تضع الأحداث الجارية في أفغانستان، الملف الحقوقي الديمقراطي الإدارة الأمريكية الجديدة، تحت قيادة جو بايدن، أمام اختبار صعب، والذي أعلن منذ حملته الانتخابية أنه لن يمنح شيكات على بياض لأحد، واضعا الأمر في قلب سياساته الخارجية.

وعلى خلفية الاحتجاجات المحتدمة، والتحديات الاقتصادية، والنضال المستمر لاحتواء جائحة كورونا، وتداعيات الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، أطلق معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى سلسلة من الأوراق السياسية للمساعدة في توجيه نهج إدارة بايدن بشأن الديمقراطية، والإصلاح وحقوق الإنسان والتغيير السياسي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وفقا لمعطيات المنطقة.

الدراسة التي تبناها الكاتبان اليمنيان ديفيد بولاك، وروبرت ساتلوف، تشير إلى أن ماقاله وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن في حفل تنصيبه عن الدعم المطلق للديمقراطيات بالعالم دون اللجوء إلى فرضها بالقوة، جزء من السياسات التي تتبناها الإدارة الجديدة خلال المرحلة المقبلة. وذلك بعد أن أثبت التدخل العسكري فشلا في التخلص من الأنظمة المستبدة، وأحدث خسائر فادحة في سمعة الديمقراطية التي اعتبرها الجمهور الأمريكي مرادفا للخراب، والفشل، بحسب بلينكن.

وفي منطقة يطالب فيها الجمهور بالرعاية الصحية والإسكان والوظائف وحرية التعبير، لا يجب أن يكون التقدم نحو الديمقراطية الانتخابية دائمًا على رأس الأولويات بحسب الدراسة.

وعليه يقدم الخبيران، توصيات واسعة لإعادة تصور أجندة الديمقراطية وحقوق الإنسان الأمريكية في المنطقة، والتي يظهر في جوهرها دعوة للتعرف على المسارات العديدة لتحسين حقوق الإنسان، ونظم الحكم بالمنطقة، والديمقراطية التشاركية وارتباطها بمجموعة من المصالح الأمريكية.

حيث ينبهان إلى أنه لا يجب أن يكون التقدم نحو الديمقراطية الانتخابية دائمًا على رأس الأولويات في ساحة يطالب فيها الجمهور الإقليمي بالحقوق الأساسية مثل الرعاية الصحية والإسكان والوظائف وحرية التعبير.

 

https://masr360.online/%d8%a3%d8%ae%d8%a8%d8%a7%d8%b1/%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d8%b3%d8%a9/%d8%a8%d8%a7%d9%8a%d8%af%d9%86-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%b1%d9%82-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%88%d8%b3%d8%b7-%d8%ad%d9%85%d9%84%d8%a7%d8%aa-%d8%b6%d8%ba%d8%b7-%d8%b3%d8%b9%d9%88%d8%af%d9%8a%d8%a9/?highlight=%D8%A8%D8%A7%D9%8A%D8%AF%D9%86

حقوق الإنسان..استراتيجية الأولويات

وتسعى الدراسة إلى وضع استراتيجية جديدة في مواجهة الممارسات القمعية، والانتهاكات التي يمارسها الحكام في منطقة الشرق الأوسط، فيما يخص الملف الحقوقي، واعلاء القيم الديمقراطية الأمريكية، ولكن عبر مسارات جديدة.

يشرع الكاتبان في وضع تحليل للوضع الأمريكي في الشرق الأوسط والموقف من الحقوق والحريات، إذ يؤشر إلى أن سيطرة الشرق الأوسط على الأجندة الأمريكية الخارجية، لا يجب أن تتركز سياساته في مسألة القيم الديمقراطية في تعريفها الاجرائي والقانوني، وإنما يجب أن ترتبط بأولويات عدة منها تخفيف حدة الصراعات الإقليمية، والأهلية في المنطقة المضطربة التي تموج بأحداث العنف.

