تصدر تنظيم القاعدة الجماعات الجهادية الراديكالية في العالم لسنوات، وتمكن من حشد ولاء أغلب التنظيمات المسلحة الأصغر حجما والمنتشرة في قارات العالم. بعد نجاح عناصره في تنفيذ أكبر عملية إرهابية شهدتها الولايات المتحدة منذ نشأتها والمتمثل في استهداف برجي مركز التجارة العالمي عام 2001.
ورغم العمليات العسكرية الأمريكية في أفغانستان والعراق التي أسفرت عن احتلال البلدين. ظل تنظيم القاعدة قادرا على تحقيق انتصارات كبيرة. كان أبرزها نجاح إحدى فروعه المسمى “قاعدة المغرب الإسلامي” في السيطرة على شمال مالي بالكامل في أبريل 2012. وحكم منطقة شاسعة تمتد إلي داخل الصحراء الكبرى في النيجر وبوركينا فاسو وموريتانيا وتصل إلي جنوب الجزائر وليبيا..
تسببت تلك النجاحات في حشد تأييد دولي للتدخل العسكري بقيادة فرنسية مدعومة بقرار من الأمم المتحدة في يناير 2013. لاستعادة السيطرة على المناطق التي استولى عليها “المجاهدون المسلحون” في المنطقة.
نجح التدخل العسكري الفرنسي بغطاء من الأمم المتحدة وبمشاركة قوات محلية من مالي وبعض دول غرب أفريقيا. في طرد الجزء الأكبر من الجهاديين إلى عمق الصحراء. ليتراجع تنظيم القاعدة ويخسر أحد أهم مناطق نفوذه الذي كان قد أعلنها “ولاية إسلامية” سبقت إعلان داعش لدولتها في العراق وسوريا عام 2014.
بدأت إرهاصات ظهور داعش ومشاركتها في القتال بفاعلية في سوريا والعراق منذ العام 2012. وانتصاراتها وسيطرتها على بعض المناطق فيهما. بينما كان مقاتلو القاعدة يتراجعون في كل مكان من أفغانستان والعراق وحتى إمارة مالي والصحراء.
تسبب التراجع في انشقاقات مجموعات كبيرة كانت موالية للقاعدة في منطقة “المغرب الإسلامي والصحراء الكبرى الأفريقية”. وخروج تنظيمات عديدة من عباءتها منها تنظيم “التوحيد والجهاد” و”الملثمون” وغيرها..
ميلاد “المرابطون” من توحيد انشقاقات القاعدة
تأسس تنظيم “المرابطون” في الثالث والعشرين من أغسطس عام 2013. من اندماج تنظيمي “الملثمون” بقيادة المختار بلمختار المسمى “خالد أبو العباس” المنشق عن قاعدة المغرب الإسلامي في العام السابق. مع حركة التوحيد والجهاد بزعامة “أحمد ولد العامر” والمسمي “أحمد التلمسي”. نسبة إلي منطقة تلمسي في شمال مالي، والمنشق أيضا من تنظيم قاعدة المغرب الإسلامي.
تبني التنظيم رؤية قريبة من “القاعدة” بمرجعيته “السلفية الجهادية”. التي تدعو إلى تحدي وقتال حكومات الدول التي بها مسلمين لفرض تطبيق “الشريعة”. وإعلان “الحكم الإسلامي” وفقا لرؤيتها ومفهومها للشرع والدولة الإسلامية.
“المرابطون” يفرضون سيطرتهم على الصحراء
تمثلت عناصر قوة التنظيم في أعداد مقاتليه الكبيرة من العناصر المدربة جيدا والعائدة من أفغانستان والعراق. بعد هزيمة تنظيم القاعدة في البلدين، وتشتت الكثير من مقاتليه الذين وجدوا في منطقة الصحراء الكبرى الأفريقية ملاذا آمنا وموطنا للاستمرار في “الجهاد”. حتى أن أول أمير للتنظيم كان من العائدين من أفغانستان وهو المصري “أبو بكر المهاجر”. الذي شارك في المعارك في أفغانستان مرتين ضد الاتحاد السوفيتي في الثمانينات. ثم ضد الاحتلال الأمريكي بعد أحداث 11 سبتمبر 2001.
استفاد التنظيم أيضا من وجود الكثير من العناصر المنتمية للقبائل العربية المنتشرة في الصحراء الكبرى وشمال مالي. وهم الأدرى بمسالك الصحراء ودروبها. ما مكن مقاتليه من التحرك بفاعلية عبر الصحراء وتنفيذ عملياتهم التي تعتمد مبدأ حرب العصابات والعمليات النوعية المفاجئة التي تستهدف مواقع محددة ذات تأثير في البلدان المستهدفة مثل الفنادق والمطاعم. أو نصب الكمائن لعناصر الجيش والقوات الدولية.
