ما بين عيوب التصنيع أو مشكلات ما بعد الاستخدام، فضلاً عن تحديات لمواكبة الأسواق العالمية، تواجه سوق السيارات في مصر تحديات جمة. أهمها القدرة على موازنة الجودة بالأسعار التي تبدو الأعلى في المنطقة، نظرًا لمستوى الدخول.

ورغم أن الحديث عن مشكلات الإنتاج ليس وليد اللحظة، إلا أنّها بدت مؤخرًا كأنها ظاهرة، حين انتشرت شكاوى مواطنين عن عيوب فنية في أكثر من نوع. فبعد أيام قليلة من مشاكل محرك سيارات “أوبل أسترا”، ظهرت أزمة محركات “شيفروليه كابتيفا” موديلات 2020 و2021. وكلاهما تابع لشركة منصور للسيارات كوكيل حصري للعلامتين.

وفي الفترة الأخيرة كثرت الشكاوى من قبل المستهلكين، خاصة بشأن مشكلة محركات أسترا التربو 1400 سي سي. موديلات 2019، 2020، 2020، وهو الأمر الذي اعترفت به الشركة. مكتفية في البداية بإعلان مجموعة من التوصيات الوقائية، ورفضها رد قيمة المركبة، أو استبدالها بأخرى.

أمام حملات مواقع التواصل التي شنت هجومًا وتداول وسوم مثل “اوبل منصور بتجيب موتور، الألماني طلع بيهزر. استرجاع أوبل استرا”، وصلت المشكلة إلى الشركة الأم في ألمانيا، والتي أصدرت قرارا بتشكيل فريق عمل. بالإضافة الى زيارة أحد المهندسين المختصين والمتمرسين في أوروبا، لمصر للتحقيق في الأمر والوقوف على كل الملابسات.

رد فعل محدود

ولكن رد الفعل المحدود للوكيل أثار غضب العملاء فبادروا برفع دعاوى قضائية ضد الشركة، قيد النظر حاليا أمام المحكمة الاقتصادية. منها الدعوى التي حملت الرقم 2518 لسنة 2021، حيث طالب المتضررون في دعواهم. إلزام الشركة بدفع تعويضات عن الأضرار المادية والأدبية جراء الأعطال بمحرك السيارة.

وبعد رفض العملاء وظهور المزيد من المشكلات، عرض الوكيل الدخول في صفقة trade in مع العملاء. من خلال شراء السيارات ولكن بأسعار تقل عن أسعارها الأصلية فيما يصل إلى 100 ألف جنيه في بعض الموديلات. كما يجبر المستهلكين على شراء سيارة أخرى من نفس التوكيل. ما أثار حفيظة المستهلكين خاصة الذين لجأوا للبنك لتقسيط سعر السيارة مما يضاعف خسائرهم.

تسعير العربية مش حلو خالص وهم قايلين في البيان أن التعويض 500 جنيه في اليوم وهم قللوا المبلغ كمان، يعني قضية غش تجاري والعيب مش مقبول نهائي والعربية مبقتش فيها ثقة، ولا هي، ولا الوكيل مهما حاول يصلح، يصلح بما يرضي الجمهور المستهلك مش اللي يرضيه هو والعطله اللي اتعطلناها، الحل يسترد عربيته ويرجع للناس فلوسها ولو خصم عدد الكيلوات يخصم بسعر عادل، وميجبرناش نشتري من عنده.. يقول أحد المتضررين من ملاك سيارة أوبل استرا

حماية المستهلك

وتنص المادة (9) من قانون حماية المستهلك رقم 181 لسنة 2018. على أن يلتزم المورد أو المعلن بتجنب أي سلوك خادع سواء في طبيعة السلعة أو صفاتها الجوهرية. أو في مصدر السلعة ووزنها وحجمها وصنعها وتاريخ إنتاجها أو في سعرها، أو جهة إنتاج السلعة، أو في نوع الخدمة ومكان تقديمها. أو في شروط التعاقد وخدمة ما بعد البيع والضمان.

وتلزم المادة (19) من ذات القانون على أن يلتزم المورد خلال مدة أقصاها 7 أيام من اكتشافه. أو علمه بوجود عيب في المنتج أن يبلغ الجهاز بهذا العيب وأضراره المحتملة.

