مثلما أنها سلاح فتاك في مواجهة الأنظمة الديكتاتورية حول العالم، فإن وسائل التواصل الاجتماعي تحمل القدر نفسه لتقويض الديمقراطية. ومثلما باتت أيضًا مصدرًا رئيسيًا للمحتوى الإعلامي والإعلاني أصبحت الأداة الأولى لتزييف الحقائق.
هذا التناقض الظاهري لتأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي، يطرح أسئلة حول الدور الذي تلعبه تلك المواقع سواء بمحاذاة أنظمة الحكم، أو ضدها. ثمة صراع متواصل حول تقييم دورها بين “النعمة” و”النقمة” إزاء انطباعاتها السياسية والاجتماعية.
لفك هذه الشفرة، تشرح دراسة حديثة كيفية مقارنة طرفي التأثير والتأثّر (المتلقي والمجتمع). وهي بذلك تفرق بين أنظمة الحكم الديمقرطية ثم الأقل ديمقراطية والأكثر ديكتاتورية. وتنطلق من هذا التصنيف إلى دراسة حالة التأثير الذي تتركه وسائل التواصل الاجتماعي.
الدراسة نشرتها مجلة “تكساس لدراسات الأمن القومي” الأمريكية التي تصدر عن “جامعة تكساس” و”مركز حرب علي الصخور War on the Rocks” للدراسات الاستراتيجية. وركزت على دراسة التأثيرات السياسية لمنصات التواصل الاجتماعي علي الأنظمة الحاكمة حول العالم.
درجة التأثير يعتمد على نوع النظام السياسي. بدءًا من تأثير ضعيف على الأنظمة الديمقراطية القوية. وتأثير كبير على الأنظمة الاستبدادية الضعيفة، وتأثير راديكالي على الأنظمة الديمقراطية الضعيفة
واعتبرت الدراسة أن درجة التأثير تعتمد على كيفية استخدام وسائل التواصل من قبل ثلاثة فاعلين أساسيين: المعارضة الداخلية، القوى الخارجية، النظام الحاكم. وبالتالي فإن، درجة التأثير يعتمد على نوع النظام السياسي. بدءًا من تأثير ضعيف على الأنظمة الديمقراطية القوية. وتأثير كبير على الأنظمة الاستبدادية الضعيفة، وتأثير راديكالي على الأنظمة الديمقراطية الضعيفة.
تراجع ديمقراطيات العالم
قبل تشريح هذا التأثير، رصدت الدراسة تراجع الديمقراطية في العالم من 55% عام 2010 إلى 48% عام 2020. وتحول عدد أكبر من البلدان إلى نماذج تشبه روسيا والصين في مستوى الديكتاتورية. وهو ما دعا الكاتب الشهير في مجلة “النيوزويك” فريد زكريا للقول إن “الهيمنة الأمريكية قد ماتت”، حتى إن الرئيس السابق دونالد ترامب فضل فرض الهيمنة غير الليبرالية علي المجتمع.
ويمكن تفسير تراجع الديمقراطية بالكثير من العوامل، منها ظهور الشعبوية المعادية للأجانب كرد فعل علي الهجرة. والتغير الثقافي وتدهور الأمن الوظيفي بعد الأزمة المالية عام 2008 في الدول الديمقراطية. بينما سيطرت حركات مناهضة العولمة وخشية الأنظمة الاستبدادية من فقدان سيادتها على تراجع آفاق التطور الديمقراطي في بلدانها.
من الحاضنة الاجتماعية إلى تنظيم التمردات
تركز الدراسة على سبع منصات اجتماعية الأكثر شعبية، هي: Facebook وMessenger وWhatsApp وInstagram، بينما يمتلك Google أيضًا منصة YouTube. وهذه المنصات الستة تقع مقراتها في الولايات المتحدة، المنصة الوحيدة خارجها هي WeChat ومقرها الصين. وتحتوي على مجموع ما تحتويه المنصات الستة من جوانب الاهتمامات الإنسانية، وهو ما دفع Facebook للسعي لدمج كل منصاته في تطبيق واحد أيضاً.
