بينما تشير تقارير استخبارية أمريكية وأوروبية إلى مخاطر النشاط النووي لكوريا الشمالية. لكن ثمة تقرير لافت ومثير لمعهد جيستون الأمريكي، يؤكد أن حصول إيران على السلاح النووي- وقد عدّها على “مسافة قريبة” من تحقيق ذلك- سيكون أمراً أكثر خطورة من غيرها.

وبحسب تقرير لمجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، فإن إيران على بعد شهر من الوصول إلى سلاح نووي. وذلك في ظل تردد إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، وتحديداً بعد مستجدات الوضع السياسي والميداني في أفغانستان. إثر الانسحاب الأمريكي المباغت والفوضوي، مرجحة أن يتسبب ذلك في دفع كل الشرق الأوسط إلى سباق تسلح نووي جديد.

اللافت أن إيران التي حددت، مؤخراً، موعداً لاستئناف محادثاتها النووية في فيينا، دون حيز زمني واضح، تعمد إلى التصعيد ومواصلة خرق بنود الاتفاق النووي. فضلاً عن التملّص من كافة التزاماتها، ومن بينها زيادة تخصيب اليورانيوم. بحسب ما أعلن نائب الرئيس الإيراني ورئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، محمد إسلامي. والذي قال إن طهران تقوم بـ”تأمين 50% من حاجاتها من الطاقة الكهربائية عبر المفاعلات النووية”. وتابع: “هذا هو هدفنا الرئيس للمرحلة القادمة”.

سياسة المقايضة

وتعتمد طهران على سياسة المقايضة، لفرض شروطها. ففي الوقت الذي تتشدد فيه إيران التعامل مع المفتشين، قال المدير العام للوكالة الدولية رافاييل غروس، إن عمليات التفتيش يجب أن تستمر ولا يجب أن تكون “ورقة مقايضة”.

ولاحقًا، لمس المبعوث الأمريكي الخاص بشأن إيران، روبرت مالي، هذه السياسة الإيرانية. وقال إن طهران تخطئ التقدير باعتقادها أن تكثيف أنشطتها النووية قد يدفع واشنطن لتقديم مزيد من التنازلات لاستعادة الاتفاق النووي.

ورقة مفاعل آراك

وكشف رئيس لجنة الطاقة في مجلس الشورى الإيراني، أن مفاعل آراك النووي الذي لم يجر تشغيله منذ التوقيع على الاتفاق النووي عام 2015، سوف يعاود العمل، مجدداً خلال عام. لكن لأغراض “بحثية”، حسبما توضح إيران.

إيران تقول إن “المفاعل IR – 20 في آراك سيبدأ العمل خلال العام الإيراني المقبل”

وتشير وكالة الأنباء الإيرانية “فارس” إلى أن “المفاعل IR – 20 في آراك سيبدأ العمل خلال العام الإيراني المقبل”. وقالت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، منتصف العام الحالي، إن “الاختبارات الباردة للمفاعل يمكن أن تبدأ في النصف الأول من العام الإيراني الذي يبدأ في 21 مارس”. وذكر الناطق بلسان المنظمة، بهروز كمالوندي، أن “المفاعل يتم تشغيله بشكل عام بعد سنة من الاختبارات الباردة”.

وتعد تلك الخطوة أحد خروقات إيران لبنود “خطة العمل المشتركة”، والتي تم تدشينها عام 2015 بفيينا. بينما تحاول أن تكون بمثابة ورقة ضغط إضافية في مفاوضات إحياء الاتفاق النووي. حيث ينص الاتفاق النووي الذي انسحبت منه الإدارة الأمريكية السابقة على “إعادة تصميم وبناء مفاعل آراك الذي يعمل بالمياه الثقيلة. لتحويله إلى مفاعل بحثي غير قادر على إنتاج بلوتونيوم للاستخدام العسكري، يمكن أن تساعد المياه الثقيلة على إنتاجه”.

الإفراج عن الأموال المجمدة مقابل العودة للمحادثات

وعليه، يرى مراقبون أن طهران تتجه للمماطلة والتسويف لتحقيق أغراضها سواء المتصلة بالتقدم في برنامجها. أو الحصول على تنازلات من الولايات المتحدة وكذا الغرب. وطالب وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، بضرورة الإفراج عن عشر مليارات دولار من الأموال المجمدة كشرط مسبق للعودة للمحادثات في فيينا.

في أغسطس الماضي طالبت إيران من اليابان الإفراج عن أموالها المجمدة بسبب العقوبات

وقال وزير الخارجية الإيراني إنه “إذا كان لدى الأميركيين نية حقيقية، فليفرجوا عن بعض الأصول الإيرانية المحظورة”. وشدد على أن طهران “ستعود قريباً إلى عملية التفاوض، لكنها ستختبر نوايا الطرف المقابل على طاولة المفاوضات. وستكون الإجراءات العملية للولايات المتحدة في هذا الصدد هي المعيار”.

وتابع عبد اللهيان: “هناك إجماع على مبدأ أن المحادثات ستجري في فيينا ونحن نريد مواصلة صيغة فيينا”. لكنه أضاف: “لن نربط السياسة الخارجية للبلاد واقتصادها بالمفاوضات ونتائجها”.