يدلل المحللان على ذلك باستطلاعات الرأي العام في المنطقة التي تظهر أن الانتخابات وغيرها من الديمقراطية الممارسات السياسية ليست على رأس قائمة الأولويات الشعبية في معظم مجتمعات الشرق الأوسط، وأن الرفاه الاقتصادي، والامن المادي يأتي قبل أي تطلعات سياسية.

وفي الحقيقة، فإن الأقليات في معظم البلدان الأقليمية التي شملها استطلاع الرأي هي التي تعتقد بأن الانتخابات الحرة ضرورية لممارسة الديمقراطية، أما الأغلبية فهي تعتقد أن الرعاية الاجتماعية الخدمية، خاصة فيما بعد وباء كورونا هي الأكثر حاجة، من أي إجراءات.

ويعتبر الخبيران أن الرفاه الاقتصادية لاتتعارض ونهج إدارة بايدن المعلن في نشر قيم الديمقراطية في الشرق، وأنهما يجبا أن يكملا بعضهما البعض، كما أن الولايات المتحدة لديها فرصة لدعم القيم الديمقراطية في حال اختارت الحفاظ على قوة تواجدها في المنطقة.

وبالنظر إلى معطيات هذه المنطقة، فإن دعم الولايات المتحدة لمزيد من الإصلاح، والإنصاف يأتي في إطار دعم القيم الديمقراطية، بحيث تكون أكثر اتساقا مع مطالب المنطقة.

القيم والمصالح

في الوقت نفسه تعكس رؤية الدراسة للامر في الشرق الأوسط، وجهة نظر اليمين الأمريكي المتصهين تجاه قضية الديمقراطية، ففي المسألة الفلسطينية، يشرعا في تبرير عدم اعتراف الولايات المتحدة بوصول حركة المقاومة الإسلامية حماس لسدة الحكم حتى لو كان ذلك عبر الصندوق، نظرا لما يسمياه بمنطق القوة الذي قامت على أساسه الحركة.

وفي المقابل فإنهما يوجبان الحفاظ على علاقاتهما الاستراتيجية بمجموعة من الأنظمة الاستبدادية، مثل تلك الموجودة في أنقرة، على الرغم من سجل حقوق الإنسان والديمقراطية المتراجعين.

أما أسبابهما في ذلك فهي سحب تركيا بعيدًا عن روسيا ودفعها نحو الوفاق مع الأكراد السوريين وذلك لدعم مصالح الولايات المتحدة في منافستها أمام موسكو، وهما المثالين الذين يرون بأنها يدعما فكرتهما عن الجمع بين القيم، والمصالح الأمريكية.

يقترح الكاتبان البدء في نشر القيم الحقوقية فيوصيان من خلال الدراسة، بالبدء بالحريات الفردية التي من الممكن العمل عليها دون التعرض للقمع، أو مخاطر الثورات، ومنها إلى يمكن الانطلاق إلى قيم ديمقراطية أوسع وأشمل تصل إلى الانتخابات الحرة.

يعتبر الكاتبان أن هناك فرص وتحديات بالشرق الأوسط سانحة امام الأهداف الأمريكية، خاصة في ظل تجارب ديمقراطية ناقصة يمكن البدء بها، كما هو الحال مع الكويت في الخليج، وكذلك المغرب اللذان يملكان برلمانان منتخبان.

العصا والجزرة

تذكر الدراسة التجربة التونسية التي وصفتها بالهشة مؤكدة ضرورة دعمها كنموذج ديمقراطي مهم، وإن كان هناك شك فيها بعد الإجراءات التي اتخذها الرئيس قيس بن سعيد.

وفي السعودية، فبالرغم من أن جرح جمال خاشقجي الصحفي المغدور لازال غائرا، إلا ان التقدم على مستوى انفتاح البلد، ومحاولتها لتقديم نفسها كمعقل للاسلام المعتدل أمرا يجب أخذه في الاعتبار، وغن شككت الدراسة في نوايا المملكة التي تزامن تغير سياساتها مع قدوم بايدن، وتحفظاته المعروفة على الملف الحقوقي لها.

