“تحتل فيلا البستان مكانة خاصة في قلوبنا. فقد شهدت، لأكثر من ستين عامًا، تاريخ التعاون الثقافي والفني بين مصر وألمانيا. سعداء بأن فيلا البستان ستظل تربطنا بالمشهد الثقافي في وسط البلد”.

بهذه الكلمات أعربت سوزانا هوون -المدير الإقليمي لشمال إفريقيا والشرق الأوسط بمعهد جوته القاهرة- عن سعادتها بإعادة افتتاح المقر التاريخي للمعهد بوسط البلد. في احتفالية أقيمت أمس الاثنين، تحت شعار “العودة إلى مكان جديد”. حيث يستمر المقر المعروف بـ “فيلا البستان” كمساحة لأنشطة المهتمين بالثقافة والفنون.

 

سوزانا هوون والسفير الألماني في الافتتاح
سوزانا هوون والسفير الألماني في الافتتاح

مكانة خاصة

تحدثت هوون عن تاريخ الفيلا التي استمرت لأكثر من ستين عامًا كمقر للمعهد، وطرازها المعماري الفريد. وتناولت التجديدات التي طالت الأجزاء الأساسية للمبنى خلال الأشهر السابقة. مثل سلم الطوارئ الخاص بالفيلا، والذي تحول إلى قطعة فنية بفضل الفنان عمار أبو بكر. أيضًا الموضع الذي كانت تشغله قديمًا إدارة الحسابات صار قاعة للعروض الفنية.

وقالت: بالرغم من انتقال إدارة المعهد قبل عامين إلى ميدان المساحة في الدقي، تحتل فيلا البستان مكانة خاصة في قلوبنا”.

ووجهت المدير الإقليمي للمعهد الشكر لوزارة الخارجية الألمانية على دعمها لتجديد المبنى، وشكر السفير على موافقته ترك المبنى من أجل استمرار الأنشطة “سعداء بأن فيلا البستان ستظل تربطنا بالمشهد الثقافي في وسط البلد، وستفتح فرصة جديدة لتعلم اللغة الألمانية ولراغبي مواصلة الدراسة في ألمانيا”.

في الاحتفالية، التي أقيمت بحضور السفير الألماني فرانك هارتمان، والعديد من شركاء معهد جوته في المشهدين الثقافي المصري والأوروبي، هنأ هارتمان معهد جوته على تجديد الفيلا، وأثنى على موقعها في قلب القاهرة، بالقرب من ميدان التحرير والمؤسسات الثقافية في مصر. وأكد أن دور معهد جوته ليس فقط تدريس اللغة الألمانية “ولكنه يعطي مساحة للمهتمين بالثقافة والفنون أن يلتقوا ويتحاوروا”.

وأضاف مازحًا: بالتأكيد كنت أتمنى أن أنقل مكتبي إلى هذا المكان والاستمتاع بهذا المنظر الجميل. لكن يبدو أن هناك فنانين ينتظرون العودة.

وفي كلمة مسجلة، روت الفنانة سلوى محمد ذكرياتها في معهد جوته البستان، حيث كان الموضع الذي تعرفت فيه على السينما الأوروبية والألمانية من خلاله. قالت إن المكان يرتبط في ذاكرتها بالعديد من الذكريات، سواء عروض الأفلام، والمسرحيات، ومكتبة المعهد “التي كانت دائمًا أبوابها مفتوحة وتجد فيها أغلب ما تريده”.

 

سلم الطوارئ الذي حوله الفنان عمار أبو بكر إلى قطعة فنية
سلم الطوارئ الذي حوله الفنان عمار أبو بكر إلى قطعة فنية

تاريخ من الفن

تقع فيلا البستان في شارع محمد مظلوم، نسبة إلى بانيها، أحمد محمد مظلوم باشا، عضو مجلس الشيوخ في مطلع القرن الماضي. حيث لم يكن يسمح إلا لأغني العائلات ان تشيد قصورها وفيلاتها في هذه المنطقة. يذكرنا بذلك الحروف الأولى من اسمه AM. التي تعانق البوابة الحديدية، ولا يكاد يلاحظها معظم الزائرين.

الفيلا التي شيدها مظلوم باشا، صديق السلطان -آنذاك- فؤاد الأول، ووضع تصميماتها المهندس الفرنسي رولان، تم جلب مواد البناء والطوب القرميد لها من فرنسا. لم يبخل الباشا بالمال أو الجهد، واستدعى مشاهير الفنانين لعمل ديكوراته الداخلية. وعندما توفى عام 1928، انتقلت ملكية المنزل إلى أحد أبناء الأسرة وهو حسن علي مظلوم.

