كبوته مقدمًا العديد من الأدوار التي حققت نجاحًا كبير.

في عام 1984 يختاره المخرج سمير سيف لأداء دور “قرني” في فيلم “شوارع من نار” بطولة نور الشريف ومديحة كامل، والمأخوذ عن قصة “إيرما لا دوس” سيناريو وحوار الفذ أحمد صالح، وهي الشخصية التي أداها نجاح الموجي باقتدار شديد رغم صعوبة الدور وتحولاته، من “صبي” لفتيات الليل إلى مونولوجست، بعد أن أُلغيت الدعارة في مصر، ثم اشتراكه في أعمال المقاومة ضد الإنجليز.

أدى نجاح الموجي خلال الفيلم، باحترافية شديدة، مونولوج  “حنكورة حكالنا حكاية” والذي يقول البعض إنه من تأليفه هو نفسه، بينما ينسبه آخرون إلى “بيرم التونسي”، ومن ألحان بليغ حمدي، ليكشف عن جانب آخر من قدراته الفنية، ويثبت قدمه كأحد أهم الممثلين الكوميديين في تاريخ مصر.

 

“حنكورة حكالنا حكاية حتقلب حالنا حوشونا حرام
خدوجة خليفة خطبها خليل ابن اخت خفاجة أمام
والمهر بحتة نتفة ستة سبعة تمانية تمام
وبنسأل صالح فالح قال بصراحة أنا معرفهومش”

https://www.youtube.com/watch?v=9J37NaCyz1o

 

خليل السباك

في العام نفسه يؤدي نجاح الموجي دور “خليل السباك” في مسلسل “أهلًا بالسكان” بطولة الفنان العظيم حسن عابدين، والفنان الكوميدية البديعة نبيلة السيد، مكررًا خلال المسلسل لزمته الشهيرة “حتسلك” مصحوبة بحركة يديه، وهي اللازمة التي استمر الجمهور يرددها سنوات طويلة، ليدخل نجاح قلوب مشاهدي الدراما المصرية من الباب الكبير.

لم يرد العام 1984 أن يمضي دون أن يتحفنا الفنان نجاح الموجي بأحد أهم شخصيات رائعة محمد خان “الحريف” ليؤدي “الموجي”  دور “عبد الله” – جار فارس (عادل إمام)، – هذا العامل البسيط الذي يُقبل على قتل جارته والاستيلاء على أموالها لسد جوع أولاده. دور بعيد عن الكوميديا يؤدي فيه “الموجي” بمنتهى الإبداع مجموعة من المشاهد المركبة الغارقة في الحزن.

 

بعد 5 سنوات يؤدي “الموجي” دور “مصطفى” في فيلم “أيام الغضب” موظف الحي البسيط الذي يُقدم كـ”كبش فداء” بعد هروب مقاول فاسد بملايين الجنيهات، ليجد نفسه في السجن، فيدعي الجنون للنجاة منه ليكتشف أن السجن كان أرحم بكثير من مستشفى الأمراض العقلية.

يأتي دور “مصطفى” والذي مُنح نجاح الموجي عنه جائزة أحسن ممثل من مهرجان دمشق السينمائي، ليؤكد تفوق نجاح الموجي وقدرته على أداء كافة الأدوار، على الرغم من أن الفيلم الذي كتبه بشير الديك وأخرجه منير راضي في تجربته الإخراجية الأولى، وقام ببطولته نور الشريف ويسرا، كان به الكثير من السقطات الدرامية، وكان مرتبكًا بشكل كبير على مستوى الحوار بل والأداء لمعظم الممثلين.

أدى “الموجي” خلال الفيلم، أغنية “اتفضل من غير مطرود”، من تأليف سيد حجاب وألحان سامي الحفناوي، ويقول نجاح إن فكرة وضع أغنية في مشهد وداع نزلاء مستشفى الأمراض العقلية لزميلهم إبراهيم (نور الشريف) كانت فكرته.

