بينما لا تزال قضية الإيجار القديم تراوح مكانها في طريق البحث عن مخرج آمن للطرفين (المستأجر والمالك). تبقى زاوية أخرى من القضية مثيرة للكثير من الجدل، تلك المتعلقة بـ190 ألف مقر حكومي مستأجرة من الأفراد.
صداع الـ7%
ورغم أنها لا تمثل سوى 7% من إجمالي الوحدات ضمن هذا النوع من الإيجار، البالغ 3 ملايين وحدة سكنية. وفق آخر إحصاء للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عام 2017. لكن الملاك يتهمون الحكومة بالمماطلة في إخلاء الآف المباني التي تستأجرها من مواطنيها. وذلك رغم اتخاذ الحكومات المتعاقبة عدة قرارات مزمنة للخروج مباني الأفراد.
ونقل تحقيق استقصائي لشبكة “أريج”، نشر عبر موقعها الإلكتروني، عن مصادر حكومية قولها إن عدد المباني التي تستأجرها الحكومة من المواطنين تقدر بنحو 190 ألف عقار. هذا الرقم أكده أيضًا النائب خالد عبدالعزيز فهمي، عضو لجنة الإسكان بالبرلمان. الذي قال في تصريحات نقلتها جريدة “المال” الاقتصادية عام 2019.
هنا ثار اللغط، وتأرجحت القضية بين المطالبة بإلزام الحكومة بمغادرة العقار المستأجر من الأفراد. وبين اعتبار الإيجار القديم ساريًا على المستأجرين الأفراد وليست الجهات الحكومية.
وتستأجر الحكومة منذ عقود مقار لعدة مصالح، مثل الشهر العقاري، ومأموريات الضرائب والتربية والتعليم والأوقاف وغيرها. وحال تعديل القانون سيكون على الحكومة دفع الزيادة في الإيجارات التي يحددها القانون، ما يترتب عليه أيضًا زيادة في باب مصروفات الموازنة العامة للدولة.
في بعض الشوارع الرئيسية، تستضيف المباني السكنية للأفراد فروع الشركات الحكومية بأسعار لا تتجاوز 10 جنيهات. بينما الإيجار الجديد للوحدة ذاتها طبقًا للإيجار الجديد يزيد على 50 ألف جنيه شهريًا.
اقرأ أيضًا| 10 مقترحات لحل أزمة الإيجار القديم.. و4 عقبات أمام التنفيذ
محاولات حكومية
إزاء ما سبق، حاولت الحكومة في عدة مرات إنهاء هذا الصداع بالانتقال لمقار جديدة. فقد أصدرت رئاسة الوزراء عام 1997 قرارات للأجهزة الحكومية والهيئات التابعة لها، بإخلاء الوحدات المستأجرة لهذه الجهات، وإعادتها لمؤجِّريها فى مدة لا تتجاوز خمس سنوات. وعادت الحكومة في 2006 وجددت القرار نفسه على أن يكون التنفيذ خلال ثلاث سنوات فقط. وذلك تطبيقًا للأحكام الصادرة عن المحكمة الإدارية العليا بهذا الشأن.
حكم قضائي لصالح الملاك
في 2018، أصدرت المحكمة الدستورية، حكمًا يضع حدًا لسيطرة الشخصيات الاعتبارية على الأماكن المؤجرة لها من مواطنين عاديين. وأصبح لزامًا إخلاء تلك الأماكن التي تستأجرها من مواطنين. نظرًا لعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة 18 من القانون 136 لسنة 1981.
اقرأ أيضًا| “الإيجار القديم”.. جدل متكرر وحلول تبحث عن منفذ
وأعطى الحكم القضائي المالك الحق في إخلاء الوحدات التي يمتلكها والمؤجرة للجهات والشركات الحكومية الاعتبارية (مقر حكومي) بعد انتهاء مدة العقد. مثل المدارس والمستشفيات ومقار الهيئات القضائية والوزارات والسفارات والبنوك والشركات العامة. فقد أصبح على تلك الجهات الحكومية الاختيار بين إخلاء مقارها أو إعادة تأجيره بعقد وقيمة مالية جديدة.
وأعاد رئيس الوزراء قبل ثلاث سنوات تكليف جميع الوزارات والقطاعات الحكومية بحصر أماكنها المؤجرة تمهيدًا لإخلائها والحصول على بدائل. من خلال اقتراح مقار تحددها الوزارات والقطاعات في أماكن اعتبارية أخرى.
