ماذا لو قررن نساء يرفضنّ مطالبات أهلهن بالزواج من أي شخص لمجرد الزواج، في حين أنهنّ يتمسكن بعاطفة الأمومة. وماذا لو قررنَّ التأني لاختيار شريك حياةٍ مناسب، ثم ماذا لو كانت السيدات مستقلات ولم توفقن في الزواج.. الحل لدى البعض عبر تجميد البويضات، لكن حتى هذا الطريق يبدو صعبًا لدى بعضهن بسبب التكلفة المادية أو النظرة المجتمعية.

صفية.. الطريق إلى الأمومة مغلق

“لا أمتلك تكلفة العملية، ولا أعرف كيف أصارح أهلي”.. تتحدث “صفية” عن رغبتها في إجراء عملية تجميد البويضات، بعد مرورها بتجربتين للزواج لم تستكمل، ولم تعد تبحث عن شريك لحياتها للمرة الثالثة.

تشعر صفية (اسم مستعار) بحنينها إلى الأطفال ورغبتها في الإنجاب، ثم تلتفت إلى عمرها الأربعيني ومشاعرها المرتبكة، فتجد أن “فرصها قد اقتربت على الانعدام”. ذهبت لإجراء فحوصات تمهيدًا لإجراء علمية تجميد البويضات، لكنها عادت محبطة وقد صرفتها نظرها عن الفكرة بعدما علمت بأسعارها.

بعد عودة صفية إلى منزل أسرتها بصعيد مصر، لم تستطع مواجهتم برغبتها في تلك العملية. نظرًا لعلمها المسبق بقناعتهم بأن ذلك الأمر يندرج تحت أحكام “العيب”. إلى جانب عدم توافر إجراء تلك العملية بأي مركز طبي بالصعيد.

وعملية تجميد البويضات واحدة من عدة خطوات، يطلق عليها “إجراءات الحفاظ على الخصوبة”. وهي تهدف إلى احتفاظ السيدات، أو الزوجين بفرص أخرى لحدوث الحمل مستقبلاً. خاصة إذا كان من المتوقع أن يفقد أحدهما قدرته الإنجابية أو نسبة كبيرة منها بفعل تقدم العمر، أو قبل تعرضه لجرعات مكثفة من العلاج الكيماوي أو الإشعاعي.

عملية تجميد البويضات واحدة من عدة خطوات، يطلق عليها إجراءات الحفاظ على الخصوبة. وهي تهدف إلى احتفاظ السيدات، أو الزوجين بفرص أخرى لحدوث الحمل مستقبلاً

وفي مصر تبحث نساء عن مركز آمن يتميز بتكاليف مناسبة مع ظروفهن، نظرا لقلة رواتب النساء ومدخراتهن عن الرجال. وكثيرًا ما تجد المرأة نفسها بين اختيارين إجراء العملية أو الإبقاء على مدخراتها، أو الاقتراض لسداد فاتورة العملية والعلاج.

والعملية تتمثل في حفظ الخلية البيضية الناضجة بالتجميد، حيث تستخرج البويضات من مبيضي المرأة وتجمَّد غير مخصَّبة وتحفظ للاستعمال لاحقًا. ويمكن إذابة البويضة المجمدة وتلقيحها بالحيوان المنوي في المعمل، ثم زرعها في رحم المرأة (التلقيح الصناعي). وتتضمن العملية جمع 15 بويضة عبر الحقن المجهري وتبريدها بشكل سري وتخزينها في حاويات معزولة من النيتروجين السائل. وعند الرغبة تستعاد البويضة وتحقن بالحيوانات المنوية، للحصول على جنين.

تقليل النفقات لحفظ البويضات

لم تكن أمام النساء اللاتي يرغبن في إجراء “تجميد البويضات” إلا تقليل نفقاتهن لتحمل تكلفة العملية. في الوقت الذي تقل رواتب النساء عمومًا ومدخراتهن عن الرجال. وذلك إعلانًا منهن عن التأني في البحث عن شرك حياة ملائم، أو رغبة في الاستقرار المهني.

تتقاضى “سارة”، التي تعمل في مجال العلاقات العامة، نحو 60 ألف جنيه سنويًا. وقد بدأت التفكير في تجميد بويضاتها بعد أن بلغت الثامنة والثلاثون دون لقاء الشخص المناسب. بحثت سارة بعناية بين العيادات التي تقوم بعملية التجميد وأجرت فحوصًا تمهيدية بعيادة عرضت تكلفة الاستشارة مقابل 200 جنيه.

بدأت سارة رحلة الادخار لمدة 3 سنوات قبل إجراء العملية. وذلك بعد معرفتها تكلفة العملية التي تتراوح بين 20 ألف جنيه و40 ألفًا. وتقول:” كنتُ أحاول تقليل نفقاتي، خاصة أن أهلي لن يقوموا بمساعدتي ماديًا لرفضهم ذلك الأمر. وتكرار طلب الموافقة على الزواج من أي شخص”.