حققت الأغنية نجاحًا كبير ولا زالت تُسمع، لما حملته كلماتها ولحنها من عمق فلسفي، وما أضافه الموجي بغنائه من خفة دم ممزوجة بسخرية شديدة من هذه الدنيا كمستشفى كبير لـ”المجانين” حتى أنه يمكننا القول إن الفيلم لم يتبق منه سوى الأغنية بصوت الموجي وعبقرية أدائه.

   “اتفضل من غير مطرود.. وإياك تتجنن وتعود
   ده الداخل عندنا مفقود.. والخارج من هنا مولود..

           سلم لنا بقى على التروماي

هتسيب مستشفى المجانين.. وتعيش مع مجانين تانيين
ما هي دنيا تجن العاقلين.. أوعى تروح بقى في الباي باي”

https://www.youtube.com/watch?v=KOVm0ZdC_bY

الهرم.. شخصية فيسبوكية

في بداية التسعينيات يقدم نجاح الموجي أحد أهم أدواره وهو شخصية “الهرم” – تاجر المخدرات، في رائعة المخرج داوود عبد السيد “الكيت كات” عن قصة إبراهيم أصلان، وبطولة الفنان العظيم محمود عبد العزيز، في شخصية “الشيخ حسني” ليستطيع الموجي بأدائه الكوميدي الرشيق أن يحجز لنفسه ولشخصية “الهرم” مكانا هاما داخل العمل وفي وجدان الجمهور، رغم صعوبة هذه المهمة لأي ممثل أو أية شخصية في ظل أداء محمود عبد العزيز المبهر لشخصية الشيخ حسني، تلك الشخصية الأسطورية.

يمكن ملاحظة النجاح الكبير لشخصية “الهرم” من خلال صفحات تحمل الاسم نفسه على وسائل التواصل الاجتماعي، والفيديويهات القصيرة التي يتداولها روادها من فيلم الكيت كات. ورغم أنه ليس أفضل أعماله الفنية، وليس الشخصية المحورية في الفيلم، لكن الموجي بات مرتبطا باسم الهرم في أذهان حديثي السن.

 

التحويلة.. الموجي بطلا

في عام 1996 قدم نجاح الموجي البطولة الوحيدة الأولى في فيلم “التحويلة” من إخراج أمالي بهنسي، وتأليف وجيه أبو ذكري، والذي جسد فيه شخصية “حلمي أمين عبد السيد” عامل التحويلة المسيحي، الذي يُوضع في المعتقل السياسي بدلًا من شخص آخر، هرب من ضابط الترحيلة المكلف بنقله وزملائه إلى السجن، ليجد “حلمي” نفسه وراء القضبان باسم آخر.

يحاول “حلمي” بمساعدة أحد الضباط إثبات شخصيته، لكن تيار الفساد الجارف كان أقوى من محاولتهما ليواجها الموت بالرصاص على يد أحد ضباط المعتقل والذي تستر على الزج بـ”حلمي” في السجن بديلًا لسجين آخر ليخلي مسؤولية ضابط الترحيلة ابن المسؤول الكبير.

قدم نجاح الموجي مشاهد “التحويلة” بأداء مبهر، رغم ما حملته الشخصية من تعقيد شديد، وتحولات كبيرة لمواطن بسيط أحب وطنه وآمن بحماته، وحلم بأحلام بسيطة، تعليم ابنه، وتوفير جهاز لابنته المصابة بشلل الأطفال، ثم اصطدم بمن آمن بهم يزجون به في السجن ليتعرف على عالم آخر مليء بالقهر داخل هذا السجن.

استمر نجاح الموجي في أداء الأدوار التي تجمع بين خفة الدم الطاغية والعمق الشديد، لشخصيات مركبة، جمعته بها ظروف كتلك التي مر به، فقر وألم، إخفاقات ونجاحات، حتى رحل في مثل هذا اليوم من عام 1998، وهو في قمة تألقه، تاركًا العديد والعديد من الأعمال التي حفرت شخصياته بداخلها، وبصياغات عديدة،  جملة واحدة هي : “عبقري مر من هنا”.