وتفاءل الكثيرون بتعبير منصات التواصل الاجتماعي عن روح “الإنترنت الحرة”، كأداة لتمكين المواطنين وزيادة حرية التعبير ونشر الأفكار الليبرالية. وتوفير بدائل للمعارضين وطرح الفرص الاقتصادية للجميع. كما وعد “إعلان استقلال الفضاء الإلكتروني” لـ “جون بيري بارلو” الذي بدا محايدًا سياسيًا.
لكن سرعان ما تغير الموقفـ كما تحدث “مارك زوكربيرج” عن “استبدال البنى التحتية الاجتماعية القديمة للدول” التي تعارض تدفق المعرفة والتجارة والهجرة في مجتمع عالمي جديد. واعتبر أن Facebook يشبه “حكومة أكثر منه شركة تقليدية” تسلح مواطنيها بـ “الهواتف المحمولة لتنظيم تمردات صغيرة تتحدي السلطة التقليدية”.
وبحسب الكاتب الأمريكي “كلاي شيركي” تساعد وسائل التواصل على “زيادة الحرية وتغيير وجهات نظر الناس السياسية”. أو كما كتب بيتر وايمرسون بروكينغ “سلطت وسائل التواصل الضوء على “الجرائم الغامضة التي تشبث من خلالها الديكتاتوريون بالسلطة. وقدمت وسيلة جديدة للتعبئة الشعبية”.
التأثير ورد الفعل.. التصحيح مقابل البطش
عندما تخطى دورها الاجتماعي إلى التعبئة السياسية، لعبت منصات التواصل الاجتماعي دورا في الثورة المدنية لعام 2009 في مولدوفا. والتي أطلق عليها اسم “ثورة الفيسبوك الأولى”، بالإضافة إلى اضطرابات عام 2009 في إيران. ثم الانتفاضة الروسية عام 2011، والموجة الأولى من ثورات الربيع العربي عام 2011 .
المفارقة أن السلطات فهمت تأثير هذه المواقع. لذلك أعقب تلك الحركات الديمقراطية القائمة على الإنترنت مواجهة من الأنظمة الحاكمة باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي نفسها.
علي الجانب الآخر مكنت وسائل التواصل “المتعصبين البيض” من التجمع بشكل أكثر فاعلية. كما الرهبان البوذيين الراديكاليين في ميانمار المحرضين على سياسة التطهير العرقي. كما ساعدت أيضًا السياسيين الحاليين في بلدانهم والسلطات الاستبدادية على نشر دعاياتها وتعطيل المسارات الديمقراطية. ومكنت الجميع من تركيز غير مسبوق لقوة المعرفة التي جمعتها تلك المنصات على مدي السنوات الماضية.
القوة المعرفية.. و”رأسمالية المراقبة”
اكتسبت منصات التواصل الاجتماعي “قوة معرفية” مستمدة من الكميات الهائلة من البيانات التي جمعتها ونظمتها، يمكنها توصيل الأفكار أو تقييدها. يكمن هذا النوع من القوة ليس في القدرة على إنكار المعرفة بقدر القدرة على نقلها. “فيسبوك”، على سبيل المثال، يعرف عن شخص ما أكثر مما تعرفه الحكومة.
عام 2002، اكتشفت Google إمكانية استخدام البيانات الجانبية التي تجمعها لمستخدمي الملفات الشخصية بناءً على خصائصهم واهتماماتهم. ومنذ سنوات، باعت Google وFacebook المزيد من الإعلانات عن طريق الحد من خصوصية المستخدم. المنافسة على عائدات ما سماه شوشانا زوبوف “رأسمالية المراقبة”، حيث تعمل منصات وسائل التواصل الاجتماعي على توسيع نطاق المراقبة (الانتقال من العالم الافتراضي إلى العالم الحقيقي) وعمق المراقبة (تجميع البيانات عن شخصيات الأفراد وحالاتهم المزاجية وعواطفهم).
