يعتبر بعض المحللين أن ما قبل اغتيال الصحفي جمال خاشقجي ليس كما هو الحال بعده. فالجريمة التي تحل ذكراها اليوم. أربكت الحسابات الدولية لوقت طويل. وحتى الساعة لايزال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، يقدم من أجل محو أثرها كل نفيس وغال.

في الذكرى السنوية الثالثة لمقتل الناشط والصحفي المرموق جمال خاشقجي. نتذكر كلمات بن سلمان حين قال في حوار مع مراسل برنامج “فرونتلاين” الذي تبثه شبكة سي بي إس الأمريكية مارتن سميث. بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لمقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول التركية:”حدوث هذا في ظل ولايتي يُحملني المسؤولية”.

وفي ذكراه الثالثة أقامت منصة “الحرية أولا” أمام الكونجرس الأمريكي في العاصمة واشنطن. مراسم إحياء الذكرى السنوية الثالثة لمقتل خاشقجي، كما أزيح خلالها الستار عن صورة ضخمة للراحل.

مراسم إحياء الذكرى السنوية الثالثة لمقتل خاشقجي أمام الكونجرس
مراسم إحياء الذكرى السنوية الثالثة لمقتل خاشقجي أمام الكونجرس

وقفة أمام السفارة السعودية

وانضمت الباحثة التركية خديجة جنكيز خطيبة خاشقجي إلى مجموعة من النشطاء الحقوقيين بمشاركة منظمة “الديمقراطية الآن في العالم العربي”. في وقفة احتجاجية أمام السفارة السعودية في العاصمة الأمريكية. وهم يحملون صور خاشقجي ولافتات تطالب بـ”العدالة لخاشقجي”.

خديجة جنكيز، قالت في تغريدة عبر حسابها على تويتر، إنه بعد 3 سنوات من القتل الوحشي لجمال خاشقجي، نقف أمام السفارة السعودية في واشنطن، وما زلنا نبحث عن العدالة لجمال.

وأرفقت جنكيز صورتها أمام السفارة السعودية حاملة صحيفة واشنطن بوست وعلى صفحتها الأخيرة صورة خاشقجي مع سؤال: “أين الجثة؟”.  كما نظمت مؤسسات حقوقية ندوات وفعاليات أخرى لإحياء ذكرى خاشقجي.

خديجة جانكييز في وقفة احتجاجية أمام السفارة السعودية في واشنطن
خديجة جانكييز في وقفة احتجاجية أمام السفارة السعودية في واشنطن

وفي المراسم، طالبت خطيبة خاشقجي. الرئيس الأمريكي جو بايدن بالوفاء بوعده بمعاقبة مرتكبي جريمة قتل الصحفي السعودي في قنصلية بلاده في مدينة إسطنبول. مشيرة إلى أن خاشقجي استخدم قلمه كي يتمتع الشعب السعودي بأبسط حقوقه.

وفي أكتوبر عام 2018، وقعت جريمة روّعت العالمَ أودت بحياة الصحفي جمال خاشقجي، أحد المقيمين الشرعيين الدائمين في الولايات المتحدة. في قنصلية المملكة العربية السعودية في إسطنبول في تركيا. عندما ذهب إليها للحصول على تصريح بالزواج من خطيبته التركية

ومرت ساعات وخطيبته تنتظر خارج القنصلية دون أن يخرج فاتصلت بصديقه ياسين أقطاي، مستشار رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا. وأبلغته بالوضع، وكان خاشقجي قد طلب منها الاتصال بأقطاي حال شعرت بتعرضه لمكروه.

وفي اليوم التالي على ذلك أعلنت السلطات التركية أن المعلومات التي لديها تفيد أن الصحفي السعودي مازال في قنصلية بلادهز وفي المقابل أصدرت القنصلية السعودية في إسطنبول بيانا تقول فيه إن خاشقجي اختفى بعد خروجه منها.

ثم ظهرت تقارير صحفية تنسب لمصادر أمنية تركية تقول. إن جثة خاشقجي قطعت على الأرجح ووضعت في صناديق لنقلها إلى خارج القنصلية السعودية. بينما وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو يقول: “إن القيادة السعودية تنفي بشدة أي علم لها بما جرى في القنصلية السعودية في إسطنبول”.

لكن النائب العام السعودي يقول. إن التحقيقات الأولية أظهرت وفاة خاشقجي في القنصلية السعودية في مدينة إسطنبول. قائلا: “المناقشات التي تمت بين المواطن جمال خاشقجي وبين الأشخاص الذين قابلوه أثناء وجوده في قنصلية المملكة في إسطنبول أدت إلى حدوث شجار واشتباك بالأيدي ما أدى إلى وفاته”.

وتزامنا مع إعلان النائب العام. أصدر الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز أوامر ملكية بإعفاء أحمد عسيري نائب رئيس المخابرات السعودية من منصبه

خاشقجي.. من ترامب إلى بايدن

بينما قال ترامب إن القيادة السعودية كانت صادقة معنا فيما يتعلق بهذه القضية. وأكد أن أطرافا ثالثة شاركت في التحقيقات السعودية، وأن التفسير السعودي موثوق به

ردة فعل ترامب التي لم تكن على قدر الحدث أدت إلى تعرضه لانتقادات. كما ان التعاون الامريكي السعودي في عهده كان محل انتقاد من منافسيه الديمقراطيين، الذين وعد مرشحهم جون بايدن، بتغيير تلك السياسات، وأنه لا مزيد من الشيكات على بياض لديكتاتوريات العالم.