بيعت الفيلا في عام 1950 إلى المهندس أنطوان نحاس، لكن تم مصادرتها بعد قيام ثورة يوليو 1952، وقامت الحكومة المصرية بتأجير الفيلا عام 1957 إلى الحكومة الألمانية، التي جعلته مقرًا لمعهد جوته الذي وضع الدكتورجونتر بيكرس حجر أساسه.

في الحقيقة كتب للفيلا النجاة، من المصير المحزن الذي لحق بالفيلات والقصور التي كانت موجودة بالشارع. واستطاعت جمهورية ألمانيا الاتحادية شراء المنزل عام1961.  لكن، مساحة الأرض التي يشغلها مبني حاليًا، لا تكاد تصل لنصف التي كان يشغلها المبني وقت إنشائه.

كانت الحديقة التي تحف المبنى تمتد لتشمل موقع محطة البنزين المجاورة وبضعة أبنية أخرى أقيمت فيما بعد. وكان المطبخ متصلاً بمصعد يصل إلى كل الطوابق حتى السطح. وحيث توجد المكتبة الآن، كانت الغرف السكنية لأسرة الباشا. أما المبنى الإداري، فكان مخصصًا لسكن السائق والسيارة.

وعلى مدار ربع قرن مضى، أدخلت أهم التعديلات في تاريخ الفيلا تحت إشراف اثنين من المهندسين، حيث تم تغيير الأرضية الباركيه بالكامل، وكشفت الرسوم الفرنسية الموجودة على الأسقف. وفي قاعة الاجتماعات، استبدلت بعض أجزاء بطانة الجدران المهوجني بأنواع أخري من الخشب. كما استبعدت الأعمدة من قاعة السينما وقاعة الاستقبال.

 

الفنانة سلوى محمد علي في كلمتها المسجلة
الفنانة سلوى محمد علي في كلمتها المسجلة

“الصبّار” و”تخشينة” في الافتتاح

من ضمن فعاليات الاحتفال بعودة المبنى إلى العمل، قدم الفنان التشكيلي الكبير محمد عبلة معرض فني بعنوان “الصبار”. الذي سيفتح أبوابه للجمهور اعتبارًا من اليوم 28 سبتمبر، ويستمر حتى 18 أكتوبر المُقبل.

يتحاور عبلة من خلال لوحاته مع الطبيعة. قال إنه اختار نبات الصبار لما فيه من روح متناقضة بين القسوة والجمال “والفنان يتعامل مع النبات بروح انسانية عالية، فتتحول الصبارات إلى كائنات حية فيها الكثير من المشاعر الإنسانية”.

شملت الفعاليات كذلك معرض “ألمانيا.. بلد المخترعين” الذي يقدمه معهد جوته للأطفال والشباب من عمر 12 وحتى 16 سنة. حيث يتعرفون من خلاله بطريقة تفاعلية على أهم الاختراعات الألمانية في آخر مائة عام. سيستمر هذا المعرض لآخر شهر أكتوبر في القاهرة، ثم ينتقل إلى المحافظات.

ويستمر في فيلا البستان “استديو تخشينة”. والذي بدأ نشاطه في ديسمبر 2020 من أجل دعم الفنانين والفنانات المستقلين. الباحثين عن مساحة للعمل في مشاريعهم الفنية، أو اقامة ورش عمل صغيرة. أو لتقديم أعمالهم الفنية في إطار خاص.

يقول القائمون على المشروع: كلمة” تخشينة” في اللغة العامية المصرية، هي شيء يستخدم لاستعادة وظيفة قطعة اثاث منزلي مثلاً، والحفاظ على استقرارها. مثل طاولة متأرجحة أو باب، وأفضل ترجمة لكلمة “تخشينة” إلى اللغة الألمانية هي “Spahn”، وهو شيء صغير جدًا يستخدم لاستعادة القدرة على الحركة أو الوظيفة الأصلية.

وأضافوا: يهدف المشروع إلى تزويد المشهد الثقافي المستقل في مصر، بمساعدة مماثلة لتلك التي يقوم بها هذا العنصر الصغير، الموجود في الحياة اليومية المصرية، والذي ألهمنا لاتخاذ هذا الاسم.

وقالت آن ايبيرهارد، مدير البرامج الثقافية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عن ستوديو تخشينة: ” نريد دعم الفنانات والفنانين المستقلين الذين يبحثون عن مساحة للعمل على مشاريعهم الفنية، أو إقامة ورش عمل صغيرة، أو بروفات في مجال المسرح والرقص وفنون الأداء، أو تقديم العروض لجمهور محدود، عن طريق طلب للاستفادة منها للمدة الزمنية التي يحتاجونها.”