يستخدم Facebook أيضًا خوارزمياته لتوقع السلوك البشري وإنشاء “منتجات تنبؤ” تسهل التلاعب بالناس. وجرى تسخير هذه القوة لإعادة تشكيل الشعبية
بالإضافة إلى استخدام القوة المعرفية لتشكيل المستخدمين واستهدافهم بشكل دقيق لبيع المزيد من الإعلانات. يستخدم Facebook أيضًا خوارزمياته لتوقع السلوك البشري وإنشاء “منتجات تنبؤ” تسهل التلاعب بالناس. وجرى تسخير هذه القوة لإعادة تشكيل الشعبية، والتأثير على الانتخابات الأمريكية عام 2016، واستفتاء المملكة المتحدة على عضوية الاتحاد الأوروبي.
“السلطة الخامسة”.. حيث صناعة الإعلام
الجانب الآخر من قوة المعرفة لوسائل التواصل الاجتماعي يتمثل في صناعة الإعلام اليوم. إذ أعطت المصداقية المتصورة في الدول الديمقراطية مزايا لهذه الدول على الدول غير الديمقراطية. وعلى سبيل المثال تطلق عالمة الفيزياء لوسي جرين على “فيسبوك” و”تويتر” و”جوجل” اسم “السلطة الخامسة”؛ لأنها حلت محل المنافذ الإخبارية التقليدية كأماكن رئيسية يذهب إليها الناس للحصول على أخبارهم.
في عام 2012، أعلن “فيسبوك” أن مهمته هي توسيع وتعزيز العلاقات بين الناس وعرض وجهات النظر المتنوعة. ثم لاحقًا أصبح أحد مصادر الانقسامات المجتمعية، يمكن أن يعزى ذلك إلى عاملين رئيسيين: “ظاهرة فقاعة التصفية” و”ظاهرة الأخبار المزيفة”.
ورغم ذلك، تميل خوارزميات “فيسبوك” إلى تعزيز “فقاعة التصفية” التي تحمي الأشخاص من “المعلومات المخالفة”. وهي بذلك لا تقدم سوى المحتوى الذي يؤكد وجهات نظرهم. وتعد منصات الوسائط الاجتماعية جزءًا من “اقتصاد التفاعل” الرقمي، الذي يركز على العلاقة بين المال والتفاعل.
تزييف الأخبار أرخص من تحري الحقيقة
اكتسبت الأخبار المزيفة انتشارًا في السنوات الأخيرة بسبب الدور المتزايد لمنصات التواصل الاجتماعي كمنافذ إخبارية. حيث يمكن إنتاج المحتوى ونقله بين المستخدمين دون أي مراجعة أو فحص للحقائق أو حكم مجرد من طرف ثالث.
هذا النوع من الأخبار واسع الانتشار لأن إنتاجه أرخص من التقارير الدقيقة؛ ولأن المستهلكين يستمتعون بالأخبار المنحازة لوجهة نظرهم. تصبح القصة المزيفة التي يشاركها الملايين “حقيقية” لأن الناس يعتقدون أنها إذا انتشرت على نطاق واسع، فلابد أن تكون حقيقية.
هنا يأتي السؤال: هل تلك المواقع صادقة في منع الأخبار المزيفة؟. في الواقع تنتقل القصص المثيرة إلى مسافة أبعد وأسرع. كما أن التوزيع الأوسع للقصص الكاذبة يجعلها أكثر ربحية لمنصات التواصل الاجتماعي.
في السنوات الماضية، بدأ الفاعلون السياسيون استخدام القوة المعرفية لوسائل التواصل الاجتماعي لصالحهم. وهو ما رصدته دراسة عام 2016 بعنوان “خرطوم الباطل”، حين رصدت الكثير من الأكاذيب والحقائق الجزئية والخيالات الكاملة التي أثرت في العديد من الانتخابات الديمقراطية. بما في ذلك أوكرانيا وإيطاليا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة.