ترامب
ترامب

وجاء بايدن بعد أن تغلب على منافسه ترامب وبدأ عهد بالكشف عن تقرير مقتل خاشقجي. الذي ماطل ترامب في نشره، طمعا في المزيد من المال السعودي، ولكن بايدن الذي وعد بتحقيق في ملف الحقوق والحريات عبر ادارته كان لابد وأن يفي بوعده الذي يبدأ من خاشقجي.

وفي فبراير الماضي صدر التقرير الذي كشف أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وافق على عملية اعتقال أو قتل خاشقجي. التي وقعت في القنصلية السعودية بإسطنبول عام 2018.

وبنى التقرير تقييمه بناء على سيطرة ولي العهد على صنع القرار في المملكة. والمشاركة المباشرة لمستشار رئيسي وأعضاء من رجال الأمن الوقائي لمحمد بن سلمان في العملية، ودعم ولي العهد لاستخدام الإجراءات العنيفة لإسكات المعارضين في الخارج، بما في ذلك خاشقجي.

ومنذ 2017، كان ولي العهد يسيطر بشكل مطلق على أجهزة الأمن والاستخبارات في المملكة، مما يجعل من غير المرجح أن يقوم المسؤولون السعوديون بعملية من هذا النوع دون إذن ولي العهد، بحسب بيان وزير الخارجية الامريكي أنتوني بلينكن حينها.

جدوى” سياسة خاشقجي

في أعقاب التقرير أعلنت سياسة جديدة سميت بـ “حظر خاشقجي”. التي من شأنها فرض قيود على التأشيرات على الأفراد الذين يُعتقد أنهم شاركوا، نيابة عن حكومة أجنبية، بشكل مباشر في أنشطة جادة مناهضة للمعارضين خارج الحدود الإقليمية. بما في ذلك قمع ومضايقة ومراقبة وتهديد أو الإضرار بالصحفيين أو النشطاء أو غيرهم من الأشخاص الذين يُنظر إليهم على أنهم منشقون، بسبب نشاطهم. وجميعها قرارات لم تمس المسؤول المباشر عن الجريمة بن سلمان شخصيا بأي عقوبات.

محاولات تبييض الوجه

ومنذ فبراير وقت صدور التقرير يحاول بن سلمان تبييض صفحته عبر مجموعة من السياسات الإصلاحية في المملكة. عبر إفراجه عن بعض المعتقلين. لكن المنظمات الحقوقية لاتزال ترى أن الأمر غير كافي، وغير جدي. حيث لايزال الكثير من المعارضين، يرزحون تحت وطأة السجون.  كما أن حياتهم معرضة للخطر نتيجة الاهمال الصحي، الذي وثقته العديد من المنظمات الحقوقية بشكل متكرر.

محمد بن سلمان ولي العهد السعودي
محمد بن سلمان ولي العهد السعودي

أما بايدن الذي وعد بعهدا جديدا لحقوق الانسان. فقال حينها “أن الشراكة يجب أن تعكس قيم الولايات المتحدة، ولتحقيق هذه الغاية، أوضحنا تمامًا أنه يجب إنهاء التهديدات والاعتداءات التي تتجاوز الحدود الإقليمية من قبل المملكة العربية السعودية ضد النشطاء والمعارضين والصحفيين، ولن تتسامح الولايات المتحدة معهم”.

ولكن الكلام لم يوافق الفعل كما يبدو حيث مشت السياسة الأمريكية بعكس المعلن. إلى الحد الذي لم تتراجع معه الولايات المتحدة عن صفقة الأسلحة التي سبق وأن وقعت اثناء حقبة ترامب.

السعودية الشريك القوي

كما أن إدارة بايدن، التي وصفت السعودية بأنها “دولة منبوذة” لدورها في جريمة خاشقجي. استقبلت شقيق بن سلمان استقبال لائق بعد أقل عام من وصولها للحكم. رغم أنه كان سفير واشنطن وقت الجريمة. وهو الذي نفى مقتل خاشقجي بشكل تام.

إلا أنه وبعد عام من وصول بايدن للحكم أصبحت السعودية تلعب بورقتها الاقتصادية النفطية ومناطق قوتها ودورها في الأمن الاقليمي في مواجهة إيران. وكذلك كمستورد مهم للسلاح في العالم، كما أنها بدأت في تغيير لهجتها الحادة في عدد من الملفات مثل محاولات الصلح مع طهران، ومبادراتها لوقف الحرب في اليمن.

جو بايدن
جو بايدن

ويبدو أن الشركاء الغربيين. وفي القلب منهم الولايات المتحدة، لا يزالوا ينظرون للمملكة كشريك قوي. ويجدون صعوبة في النأي عنها، كذلك تجاهل واقع أن بن سلمان أصبح الحاكم المطلق بها، بعد أن حدد اقامة أبناء عمومته، وحيد الكثير من أفراد العائلة المالكة.

ومع ذلك، حتى اليوم يجد بن سلمان صعوبة في عودة المياه لمجاريها. خاصة في ظل التقارير الحقوقية. التي لازالت تعتبر خاشقجي رمزا على حقبة بن سلمان، ومثالا لسياساته المنافية لحقوق الانسان. ولايتم استقباله في العواصم الغربية، خاصة وأن الهوى العالمي، قد تغير من ناحية الملفات الحقوقية، فهل تنتصر الحقوق على المصالح؟