“أنا جمدت بويضاتي”

“أنا جمدت بويضاتي”.. منذ عامين قررت ريم مهنا خوض تجربة تجميد البويضات، وبالفعل نجحت في إجراء تلك العملية. وتروي مهنا تجربتها: “حينما أخبرت الدكتور برغبتي في تجميد البويضات، ارتسم على وجهه ملامح الاستغراب. ليخبرها بأنه لم يسمع بأن فتاة من قبل قامت بتلك العملية”.

ريم مهنا: “من الوارد جدًا أن أتزوج في سن الأربعين، وهنا ستكمن المشكلة في الإنجاب، لذلك قررت تجميد البويضات”.

قادت ريم مهنا صاحبة الـ 35 عاما تجربتها الفريدة، لقناعتها بالزواج بعد سن الثلاثين، وتحقيق الاستقرار في الحياة العملية. قائلة: “من الوارد جدًا أن أتزوج في سن الأربعين، وهنا ستكمن المشكلة في الإنجاب”. وأعلنت ريم عن الأمر أملاً في إلهام فتيات أخريات للحفاظ على فرصهن في الإنجاب مع تأخر سن الزواج في مصر.

حرية الاختيار وزيادة الإقبال

منذ 7 سنوات، عرضت بعض شركات التكنولوجيا الضخمة، منها “آبل” و”فيسبوك”، بين المزايا المقدمة للموظفين التكفل بتجميد البويضات. ما اعتبره البعض محاولة لإخضاع النساء لسطوة الشركات على حساب العلاقات البشرية بهدف إبقائهن باستمرار رهن العمل. ولكن الشركتين أكدتا أنهما تقدمان تلك الميزة نزولا على رغبة موظفيها ولمنح النساء حرية الاختيار.

وبحسب بيانات جمعية تقنية التخصيب المساعد، شهدت السنوات الأخيرة زيادة مستمرة في أعداد النساء المقبلات على تجميد البويضات. ففي عام 2009 لم تتعد دورات تجميد البويضات في الولايات المتحدة 564 دورة. ثم ارتفع العدد إلى 8892 دورة في عام 2016. وفي بريطانيا، سجلت هيئة التخصيب البشري والأجنّة 1170 دورة تجميد في عام 2016. بينما لم يكن عددها قد تجاوز 395 دورة في عام 2012.

أكثر من مجرد التركيز في العمل

وألمحت بحوث طبية أن النساء ربما تقبل على تلك المجازفة المكلفة لعوامل أكثر من مجرد رغبتهن في التركيز على العمل. فقد وجد بحث أجرته عالمة الأنثروبولوجيا بجامعة ييل، مارسيا إنهورن، أن 90% من 150 امرأة أميركية استطلعت آرائهن أشرن إلى البحث المستمر عن شريك للحياة كسبب مباشر للإقدام على تجميد البويضات.

أبو الغار: 100 سيدة مصرية جمدت بويضاتها وبعد أن كانت تجرى لأسباب مرضية بات إجراؤها للأشخاص الطبيعيين؟

وقال الدكتور محمد أبو الغار أستاذ طب النساء والتوليد بجامعة القاهرة أن 100 سيدة مصرية جمدت بويضاتها. ولفت إلى أن تلك العملية بعد أن كانت تجرى لأسباب مرضية بات إجراؤها للأشخاص الطبيعيين. ونصح الراغبين في إجراء تلك العملية بعمر الـ30 بدلاً من الـ40، مما يزيد من فرص الحمل.

أمل مرضى السرطان

وعملية تجميد البويضات فرصة كبيرة لمرضى السرطان، حيث اتباعهن العلاج الكيماوي أو الإشعاعي يضعف قدرتهن على الإنجاب مستقبلا.  ونظراً لأن 15% من حالات سرطان الثدي الجديدة تصيب النساء قبل سن 45 عاماً، فإن عدداً كبيراً من النساء يتم تشخيص إصابتهن قبل أن يكملن أو يبدأن بناء أسرهن. وبالتالي، يحتل الحفاظ على الخصوبة مرتبة مهمة في قائمة أولوياتهن، بحسب مركز فقيه للإخصاب.

تأتي تجميد البويضات من أولويات جمعية “كانسر كير”، فتقول مؤسسة الجمعية جيهان العسال، إن المركز يعكف حاليًا على إعداد مشروع قانون يعطي الحق لمرضى السرطان في تجميد البويضات والحيوانات المنوية. وذلك قبيل تلقيه الجرعات العلاجية من الكيماوي والتي قد تأثر بشكل مباشر على فرص الإنجاب.

وتشير العسال إلى أن تكاليف تلك العمليات أكبر من قدرة مريض السرطان الإنفاقية، مقابل احتياجات المريض للعلاج. وهو ما يقلل فرص التفكير في إجراء عملية تجميد البويضات.