أمريكا تتحسب غدر إيران

بيد أن وزارة الخزانة الأمريكية، أكدت، مطلع الشهر الحالي، مواصلة فرض “الحظر على التعاملات المالية مع منظمة (آستان رضوي) الوقفية”، التابعة للمرشد الإيراني، علي خامنئي. وذلك على خلفية إدراجها على لائحة العقوبات. كما حذرت الوزارة، في بيان رسمي، من الانخراط في التعاملات المالية والتبرعات مع المنظمات المحظورة.

وعدَّدت الوزارة مخاطر السفر لإيران، وقد صنفت الأخيرة في “المستوى الرابع” على لوائح السفر، والتي تعني التشديد على عدم السفر. وحذرت الأمريكيين وتحديداً مزدوجي الجنسية من التعرض للاحتجاز والاعتقال التعسفي، بسبب سياسات طهران المعادية للأجان.

وقالت الخارجية الأمريكية إن “بعض المعاملات التي تحدث عادة عند السفر من وإلى إيران، لأشخاص أمريكيين، تندرج ضمن استثناء. وفقاً للوائح المعاملات والعقوبات الإيرانية. وبالتالي، بشكل عام زيارة ضريح “الإمام الرضا” في مدينة مشهد بإيران ليست محظورة”.

واشنطن تجيز تبرع الأمريكيين للأضرحة الإيرانية

وتابعت: “تشمل المعاملات المعفاة رحلات الزيارة التي يقوم بها الأميركيون إلى ضريح الإمام الرضا. والحصول على سلع أو خدمات للاستخدام الشخصي أثناء السفر. علاوة على ذلك، فإن التبرعات بالمواد، مثل الطعام والملابس والأدوية، من قبل أشخاص من الولايات المتحدة إلى الضريح، بهدف استخدامها للتخفيف من معاناة الإنسان تقع أيضًا ضمن الإعفاء. وبالتالي فهي غير محظورة عمومًا بموجب اللائحة”.

ويوضح معهد جيستون الأمريكي أن النظام الإيراني الذي تتوزع ميلشياته في عدد من البلدان العربية، يختلف من حيث تهديداته في حال امتلاكه السلاح النووي عن كوريا الشمالية التي تواصل خرق العقوبات الدولية. حيث إن طبيعة النظام السياسي والعقائدي الذي يتبنى مفاهيم “تصدير الثورة”. وفقا لأدبياته الأيدولوجية والمنصوص عليه في دستور عام 1979، يجعل من المحتمل وصول هذا السلاح للعناصر المسلحة التابعة للحرس الثوري أو فيلق القدس الممتدة في اليمن وسوريا والعراق ولبنان، ناهيك عن التهديدات لعدد من دول الإقليم.

معهد أمريكي: احتمال وقوع الأسلحة النووية في يد الميليشيات الإيرانية

ووفقا للمعهد الأمريكي، فإن “هناك احتمال خطير أن تقع الأسلحة النووية في يد الجماعات والميليشيات التابعة لإيران. أو أن يتقاسم النظام الإيراني التكنولوجيا النووية مع وكلاء أو حلفاء مثل النظام السوري أو حركة طالبان في أفغانستان”.

3 احتمالات وراء مماطلة إيران

وفي حديثه لـ”مصر 360″، يوضح المحلل السياسي الإيراني مهيم سرخوس أن ثمة مخاوف من أن تكون “مماطلة” إيران في استئناف مفاوضات فيينا هدفها مواصلة خرق بنود الاتفاق النووي. والمتمثلة في زيادة وتيرة تخصيب اليورانيوم، التي بلغت مراحل تؤهلها لامتلاك القنبلة النووية. بحسب مسؤولين أميركيين وتقارير غربية. فضلا عن حظر وصول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية للمواقع النووية، سواء السرية أو العلنية. وإعادة تركيب وتشغيل الكاميرات، الأمر الذي يجعل خطط إيران بخصوص الملف النووي “تزداد غموضًا بما لا يمكن التهوين من شأنه”.

ويلمح سرخوس إلى أن المخاطر المستجدة تتمثل في وصول طهران إلى التكنولوجيا النووية وليس فقط امتلاك السلاح النووي. إذ إنه بمجرد الحصول على المعرفة الفنية والتقنية لليورانيوم المخصب، والذي يساعد في امتلاك القنبلة النووية من شأنه تغيير موازين القوى في المنطقة. مثلما يجري حاليا بخصوص الطائرات المسيرة التي تهدد الأمن الإقليمي والملاحة البحرية الدولية. ناهيك عن الاستهداف المتكرر لقوات التحالف بالعراق.

ويتساءل المحلل السياسي الإيراني حول ما إذا كانت الولايات المتحدة تملك صيغة لـ”ردع” إيران”. أم أن الرئيس الأميركي جو بايدن سيظل مدفوعًا بخططه التي ترى أولوية الالتفات للتهديد الصيني، ومواصلة الانسحاب من المنطقة؟