جمال خاشقجي

أشارت الدراسة إلى ضرورة عدم التوسع في استخدام أدوات مثل العقوبات أو قطع المساعدات أو المقاطعات، وتوجيهيها للكيانات المناسبة، وتضييق استعمالها حتى يمكن من ضمان فاعليتها، خاصة في قضايا الفساد، والاستبداد.

في مقابل “العصا” تحث الدراسة على استخدام “الجزرة” في التجارب التي حققت نجاحا نسبيا، كالحالة السودانية التي يبدو أن امامها طريقا طويلا للوصول لانتخابات حرة، ولكن على الأقل في الوقت الحالي تتشارك الجهات المدنية الحكم، مع القوات العسكرية، كما أعلنا عن نيتهما تسليم الرئيس المخلوع عمر البشير إلى المحكمة الدولية.

وفي الحالة المصرية تشير الدراسة إلى أن المفاوضات عبر القنوات الخاصة غالبًا ما تحقق نتائج أفضل كثيرا عن اللجوء إلى المواقف الحادة مثل قطع المساعدات، أو الانتقاص منها، أو حتى التعرض للسياسات العامة بالنقد العلني، ما يخلق لهجة متحدية من جانبهم.

وفي حالة مصر، الحكمة في التعامل مطلوبة باعتبارها حليف مهم، والاكتفاء بالحديث الخاص، بديلا عن تجميد أموال المساعدات، فضلا عن الاعتراف بمواجهتهم لمشاكل تتعلق بالإرهاب، حيث يخدم ذلك أي مفاوضات مع القاهرة.

وترى الدراسة أن حلحلة بالوضع قد حدثت رغم كل شيء فالقاهرة التي واصلت المطالبة باحتجاز الناشط محمد سلطان بعد عودته إلى الولايات المتحدة، اتخذت خطوات في الافراج عن نشطاء سياسيين خلال الفترة الأخيرة.

وعليه ترى الدراسة أن قطع المساعدات الامريكية عن مصر لن يساهم في التقدم في ملف حقوق الانسان، رغم وجود الكثير من الانتهاكات، وأن الحل في الضغط عبر المحادثات الخاصة.

نتائج ملموسة

توجه الدراسة البحث عن نتائج ملموسة، بديلا عن سياسة قطع المساعدات لتلك البلاد غير المجدية، ولكن يجب التدقيق في عدد السجناء السياسيين المفرج عنهم، ومراقبة معاملة الدولة الأقليات العرقية أو الجنسية، أو السماح بالسفر، والعودة للوظائف بالنسبة للمعارضين.

تطرقت الدراسة إلى علاقة الولايات المتحدة مع السلطة الفلسطينية التي بدأت في التحسن، ولكنها تتغافل عن وقائع فساد، ومساس بالحريات الفردية، ما ألحق بها تراجعا شعبيا في الداخل بحسب استطلاعات الرأي، وعليه فإن محاولات واشنطن لتثبيت أقدامها في مواجهة “حماس” لن يحقق نتائجه دون التخلص من تلك المشكلات.

وفي حرب المعلومات التي طالما أعلنت الولايات المتحدة أنها يجب ان تكون دائما على رأس المنافسة عليها خاصة مع الصين، توضح الدراسة إلى أن حديث بايدن عن قراصنة الانترنت ربما تكون إشارة إلى روسيا، ولكن هناك كيانات شرقية متورطة في الامر مثل إيران، وكذلك السعودية، والامارات خلال الفترة الأخيرة.

وتوصي الدراسة بإنشاء جبهة مشتركة للدفاع عن مصالح الولايات المتحدة، وتقترح في هذا الشأن الاحتلال الإسرائيلي كحليف، بما يتوافق مع رؤية اليمين الأمريكي، ولكنها في الوقت نفسه توجب ضرورة عدم إساءة استغلال تلك المعلومات في مناهضة الديمقراطية.

وذلك على ضوء العلاقات المتنامية بين الشركات الإسرائيلية المتخصصة في برامج التجسس، وبعض الحكومات العربية، وقضية بيجسوس الشهيرة، على اعتبار أن هذه التكنولوجيا سلاح ذو حدين.

