الحالة الأمنية في منطقة الساحل الأفريقي تشكل واحدة من أكثر المقاربات الأمنية تعقيدًا. باعتبارها تضم شتاتًا من المجموعات المسلحة متعددة الأهداف والممارسات، وهو ما جعل المنطقة الجيوسياسية للقارة السمراء محط أنظار العالم.
وسط ذلك، أظهرت تلك الجماعات، ما اعتبره مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية “تماسكًا وهميًا” في منطقة الساحل الأفريقي. لاعتمادها عىل التعتيم على انتكاستها وإحاطة نفسها بحالة من الغموض أكسبها بعض القوة الوهمية. التحليل الذي ركز على جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين”، هي منظمة عسكرية جهادية، تشكلت في مارس 2017 بعد اندماج أربع حركات مسلحة مشاركة في الصراع في شمال مالي.
ورغم أن المتابعين يرون الجماعة كيانا فرديًا، لكنها تحالف من جماعات إسلامية متشددة لها هياكل تنظيمية وأهداف مختلفة وقيادات متعددة. ووفق التقرير فإن 75% من العمليات الإرهابية المنسوبة لجماعة نصر الإسلام والمسلمين هي من فعل جبهة تحرير ماسينا (أحد أطراف التحالف)، في وسط مالي وشمال بوركينا فاسو.
ملاكمة الظلام
الأمر الآخر أن ثمة نفورًا شعبيًا من الجماعات المسلحة بشكل عام في الساحل الأفريقي. وهو الأمر الذي دفع “نصرة الإسلام والمسلمين” إلى الاعتماد بشكل أساسي على الشبكات الإجرامية محليًا. وفرض السيطرة وترويع الآمنين؛ بحثاً عن زخم دعائي لهذا النفوذ والاستحواذ على مقدرات البلاد وثرواتها بالعنف والترويع.
شهدت منطقة الساحل “بوركينا فاسو وغرب النيجر ومالي”، زيادة في العمليات الإرهابية منذ عام 2017 وصل لـ7 أضعاف. وارتفع معدل التطرف الذي تسبب في نزوح ملايين الأشخاص ووفاة 8000 شخص، وإغلاق المدارس. وظلت منطقة الساحل في قبضة الجماعات المسلحة وعمليات العنف المتصاعدة حتى مطلع العام الجاري دون توقف.
كما ظلت ساحة القتال من شمال مالي وحتى شرق بوركينا فاسو مشتعلة. وارتبط نحو 64% من الأحداث العنيفة في تلك المساحة الشاسعة بجماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” منذ بداية عام 2017.
وساد انطباع بأن هذه الجماعات المسلحة موحدة في التكتل ومركزية قيادته وقراراته؛ في محاولة لإخفاء نقاط ضعفه الجوهرية. وجرى تعزيز تلك الفكرة بحالة الغموض التي أحيط بها التكتل وصعوبة استهدافه؛ لأنه أشبه بملاكمة الهواء أو الظلام.
قوام التنظيم.. ومركزية الأيديولوجية
اندمجت نحو 4 جماعات إسلامية متشددة في تحالف أطلق عليه “نصرة الإسلام والمسلمين”. وارتبطت بتنظيم القاعدة الأم وهم “جبهة التحرير، وأنصار الدين، وإمارة الصحراء، والمرابطون”.
أما عن الانتماءات العرقية والطائفة للقيادات، فقد كان أغلبهم يتبع “الفولاني، والجهاديين العرب من المغرب والساحل، والطوارق”. وهذا التباين في التمثيل العرقي زاد من قدرتهم على التوسع من جهة وجلب الأتباع الجدد على الجانب الآخر. وانحسر هذا التنظيم في الوقت الحالي وأصبح متمثل في مجموعتين رئيسيتين لقائدين شهيرين، هما أمادو كوفا عن جبهة التحرير، وإياد أغ غالي عن أنصار الدين.
أرباح تحالف “نصرة الإسلام” سنويًا ومصادرها
فيما تعتمد تلك الجماعات على السلب والنهب والقتل، لزيادة خزينتها. فقد قدرته بعض الدراسات حجم إيرادات جماعة “نصر الإسلام” سنوياً بما يصل إلى 35 مليون دولار. وجاءت هذه الأرباح من عدة طرق، في مقدمتها ابتزاز العابرين من الطرق التي يسيطرون عليها. بالإضافة إلى تحصيل مبالغ أيضاً من المناطق التي يعمل قاطنوها في التعدين. وكذلك حصيلة عمليات الخطف وطلب الفدية، خاصة للأجانب من الدول التي تعمل في تلك المنطقة. فضلاً عن أعمال السلب والنهب جراء الغارات التي يتم شنها من وقت لآخر.
وهم تماسك الجماعات المسلحة في الساحل الأفريقي
تحالف “نصرة الإسلام” يتبع بالأساس تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، الذي أخذ نفوذه على غرار التنظيم الأمّ يتآكل. كما تراجع وضعه الإقليمي أيضاً، بل إن سيطرته على الجماعات المتحالفة في ساحل الصحراء تراجع إلى حد كبير. ولم تعد لديه القدرة على ضبط الإيقاع وفق أهوائه وأهداف المركزية كما كان يحدث قديماً.
وسادت حالة من الغموض حاليًا على تحركات تنظيم القاعدة، وأخفى تحالف “نصرة الإسلام” الكثير من الانتكاسات التي حدثت بين مجموعاته. وذلك في محاولة ادعاء التماسك الوهمي وظهوره بصورة غير قابلة للاختراق أو الانتهاك.
