تتسابق “ساعات الديون” المنتشرة في العديد من ميادين الدول الكبرى حاليا مع ساعات الوقت التقليدية. فمنذ عام لم تتوقف “تايمز سكوير” في نيويورك عن الدوران لتحذر بأرقامها الصامتة من تراكم تلال الديون العالمية. وتثير تساؤلات حول كيفية تسديدها.

ترجع فكرة ساعة الديون الوطنية إلى المطور العقاري سيمور دورست. حينما ثبتها في مانهاتن عام 1989 لتسليط الضوء على الديون التي تراكمت في عهد رونالد ريجان وبلغت حينها  2.7 تريليون دولار. وتكررت في العديد من ميادين العالم مثل لندن وبرلين، بعد تطويرها لتصبح شاشة مسطحة ملحقة بجهاز حاسب آلي.

ساعة الديون العالمية
ساعة الديون العالمية

تنمو تلال الديون عالميًا بأسرع وتيرة في التاريخ، بعدما قفزت بنحو  4.8 تريليون دولار في الربع الثاني من العام الحالي (الفترة من مارس وحتى يونيو 2021)، بينها 3.5 تريليون دولار. في الاقتصاديات الناشئة بالدول النامية ليسجل الإجمالي خلال عام واحد فقط 92 تريليون دولار.

عندما يرتفع الدين بوتيرة أسرع من الناتج الاقتصادي كما كان الحال في السنوات الأخيرة عالميًا. فإن ارتفاع الدين الحكومي يعني مزيدًا من تدخل الدولة في الاقتصاد وضرائب أعلى في المستقبل بسبب تجديد الديون على فترات منتظمة. وارتفاعا أعلى في مستوى التضخم. حال طباعة النقود لتغطية العجز المستعصي ومحاولة البشر التخلص من العملات ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات ويستتبعه زيادة الأجور.

أزمة الديون.. الصين في المقدمة

تأتي الصين بمقدمة الدول التي تشهد زيادة متزايدة في الديون بنحو 2.3 تريليون دولار لتتفوق على أي زيادة بأي دولة أخرى في 3 أشهر. ليتجاوز إجمالي ديونها 55 تريليون دولار لتسجل أعلى مستوى في تاريخها بسبب قطاعها غير المالي الذي استحوذ على 40% من حصيلة الارتفاعات في الديون.

بحسب معهد التمويل الدولي، ارتفع إجمالي مستويات الدين، الذي يشمل ديون الحكومة والأسر والشركات والبنوك إلى 296 تريليون دولار في نهاية يونيو. بعد انخفاض طفيف في الربع الأول، بما يعادل 36 تريليون دولار فوق مستويات ما قبل الوباء.

الصين الصين وحدها سندات بقيمة بلغت 780 مليار دولار في الربع الماضي
الصين الصين وحدها سندات بقيمة بلغت 780 مليار دولار في الربع الماضي

وأصدرت الصين وحدها سندات بقيمة بلغت 780 مليار دولار في الربع الماضي لتسجل رقما قياسيا جديا. كما واصلت حكومات البرازيل وكوريا الجنوبية وروسيا الاقتراض بكثافة أيضًا، بينما كان انخفاض الديون أكبر ما يمكن في الهند والأرجنتين ونيجيريا.

كما شهدت منطقة اليورو تراكمًا في الديون بقيادة ألمانيا وفرنسا ليزداد إجمالي ديون المنطقة بما يتجاوز 1.3 تريليون دولار مسجلا 65 تريليون دولار في نهاية الربع الثاني. بينما توقفت الزيادة في إجمالي الدين بالولايات المتحدة عند 490 مليار دولار خلال الفترة المقارنة ذاتها.

متوسط عالمي

والواقع الاقتصادي لبلدان منطقة اليورو هو متوسط ​​الدين الوطني بنسبة 100% من الناتج المحلي الإجمالي. ولا تلبي سوى لوكسمبورج الدولة الصغيرة حاليًا المطلبين الأساسيين لمعاهدة ماستريخت (الاتفاقية المؤسسة للاتحاد الأوروبي) بأن يكون الدين الوطني أقل من 60% من الناتج المحلي الإجمالي وألا يزيد العجز عن 3%.

نحت أوروبا تلك القواعد جانبًا بسبب أزمة فيروس كورونا، وتطالب غالبية دول اليورو القادة الوطنيين في العام المقبل بأن يقرروا خطتهم.. خاصة دول إسبانيا وبلجيكا وفرنسا وإيطاليا والبرتغال واليونان وقبرص التي تجاوزت فيها نسبة الديون 100% من الناتج المحلي الإجمالي.

تسببت التدابير التحفيزية أثناء وباء كورونا زيادة ديون الحكومات على مستوى العالم من 77 تريليون دولار في نهاية الربع الثاني من 2020 إلى 85.7 تريليون دولار بنهاية الربع الماضي. وكذلك ارتفاع ديون القطاعات غير المالية من 79.5 إلى 86.2 تريليون دولار. وديون القطاعات المالية من 64.9 إلى 68.8 تريليون دولار وديون الأفراد من 49.4 إلى 55.3 تريليون دولار خلال نفس الربعين.

