في أغسطس 2014 أقدم أحد مخترقي البيانات “الهاكرز” على اختراق حسابات أكثر من 30 من نجمات الفن العالميات، واستطاع الحصول على عدد كبير من صورهن الخاصة والعارية وقام بتسريبها على شبكة الإنترنت، وعلى الرغم من الصدمة التي أحدثتها هذه الواقعة التي عوقب مرتكبها بعد ذلك بالسجن، وهي صدمة دعت بعض النجمات إلى التنصل من الصور ونفي علاقتها بها، بينما أقرت النجمة جينيفر لورانس – التي كان لها النصيب الأكبر من الصور – بتبعيتها لها.
إلا أن ثمة ملاحظتين أساسيتين تتعلقان بهذه الواقعة؛ الأولى هي أن اللوم كله بلا استثناء قد وقع على الجاني، أي الهاكر الذي اخترق حسابات الفنانات، وقد تم تتبعه حتى تم الوصول إليه ثم عاقبه القانون، أي أنه لم يبق شخصا سريا أو مجهولا لا يهتم أحد بمعرفته بينما تطول النميمة الضحايا.
أما الملاحظة الثانية، فهي أن الصور موضوع التسريب، لم تكن موضعا لإدانة الفنانات على أي نحو، ليس فقط لأنهن الضحايا ولسن الجناة، ولكن لأن موضوع الصور نفسه، العُري أو الصور الحميمة التي قد ترسل بين العشاق، ليس موضع إدانة إخلاقية في السياق الغربي الحديث، ولهذا فإن الجريمة كانت “انتهاك الخصوصية”، فيما لا يختلف كثيرا عن اختراق رسائل خاصة على البريد الإلكتروني أو تصوير أشخاص لم يسمحوا لك بتصويرهم. إن صور الفنانات لم ينظر إليها على أنها “فضيحة” كما درجت بعض الصحف العربية على وصفها آنذاك.
لابد أنك الآن قد بدأت ترى المسألة التي يتطرق إليها هذا المقال، إذ بالانتقال إلى “تسريبات” مجتمعنا، نرى أنها هي التي تكاد تستحق في كل مرة وصف “فضيحة”، أيا كان مجال تلك التسريبات، حتى لو كان “أبطالها” أعضاء في اتحاد الكرة أو رموز في الوسط الفني، وسواء كنا نتحدث عن مقطع فيديو أو مكالمة تليفونية أو حتى “شوية هزار” قبل تصوير برنامج تليفزيوني.
وبالطبع فإن مشكلة “التسريبات” أيا كان الوسيط الذي تم التسريب عنه، تتركز في أننا لم نكن سنعرف موضوع التسريب لولا وصوله إلينا بشكل غير قانوني، ومن ثم فإن الحكم الأخلاقي هنا يواجه معضلة أساسية، إذ أنه حُكم قائم على خطأ أخلاقي سابق عليه هو انتهاك الخصوصية، ومن ثم فإن الإدانة أو التبرئة هنا ليست “مربط الفرس”، بل محاولة فهم سر انتعاش ثقافة التسريبات نفسها، أو لنقل سر قابلية أي حديث بين أصدقاء للتحول إلى تسريب ينتشر كالنار في الهشيم، كما هو الحال مع بعض المزاح بين بعض نجوم الكرة خارج الهواء قبل ثلاث سنوات، والذي تضمن بعض الألفاظ “الخارجة” التي تعد من أبسط ما يقال على أصغر مقهى مصري، إلا أنه فور تسريب ذلك المزاح تحول المجتمع كالعادة إلى رقيب أخلاقي غاضب.
هل هي المسافة الهائلة والتي تزداد اتساعا بين ما نسرّ وما نعلن؟ حتى على مستوى الألفاظ التي نستخدمها في المزاح؟ هل هو المجتمع الذي يستمر في الانفتاح على العالم عبر قنوات الانترنت بينما يتضاعف تشدده الرسمي عبر قوانين قيم الأسرة؟ هل هي الازدواجية الأخلاقية التي ولدنا ونشأنا في ظلها حيث كل شيء مباح طالما لم يتخط الأمر “رصيد الستر” المزعوم؟
يمكن للمرء أن يستمر في طرح مثل تلك الأسئلة طوال اليوم، لكن المؤكد أن أكثر ما يخيف كل منّا أن يكون هناك “من يسجّل له”، فحتى خدمة العملاء في الشركات لا تجد تهديدا أفضل من أن “المكالمة قد تكون مسجلة”.