نشر مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية تقريرا حديثا رصد فيه مخاطر استخدام الطائرات بدون طيار، باعتبارها أداة جديدة تعمل الجماعات العنيفة على استخدامها لتوسيع رقعة انتشارها في القارة، وهو الأمر الذي قد يعيد تشكيل ساحة المعركة.

وأصبح لاستخدام الطائرات بدون طيار تأثير كبير على أغلب موازين الصراع، وراح عدد من الجماعات المسلحة يسعى لاقتنائها كأداة جديدة يمكنها أن توجه الصراع لصالح من يستخدمها في وقت الحصار أو محدودية الإمكانيات أو في المناطق التي قد يصعب الوصول لها.

الاستخدام الأول للطائرات بدون طيار 

وبحسب تقرير مركز أفريقيا للدراسات، فإن تنظيم الدولة الاسلامية “داعش”، نشر طائرات بدون طيار مسلحة أو ما يطلق عليه “نظام جوي مسلح دون طيار” في معركة تأمين مدينة الموصل شمال العراق نهاية عام 2016، وهو ما يعتبره بعض المحللين الاستخدام الأول المسجل لهذا النوع من أدوات القتال من قبل الجماعات العنيفة.

وكان لاستخدام هذا النظام الجوي تأثير كارثي على مسار العمليات هناك، حيث وجد المدنيون أنفسهم محاصرين في عمق المدينة بعد اشتداد التفجيرات في ساحة مكتظة بالسكان، وعانوا ويلات الآلام الجسدية والنفسية في الوقت الذي حاولت فيه البشمركة الكردية والميليشيات الشيعية الانضمام للقوات العراقية من أجل استعادة السيطرة مرة أخرى على إثر وقوع ذلك التفجير الضخم.

وتلى ذلك استخدام الطائرات بدون طيار في مناطق صراع أخرى من قبل الجماعات المسلحة في عدد من الدول ومنها اليمن وسوريا وأوكرانيا على غرار ما تم في العراق وبعد التعرف على حجم تأثيرها المباشر في قلب موازين القتال لصالح مستخدميها.

موزمبيق مؤشر جديد

التصعيد الأخير الذي تم في “كابو ديلجادو” بشمال موزمبيق يعتبر مؤشرا جديدا للعمليات العدائية في أفريقيا، حيث أثار شبح عمل بعض الجهات العنيفة من خارج دول القارة على نشر هذا النوع من التكنولوجيا واستخدامه في ساحات الصراع.

ولم تكن الجماعات المتمردة في أفريقيا لديها إمكانية محاكاة التكتيكات المسلحة التي تمت في العراق، بينما كان التركيز في ليبيا من قبل تحالف القوات المسلحة بقيادة خليفة حفتر وحكومة الوفاق الوطني التي تزودت بطائرات بدون طيار بغرض المراقبة والضربات الاستراتيجية بعيدة المدى.

مكافحة المتمردين في موزمبيق

واستخدمت الجماعات الإسلامية المسلحة في موزمبيق الطائرات بدون طيار، وهو الأمر الذي كان له الدور الأكبر في إحداث تحول في موازين القوى في القتال الذي بدأ بين القوات المسلحة النظامية و”أنصار السنة” عام 2017.

وبالنظر إلى ما تم في موزمبيق وأسبابه يمكننا القول إن تلك المنطقة الغنية بالغاز كانت تتطلب أدوات تكنولوجية، حديثة تمثلت في الطائرات بدون طيار من أجل الاستهداف الدقيق خلال شهري مارس وأبريل من عام 2021، خاصة تلك العمليات التي تمت في “بالما”، وذلك لما لها من أهمية استراتيجية من جهة ورغبة الجماعات المسلحة في الاستحواذ على الثروة ووضع يدهم عليها من جهة أخرى.

لهذه الأسباب قد تنتشر الطائرات بدون طيار في أفريقيا 

 قالت المحللة الاستخباراتية السابقة في إفريقيا، ياسمين أوبرمان، إن المتمردين في القارة يحصلون على السلاح لشن هجماتهم المتتالية بسهولة بالغة عبر مناطق التهريب، وهو الأمر نفسه الذي يحدث مع الهواتف المحمولة وغيرها من الأدوات المرغوب بها هناك، لذلك لا يعد انتشار الطائرات بدون طيار واستخدامها في أفريقيا على نطاق واسع أمرا غير مستبعد على الإطلاق.

طائرات بدون طيار- أرشيفية

وتساءلت أوبرمان قائلة: “ما الذي يمنع الجماعات المسلحة من الحصول على الطائرات بدون طيار”، مستندة في حديثها إلى الدعم الخارجي غير المشروط للجماعات الاسلامية في القارة.

 والأمر ليس قاصرا على ما تم في موزمبيق، فقد رصد عدد من التقارير استخدام جماعة الشباب في الصومال للطائرات بدون طيار لأغراض المراقبة، ولكنها تستند على روايات شهود العيان بالأساس، كما أبلغت اليمن عن استخدام ذلك النظام الجوي من قبل المتمردين الحوثيين كمنصات هجومية ضد منشآت الطاقة هناك.