تفوقت ديون الحكومات والقطاعات المالية والشركات غير المالية والأفراد في الأسواق الناضجة عن مثيلتها في الأسواق الناشئة. حيث بلغت حوالي 63.2 تريليون دولار و55.6 تريليون دولار و47.6 تريليون دولار و38.1. خلال الربع الماضي على الترتيب في الأولى و22.5 تريليون دولار و13.3 تريليون دولار و38.6 تريليون دولار و17.1 تريليون دولار على التوالي في الثانية.

وحذرت جانيت يلين، وزيرة الخزانة الأمريكية، الأسبوع الماضي، من أن أموال الحكومة ستنفد في أكتوبر المقبل ما لم يرفع الكونجرس سقف الديون “أو حد الاقتراض”. وفي غضون ذلك تواجه إدارة بايدن معارضة في الوقت الذي تسعى فيه إلى زيادة الضرائب على الأثرياء الأمريكيين لدفع ثمن خطة الإنفاق المفترضة التي تبلغ 3.5 تريليون دولار، دون إضافة إلى ذلك الدين المتضخم باستمرار.

الديون.. وسقف الاقتراض

“حد الاقتراض” يمثل سقف الديون أو الحد الأقصى الذي لم يعد باستطاعة الدولة الاقتراض بعده وبالتالي يصبح عليها أن تعتمد على سيولتها النقدية للوفاء بالتزاماتها. وفي الولايات المتحدة يقدر ذلك الرقم بنحو 28.401 تريليون دولار. وتثير ذلك الرقم خلافات مستمرة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي. وسبق أن رُفع سقف الدين 80 مرة منذ ستينات القرن الماضي.

حال عدم رفع سقف الدين ستواجه الولايات المتحدة للمرة الأولى خطر التخلف عن سداد التزاماتها المالية وهي مشكلة ستؤدي إلى رفع معدّلات الفائدة وتراجع أسعار الأسهم بشكل حاد وعدد من الاضطرابات المالية.

 

وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيفات الائتمانية: ارتفعت الديون الحكومية لدول مجلس التعاون الخليجي بنحو 70 مليار دولار عام 2020. لتصبح المبالغ المستحقة  عليها 321.4 مليار دولار خلال الخمس سنوات المقبلة (2021-2025)، موزعة بين 157.1 مليار دولار ديون على الحكومات، و164.3 مليار دولار على الشركات.

وتقول جيليان تيت، رئيس التحرير  صحيفة «فاينانشيال تايمز» بالولايات المتحدة، إنه ما يثير الاستغراب في ارتفاع الديون العالمية طويلة المدى هو النقاش العام القليل حول عواقبها. معتبرة الأمر شبيهًا بنموذج “الصمت الاجتماعي” للمفكر الفرنسي بيير بوردي الذي يرى وجود قضايا خفية رغم طرحها على مرأى من الجميع بسبب تجاهلهم لها لأنها تبدو بطيئة الحركة، أو تقنية أو مألوفة.

نمو الاقتراض العالم

منذ أن عانى العالم الأزمة المالية الكبيرة التي أدت إلى القلق بشأن مخاطر الاستدانة المفرطة، نما الاقتراض العالمي بأكثر من الثلث لكن الأمر يثير تساؤلات: هل ستضطر الحكومات في النهاية إلى إطلاق العنان لتضخم مرتفع للغاية للتقليل من هذه الديون؟ هل سيكون هناك إعفاء واسع النطاق من الديون في المستقبل لتجنب انفجار سياسي أو اجتماعي؟  وهل ستكون الديون بالنسبة إلى المستثمرين وصانعي السياسات مثل رسائل البريد الإلكتروني غير المقروءة في صندوق الوارد لدينا؟

حتى تتجنب الدول أزمة اقتصادية عالمية، فإن الدول ذات الاقتصاديات الناشئة والنامية مطلوب منها جعل الاقتراض أكثر استدامة من خلال جذب الاستثمارات وزيادة عائدات الضرائب. ومحاربة الفساد وزيادة المساءلة، والتركيز على المشاريع الاستثمارية ذات العوائد المرتفعة، واعتماد سياسات اقتصادية تهدف إلى القضاء على الفقر والبطالة وتحفز الاستثمار وتزيد الثقة بأسواقها المحلية.

 

ويشكل ارتفاع الديون خطرًا على الاستقرار المالي العالمي وأحد معوقات التنمية، فالحكومات تضطر لتخصيص جزء كبير من ميزانياتها لتمويل خدمة الديون. وتقلل إنفاقها على البنية الأساسية والصحة والتعليم، كما يؤثر أيضًا على معنويات المستثمرين ويجعل المشروعات المحلية تقترض بتكاليف فائدة أعلى.

وارتفعت ديون الدول الناشئة بنحو 15 تريليون دولار، عما كانت عليه قبل ظهور وباء كورونا وبلغت نسبتها للدين المحلي 246% في الربع الماضي، مع تعافٍ قوى في النشاط الاقتصادي وارتفاع معدلات التضخم.