المصدر الأقوى لقوة التنظيم تمثل في السيطرة على تجارة التهريب عبر دروب الصحراء الكبرى. التي ورثت خطوط التجارة القديمة بين أفريقيا جنوب الصحراء والشمال الإفريقي. حيث فرض التنظيم رسوم على المهربين عبر الصحراء. كما مارس بنفسه عمليات التهريب واهم عناصرها الدخان والمخدرات ومنبع الثروة تهريب البشر الراغبين في الوصول لشواطئ المتوسط الافريقية متطلعين إلى عبور البحر نحو شواطئه الأوروبية، وهو ما مكن التنظيم من توفير تمويل كبير لتسليحه وعملياته.
تميز المرابطون أيضا بقدرات تسليحية جيدة مقارنة بباقي المجموعات الجهادية في المنطقة. بسبب استيلائه على كميات كبيرة من الأسلحة الثقيلة من ليبيا بعد سقوط نظام حكم القذافي. واستيلاء عناصره على الكثير من أسلحة المعسكرات الليبية خاصة الموجودة في الجنوب الليبي والمرتبطة بالصحراء الافريقية الكبرى.
داعش تنافس القاعدة على ولاء المرابطين
قتل أول أمير للتنظيم في أبريل 2014، وتولي “التلمسي” الإمارة بعد رفض “بلمختار” لها، لكن سرعان ما قتل التلمسي على يد القوات الفرنسية قبل نهاية العام 2014، في وقت كان فيه بلمختار مع بعض أعضاء مجلس شورى التنظيم خارج منطقة “أزواد” معقل التنظيم الرئيسي.
استغل “أبو الوليد الصحراوي” عضو مجلس شورى المرابطون وأحد أعضاء التوحيد والجهاد سابقا. غياب بلمختار وأخذ البيعة من أعضاء الشورى الموجودين معه وأعلن نفسه أميرا. ما رفض الاعتراف به بلمختار وأنصاره من أعضاء تنظيم “الملثمون” في السابق.
ظل الخلاف داخل التنظيم قائما بدون الإعلان عنه، حتى أغرت انتصارات داعش المبهرة في العراق وسوريا وإعلانه دولة الخلافة على أجزاء من البلدين، أمير المرابطين “الصحراوي” لإعلان بيعة جماعته لداعش بقيادة أبو بكر البغدادي. في الوقت الذي كان بلمختار قد بدأ مشاورات مع أنصاره بهدف العودة للاندماج في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
نشر الصحراوي تسجيل صوتي في مايو 2015 يعلن بيعته لداعش داعيا كل الجماعات الأخرى لتوحيد “كلمة المسلمين وإعلان بيعتها للخليفة أبو بكر البغدادي ورص الصفوف للدفاع عن “دولة الخلافة”، نافيا وجود أي صلة بين جماعته المرابطون وتنظيم القاعدة.
عارض بلمختار بيعة الصحراوي لداعش. وأعلن مواصلة المشاورات مع القاعدة لتحقيق الاندماج. ونجح في حشد تأييد مجلس شورى التنظيم لعزل الصحراوي وتنصيب بلمختار اميرا جديدا للمرابطين، والذي أعلن ولائه وبيعته لتنظيم القاعدة من جديد. وتبنيه لمنهج أهل السنة والجماعة بعيدا عن “غلو وتطرف” داعش، داعيا “كل المجاهدين” لتوحيد صفوفهم في مواجهة المحتل الفرنسي وأعوانه.
أهم العمليات التي نفذها تنظيم المرابطون
استهدف هجوما للتنظيم مطعما في العاصمة المالية باماكو في السادس من مارس 2015، قتل خلاله خمسة من الأوروبيين وأصيب ثمانية بينهم عسكريان سويسريان بإصابات خطيرة.
نجحت عناصر من التنظيم في اقتحام فندق “راديسون” أهم فنادق العاصمة باماكو وأخذ 170 من الرهائن أغلبهم من جنسيات غربية، قبل أن تنجح القوات الخاصة الفرنسية والمالية في تحريرهم في هجوم أسفر عن مقتل 20 شخصا من جنسيات وأمريكية وصينية وروسية.
الهجوم على مطار “غاو” في شمال مالي والذي تستخدمه القوات الفرنسية وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في التاسع والعشرين من نوفمبر 2016.
مهاجمة مطعم “كابتشينو” و فندق “سبلنديد” في واجادوجو عاصمة بوركينا فاسو في يناير 2016. وهي العملية الأخطر على الإطلاق نظرا لوقوعها خارج منطقة نفوذ التنظيم. وكونها الأكثر دموية، وأسفرت عن مقتل 29 شخصا وإصابة 20 أخرين.
تفجير عربة نقل عسكرية في كمين نصبه التنظيم لجنود من الجيش المالي في دورية بين مدينتي نتهاق وغاو، وأسفر عن مقتل ستة جنود ماليين.
هجوم انتحاري في الثامن عشر من يناير 2017 علي معسكر يضم العناصر المقاتلة من “الأزواد” الموالين للحكومة، والذين تلقوا تدريبات لمكافحة العناصر الجهادية من “المرابطين” أسفر عن مقتل 47 منهم في مدينة “غاو” شمال مالي.