لذلك فإنَّ الأنظمة الاستبدادية تستخدم قوة معرفة وسائل التواصل الاجتماعي، جنبًا إلى جنب مع الذكاء الاصطناعي، كأداة مراقبة. وهو ما يسمح بجمع وتحليل كميات هائلة من البيانات عن مجموعات سكانية بأكملها. تقوض مثل هذه الأنظمة أيضًا مصداقية مصادر المعلومات الصحيحة من خلال استخدام “الحملات التي تغذيها الروبوتات من التصيد والتشتيت. أو التسريبات الجزئية للمواد المخترقة، والتي تهدف إلى جذب انتباه وسائل الإعلام التقليدية”، فهم يغيرون سلوكهم دون أن يضطر النظام إلى اللجوء إلى القمع الجسدي.
ما سبق يعني أن وسائل التواصل الاجتماعي مؤهلة للعب دور إيجابي أو سلبي: يمكن أن تكون أداة تحرير، تستخدم لنشر المعلومات والمعرفة. ولكنها قد تكون أيضًا أداة للقمع، تستخدم لنشر المعلومات المشوهة والأخبار المزيفة. يمكن للحركات الشعبية ومقاتلي الحرية الاستفادة من منصات التواصل الاجتماعي، وكذلك الأنظمة الاستبدادية.
الديمقراطية والقوة.. معيار قياس التأثير
التناقض يبدو ظاهريًا في تأثير مواقع التواصل الاجتماعي، التي تدعم ثورات شعبية في بلدان، وتعرقل الانتخابات الديمقراطية في بلدان أخرى. المعادلة الطبيعية لفهم هذا التناقض يعتمد على معيارين، الأول هل النظام ديمقراطي أم غير ديمقراطي، وهل يمتلك قوة أم ضعيف. إذا جرى تصنيف الأنظمة وفق هذين المعيارين فستكون النتجية منطقية بالنسبة لتأثير مواقع التواصل الاجتماعي على أنظمة الحكم.
أنواع الأنظمة وقدراتها
تستخدم الدراسة مقياس “درجة الحرية” التي تعلنه “فريدوم هاوس” للتمييز بين الدول الديمقراطية والاستبدادية. ولا يوجد مؤشر واحد يمكنه التمييز بين الدول القوية والضعيفة. يمكن قياس قوة الدولة أو قدرتها من بين أشياء عديدة. من خلال قدرة الدولة على تقديم الخدمات لجميع السكان، ومدى تغطية البنية التحتية وشبكات الاتصالات لأراضي الدولة. وبمستوى سيطرة الدولة على أراضيها السيادية. يمكن قياسه أيضًا من خلال نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، ونمو الناتج المحلي الإجمالي. ومؤشرات التجارة لأن الدول ذات التنمية الاقتصادية الأعلى تتمتع بمجمعات أكبر من الموارد يمكن من خلالها استخراج الضرائب.
تستخدم منصات وسائل التواصل الاجتماعي بطرق مختلفة من قبل ثلاثة أنواع من الفاعلين السياسيين: المعارضة المحلية (المنشقون أو المرشحون الشعبويون). والقوى الخارجية (الدول الأخرى أو الشركات متعددة الجنسيات)، والنظام الحاكم. يستخدم هؤلاء الفاعلون وسائل التواصل الاجتماعي لأغراض سياسية في محاولة للتأثير على النظام السياسي للدولة. لكن النتيجة بعيدة عن متناولهم لأنها تحدد من خلال التأثير المشترك لقدرة الدولة ونظامها.
تحلل الدراسة هؤلاء الفاعلين، جنبًا إلى جنب مع الاختلافات في قدرة الدولة والنظام. وذلك لاستنتاج أربعة تأثيرات محتملة لمنصات التواصل الاجتماعي على الدول: زعزعة الاستقرار، والتطرف، والتكثيف، والضعف.
النظم الاستبدادية الضعيفة
تحدث زعزعة الاستقرار في الأنظمة الاستبدادية الضعيفة عندما تسهل منصات التواصل الاجتماعي تنسيق وتعبئة المعارضين والحركات الشعبية في مواجهة الحكومة. عادة ما يفتقر النظام الحاكم في هذه الحالات إلى القدرة للحفاظ على النظام الداخلي ووقف المعارضة المنسقة بشكل جيد. ويمكن أن يؤدي تأثير زعزعة الاستقرار هذا في النهاية إلى تغيير النظام. وضربت الدراسة مثالاً على هذا النموذج بثورة 2011 في مصر التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك.
