بدأت وزارة المالية أولى خطوات إخضاع صناعة المحتوى الرقمي ضريبيًا ضمن التحركات المكثفة التي تبناها في ضبط التجارة الإلكترونية. وذلك بعد تزايد العاملين في ذلك المجال وارتفاع ربحيته التي تصل إلى 17 ألف جنيه، على كل مليون مشاهدة في المتوسط.
وقال مصطفى عبدالقادر، رئيس مصلحة الضرائب، في بيان رسمي للمصلحة، السبت، إن الأفراد الذين يقومون بنشاط صنع المحتوى (البلوجرز – اليوتيوبرز) عليهم التوجه للمأمورية الواقع في نطاقها المقر الرئيسي للنشاط. لفتح ملف ضريبي للتسجيل بمأمورية الضريبة على الدخل المختصة، وكذلك التسجيل بمأمورية القيمة المضافة المختصة متى بلغت إيراداتهم 500 ألف جنيه خلال 12 شهرًا من تاريخ مزاولة النشاط.
لا يمكن فصل التحركات الحكومية لإخضاع نشاط صناعة المحتوى عن سياق أكبر بضم التجارة الإلكترونية. والتي تقول وزارة المالية إن هدفها هو تحقيق العدالة الضريبية وضم الاقتصاد غير الرسمي ليعمل تحت مظلة الدولة.
أصبح الأشخاص والشركات التي تبيع منتجاتها من سلع أو خدمات من خلال المواقع الإلكترونية ملزمين بسرعة التسجيل في المصلحة وفتح ملف ضريبي إذا تخطى حجم أعمال المشروع سنوياً حدود الـ500 ألف جنيه. لكن الفارق أن البلوجرز يخضعون لضريبة الدخل بينما التجارة الإلكترونية لضريبة القيمة المضافة بنسبة 14%.
الأكثر مشاهدة
تحتل قنوات “اليوتيوبرز” المشاهير في قائمة الخمسين قناة الأكثر مشاهدة على يوتيوب مثل قناة “شادي سرور” الذي سجل 1.4 مليار مشاهدة. وقناة “عمر” بنحو 1.6 مليار مشاهدة، و”أحمد وزينب” التي حققت قرابة 1.2 مليار مشاهدة لإجمالي المقاطع المعروضة.
بحسبة بسيطة يتضح أن مكاسب شادي سرور من اليوتيوب سنويًا لا تقل عن 23 مليون جنيه، وعمر 23.3 مليون جنيه وأحمد وزينب نحو 21.1 مليون جنيه. وهي مبالغ كبيرة لا تخضع لأي نشاط ضريبي كما أن شبه صافية باعتبار أن المضمون الذي تقدمه تلك القنوات لا يتضمن تكاليف ويتم تصويرها بأبسط آلات التصوير.
ويتبين من شكل حياة اليوتيوبرز والبلوجر بمصر تمتعهم بمستوى معيشة تفوق الكثير من رجال الأعمال. حتى أن أحمد حسن حينما حضر تحقيقات النيابة في اتهامه بالتحرش وتحريض فتاة على الفسق، خلال محادثة بينهما عبر تطبيق “واتساب” بسيارة لا يوجد مثلها في مصر، إلا عدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة.
أحمد حسن الجدل أثار الجدل أخيًرا عندما زعم احتراق سيارته الفاخرة التي تزيد قيمتها عن مليون جنيه قبل أن تشكك النيابة في الواقعة. ويتبين أن الحادث ربما لزيادة المشاهدات على مواقع التواصل الاجتماعي لتصادفه مع حادثة شبيهة ليتيوبر روسي أقدم على حرق النار بسيارة من الماركة ذاتها احتجاجا على خدماتها للصيانة.
وتأتي قناة الممثل “محمد رمضان” بالمركز الرابع في قائمة العشرة قنوات الأوائل من حيث المشاهدات بإجمالي 2.3 مليار مشاهدة. بينما يتربع “حسن شاكوش” على عرش أغاني المهرجانات بنحو 1.3 مليار مشاهدة يليه فيجو الدخلاوي بنحو 497 مليونًا وحمو بيكا 477 مليونًا.
ولاشك ان هذه المشاهد دفعت مصلحة الضرائب للتحرك في هذا الملف، للاستفادة من مكاسب المشاهير واللاعبين الجدد في عالم اليوتيوب.
أرباح كبيرة
يتوقف معدل الربح من اليوتيوب على الكثير من العوامل منها: الموقع الجغرافي للمشاهدين. والمحتوى الذي تتناوله المقاطع المصورة، والوقت الذي يقضيه المشاهدين في مشاهدة الفيديو ومدى تفاعلهم مع الفيديو. لكن في المتوسط لا يقل عن ألف دولار لكل مليون مشاهدة.
