وسط خلافات مدنية – مدنية، عاد آلاف المحتجين إلى الشوارع السودانية في تظاهرات بالعاصمة الخرطوم وغرب دارفور وكردفان، بعد أسبوع من تصاعد التوتر بين شركاء المرحلة الانتقالية، للتأكيد على الرغبة الشعبية في حكم انتقالي مدني.

وعادت المظاهرات بدعوة من 85 كيانا سياسيا من لجان المقاومة والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، تنديداً بتصريحات ممثلي الجناح العسكري في الإدارة السياسية والتي وجهت الاتهامات للمدنين باعتبارهم السبب الرئيسي في تقويض الانتقال الديمقراطي، بسبب الصراع والتنافس على المناصب دون مصلحة الشارع السوداني، حيث انطلقت التظاهرات تحت شعار “وإن عدتم عدنا ..تلك الشوارع لا تخون”. 

رغم الاتفاق على الهدف الرئيسي من خروج السودانين إلى الشارع مجدداً دعماً لمدنية الدولة السودانية، إلا أن عدة خلافات ظهرت على السطح عشية التظاهرات بين القوى والجبهات السياسية المنظمة لخروج المسيرات، وهو ما عكس اتساع هوة الخلاف بين أطراف المكون المدني في الحكومة. 

يبرز هذا الخلاف من بيان تجمع المهنين السودانين- الذي كان يمثل المكون الرئيسي لقوى إعلان الحرية والتغيير منذ الثورة السودانية قبل انسحابه منها في يوليو من العام الماضي، قال فيه إن الهدف الأساسي من التظاهرات هو  حماية الانتقال الديمقراطي، بفض الشراكة مع المجلس العسكري، دون إظهار أي دعم للمكون المدني في الحكومة.

تباين أجندة التظاهرات

اختلفت مواقف دعاه المظاهرات بين دعم أو تقويض دور قوى إعلان الحرية والتغيير، وهي الحاضنة السياسية لحكومة رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، رغم اتجاه بعض المواقف إلى أن دعم الحكم المدني لا يعني تفويض حكومة الحرية والتغيير”قحت”‘.

صورة أرشيفية- تخالف قوى إعلان الحرية والتغيير

ومع ذلك، يسود شعور عام بالضجر من النزاع داخل المكون المدني في الحكومة، لسيطرة أربعة أحزاب على الحكومة واستئثارهم بالسلطة دون مشاركة باقي التيارات المدنية الأخرى التي كانت شريكة في الثورة على نظام المؤتمر الوطني. 

واتجهت قطاعات أخرى إلى أهمية دعم الحكومة الحالية باعتبارها تحظى بقبول إقليمي ودولي، وقادرة على العبور بالبلاد وتأمين الانتقال السلمي للسلطة لحكومة منتخبة، بينما يرى تيار ثالت إسقاط السلطة الانتقالية بشكل كامل بمكونيها المدني والعسكري، وإلقاء الاتهامات عليها وتسميتها بشراكة الدم، وذلك منذ تراخيها في تقديم المتورطين في فض اعتصام القيادة، فيما سيطرت حالة من التخوين بين التيارات الثلاثة تتصدرها اتهامات بالعمالة والفلول ومحاولة الاستئثار بالسلطة.

تحول الصراع من مدني – عسكري إلى مدني – مدني 

منذ المحاولة الانقلابية الفاشلة في سلاح المدرعات التابع للقوات المسلحة قبل أسبوعين، لم تكن لغة التصعيد بين المكون العسكري تستهدف كل المكون المدني المشارك في المرحلة الانتقالية، لكن تصريحات رئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو، فسرت على أنها تتعامل مع الفئة المدنية المسيطرة على قوى إعلان الحرية والتغير والممثلة في حكومة حمدوك، والمتمثلة في أربعة أحزاء رئيسية وهي المؤتمر السوداني والبعث والأمة والاتحادي. وزاد التيار العسكري تصعيده بإجراءات عملية بسحب قوات الحماية الأمنية من لجنة تفكيك نظام الرئيس المعزول عمر البشير.

البرهان يحمل المدنيين تعطيل التحول الديمقراطي في السودان

يتكون تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير (ق ح ت)، من 81 حزبا ومنظمة مدنية، وهو المكون المدني للحكومة الانتقالية الحالية في السودان الذي وقع على وثيقة الشراكة الدستورية مع المكون العسكري.

وفقاً للبيانات الصادرة عن معظم التيارات المشاركة في (ق ح ت )، يتضح أن التصعيد من قبل التيار العسكري لم يستهدف كل المكون المدني، إذ تدعم أغلب تيارات المكون المدني المكون العسكري دون توجيه الاتهامات ضده. 

بسبب الانقسام في التيار المدني انقلب الصرع من مدني – عسكري إلى صراع  مدني- مدني، وهو ما أتاح مساحة للتيار العسكري للانتقاد والتوعد لمحاولات الاستئثار بالسلطة وإقصاء الأطراف الأخرى، وهو ما انعكس في تصريحات رئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، خلال زيارته لجهاز المخابرات أول أمس، قائلاً “البلاد لن تستغني عن جهاز مخابراتها وكل منسوبيه الذين لا حزب لهم سوى الوطن”، “لدينا مزيد من العطاء في ساحات الفداء من أجل سودان يسع الجميع دون محاصصات أو الالتفات إلى دعاوى التثبيط المغرضة”. 

