تشكل عملية ملاحقة دواعش، منهم أجانب في السودان، ومقتل خمسة من عناصر الأمن السوداني، مؤشرات مهمة إلي إمكانية تحول السودان إلى أحد الملاذات الآمنة للإرهاب تحت مظلة أزمته السياسية الممتدة، وحقيقة تسلح بعض القوي السياسية السودانية، المعروف منها وغير المعروف. ويشير هذا التطور أيضا إلى أن بيئة العمل الإرهابي في أفريقيا باتت مواتية لحد كبير للتنظيمات الجهادية وخاصة الدواعش، الذين خسروا دولتهم في العراق، فأصبحت أفريقيا توفر لهم ملاذات مناسبة، وذلك لعدد من الأسباب منها هشاشة مؤسسة الدولة في أفريقيا، وضعف الجيوش الوطنية إذ لا تتجاوز ٥٠ ألف عنصر في العديد من الدول، وعدم قدرة هذه الجيوش على ممارسة عمليات الضبط الأمني للحدود، وكذلك الانقسام القبلي بين عدد من الدول بما يجعل الانتقال من دولة إلي أخرى تحت مظلة الحماية القبلية والاجتماعية ممكنا وبسهولة، وفضلا عن كل ذلك فإن السياسات العالمية من جانبها لعبت دورا في تفاقم الظاهرة، فالتدخل العسكري الفرنسي المباشر في كل من مالي وأفريقيا الوسطى لم يكن جزءا من تخفيض مستوى التهديدات الأمنية، ولكنه ربما يكون قد ساهم في تفاقمها. وهو ما ينطبق أيضا على تطورات الحالة في الصومال منذ العقد الأول من الألفية الثالثة.
وفيما يتعلق بالحالة في السودان، فإن العناصر الداعشية الأجنبية التي انتقلت إلي هناك من المرجح أن تكون من بؤرتين واحدة عربية وأخرى أفريقية مركزها أوغندا تحت مظلة شكوك حول علاقة داعش بتنظيم محلي تأسس في أوغندا ويعمل في الكونغو أيضا حسب الرئيس تشسكيدي وهو تنظيم القوى الديمقراطية المتحالفة الإسلامية الذي تأسس عام 1995 بهدف الإطاحة بالحكومة الأوغندية ولكن تم تغيير أجندته لتعمل لنصرة الإسلام وتطبيق الشريعة بعد تكفير المجتمعات.
ومؤسس تنظيم القوي الإسلامية هو جميل موكولو، وهو أوغندي تحوّل من الكنيسة الكاثوليكية إلى الإسلام. وعرف موكولو الذي ولد باسم ديفيد ستيفن بأنه منتقد كبير للإسلام عندما كان مسيحيا، وعند اعتناقه للإسلام تحوّل سريعا إلى إسلامي متشدد إثر تلقيه لتعليمات جماعة التبليغ والهجرة وإلى وقت قريب ضم لأفراده مقاتلين مسلمين أجبروا على الخروج من أوغندا، لكن يبدو أن العضوية تغيرت لتضم مجندين من منطقة شرق أفريقيا ويعتقد أن موكولو قضى زمنا في الخرطوم حيث التقى بأسامة بن لادن، الزعيم السابق للقاعدة.
ويمكن القول إن تنظيمي شباب المجاهدين في الصومال، وبكوحرام في نيجيريا من أوائل التنظيمات الإرهابية التي برزت علي الساحة الأفريقية، بينما تعد الأنتي بالاكا، وسيليكا في إفريقيا الوسطي من أحدثها، وكذلك تنظيم أنصارو بنيجيريا وما بين هذه التنظيمات الحديثة هناك عشرات التنظيمات الأخرى التي تنتشر علي الساحة الأفريقية.
كيف يعمل الدواعش الأفارقة؟
ساهمت السياسات العالمية والمحلية في مواجهة الإرهاب، وكذلك النجاحات النسبية التي أحزرتها في تحول أساليب العمل الإرهابي لتكون بلا روابط تنظيمية تقريبا وعابرة للحدود، ومتنوعة القوة والقدرة وقد استند هذا التحول علي عدد من المرجعيات النظرية التي ساهم فيها زعماء الإرهابين المشرقيين بالشرق الأوسط مثل كتاب عبدلله الشيباني الصادر في يوليو ٢٠١٨، والذي دعا فيها إلى تنفيذ عمليات ذاتية تعتمد على الفرد الواحد وهو ما بات يعرف بظاهرة الذئاب المنفردة، وهي العمليات التي ينفذها أشخاص مجهولون تماما ليس لديهم سوابق في العمل الدعوي أو التنظيمي المنتمي لجماعات السلفية الجهادية أو غيرها وكان عملية سيدة تونس نموذجا لتنفيذ هذا الطرح عام ٢٠١٩.
أما أبو مصعب السوري دعا إلى أن وحدة الروابط الفكرية وليست الأشكال التنظيمية هي الأساس الذي يتم الاعتماد عليه، وظهرت نتيجة لذلك خلايا النانو أي التي لا تتعدي عضويتها ٣ أشخاص، مما يصعب القدرة على ملاحقتها أمنيا، وربما هذا ما يفسر جزئيا فاعلية تنظيم بوكو حرام في نيجيريا، وتفكيك المغرب لـ٦٣ خلية داعشية خلال ٤ سنوات فقط ٢٠١٥-٢٠١٩ وكان آخرها نهاية يوليو الماضي بمدينة طنجة.