البلدان الاستبدادية القوية
أما في البلدان الاستبدادية القوية، يحدث التأثير المكثف عندما تصبح منصات التواصل الاجتماعي أداة مراقبة للنظام الحاكم. الذي يسخدمها لتكثيف قدرة الحكومة القسرية، وقمع الحقوق المدنية، ومواجهة المعارضة الداخلية. ولذلك لا يكون لهذه المنصات تأثير تحرري كبير في هذه الدول، لأن الأنظمة تتحكم في الإنترنت على أراضيها. حدث ذلك خلال قمع إيران لانتفاضة البنزين مؤخرًا.
البلدان الديمقراطية الضعيفة
في المقابل، يؤدي استخدام منصات التواصل الاجتماعي كناشر للأخبار المزيفة والمعلومات المضللة أثناء عملية الانتخابات إلى زيادة التطرف. وذلك عندما يحدث في البلدان الديمقراطية الضعيفة، من قبل المرشحين الشعبويين والمعارضين. وتستمر بعض هذه الممارسات حتى بعد انتخاب هؤلاء المرشحين للمناصب.
البلدان الديمقراطية القوية
تقيد الأعراف الديمقراطية في الأنظمة الليبرالية القوية هذه الدول من مواجهة الاستخدام الخبيث لوسائل التواصل الاجتماعي. على الرغم من امتلاكها القدرة على القيام بذلك، في هذا السيناريو، يصبح النظام السياسي المحلي مستقطبًا، لكن نظام الضوابط والتوازنات المعمول به في الدولة والتقاليد الديمقراطية القوية يحافظان على طابعه الليبرالي. تشمل الأمثلة الحديثة الانتخابات الرئاسية عام 2016 الولايات المتحدة، واستفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
انتقلت الدراسة من الفرضيات السابقة، إلى تسليط الضوء على النموذج الأول الذي يمثل المشهد في مصر. وذلك باعتبارها دولة بارزة في العالم العربي مع رئيس مستقر في منصبه لمدة ثلاثة عقود. ومع ذلك أطيح به بسرعة بعد أقل من ثلاثة أسابيع من الاحتجاجات.
منصات التواصل تشكِّل الأحداث
واعتبرت الدراسة أن وسائل الإعلام الرقمية (بما فيها منصات التواصل) ساعدت في تشكيل الأحداث والنتائج من خلال نشر رسائل الاحتجاج. وربط المحتجين، ومساعدتهم للعمل معًا لفعل شيء حيال وضعهم، ونجح المتظاهرون في بناء وحشد معارضة داخلية عفوية.
لذلك تعتبر منصات التواصل الاجتماعي جزءًا من كل مرحلة من مراحل أي انتفاضة في عصر الإنترنت. ففي مرحلة الإعداد، يستخدم النشطاء منصات التواصل للعثور على بعضهم البعض. وبناء التضامن، وتحديد الأهداف السياسية الجماعية.
وفي مرحلة الإشعال، التي تتضمن بعض الحوادث المؤذية، تساعد وسائل التواصل في نشر تلك الحادثة وإثارة غضب الجمهور. على سبيل المثال صور خالد سعيد، الذي تعرض للضرب حتى الموت من قبل الشرطة في مصر. أو محمد البوعزيزي، الذي أضرم النار في نفسه في تونس.
وتكتسب الصور والتغريدات ومقاطع الفيديو من الانتفاضة اهتمامًا ودعمًا دوليًا. وهذا يضغط على حكام الدولة للدخول إلي مرحلة الذروة، حيث تقوم الدولة إما بقمع المتظاهرين وإجبار المحتجين على العودة إلى منازلهم (كما في حالة إيران). أو يتنازل الحكام وتلبي المطالب العامة (كما في مصر وتونس). أو تصل المجموعات إلى طريق مسدود طويل الأمد (كما في سوريا)، حيث تعتمد الخاتمة إلى حد كبير على القوة القسرية للدولة.
