تعيش قطر تجربتها الأولى في انتخابات نيابية، مثيرة لللغط. ورغم عصرية الفكرة بالنسبة لمنطقة الخليج، التي لا يشيع فيها الممارسة الديمقراطية. إلا أن شروط تلك الانتخابات وظروف إجرائها تحد من الآمال التي يمكن عقدها حولها.

واليوم أعلنت الداخلية القطرية النتيجة العامة لأول انتخابات تشريعية لاختيار أعضاء مجلس الشورى. بفوز 30 مرشحا عن 30 دائرة. ليس بينهم أي امرأة. وبنسبة مشاركة 63.5% من إجمالي الناخبين.

وترشح للانتخابات 26 سيدة في القائمة النهائية لمرشحي انتخابات مجلس الشورى. وذلك في 14 دائرة من بين الدوائر الـ 30 التي جرت بها الانتخابات أمس السبت.

نتائج انتخابات قطر
نتائج انتخابات قطر

وصوت القطريون أمس في أول انتخابات لمجلس الشورى لانتخاب 30 عضوا في مجلس الشورى. من أصل 45 عضوا، كما يتم تعيين 15 عضوا بمرسوم أميري.

فشلت المرأة في قطر في الفوز ولو بمقعد واحد
فشلت المرأة في قطر في الفوز ولو بمقعد واحد

 

ورغم كونها أول انتخابات نيابية بالبلاد. لكنها ذات طابع محدود حيث لا يسمح بوجود أحزاب سياسية، أو حكومة دستورية. ولكن مع ذلك سيمنح مجلس الشورى صلاحيات تشريعية. كما سيتمكن المجلس من ممارسة سلطته على السلطة التنفيذية. باستثناء الهيئات التي تضع السياسات الدفاعية، والأمنية، والاقتصادية، والاستثمارية، وستكون ضمن صلاحياته إقالة وزراء، واقتراح قوانين، والموافقة على الميزانية الوطنية أو رفضها.

وكانت الحملات الانتخابية للمرشحين انطلقت منذ منتصف سبتمبر الماضي لمدة أسبوعين، قبل أن تدخل مرحلة الصمت الانتخابي استعدادا لعملية التصويت.

قانون الانتخابات التمييزي

وتجرى الانتخابات الأولى على خلفية قانون مثير للجدل. اعتبرته المنظمات الحقوقية يميز بين المواطنين. ويبرز مشاكل الجنسية التي لا تساوي بين مواطني الدولة. واعتبرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية أن القانون سيحرم فعليا آلاف القطريين من الاقتراع أو الترشح.

ويمنع النظام الانتخابي الجديد القطريين المتجنسين من الترشح في الانتخابات. وبشكل عام من الاقتراع في الانتخابات. وعلى رأسهم قبيلة آل المرة ذات النسبة الكبيرة من عدد السكان بالبلاد. الذين يقولون إن جذورهم عريقة في البلاد وتعود إلى ما قبل ولادة دولة قطر أساساً.

 

وأثار القانون غضب القبيلة فقاموا بالاحتجاج على القانون. عبر المظاهرات، والاعتصامات، فما كان من الحكومة إلا إلقاء القبض على عدد من القيادات، والمشاركين بالتظاهرات.

وكان المحامي هزاع المرة على رأس المعتقلين.. حيث يعد أحد أهم قيادات المعارضة ضد القانون. وطالب بتعديله فورا. كما نظم اجتماعا ضم نخبًا قطرية من أدباء وأساتذة جامعات ومحامين. حيث ألقوا خُطبًا وسجلوا اعتراضهم على استبعادهم من الترشح.

وبحسب “هيومن رايتس” يسلط قانون الجنسية الجديد الضوء على نظام المواطنة متعدد المستويات في ظل قانون الانتخاب القطري لسنة 2005. الذي يعرّف “القطريين أساسا” على أنهم جميع “المتوطنين” في قطر قبل 1930. وأولئك المُثبت أنهم من أصول قطرية بقرار أميري.

وبحسب هذا القانون، لا يُسمح للذين استعادوا جنسيتهم بالترشح في الانتخابات أو التعيُّن في أي هيئة تشريعية قبل عشر سنوات.

 

وينص القانون على أنه “لا يجوز التسوية بين من اكتسب الجنسية القطرية وبين قطري، بالنسبة لحق شغل الوظائف العامة أو العمل عموما، قبل انقضاء خمس سنوات من تاريخ كسبه الجنسية”.

وفي دول الخليج بشكلٍ عام، تأخرت بعض القبائل الموزعة بين أكثر من دولة في توفيق أوضاعها بشكل نظامي. وذلك للحصول على أوراق الجنسية، رغم وجودها في تلك المناطق، حتى قبل وجود بعض العائلات الحاكمة هناك.

ولا تنشر قطر أي أرقام حول عدد المواطنين الذين تعتبرهم الدولة “أصليين” أو “متجنسين”. وجوازات السفر القطرية لا تحمل أي إشارة إلى فئة الشخص.
وغالبا ما يكتشف القطريون “المتجنسون” وضعهم القانوني عندما يُمنعون من الحصول على بعض الخدمات أو المزايا الحكومية. كما اكتشف البعض عندما حاولوا التسجيل للترشح أو الاقتراع في الانتخابات.

علاقة آل المرة بالعائلة الحاكمة 

وطالما كانت علاقة آل مرة بالعائلة الحاكمة في قطر مضطربة، وتحديدا منذ العام 1996، عندما سحبت قطر الجنسية تعسفا من عائلات من عشيرة الغفران من آل مرّة. ما ترك بعضهم بدون جنسية حتى اليوم، وحرمهم من حقوق إنسانية أساسية، منها التعليم، والتوظيف، والرعاية الصحية.