وأخيرا فإن نمط الإرهاب العائلي هو من الأشكال المعمول بها حاليا خصوصا في إفريقيا حيث يقوم بتنفيذ العملية عدد من أفراد العائلة الواحدة وهو ما يجعل عمليات الملاحقة الأمنية هنا غير مجدية فعليا، خصوصا مع تكاثر الفتاوى المتطرفة .
ولعل آخر آليات العمل لدى التنظيمات الإرهابية هي تجنيد الأطفال “أشبال الخلافة”، وهو الاسم الذي يطلق على الأطفال في تنظيم بوكو حرام في نيجيريا الذي توسع في تجنيد الأطفال تحت مظلة الفقر ، فينشأون على أفكار القتال ذهنيا وبدنيا.
وفي هذا السياق أكدت “يونيسيف” أن تجنيد الأطفال تضاعف لأكثر من 3 مرات منذ عام 2010، واستخدم التنظيم أكثر من 135 طفلا لتنفيذ هجمات إرهابية على معسكرات للجيش والقرى النيجيرية، وقام بوكو حرام أيضا باختطاف أطفال من أسر مسيحية بهدف استخدامهم في العمليات الانتحارية بالإجبار، سواء بالقنابل أو الأحزمة الناسفة، لا سيما “بوكو حرام”. أما حركة الشباب الصومالية وتنظيم داعش فتقوم حاليا طبقا لتقرير يونسيف أيضا بتجنيد 200 طفل كل شهر على الأقل، خاصة من قبل “حركة الشباب” الصومالية وتنظيم “داعش التي قامت مؤخرا.
في هذا السياق فإن إمكانية صعود تنظيم شباب المجاهدين في الصومال لقطف ثمرة السلطة هناك أصبحت مطروحة، وذلك بسبب الأزمة السياسية الممتدة هناك، وعدم القدرة لا المحلية ولا الإقليمية ولا الدولية في هزيمة التنظيم حتى الآن ، في وضع هو أقرب إلي حالة طالبان في أفغانستان، خصوصا وأن مظلة المنابع الفكرية للحركتين واحدة ، وقدرة نموذج طالبان علي الإلهام بعد صعودها للسلطة منظورة، ذلك أن حركة الشباب الإسلامية “أو “الشباب المجاهدين” هي حركة سلفية صومالية ظهرت في 2006 كذراع عسكري لاتحاد المحاكم الإسلامية التي كانت تسيطر على مقديشو وتهدف إلى فرض الشريعة، وأعلنت رسميا ولاءها لتنظيم القاعدة عام 2009.
وساهمت الحركة في مساندة المحاكم خلال معاركها ضد القوات الحكومية المدعومة بقوات إثيوبية اضطرت إلى الانسحاب في نهاية 2008، تاركة الساحة لقوات الاتحاد الأفريقي التي تمركزت على الخطوط الأمامية في الحرب ضد الإسلاميين. ويقود أحمد عمر أبوعبيدة “حركة الشباب الإسلامية” منذ عام 2014 بعد تأكد مقتل زعيمها السابق أحمد عبدي “غودان” الذي لقي مصرعه في ضربة جوية أمريكية. وفي نفس السنة، جدد “الشباب” ولاءهم لأيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة.
وتضم الحركة الصومالية بين صفوفها ما بين خمسة إلى تسعة آلاف مقاتل بينهم صوماليون ومقاتلون أجانب أغلبهم قدموا من دول عربية إضافة إلى باكستان، وعددهم حوالي 800 مقاتل طبقا لتقديرات تقرير الإرهاب لعام ٢٠٢٠ الذي وضع الصومال في المرتبة الخامسة علي المستوى العالمي من حيث درجة التهديدات الإرهابية، حيث ينشط تنظيم شباب المجاهدين والصومالي علي المستوى الإقليمي أيضا، خصوصا في كينيا فمن عملياتها هناك عام 2019 مهاجمة بلدة كينية حدودية؛ والهجوم علي أحد الفنادق الفاخرة بالعاصمة نيروبي، مرتين، أضخمهما كانت عام ٢٠١٣ وأسفرت عن مقتل العشرات.
إجمالا يبدو أن خرائط التنظيمات الإرهابية أصبحت مؤثرة بشكل أساسي على المصالح العربية، والمصرية في السودان خصوصا وشرق أفريقيا عموما، من هنا، وجب التفكير في فتح مساحات للتفكير والتعاون مع الأشقاء في السودان وغيرها من الدول الأفريقية لمواجهة الإرهاب الذي بات مهددا للاستقرار الإقليمي وبشكل غير مسبوق.
ونقترح في هذا السياق أن تكون مساحات العمل لمواجهة الإرهاب متجاوزة المداخل الأمنية، التي تنشط فيها مصر، لاسيما في مجالات رفع مستوي القدرات الأمنية الإفريقية لمواجهة العمليات الإرهابية، وذلك لتعبر إلي المداخل التنموية علي الصعد الاقتصادية، والفكرية، والاجتماعية، وهي مساحات قد تساهم فيها مؤسسة الأزهر، علي المستوى الديني، بينما من المطلوب أن تنشط فيها مراكز التفكير والجامعات علي المستوي الفكرى، في وقت يجب أن تضلع منظمات المجتمع المدني المصرية بدور تنموي خصوصا في السودان.