يستعد فريق من اللاهوتيين والمفكرين المسيحيين لإطلاق وثيقة بعنوان “نختار الحياة” كوثيقة مرجعية في الشرق الأوسط. تقدم رؤية جديدة لأوضاع المسيحيين وتطرح خيارات متجددة في الفكر والسياسة والاجتماع، وذلك غدا الثلاثاء بكنيسة مار إلياس بلبنان وفقا لبيان صادر عن مطلقي الوثيقة التي تطرح للتوقيع عليها والانضمام لها بدء من الغد.
الوثيقة تقدم -مثلما يعلن أصحابها- توصيفا لأوضاع المسيحيين في الشرق الأوسط وتتوقف عند التحديات التي يواجهونها خاصة مع بدء حراك وثورات الربيع العربي عام 2011، وتخلص إلى استعراض للخيارات والسياسات العامّة التي يرى واضعو النصّ أنّه يتعيّن على المسيحيّين عموماً، وعلى الكنائس خصوصاً، أن يتبنّوها ويجدّوا في سبيلها.
ووفقًا لمصادر ساهمت في تشكيل الوثيقة وأطلعت على مضمونها فإن القيادات الأكاديمية والعلمانية (من غير الأكليروس) بمجلس كنائس الشرق الأوسط قد كان لها دورا كبيرا في صياغة وإطلاق تلك الوثيقة أبرزهم دكتورة ثريا بشعلاني الأمين العام السابق للمجلس والأستاذ بالجامعة اليسوعية ببيروت، والأب غابي هاشم الذى شغل منصب مدير دائرة الشؤون اللاهوتية والعلاقات المسكونية في مجلس كنائس الشرق الأوسط وعدد غير قليل من الأكاديميين واللاهوتيين المسيحيين.
المصدر أشار إلى أن إعداد الوثيقة قد استغرق عاما كاملا، واستحوذت قضية هجرة المسيحيين من الشرق العربي التي أرقت مجلس كنائس الشرق الأوسط على مساحة كبيرة من التحليل والنقاش حيث كان هذا الموضوع مركزا لعدة مؤتمرات نظمتها أكاديميات ومراكز أبحاث في ظل تناقص الوجود المسيحي في الشرق الأوسط بداية من ثورات الربيع العربي عام 2011 وحتى اللحظة الحالية التي شهدت تغييرا في ديموجرافية الشرق بالشكل الذى يهدد القضاء على الوجود المسيحي فيه.
مسيحيو الشرق: «يَا سَيِّدُ، نَجِّنَا فَإِنَّنَا نَهْلِكُ!»
لفتت قضية تناقص أعداد المسيحيين في الشرق الأوسط نظر البابا فرنسيس بابا الفاتيكان الذى قال في زيارته للعراق في مارس الماضي: «هذا التناقص المأساوي في أعداد تلاميذ المسيح، هنا وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط إنّما هو ضرر جسيم لا يمكن تقديره»، مضيفاً: «ليس فقط للأشخاص والجماعات المعنية، بل للمجتمع نفسه الذي تركوه وراءهم.
أما مجلس كنائس الشرق الأوسط فقد أعرب في أكثر من مناسبة عن مخاوفه من قضية اختفاء المسيحيين من الشرق، حيث انخفضت نسبة السكان المسيحيين من 14 في المئة في 1910 إلى أربعة في المئة في الوقت الحالي، نتيجة لعدة عوامل أبرزها الهجرات والتهجير القسري والتغيرات السياسية بعد ثورات الربيع العربي وسقوط نظام صدام حسين، ففي العراق يشكل المسيحيون حوالي 3 بالمائة من عدد سكان بلاد الرافدين، أي نحو 600 ألف مسيحي بينهم 400 ألف كاثوليكي كلداني وسرياني ولكن تدهور وضع الطوائف المسيحية في العراق منذ سقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسين – عام 2003 – والذي عين المسيحي المقرب إليه طارق عزيز في منصب نائب رئيس الوزراء.
ما الذى تطرحه وثيقة “نختار الحياة”؟
وفقا لأحد المساهمين في الإعداد لتلك الوثيقة، التي وضعت “نختار الحياة” عنوانا لها فإن الوثيقة تدعو مسيحيي الشرق إلى الاندماج الكامل في مجتمعاتهم بعيدا عن ثقافة الأقلية فهي تدعو إلى الاستناد إلى المواطنة كحجر رئيسي يدفع المسيحيين نحو مشاركة اجتماعية فاعلة كعنصر اجتماعي مؤسس وأصيل في دولهم بالشرق الأوسط مع ضرورة التحرر من فكرة الحصول على الامتيازات التي تمنحها الأنظمة السياسية باستخدام فكرة “الأقلية”.
وأضاف المصدر: تدعو الوثيقة إلى دمقرطة المؤسسة الكنسية وتجديد الخطاب الديني بالشكل الذى يسمح بالاستجابة لاحتياجات المرأة والشباب ودمجهم داخل المؤسسات الكنسية.
ولفت المصدر إلى أن الوثيقة سوف تنطلق غدا الثلاثاء داعية الكنائس بمختلف طوائفها للانضمام لها والتوقيع عليها أو مناقشتها والاشتباك معها كذلك فإن الأمر لا يقتصر على المؤسسات الكنسية بل الفاعلين في المجال العام المسيحي.
أما المفكر المصري سمير مرقس فقد طرح في مقال سابق له بعنوان “هل للمسيحيين مستقبل في الشرق الأوسط؟” نتائج مؤتمر علمي شارك به في لبنان مع مركز القدس للدراسات السياسية ومجلس كنائس الشرق الأوسط. إذ اشتبك المؤتمر مع أطروحة مستقبل مسيحي الشرق وهو ما صاغه مرقس في عدة نقاط أهمها ضرورة التمحور حول فكرة المواطنة بالرغم من التراوح فى تفسيرها عمليا، والتحرر بعض الشيء من فكرة التصنيف الأقلوى والملي للمسيحيين نظرا لتبنى مواقف سياسية واقتصادية متنوعة فيما بينهم، وأخيرا التوافق التام بين المسيحيين والمسلمين على مواجهة الإرهاب المادى ومنظومته الفكرية العنفية/الإقصائية التى تشكل ثقافة مضادة مانعة لتحقيق قيم الدولة الحديثة وفى القلب منها المواطنة