وقال آخرون “استعادوا الجنسية بعد 2005”. إنهم صُنفوا تعسفا “متجنسين” بدل مواطنين “أصليين”. وذلك على إثر تأييدهم للأمير الأسبق والد الأمير حمد بن خليفة آل ثاني. الذي تم عزله ونفيه إلى السعودية، وتولي نجله الأمير السابق الحكم.

و في عام 1996، حاول خليفة بن حمد آل ثاني، استرداد السلطة، وسانده في مساعيه أبناء قبائل آل مرة. حينها قالت الحكومة القطرية إن السعودية والإمارات والبحرين لعبت دوراً في “مؤامرة عام 1996” لإعادة الأمير خليفة إلى السلطة.

وتستمر تلك التوترات بين النظام الحاكم والقبيلة حتى اليوم، وفي عام 2017 على سبيل المثال سحبت السلطات القطرية الجنسية من شيخهم طالب بن لاهوم بن شريم المري مع 55 شخصا آخرين. من بينهم أطفال ونساء من أفراد عائلته.

الخريطة القبلية في قطر

وفي منطقة الخليج لا يمكن تجاهل المسألة القبلية، وأثرها على المجتمع، فحتى النظام الحاكم يستمد شرعيته من هذه النظم التقليدية كما أن سمات الحكم متقاربة.

وقد كانت القبائل والعشائر التي تقطن قطر، متنوعة ومتنافسة، إلى حين خضوعها لحكم أسرة آل ثاني، في القرن التاسع عشر، بمساعدة بريطانيا التي بالمقابل، كانت تسيطر على سياسة قطر الخارجية حتى استقلالها في عام 1971.

ومن قبائل البدو الرئيسية التي هاجرت إلى شبه جزيرة قطر كانت آل مرة، والعجمان من الحسا؛ المناصير من عمان؛ والنعيم، وهي ما بين البحرين وسلطنة عمان.

أما القبائل الرحّل التي كانت ترعى ماشيتها في قطر، فقد كانت أغلبيتها غير مستقرة، إذ كانوا يدينون بالولاء للسعودية، بل كانوا يدفعون لها الجزية.

أما القبائل البدوية الكبرى، مثل آل مرة وبني هاجر والمناصير، فتمثل نسبة كبيرة من سكان قطر الأصليين، وقد اكتسبوا الجنسية القطرية بعد استقلال قطر. حتى أن البعض منهم تمكن من تأمين جنسية مزدوجة مكنتهم من مواصلة هجرتهم الموسمية بين المملكة العربية السعودية وقطر.

المسألة الديمقراطية في الخليج

تواجه الممارسات الديمقراطية في البلدان الخليجية الكثير من التحديات رغم التحول النسبي، والبطء في الوقت نفسه. كما لم تعرف بلدا فيه ممارسة ديمقراطية نسبية، باستثناء دولة الكويت.التي تتمتع ببرلمان نشط عن باقي المنطقة. إلا أنه في الوقت نفسه يعيش أزمات دائمة في ظل التلاعب بالقوانين من قبل السلطة. التي تجعل من الطعن عليه، وحله أمرا متاحا دائما، كما أن البلد لا يزال لا يتمتع بحكومة دستورية، أو مشروعية إنشاء الأحزاب.

أما بالنسبة للنساء. فنادرا ماينجحن في الوصول إلى قبة البرلمان. وخلال الدورتين الأخيريتن لم يحظين بالفرصة. كما أن الأمر تحكمه حسابات طائفية، وقبلية تحد من وجودهن.

ومع ذلك تنسب التجربة الأولى للديمقراطية إلى البحرين في تجربة المجلس الوطني عام 1973. إذ كان الدستور أكثر انفتاحا وأقرب مايكون للتجربة الكويتية. لكن النظام الحاكم خاف الانقلاب عليه، فلم تنقضِ سنة نصف حتى تم حلّ المجلس وتم تعليق العمل بالدستور إلى الأبد.

النظام القبلي 

وتعد السلطة الأبوية التي يدعمها النظام القبلي. أحد المعوقات أمام اقامة ديمقراطية حقيقية، حيث تستمد النظم شرعيتها من التقاليد الوراثية، وسلطة الأب التي قد تكون عائقاً للتحول. كما يعتمد النظام على الشرعية الدولية التي تحميه من التهديدات. حيث تعيق الأسر الحاكمة عمليات التحول الديموقراطي؛ بما يضمنه ذلك من نفوذ مطلق لها.

يساهم في ذلك المنطق الريعي التي تقوم عليه تلك الدول. حيث تقوم على بيع ثرواتها إلى العالم، مقابل الحماية الدولية.  فهناك مجموعة من المستفيدين يعيقون أي محاولات لتغيير النظام. وفي المقابل تقوم تلك الأنظمة بالعناية بالرعية، بالمعنى القبلي.

وعلى سبيل المثال يعتبر المحللون انتخابات قطر خطوة نحو مزيد من المشاركة، لا التغيير الحقيقي.

وبهذا الصدد يقول المحلل المختص بشؤون الشرق الأوسط أندرياس كريغ لوكالة فرانس برس”. من المهم الفهم أن الطموح ليس إقامة ملكية دستورية لكن زيادة مشاركة” المجتمع، موضحا أن “تطبيق معايير الديمقراطية خطأ” في هذه الحالة.