وصف الدكتور ميشيل نصير منسق برامج الشرق الأوسط في مجلس الكنائس العالمي وأحد المشاركين في كتابة وثيقة “نختار الحياة” الخطاب الكنسي القائم. بأنه خطاب مزدوج يتحدث بلسانين أحدهما للشرق ويتبنى خطاب التعايش والآخر للغرب مصدرا فكرة اضطهاد المسيحيين.
نصير تحدث لـ”مصر 360″ عن وثيقة “نختار الحياة” التي صدرت قبل أيام في بيروت كمبادرة من مجموعة مستقلة من الباحثين و اللاهوتيين المسيحيين من أجل إصلاح أوضاع المسيحيين العرب التي وصفها نصير بالمزرية. مؤكدا أن الوثيقة تعاملت بشجاعة مع الأوضاع السياسية والاجتماعية للمسيحيين العرب المعاصرين. إلى نص الحوار:
ما الذى دفع واضعي الوثيقة إلى إصدارها في هذا التوقيت؟
وضع المسيحيين المزرى في جميع الدول العربية. فهناك ديمقراطيون أو غير ديمقراطيين. أو بعبارة أخرى حداثيون أو غير حداثيين. فالانقسام ليس طائفيا أو مذهبيا. إنما يعيش المسيحيون وضعا مقلقا، فإما التطرف أو خيارات سلطوية، فليس هناك بلد عربي لا يحلم شبابه بالهجرة منه، ورأينا كمجموعة مستقلة أن نبادر إلى ذلك.
العقل يطهر القلب وضرورة أساسية لإيمان لا يقوم على الغيبيات
لماذا لم تشترك الكنائس معكم في هذه الوثيقة؟
واضعو هذه الوثيقة مستقلون. ولا يمكن أن تصبح “نختار الحياة” مبادرة تتبناها كنائس أو مجلس كنائس الشرق الأوسط أو غيره لأنها تقدم نقدا واضحا لأوضاع المؤسسة الكنسية. ومن ثم، وضعنا على عاتقنا كمجموعة مستقلة أن نتبنى تلك المبادرة.
من الملاحظ غياب المصريين عن الوثيقة رغم أنهم الأكثر عددًا بين مسيحي الشرق فلماذا؟
الأسماء التي ظهرت في الوثيقة هي اللجنة التي أصدرت المسودة. وبالفعل استشرنا الكثير من المصريين وأسماء أخرى في العراق وسوريا، وبالتالي طرحناها للانضمام، ومن بادر إلى ذلك هم من ظهرت أسماؤهم فيها، ومع ذلك فالوثيقة مفتوحة لأي شخص يريد الانضمام لها والتوقيع عليها
استشرنا الكثير من المصريين عند كتابة الوثيقة.. وهؤلاء من بادروا بكتابة المسودة
لماذا أشارت الوثيقة إلى قضية النهضة العربية وعلاقتها بالإسلام والحداثة؟
أردنا وضع أيدينا على طبيعة الوضع القائم. وبالفعل سؤال الحداثة وفشل مشروع النهضة العربية جزء منه. فأي مشروع بديل للنهضة العربية في المنطقة لا يأخذ في الاعتبار الخصوصيات الثقافية المختلفة للبلدان العربية. سوف يصنع إشكالا ومن ثم، طرحنا ذلك لكي يتم هذا الحوار ونتفق على سردية في قضية النهضة العربية ولماذا تم إجهاضها.
لفتت الوثيقة النظر إلى قضية الخطاب الديني الغيبي. فما البديل الذى تطرحه؟
البديل هو ألا ينفي الخطاب الديني دور العقل. وأن نضع الدين في مكانه الصحيح. فلا يستخدم الدين في سياقات أخرى، كأن يتم تديين السياسة أو تسيس الدين ضمن الخطاب الديني القائم. نحن نؤمن بضرورة إعلاء دور العقل في الإيمان. لأن العقل يطهر القلب وهناك علاقة جدلية بين الإيمان والعقل. لكن هذا الخطاب القائم يزيد الانزواء والتقوقع حول الذات وينتج روحانية زائفة ونحن نريد مسيحية ملتزم بجعل العالم أفضل للحياة فيه
على الكنائس أن تقود المجتمع في قضية رسامة المرأة لا أن تنساق له
وضعت الوثيقة يدها على إشكالية اتخاذ القرار في النظام الكنسي المجمعي أو البطريركي. فهل تدعو إلى تغييره؟
على العكس نؤمن أن تظل الكنائس العربية كما هي بتنوع أنظمتها. فنحن لا نطالب بتحويل الكنائس إلى نظام مختلف، بل ندعو إلى استعادة معنى النظام المجمعي أو السنودسي. الذي يعني السير معا من خلال التعاطي مع الشباب والمرأة ودمج العلمانيين المسيحيين كجزء من النظام الكنسي والاستفادة من خبراتهم.
لماذا اتهمت الوثيقة الخطاب الكنسي بالازدواجية بين الداخل والخارج؟
ببساطة شديدة لأن هناك محاضرات وكلمات لرؤساء أساقفة وأساقفة في جمعيات أمريكية أو ألمانية تروج لاضطهاد المسيحيين في الشرق من أجل تمويل أو غيره، وعندما يعودوا إلى بلادهم يتبنوا خطاب المحبة والتعايش وهي طريقة لمغازلة الغرب الذى يحب كثيرون فيه أن يظهروا أن جميع المسلمين هم دواعش أو طالبان، وفي الوقت نفسه نجد الكنائس ملتصقة بأنظمة الحكم القائم وتردد سردياتها، وأقول لهم إذا كنتم كمسحيين مواطنين درجة ثانية في بلادكم فلابد أن تطالبوا بالمساواة والمواطنة لا أن تبحثوا عن امتيازات، وعلى سبيل المثال الكنائس متمسكة بقوانين أحوال شخصية تمنع الزواج المدني حتى تكمل تسلطها على أبنائها، بل إن الكنائس متربصة في قضايا الأحوال الشخصية.
الوثيقة استنكرت وضع المرأة في الكنيسة.. ألا ترى أن المطالبة بتغيير الوضع يصطدم بعقيدة بعض الكنائس التي ترفض كهنوت المرأة؟
هناك كنائس أقدمت بالفعل على رسامة قسيسات من النساء. وموقفنا ليس المطالبة بمنح النساء رتبة القسيسية في الكنائس التقليدية مثلا. بل نطالب بتوسيع دور المرأة ومنحها مساحة أكبر في اتخاذ القرار الكنسي. كذلك ينبغي الإشارة إلى أن بعض الكنائس مثل الإنجيلية المشيخية في مصر ترفض رسامة المرأة لأسباب مجتمعية. وليست لاهوتية وأقول لهم: على الكنيسة أن تقود المجتمع لا العكس وأن تقدم هي الإصلاح الذى تنشده، وأن تنساق إلى رسالة الإنجيل في هذا الشأن.
بعد صدور تلك الوثيقة.. ما موقف الكنائس منها؟
من الممكن أن ترفض الكنائس هذه الوثيقة وتأخذ موقفا منها أو ترى أنها لا تعبر عنها، والسؤال الذى نتداوله كفريق: هل علينا أن نقوم بزيارات لرؤساء الكنائس لتعريفهم بالوثيقة والدعوة لحوار معمق حول ما جاء فيها؟ كل ما نتمناه أن تفتح تلك الوثيقة بابا للنقاش بين الكنيسة وبين المجتمع وحول دور الكنيسة في المجتمع.