ووفقًا لخبراء فإن معدل الاستخدام اليومي للفرد المصري ما يقرب من 8 ساعات نصفها سوشيال ميديا. موضحين أن الفيس بوك يحسب المشاهدة بعد ثلاث ثوان واليوتيوب بعد نصف دقيقة.
يقول أحمد طنطاوي، خبير الاتصالات، إن إخضاع صناعة المحتوى للضرائب متأخرة كثيرًا بالنسبة لدولة كبيرة بحجم مصر. بعدما طبقتها الكثير من دول العالم، ومنها دول بالمنطقة، مثل الإمارات التي بدأت تطبيقه منذ حوالي 4 سنوات، والسعودية التي بدأت في التنفيذ العام الماضي.
يضيف أن سبب التأخير في مصر مرتبط برقمنة كل الوزارات وربطها ببعضها البعض في برنامج متكامل قائم على استخدام البيانات الموحدة في جميع الجهات الحكومية. عبر مشروع مصر الرقمية والذي يهدف لجعل أغلب المعاملات رقيمة ومن بينها بالطبع المعاملات الضريبية.
لكن طنطاوي يطالب مصلحة الضرائب بشرح القانون بعناية وتوضيحه حتى لا يكون هناك تضارب خاصة أن “اليوتيوبرز” قد يضعون تكاليف مبالغ فيها لصناعتهم. وهل ستخضع للخصم من المنبع كما تفعل أمريكا والهند مع ضرائب اليوتيوب، أم أنها ستكون لاحقة وتعتمد على تقدير اليوتيوبرز والبلوجرز.
ووفقًا لمسؤول بمصلحة الضرائب فإن المصلحة تقصد بـ”البلوجرز” و”اليوتيوبرز” كل من يملك صفحة أو مجموعة ويبيع أي منتج عبر أي منصة تواصل اجتماعي. سواء فيسبوك، أو واتساب، أو تليجرام، أو انستجرام طالما يدر هذا النشاط عائدا ماليا.
كما ينطبق على كل من يقدم محتوى مرئي “فيديوهات” عبر يوتيوب أو فيسبوك أو غيرها. طالما يحصل على مقابل مادي مقابل عدد المشاهدات، سواء كان محتوى ترفيهي أو تعليمي أو اجتماعي مع استثناء من يقدمون خدمات عامة.
تعاملات إلكترونية
تستهدف وزارة المالية على المدى البعيد تنظيم تعاملات التجارة الإلكترونية للشركات أو الكيانات غير المقيمة. والتي تقدم خدمات مدفوعة بشكل مباشر للمستهلكين داخل مصر مثل مواقع حجز الفنادق ورحلات الطيران. ومنصات عرض الأفلام والمسلسلات عبر الإنترنت، ومواقع النقل التشاركي، وأيضا الإعلانات على موقع فيس بوك.
كما قررت وزارة المالية إخضاع المطاعم والمحال الخاصة بالمأكولات والتي تقدم خدماتها للعملاء عن طريق خدمة توصيل الطلبات عبر مواقعها الإلكترونية. لضريبة القيمة المضافة 14%، مؤكدة أن ذلك يتماشى مع اتجاه العالم إلى فرض ضرائب سواء ضرائب الدخل أو القيمة المضافة على التجارة الإلكترونية والاقتصاد الرقمي عمومًا.
يقول المصدر إن العدالة الضريبية تتطلب أن يتم إخضاع الجميع للضرائب. فمن غير المنطقي أن تكون أرباح البعض صافية ويدفع غيرهم ضرائب على أنشطة صناعية تحقق العائد ذاته، رغم قيامهم بالتشغيل وتوفير فرص العمل.
وأكد المصدر صعوبة تحديد العائد الإجمالي من ضريبة اليوتيوبرز والبلوجرز في مصر حاليًا. لكنه يشير في الوقت ذاته إلى أن العائد سيكون كبيراً فالضريبة المستحقة على ثلاثة من اليوتيوبرز الكبار في مصر تتجاوز 9.5 مليون جنيه.
وتستهدف وزارة المالية تحصيل نحو 983 مليار جنيه من الضرائب خلال العام 2021-2022. بينها 207.2 مليار جنيه لضريبة القيمة المضافة “ضريبة على القيمة المضافة على السلع”. موزعة بين 128.3 مليار جنيه على السلع المستوردة، و78.9 مليار جنيه على السلع المحلية.