والطائرات التي تستخدم بدون طيار متاحة تجارياً، وتعد أقل كلفة مالية بالنسبة للجماعات المسلحة في أفريقيا  خلال الفترة المقبلة واستخدامها في شن العمليات العسكرية وليست المراقبة فحسب كما يدعي البعض.

ويعد الإعلان عن قيام بعثة تدريبية تابعة للاتحاد الأوروبي بتدريب الجيش الموزمبيقي على استخدام الطائرات بدون طيار لتتبع تحركات المسلحين، بمثابة شهادة على النظام الإيكولوجي المتنامي للطائرات بدون طيار في إفريقيا، حيث تجلس الطائرات بدون طيار العسكرية والتجارية المخصصة جنباً إلى جنب مع الطائرات بدون طيار أو التي يتم شراؤها من المتاجر.

 تقترب من 24 مليار دولار.. سوق تجاري نشط للطائرات 

تم الترويج للطائرات بدون طيار على نطاق واسع، فبالإضافة إلى استخداماتها التجارية فإنها تعمل بشكل متزايد في أغراض إنسانية، وكذلك الأمن البحري والعمليات التي تقوم بها شرطة الحدود.

ومن المتوقع أن يصل سوق الطائرات بدون طيار لنحو 43 مليار دولار مع حلول عام 2024، كما أن هناك عدد من الدول مرتقب أن يكونوا كبار اللاعبين الأفارقة في هذه السوق وهي افريقيا ونيجيريا وكينيا.

 ورغم أن الطائرات بدون طيار تقنية تستخدم إلى حد كبير لأغراض إيجابية، إلا أن هناك إمكانية لبنائها باستخدام الهواتف الذكية والبرامج المفتوحة في الحروب المستقبلية بأفريقيا.

على غرار الشرق الأوسط .. كيف تصبح الطائرات بدون طيار بطل حروب أفريقيا المستقبلية؟

رجحت مجموعة من المؤشرات أن استخدام الطائرات بدون طيار سيكون جزءا من الحرب المستقبلية في أفريقيا.

وأرجع الباحثون ذلك إلى التأثر بتجربة الشرق الأوسط في تسليحها واستخدامها من قبل “داعش” ببعض من التعديلات الهندسية البسيطة.

وخلال عام 2017 تم رصد توسع كبير في استخدامها، ورصد نحو “60 لـ 100” غارة جوية للطائرات بدون طيار لداعش في كل من سوريا والعراق.

ورغم محدودية الفائدة التكتيكية للطائرات بدون طيار في التسليح، إلا أنها يمكن أن تستخدم للمراقبة وقد يكون لها قيمة كبيرة في جمع المعلومات الاستخباراتية، وجمع المواد الدعائية فضلا عن التحديد الدقيق للأهداف المرغوب في مهاجمتها عسكرياً.

 ويمكن استنتاج طريقة الحصول على الطائرات بدون طيار في أفريقيا، فنتيجة سهولة تداولها تشير التوقعات إلى أن الابتكار المحلى لها سيكون الأكثر احتمالاً والأقرب إلى الواقع من نقل التكنولوجيا المباشرة.

كيف يمكن التحكم في استخدام هذه الطائرات؟

 لا يمكن التحكم بسهولة في حجم انتشار الطائرات بدون طيار من قبل صانعى السياسات في أفريقيا، ولكن هناك مجموعة من الإجراءات التي قد تمكنهم من السيطرة على توريدها وتداولها على نطاق واسع يأتي في مقدمتها أنظمة الإنذار المبكر للإبلاغ عن الشحنات الكبيرة منها أثناء شرائها أو تسليمها في مناطق النزاع.

وبحسب مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية فقد وضع المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب بقيادة ألمانيا والولايات المتحدة مذكرة برلين في إطار مبادرة مكافحة تهديدات المنظومات الجوية غير المأهولة، وحث الدول على مراعاة عدد من قرارات مجلس الأمن الدولي، بما في ذلك القرار 1540، الذي يحظر على الدول “تقديم أي شكل من أشكال الدعم للجهات الفاعلة غير الحكومية التي تحاول تطوير أو امتلاك أو تصنيع أو امتلاك أو نقل أو تحويل أو استخدام المواد النووية، الأسلحة الكيميائية أو البيولوجية ووسائل إيصالها”، كما يطالب القرار الدول بوضع “تدابير فعالة وضوابط محلية لمنع انتشار الأسلحة النووية أو الكيميائية أو البيولوجية ووسائل إيصالها” بوسائل إيصال تشمل الطائرات بدون طيار.

وشملت مذكرة برلين تدابير الحكومات الفعالة في إجراء تقييمات للمخاطر لتحديد نقاط الضعف واستباق التطورات التكنولوجية التي قد يستخدمها الفاعلون الإرهابيون، وحملات المعلومات العامة للدعوة إلى الاستخدام المسؤول لأنظمة الطائرات بدون طيار، وآليات الاستجابة للأزمات بما في ذلك العقوبات التي تعقب حوادث الطائرات بدون طيار، بالإضافة إلى ذلك، فضلاً عن حث الحكومات على تطوير تدابير مضادة تكتيكية وحلول تقنية، مع عدم إعاقة الاستخدامات المفيدة والمشروعة لأنظمة الطائرات بدون طيار.