أما اللغز وراء ادعاء التماسك الوهمي داخل التحالف، فقد ارتبط بتضاعف عملياته الإرهابية منذ عام 2017. وكذلك تزايد أعداد الوفيات الناجمة عن الهجمات المسلحة التي يشنها، بالإضافة لفتح مجال أكبر للسيطرة والتمدد.
ومع ذلك لم يتمكن قادة التنظيم من منع عصابات المتمردين من التحول إلى الإجرام أو حتى الانشقاق إلى الجماعات المتنافسة. فقد عانت حركة التحرير- على سبيل المثال- من انشقاق داخلي حول قدرة المقاتلين على فرض ضرائب على أراضي الرعي. وتوزيع المسروقات التي يتم الحصول عليها في المعركة.
شواهد على التشرذم.. قتال داخلي وخلافات دينية ومادية
اعتاد تحالف “نصرة الإسلام والمسلمين” تقديم نفسه في ثوب متماسك، والظهور في شكل الجبهة الواحدة، للاستقواء بمثل تلك الادعاءات. إلا أن هناك 4 مناطق مختلفة للعمليات، كما أن هناك منافسة لم تهدأ بين جماعة أنصار الدين منذ البدايات الأولى وجماعات الطوارق الأخرى.
وثبت عن جماعة أنصار الدين وقائدها “أغ غالي” ابتزازها أعضاء شبكات الجريمة المنظمة العابرة للحدود. وتحصيل ضرائب من الطرق التي يعبر منها تجار المخدرات بمنتجاتهم. بينما وصلت قيادة “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” و”المرابطون” لعمليات التهريب التي تتم عبر الصحراء وتمكنوا من تحقيق إيرادات ضخمة.
وهناك أيضاً خلاف في الأهداف واضح بين “أغ غالي”، الذي استهدف من قتاله السياسة في المقام الأول، ومكوفا الذي سيطرت على قناعاته الإعلان العنيف عن تفسيره الخاص للإسلام. وإجراءاته الصارمة في سبيل الإعلاء من أفكاره. لذلك قتل أعضاء حركته الأئمة المحليين والزعماء في وسط مالي وشمال بوركينا فاسو علناً لاختلافهم مع معتقدات كوفا حول الإسلام.
ونسبت أيضاً مجموعة من الأنشطة العنيفة لحركة “نصرة الإسلام والمسلمين” في شرق بوركينا فاسو على طول الحدود مع النيجر. وامتدت في النهاية إلى المناطق القريبة من الحدود مع بنين وتوغو. ومن الملاحظ أن تلك العمليات خارج المساحة التقليدية لعمليات أنصار الدين وحركة تحرير السودان. وكان هدفها السيطرة على تعدين الذهب والطرق التجارية.
وتنتج المواقع الحرفية في المناطق المتأثرة بعنف الجماعات المسحلة، نحو 725 كجم من الذهب، بقيمة 34 مليون دولار سنوياً. أما العمليات المسلحة في منطقة الحدود الثلاثية بين بوركينا فاسو ومالي وكوت ديفوار فكانت تستهدف إلى حد كبير عمليات التهريب غير المشروع والإتجار بالأسلحة الصغيرة المصاحب لنقل البضائع. فضلاً عن تحول تلك المنطقة أيضاً إلى مركز جديد لتعدين الذهب. وللسيطرة على تلك الثروات أصبحت المنطقة قبلة الهجمات الإرهابية خلال عام 2020.
7 توصيات لتفكيك الجماعات المسلحة في الساحل الأفريقي
أوصي مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية الفاعلين الأمنيين بحذف الصورة السائدة حول أن جماعة “نصرة الإسلام” كيان واحد. كما طالب بالعمل التحليلي لتفكيك عناصرها لمواجهة أفعالهم المزعزعة للاستقرار. بالاضافة إلى تحديد وعزل المجموعات التنفيذية الرئيسية التي يمكن اتخاذ إجراءات ضدها لتقويض تحالف جماعة “نصرة الإسلام”، وتلك الوصية الأولى لتفكيك هذه الجماعات.
كما نصح التقرير بتعزيز جمع المعلومات الاستخبارية ومشاركتها بين حكومات المنطقة لتحليلها حول مكان وكيفية عمل المجموعات. فضلاً عن كشف نقص الدعم المحلي الذي تتلقاه المجموعات المسلحة في الساحل الأفريقي.
كما أوصى التقرير الحكومات وقوات الأمن بإعطاء الأولوية لبناء علاقات قوية مع المجتمعات المحلية في المناطق المتضررة. والتعاون مع قادة المجتمع المدني على وضع خطط لحماية المجتمعات المحلية، وهو ما يسهم في تراجع نفوذ الجماعات الإرهابية وسيطرتها.
بالإضافة إلى ذلك، ضرورة طمأنة المجتمعات المنخرطة في التعدين أو العاملة، التي اضطرت للتعامل مع المجموعات المسلحة تحت تأثير الخوف. باعتبار أن ذلك يساعد على استعادة الأمن والسلامة للمواطنين من جهة وتعطيل قدرة الجماعات الإسلامية المتشددة على جني الإيرادات من الأنشطة غير المشروعة على الجانب الآخر.
والوضية الأخيرة تتمثل في طرح بدائل وخيارات أمام المقاتلين الراغبين في الانشقاق عن الجماعات المسلحة، ووضع سياسات لإعادة إدماجهم. ذلك أن أهداف قادة التنظيم لن تكون أهم للمنشقين من علاقاتهم وفرصهم الشخصية في النجاة.