دور منظمات المجتمع المدني

تقترح الدراسة إنشاء قنوات بين الإدارة الأمريكية ومنظمات المجتمع المدني في المنطقة، منعا لاساءة استخدام المعلومات، خاصة فيما يتعلق بالقمع السياسي.

في السياق ذاته وعدت الدراسة إدارة بايدن بالاستفادة من التواصل مع المنظمات غير الحكومية، وقادة المجتمع المدني وعدم الاكتفاء بالمسؤولين الحكوميين، عند صياغة السياسات الخاصة بحقوق الانسان في المنطقة وآليات تنفيذها.

تطرقت الدراسة لقمة الديمقراطية التي يزمع بايدن تنظيمها وتوجه إلى ضرورة ضم القادة المدنيين، والاقليات إليها كما في الحالة التركية، في حين أنها تنتقد الاجتماع بقادة المعارضة من الإسلاميين في مصر، والذين ترى الدراسة أنهم يستغلون ذلك في الدعاية لفكرهم، غير الديمقراطي.

وبعبارة أخرى، فإن المجتمعين يجب أن لا يقتصروا على الوفود الرسمية، كما لايجب أن تستهدف الحكومات الصديقة، بهدف خلق توازن بين القوة الدولية، وضمان التواجد الأمريكي على المسارات كافة.

إيران وملف حقوق الانسان

تستعرض الدراسة نموذجي إيران والاحتلال الإسرائيلي للتدليل على اعتبارات حقوق الانسان، والديمقراطية في تجربتهما، عبر طرفي نقيض من موقفهما الحليف، أو المعادي للولايات المتحدة.

وتقول الدراسة على عكس معظم حالات الشرق الأوسط الأخرى، فإن إيران خصم للولايات المتحدة، لذلك من السهل على واشنطن الضغط عليها فيما يخص ملف حقوق الانسان، والممارسات القمعية.

مخاوف من تحويل جلسات الاتفاق النووي في فينا إلى استنزاف

وقد تجددت الاحتجاجات الشعبية ضد الفساد والقمع في المدن الإيرانية ، بالتزامن مع انتخاب رئيس أكثر تشددا وهو إبراهيم رئيسي، وهو الأمر الذي يؤكد على الحاجة الملحة لهذا الطريق، كما لا ينبغي أبدا أن تكون هذه القضية رهينة المفاوضات النووية أو أي مفاوضات أخرى مع طهران.

الاحتلال الإسرائيلي الحليف

في حالة الاحتلال الإسرائيلي توصي الدراسة بضرورة الثناء على الطابع الديمقراطي لها، مشيرة في ذلك إلى سجلها الحالي فيما يتعلق بإدراج 20٪ من المواطنون العرب في العمل بالسياسة والتعليم والاقتصاد، الصحة العامة وجميع القطاعات الأخرى تقريبًا.

في الوقت نفسه، يجب على الولايات المتحدة ألا تخجل من انتقاد أي مشاكل فيما سمته بالديمقراطية الإسرائيلية أو ممارسات حقوق الإنسان.

واعتبرت الدراسة أن الاتجاهات الأخيرة تتحرك بشكل أكثر إيجابية، بالمقارنة بالنفس بالأحداث خلال الأشهر الماضية، والذي كان مدعاة للقلق، على خلفية انتفاضة الشيخ جراح.

بايدن يسير على النهج التقليدي بدعم إسرائيل

وتقول الدراسة أنه منذ ذلك الحين، استبعدت الحكومة الإسرائيلية الجديدة المتدينين والقوميين المتطرفين، كما تم تضمين الحكومة حزب سياسي عربي إسرائيلي مستقل ،

وتقترح الدراسة أن تظل أن يبقى التفاوض على تلك القضايا بعيدا عن التلويح بوقف المساعدات وذلك بمعزل عن القضية الفلسطينية.

تلك القضية التي تراها الدراسة ذات أبعاد دبلوماسية وقانونية وأخلاقية مختلفة، كما أن أي محاولة لجمعها مع الحكم الداخلي الإسرائيلي أو حقوق الإنسان، فهو طريق يقود إلى تقويض الديمقراطية، والقيم الامريكية بأكملها.