وتواجه التعديلات المرتقبة على قانون الإيجار القديم مشكلة معقدة في التعامل مع الجهات الحكومية والشركات والمؤسسات العامة. باعتبار أن أي رفع في مقابل الإيجار، يستدعي إعادة فتح اعتمادات إضافية من قبل وزارة المالية لزيادة ميزانياتها.
الحكومة تطلب مهلة.. والبرلمان يحاور المجتمع
النائب ياسر عمر، وكيل لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، يقول لـ”مصر 360″، إن الحكومة طلبت مهلة لتوفيق أوضاعها وإعداد البدائل. بالإضافة إلى توفير الميزانية اللازمة في حال تطبيق التعديلات على الجهات الاعتبارية.
لذلك يقول البرلماني إن المجلس أجّل مناقشة تعديلات الإيجار القديم حاليًا. ويضيف أن الفترة الحالية تشهد جلسات حوار مجتمعي، بهدف الخروج بأفضل صيغة ممكن لا يترتب عليها ضرر لأيّ من أطرافه. وهو أمر متفق عليه من قبل جميع المشروعات المقترحة التي قدمها أعضاء مجلس النواب.
الهروب من “خلية النحل”
بشكل عام، مثَّل الإيجار القديم “خلية نحل” تحاشت الحكومات السابقة الاقتراب منه. وذلك لارتباطه بالمصالح المباشرة لقطاعين عريضين من الجمهور. أحدهما الملاك المضارين من انخفاض القيمة الإيجارية، والثاني المستأجرون الذين يتحدثون عن دفعهم مبالغ خيالية في المقدم “خلو الرجل” بمعيار زمن توقيع العقود. فحينها كانت العشرة جنيهات تعادل 7 جرامات ذهب.
العاصمة الجديدة مخرج آمن
ربما يحل الانتقال للعاصمة الإدارية جزءًا من المشكلة مع إمكانية نقل مقار الهيئات والوزارات إليها. واستغلال قدر من مقارها في تجميع عشرات الجهات في مكان واحد وإخلاء مقارها. إذ بدأت بعض الهيئات الخدمية توفير أماكن في مقارها لصالح شخصيات اعتبارية عامة، مثل هيئة السكك الحديدية التي تؤجر حاليًا فروعًا لعدة بنوك. وكذلك الأندية الرياضية التابعة لوزارة الشباب والرياضة.
الرقمنة تقلل المقار الحكومية
الاتجاه الثاني المفيد في هذا الاتجاه، هو التوجه الحكومي للرقمنة، والتي من جانبها تسهم في التقليل من المقار الحكومية. وهو ما يقلل الأعباء المستقبلية، كما تبنّت الحكومة تطبيقات خاصة بإدارة الأصول. من بينها تطبيق لتنقيح وإدارة قواعد بيانات أصول الدولة المؤجّرة التي بلغ عددها 1.03 مليون أصل. وبعضها عقاري يمكن استغلاله كمقار حكومية.
اقرأ أيضًا| المالك والمستأجر.. رحلة العقود السبعة
يقول مصدر بوزارة المالية إن الحكومة لديها حاليًا المرونة اللازمة للتغلب على المشكلة في ظل بناء 30 مدينة جديدة. ووجود سياسات لنقل المقار الحكومية بعيدًا عن وسط عواصم المحافظات إلى الظهير الصحراوي أو الزراعي. بجانب اتباع أسلوب المقاصة بين الجهات الحكومية.
البداية بأراضي الوقف
التزمت الحكومة أخيرًا بتنفيذ أحكام قضائية لصالح أفراد تتعلق بأراضي الوقف، وبدأت بالفعل في تنفيذ أعمال نقل لها. ففي محافظة الغربية يتم الاستعداد لنقل مستشفى المنشاوي الضخمة من مكانها التزامًا بحكم قضائي لصالح ملاك الأرض الأصليين. كما التزمت بعض دور المناسبات الملحقة بها بدفع إيجار سنوي للملاك الأصليين، وبينها دار مناسبات للشرطة.
يقول المصدر إنّ انتقال جميع المقار الحكومية لأماكن جديدة سيستغرق وقتاً، لكنه ضروري. فالتكلفة التي يتم دفعها حاليًا حتى ولو كانت زهيدة تضيِّع على الدولة عائدًا كبيرًا من الضرائب العقارية. إذ إنّ القانون ينص على إعفاء الوحدات العقارية السكنية التي يقل إيجارها السنوي عن 24 ألف جنيه. وإعفاء أي عقار يستخدم للأغراض التجارية أو الصناعية أو الإدارية أو المهنية يقل إيجاره السنوي عن 12 ألف جنيه.