وفيما يتعلق بأزمة “أوبل استرا” حاول جهاز حماية المستهلك حل المشكلة عبر مجموعة من الإجراءات. المُلزمة لوكيل السيارة في مصر، وذلك بعد بحث الشكاوى المقدمة من العملاء، حيث تقرر التالي:

ويحق للعميل استرجاع السيارة ورد تمنها في حالة تكرار العيب مرتين خلال السنة الأولى من تاريخ الشراء مع خصم 1 جنيه على كل 1 كم أي نسبة الاستهلاك.

وألزم الوكيل بتغيير “المواتير” لأي عربية تظهر بها المشكلة، بعد التأكد من موافاة شروط الضمان. وبخصوص من هم خارج الضمان. يتم إصلاح “المواتير” كضمان بدلا من تغيير الموتور. وكذلك إلزام الوكيل بالصيانة المجانية لمدة سنة لأي متضرر من مشكلة الموتور.

أوبل استرا 2020
أوبل استرا 2020

 

قرارات حماية المستهلك

إعطاء مهلة للتوكيل لمدة شهرين بحد أقصى للبدء في العمل بالسوفت وير كما هو متفق عليه. فضلا عن مد الضمان سنتين على الموتور لموديلات 2019 و2020. إلى جانب إلزام الوكيل بعمل Recall مجاني، للتوعية بتغيير الزيت والمواصفة.

فضلاً عن تعويض المتضرر بسيارة بديلة أو 500 جنيه، كبدل إيجار يومي، ويتم العمل به بعد يوم من موافقة العميل علي أمر الشغل أو الإصلاح أو تغيير الموتور. كذلك إلزام الوكيل بالنشر في جريدتين واسعتي الانتشار في خلال 20 يوم.

أثارت قرارات حماية المستهلك بعض ردود الفعل التي رأت فيها تخاذلا عن مساعدتها. أحد المتضررين عبر عن ذلك بالقول: “طبقا للبند 8 والخاص بتعديل السوفتوير. والذي ينص على أن “تقوم الشركة بموافاة الجهاز بخطة تعديل software على جميع السيارات اوبل استرا فور وروده من الشركة الأم لاتخاذ ما يلزم”. متسائلا عن مدى جدوى هذا الحل، في مواجهة سلعة غير سليمة، فضلا عن عدم قيام مركز الصيانة بختم الضمان بتاريخ تحديث software وقراءة عداد الكيلومتر للسيارة للرجوع اليه حفظا للحقوق.

ويتساءل آخر عن تحميل العميل خسارة أكثر من 30% من سعر السيارة، دون ذنب، وبمباركة حماية المستهلك.

احتكار القلة

خبيرة الاقتصاد الدكتورة سلوى العنتري ترى أن الأزمة الأساسية تكمن في فلسفة احتكار القلة التي يتبعها هؤلاء الوكلاء. والتي بفضلها يفرضون كامل نفوذهم، وتصبح القوانين حبرا على ورق، وحتى الجهات الرقابية تصبح عاجزة.

وتضرب العنتري مثالاً على ذلك بتجربة عايشتها بنفسها حين حاول قريب لها مزدوج الجنسية استرجاع سيارته التي لم تكمل الشهر. فرفضت الشركة الاستجابة، موضحة أن الوصول إلى رئيس حماية المستهلك جاء عبر الواسطة. فضلا عن أن أقسام الشرطة رفضت تسجيل بلاغ ضد الوكيل النافذ، وبالنهاية لم يحصل العميل على حقه إلا عبر سفارة الدولة الأجنبية التي ينتمي لها.

وفضلاً عن الأسعار المبالغ فيها تنبه العنتري إلى غياب سياسة مراقبة الجودة، والمراقبة عليها. والمتبعة في أغلب دول العالم، والتي تفرض على التجار، استيراد سلع ذات حد أدنى من الجودة. وبما يحفظ حقوق المواطنين، وكرامتهم الإنسانية، حيث يجب حماية المستهلك من الغش من المنبع نفسه. وعدم الاكتفاء بالأجهزة الرقابية اللاحقة مثل حماية المستهلك.

سياسة الموزع الواحد

وفي مصر تطبق سياسة الموزع الواحد التي تقوم على أساس اختصاص الوكيل لموزع، أو أكثر محددين لتوزيع بعض الطرازات وحرمان الشركات الأخرى المنظمة لشبكة التوزيع من حصصها.