“يوتيوب” يكسر احتكار الإعلام الرسمي
ولاحظ معدو الدراسة أن YouTube ومنصات أرشفة الفيديو الأخرى سمحت للصحفيين باستخدام كاميرات الهواتف المحمولة والأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية، وبث القصص التي لا تستطيع وسائل الإعلام السائدة نشرها. أو لا تريد تغطيتها.
ورغم هذا التأثير المباشر، يجادل البعض بأن “الغرب يتخيل نفسه الوكيل الحقيقي في الانتفاضات”. قد يرجع هذا لأن منشئي هذه المنصات غربيون، ربما لو كانوا عربًا لاختلاف التصور. والبعض يعتقد أن هذا التصور صدى لخطاب إعلامي رسمي يصدر دائما فزاعة من مخططات الغرب ومنتجاته.
في حين لا يخفي الكثير تأثير هذه المنصات مثلاً في الانتفاضة السودانية. حيث وفّرت منتدى للحوار السياسي المفتوح حول فساد النظام وإمكانية التغيير السياسي، وفرصة للتنظيم والتمرد ضد حكومتهم. مكّن هذا المعارضة من الانتشار من المدن الإقليمي، من عطبرة، إلى الخرطوم وأماكن أخرى بشكل أسرع. كما ساعدت منصات التواصل الاجتماعي مجتمعات الشتات على البقاء على اطلاع دائم بالأحداث في السودان ولعب دور في الانتفاضات من خلال تبادل التحديثات وتعزيز التضامن.
منصات التواصل أيضًا في خدمة الاستبداد
ويمكن أن تكون منصات وسائل التواصل الاجتماعي فعالة أيضًا في دعم الأنظمة الاستبدادية. الأمر الذي قد يساعد في تفسير سبب حدوث ثورات أقل في الأنظمة الاستبدادية الضعيفة في السنوات التي تلت الربيع العربي. يمكن للأنظمة الاستبدادية، حتى تلك التي تفتقر إلى الموارد المالية، الآن استخدام أدوات مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي التي لم تكن متاحة لمصر خلال ثورتها لمراقبة المجتمع والسيطرة عليه.
النظام الإيراني، الذي تعلم من اضطرابات عام 2009، هو مثال على نظام استبدادي ضعيف اعتمد وسائل التواصل الاجتماعي للمراقبة. جمع بين استخدام أدوات المراقبة مع ممارسة رقابة صارمة على البنية التحتية المحلية للإنترنت. كما أدى تطوير شبكة الإنترنت المحلية التي تسيطر عليها الدولة في إيران إلى تعزيز قدرة الحكومة بشكل كبير على تقييد وحظر ومراقبة استخدام الإنترنت في إيران. مما زودها بواحدة من أكثر الآليات تطوراً في العالم للتحكم والرقابة على الإنترنت والسماح لها بفحص المحتوى.
الإحساس الوهمي بالشعبية
في المقابل، قد تساعد فقاعات التصفية على Facebook في إقناع الناس بأن هناك دعمًا أكبر لموقفهم مما هو موجود بالفعل. وهو ما يولد نبوءة تدفع الناس إلى الشوارع. لكن على الرغم من أن وسائل التواصل قد لا تكون السبب الوحيد لحدوث الثورة، فمن المؤكد أنها تلعب دورًا مهمًا.
ومع ذلك، في السنوات الماضية، تمكنت العديد من الأنظمة الاستبدادية الضعيفة من شراء أنظمة المراقبة من الصين وروسيا. التي تراقب منصات وسائل التواصل الاجتماعي وتساعد النظام الحاكم القمعي، وردع المعارضين ومواجهتهم خلال مرحلة التنظيم.
النظام الحاكم يستخدم أيضًا منصات التواصل الاجتماعي لنشر معلومات مضللة. وهو ما يدفع الناس إلى الشك فيما يقرؤونه على هذه المنصات، وربما يردعهم عن الانضمام إلى انتفاضة محتملة.