وتتجه المخاوف من زيادة الانقسامات في الحرية والتغير وتكوين تيار مواز للتيار المشارك في الحكومة الانتقالية بأن يفتح الباب لمزيد من التوتر سيكون بلا شك في صالح الفلول خاصة مع إعلان حركات تحمل السلاح وقوى سياسية، عن تحالف سياسي مواز لقوى الحرية والتغيير، في إطار السعي لما أطلق عليه “مواجهة القوى الصغيرة المختطفة للحرية والتغيير والمسيطرة على القرار في الحكومة الانتقالية وفقا لرؤية أحادية”، وهو ما قد يفتح المجال لمزيد من سيطرة العسكر على الحكومة لحين حسم الخلافات بين ممثلي التيار المدني، وهو ما سيكون عقبة في سبيل تحقيق أهداف الثورة والانتقال السلمي للسلطة. 

ويرى مراقبون أن القرار الصادر عن رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، الخميس الماضي، بشأن تعزيز الشراكة بين العسكريين والمدنيين وإكمال مؤسسات الانتقال قد يكون دافعا لتحقق أهداف الفترة الانتقالية والاستحقاق الدستوري، وفق المسار القائم حالياً والمدعوم من المجتمع الدولي، ولكن مع بعض التغيرات المحدودة لتضمين بعض التيارات التي تم إقصائها واحتواء غضبها، دون المساس بالقوات المسلحة والقوات النظامية.

إذ نص القرار على الإثناء على دور القوات المسلحة في كشف مخطط الانقلاب ودحره، مطالباً بالتحقيق الدقيق في المحاولة الانقلابية للوصول لكافة الجهات المشاركة والإسراع في تقديمهم للعدالة. مع محاولة توحيد قوى الثورة والحواضن السياسية وتمتين الشراكة بين العسكريين والمدنيين وإكمال مؤسسات الانتقال بما يحقق أهداف الفترة الانتقالية والاستحقاق الدستوري. 

اقرأ  أيضا:

الخطاب السياسي السوداني بين الملامح والدور

تعطيل الانتخابات

في تصريحات سابقة له، اتهم رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، بعض التيارات المدنية دون تسميتها في تعطيل الانتخابات حيث أكد أنه لا توجد إرادة سياسية لتشكيل المجلس التشريعي، داعياً الشعب لاستخدام أدوات الضغط السلمية لفرض إرادة الشعب، ونقل معركة التنافس إلى كسب أصوات الشارع في تمثيل نيابي وحكومة منتخبة، إلا أن بعض التيارات الرئيسية في الائتلاف الحاكم لا تزال ترفض التعجيل باجراء الانتخابات خوفاً من تأثر شعبيتها، إذ لم تحقق معظم الوزارات الخدمية في الحكومة نجاحات في الملفات اليومية المتأزمة في السودان بخاصة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي. 

ولم يقتصر الحديث عن اختطاف السلطة من قوى صغيرة لا تمثل كافة التيارات المدنية حديث المستبعدين أو من تم إقصائهم من المشهد السياسي فقط، بل أصبحت خلافات المكون المدني والصراع الداخلي بين قوى إعلان الحرية والتغيير مسار حديث الشارع السوداني. 

وتتجه الآراء في السودان إلى تحميل التيار المدني المسؤولية الأولى لتعطيل بناء هياكل ومؤسسات الانتقال من مجلس تشريعي، ومحكمة دستورية ومجلس قضاء ونيابة ومفوضيات الانتخابات ومكافحة الفساد، بخاصة مع الإخفاقات والانتقادات الموجهة للجنة إزالة التمكين. 

التزام دولي بدعم التحول الديمقراطي

فيما كان الخلاف بين التيارات المدنية آخذا في تصاعد، وسط تبادل الاتهامات مع المكون العسكري، شهدت الخرطوم حراكا دوليا، حيث خصصت الأمم المتحدة جلسة للتضامن مع السودان بتنظيم ورعاية النرويج والسكرتير العام للأمم المتحدة، تحت شعار “دعم الانتقال المدني الديمقراطي بالسودان”، فيما زار الخرطوم ثلاث مبعوثين دوليين من الإدارة الأمريكية والفرنسية ومملكة النرويج في يومين متتاليين وهو ما وصفته وزارة الخارجية السودانية في بيان صحفي بأنه يعكس ويجسد التزام هذه الدول الصديقة بدعم عملية الانتقال والتحول الديمقراطي في السودان، خصوصاً وأن هذه الزيارة الثلاثية جاءت في أعقاب تمكّن السلطات العسكرية والامنية من إحباط محاولة انقلابية كانت تستهدف مسيرة الانتقال الديمقراطي في البلاد”.

كما زار السودان أول أمس ديفيد مالباس رئيس مجموعة البنك الدولي، في إطار تحرك دولي لدعم الاقتصاد السواني منذ تنفيذ برنامج صندوق النقد لإعادة الإعمار والتنمية والتي تعتبر أول زيارة للسودان من قيادي بهذا المستوى بالبنك الدولي منذ زيارة الرئيس الأسبق للبنك، السيد جوزيف مكنمارا في أوائل سبعينيات القرن الماضي- حسب بيان لوزارة الخارجية. 

يمكن قراءة الاهتمام الدولي للسودان في إطار بعض الاختراقات والنجاحات التي استطاعت بها حكومة عبد الله حمدوك على الصعيد الدولي، من أجل عودة السودان للمجتمع الدولي بعض رفع الولايات المتحدة للعقوبات الاقتصادية، وهو ما يشير إلى امكانية الوساطة أو التدخل لمنع أي انفلاتات عن المسار المرسوم سلفاً للمرحلة الانتقالية، من أجل تنفيذ أهداف ثورة ديسمبر في بناء المؤسسات كالمجلس التشريعي والمحكمة الدستورية وتعيين رئيس القضاء والنائب العام وحكومات الولايات والمفوضيات وتنفيذ اتفاق سلام جوبا ومعالجة الأزمة الاقتصادية الخانقة التي لا تزال العقبة الرئيسية أمام الاستقرار الاجتماعي في السودان.