من ناحية أخرى تنبه العنتري إلى أن الدولة تساهم في استمرار ذلك الاحتكار عبر الجمارك المبالغ فيها. والتي تصل إلى أكثر من ضعف سعر السيارة، في البلاد المجاورة، كما أن ذلك يؤثر على الصناعة بأكملها. التي تدعي الجهات الرسمية أنها تتخذ تلك الإجراءات لحمايتها.

وخلال السنوات الأخيرة تم إعلان إلغاء الجمارك السيارات الأوربية، ولكن لم يسهم ذلك على الإطلاق في انخفاض أسعارها. وعن ذلك تؤكد العنتري أن هذا الاجراء يقابله إجراء آخر يقضي بفرض رسوم مبالغ فيها على السيارات نفسها. ما يجعل من أسعار هذه السيارات حلما بعيد المنال لأغلب الجمهور.

وفي مسألة الضرائب، والرسوم، تشير العنتري إلى أن الأمر يحتاج إلى مزيد من التوازن والجمع بين كونها مورد مهم للخزينة. وكذلك توسيع قاعدة الممولين، بحيث يتم استقطاب عدد أكبر من راغبي السلعة.

“خليها تصدي”

تعد أسعار السيارات في مصر هي الأعلى في العالم مقارنة بدخول السكان، وخلال السنوات الأخيرة. ظهرت حملات تطالب بمقاطعة شراء السيارات الجديدة، وسط انتقاد الجهات الرقابية التي لا تساهم في التحكم لجام الوكلاء.

تجاوز أعضاء بعض تلك الحملات المليون مشترك، ولاقت رواجا كبيرا، كان أشهرها حملة “خليها تصدي” التي حققت نجاحا ملحوظا. حتى اتهم مؤسس الحملة، المتحدث الرسمي للحملة محمد شتا بطرد جميع القائمين والمشرفين على الحملة. وقام بتغيير الإعدادات ليكون هو صاحب الحق الوحيد للتحكم في الصفحة الرسمية، على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك.

بعدها قامت الحملة بإنشاء صفحة بديلة، والتي يعد المهندس أحمد رأفت أحد مؤسسيها. والذي اعتبر أن أزمة أوبل أسترا وغيرها من السيارات مثل كابتيفا شيفروليه، ليست الأزمة الوحيدة، وقد تكررت الأزمات خلال السنوات الأخيرة بشكل كثيف.

حوادث العيوب الفنية

وتساءل رأفت عن أسباب تكرار حوادث العيوب الفنية بالسيارات المصرية، وهل يعني ذلك أن الوكلاء يستوردون سيارات درجة ثانية. رغم ارتفاع أسعارها، أم أن الأمر يتعلق بنواحي فنية أخرى يجب دراستها، والكشف عنها.

يقارن رأفت بين سياسات دول مجاورة مثل الخليج، ومصر. إذ يعتمد وكلاء تلك الدول على سياسة “الريكول” أي استدعاء الموديلات التي يظهر بها أي خلل ولو بسيط لتعديله. حتى وإن كان العميل لا يعلم بهذا العيب، وذلك حفاظا على الأرواح، أما في مصر فلا يتحرك الوكيل إلا بعد ان يكتشف العميل المشكلة. ويبدأ في اللجوء إلى الشركة التي عادة ما ترفض التفاهم، حتى يصل الامر إلى حماية المستهلك، والرأي العام.

يشيد رأفت بدور حماية المستهلك ومحاولة المسؤولين فيه على القيام بواجباتهم. إلا نفوذ الوكلاء وتباطؤهم في اتخاذ قرارات تتعلق بأرواح البش غاية في البطء كما هو الحال مع أزمة أوبل أسترا، التي ظلت عالقة لشهور.

وحول سياسة “الأوفر برايس” يشير رفعت إلى أنها سياسة قديمة، نجحت حملته في القضاء عليها إلى حد كبير.  خلال العامين 2019. 2020 حتى تم الاستيلاء على الجروب، الخاص بالحملة، ويرجعها إلى طمع الوكلاء. وتنسيقهم في ذلك مع الموزعين، حيث يتم إضافة مبلغ يصل في بعض السيارات إلى 100 ألف جنيه. على سعر السيارة الرسمي، دون تسجيله في الأوراق الرسمية ما يعني أنها أموال غير شرعية. ولا تخضع لمنظومة القانون، كما لا يمكن إثباتها حيث أيا من المستهلكين لا يشتكي منها، فضلا عن سياسة الاحتكار التي تحمي الوكلاء.