مقترح قانون جديد.. تجميد البويضات على نفقة الدولة

وتكمل العسال، التي تتمنى إصدار القانون قريبا بعد تقديمه لمجلس النواب، أن القانون يتيح إجراء تلك العمليات على نفقة الدولة. بالإضافة إلى إنشاء بنك للحفظ والتجميد تتجاوز مدتها العشر سنوات. وذلك للتوفير على القاصر الوصول إلى السن القانوني للزواج، وشفاء المريض، على أن يتم استخدامها مرتين وتعدم بوفاة المريض.

وأشارت إلى ضرورة إجراء حملات توعية، فبعض الأهالي وهم الواصي على المريض تحت السن القانوني، لا يهتمون بتلك العملية. خاصة أن الاهتمام الأول يكون في شفاء طفلهم، فتقول: “طفل 16 عاما تخفي عنه أسرته أنه يتم علاجه من الكانسر دون التفكير في فرصه في الإنجاب بعد الزواج؛ لأنهم يرون أن حياته أهم من فرصة للإنجاب”.

الفرص الضائعة

“الفشل المبكر للمبيض” بات شائعا، خاصة أن اكتشافه يأتي متأخرًا، حين تكتشف الفتاة أعراضًا أو تلجأ لنصيحة عدم التعامل مع الأكياس في المبيض، حتى تصل لحجم 10 سم، مما يدمر مخزون المبيض.

ينصح الدكتور وائل البنا، استشاري النساء والتوليد بضرورة الاطمئنان على مخزون المبيض. ويقول: “في حالة ضعف مخزون المبيض يرجى تجميد بويضات فورا”. ويشرح البنا، أن المرأة تولد بنحو مليون بويضة وتقل إلى 300 ألف عند البلوغ. ثم 25 ألف عندما تبلغ 37 عامًا، وتصل إلى 1000 فقط عند انقطاع الدورة تبلغ (51 عاما).

المرأة تولد بنحو مليون بويضة وتقل إلى 300 ألف عند البلوغ. ثم 25 ألف عندما تبلغ 37 عامًا، وتصل إلى 1000 فقط عند انقطاع الدورة تبلغ (51 عاما).

لذلك يرى استشاري أمراض النساء إمكانية تفكير الأزواج ومن لديهم أطفال في تجميد البويضات لما قد يطرأ مستقبلا. كما يشير إلى أن سيدات ورجال في عمر الشباب يصابون بأمراض سرطانية أو مرض مناعي. وبسبب حصولهم على علاج الكيماوي يفقدون خصوبتهم، والحل هنا تجميد البويضات.

ليست السيدات وحدهن من تقل فرصتهن في الإنجاب لأسباب عمرية أو مرضية. بل الرجال أيضًا يصابون بندرة في الحيوانات المنوية بعد إجراء عمليات تكميم المعدة التي تساعد في إنقاص الوزن بصورة كبيرة. بجانب التدخين والضغط النفسي والكحوليات وبعض أدوية علاج التهاب قناة مجرى البول، يقول البنا.

الأسباب المختلفة لـ تجميد البويضات

وتتعدد أسباب تجميد البويضات، ما بين النساء المصابات بالسرطان، واللواتي خضعن لجراحة تسببت في تلف المبيض. والمعرضات لخطر فشل المبايض المبكر؛ بسبب تشوهات الكروموسومات (مثل متلازمة تيرنر، متلازمة إكس). أو لوجود تاريخ عائلي لانقطاع الطمث المبكر والنساء المصابات بمرض المبيض. والنساء اللواتي يرغبن بالحفاظ على الخصوبة، لأسباب اجتماعية أو شخصية تسببت بتأخير الإنجاب.

يأتي الخوف من حمل مسؤولية الأبوة والأمومة، الدافع الأكثر شيوعًا للرغبه في تجميد البويضات. وهو ما كشفته البيانات التي نشرت في مجلة “الخصوبة البشرية”. وتقول “منى” (35 عامًا): “لا أرغب في الإنجاب في الوقت الحالي أو بعد وقت قريب. ولكنني أفكر جديًا في إجراء عملية تجميد البويضات في حالة تغير طريقة تفكيري مستقبلاً قبل أن أفقد فرصتي”.

تجميد البويضات دينيًا

أعلنت دار الإفتاء المصرية أن عملية تجميد البويضات جائزة، وليس فيها محظور شرعي “إذا ما تمت وفق ضوابط معينة”.

 “تجميد البويضات يعتبر من التطورات العلمية الجديدة في مجال الإنجاب الصناعي، مما يتيح للزوجين فيما بعد أن يكررا عملية الإخصاب عند الحاجة، وذلك دون إعادة عملية تحفيز المبيض لإنتاج بويضات أخرى”. 

وتقول الدكتورة آمنة نصير، أستاذة الفلسفة الإسلامية والعقيدة بجامعة الأزهر، إن “تجميد النساء للبويضات لعدم وجود الزوج المناسب جائز شرعا”. وتضيف أن “المرأة لديها عمر افتراضي للإنجاب فإذا تقدم بها السن تقل فرصها. وفي حالة التأخر في الزواج ورغبت في حفظ البويضات إلى أن تتزوج، لا يوجد مانع أن تسترد البويضات”.