تنتظر الملاذات الضريبية في العالم بتشوق نتائج المعركة التي يخوضها الرئيس الأمريكي جو بايدن ضد الأثرياء والشركات العملاقة التي يسعى من خلالها لرفع نسبة الضرائب التي يدفعونها. من أجل تحقيق العدالة الضريبية.

يتبنى “بايدن” توجها يرمي إلى عدم دفع أي أمريكي “مجتهد” ضرائب أكثر من شركات التكنولوجيا أو النفط بأكملها. ويغرد باستمرار حول الوقت الطويل الذي لم تدفع فيه الشركات نصيبها العادل من الضرائب.

يستمد التوجه الرئاسي الأمريكي قوته من ارتفاع ثروات المليارديرات بأمريكا بقوة خلال 17 شهرا. من 3 تريليونات دولار في 2020 إلى 4.8 تريليون دولار، بحسب تقرير صادر عن مؤسسة “أمريكيون من أجل العدالة الضريبية“.

لجأ بايدن لحيلة يحشد بها الظهير الشعبي لقراراته بربطها بتمويل جوانب إصلاحية في مقدمتها مشروع لرعاية الأطفال. وتقليل الأعباء على الأسر الفقيرة والمتوسطة التي عانت 40 عاما من ضعف شبكة الأمان الاجتماعي، وتحرك الأمور في ملف البطالة.

قابل المستثمرون قرارات بايدن، التي يسعى عبرها لجمع قرابة 3.5 تريليون دولار، بموجة مبيعات مكثفة بالبورصة. قبل أن يتزايد الحديث عن خطط أخري للشركات العملاقة يمكن التحايل عبرها على الضرائب بسهولة.

يسعي بايدن لرفع المعدل الأعلى لضريبة الدخل من 37% إلى 39.6% وضرائب الشركات من 21 إلى 28%. بجانب مضاعفة ضريبة مكاسب رأس المال بأكثر من 40% مع فرضها على أرباح رأس المال غير المحققة عند الوفاة ما يخضع ضرائب الميراث التي ظلت واحدة من أسهل أشكال التهرب الضريبي.

يمارس بايدن، الضغط على الكبار، عبر إقران رفع ضرائبهم مع تخفيضها على الطبقة المتوسطة لخفض تكاليف المعيشة. الأمر الذي يجعل تلك الشركات في مواجهة مباشرة مع مستهلكي خدماتها.

مليارديرات التكنولوجيا

تواجه خطط بايدن مشكلات مع المليارديرات العاملين في التكنولوجيا الذين يلجئون للاقتراض مقابل ثروتهم الورقية وإجراء مقاصة بالفوائد على ضرائب الدخل. وهي طريقة مثالية للتهرب من الضريبة أو تخفيضها.

كما لجأ بعضهم إلى بوليصة “بي بي إل أي” التي صدر لها تعديل تشريعي العام الماضي شركات التأمين والمؤسسات يمنحها مرونة أكبر وتكاليف أقل وخيارات أوسع. من المنتجات للتأمين الخاص على الحياة في هذه الاستراتيجية.

تمتاز تلك “البوليصات” بأنها معفية تمامًا من الضرائب على اعتبار لكنها تغل يد حاملها من التصرف في أمواله طول حياته. كما أنها معفاة تمامًا من الضرائب للورثة، كما تستهدف نوعية نم رجال الأعمال لا تقل ثرواتهم في الغالب 20 مليون دولار.

مليارديرات التكنولوجيا
مليارديرات التكنولوجيا

لا يتتبع المجلس الأمريكي لشركات التأمين على الحياة بوليصات “بي بي إل أي”، لأن الشركات لم تطبقها إلا هذا العام فقط. على اعتبار أن جمهورها أيضًا منخفض العدد، فالأقساط السنوية التي يجب أن يدفعها الشخص في أول خمس سنوات لا تقل مليون دولار.

يمكن لحامل تلك النوعية من بوليصات التأمين الاقتراض بضمانها، كما يمكن دمجها مع صناديق الثروات الأسرية. التي تسمح لعدة أجيال من الورثة الأغنياء بتجنب الضرائب العقارية على الممتلكات والأراضي والمنشآت حتى الجيل الثالث.

ويناور الأثرياء حاليًا عبر البحث عن الملاذات الآمنة خاصة أن كثير منهم لديه شركات متعددة الجنسيات. في الدول أو الأقاليم التى تفرض ضرائب منخفضة أو تسمح للشركات الكبرى باللجوء إليها أوقات الأزمات. مع قدر كبير من الخصوصية، مثل سرية الحسابات المصرفية والأنشطة التجارية.

اتفاق ضريبي

توصلت الدول الأوروبية إلى اتفاق ضريبي بعد ثماني سنوات من الخلاف لإيجاد آليات وحلول للتهرب الضريبي. يتعلق بوضع حدا أدنى لضريبة الشركات بنسبة 15% على الأقل. لإيقاف الشركات متعددة الجنسيات عن سعيها للحصول على أقل معدل ضرائب خاصة الشركات عالية الربحية. مثل أمازون وجوجل، التي تعتمد جزئيا على المكان الذي تبيع فيه المنتجات والخدمات، بدلا من موقع مقرها الرئيسي.

لكن رجال الأعمال بأمريكا حاليًا يتجهون صوب مناطق أخرى من العالم أصبحت معروفة جيدًا بأنها ملاذات ضريبية خاصة الإمارات التي أظهر مؤشر شبكة العدالة الضريبية. الذي يرصد الدول التي تستقطب الشركات لتقليص أعبائها الضريبية، أنها تجتذب أثرى أثرياء العالم. وأصبحت من أسرع الملاذات الضريبية للشركات مع تدفق أموال تتجاوز 200 مليار دولار على البلاد.

كشف المؤشر، أن الإمارات أصبحت ضمن أكبر 10 ملاذات ضريبية، في قائمة تضم أيًضا سويسرا وبرمودا. فيما احتلت جزر العذراء البريطانية وجزر كايمان وبرمودا المراتب الأولى بين الأماكن التي تلجأ لها الشركات لتقليص الضرائب، تليها هولندا.

وحلت الإمارات في المركز العاشر، من بين 80 ملاذا ضريبيا عالميًا. بعد أن حولت شركات متعددة الجنسيات 218 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة عبر هولندا إلى الإمارات لتقليص الضرائب. وفقا للدراسة، ما عزز النشاط المالي نحو 180%، وأصبحت البلاد تحتل المرتبة الـ 16 عالميًا من حيث سهولة الأعمال.

الملاذ الضريبي منطقة سواء أو دولة أو إقليم الضريبة على الربح والدخل منخفضة جدًا أو غير موجودة من الأساس. وتستهدف من خلاله تلك الدول جذب الأموال، مع توفير السرية الكاملة لمن يحضر إليها لمنع تسريب بياناته أو حجم أمواله.

الأموال الهاربة

لا يوجد رقم محدد حول الأموال الهاربة التي تستقبلها الملاذات الضريبية، فبينما تقدرها شبكة العدالة الضريبية بنحو 32 تريليون دولار. تقدرها مؤسسة أوكسفام بحوالي 18 تريليون دولا تعادل نحو 12.5% (في المتوسط) من الثروة المالية وغير المالية في العالم كله.

وأوكسفام هو اتحاد بريطاني تأسس من 20 منظمة خيرية مستقلة تركز على التخفيف من حدة الفقر العالمي. وتأسست في عام 1942 وهي مجموعة غير ربحية رئيسية مع مجموعة واسعة من العمليات ترفع شعار مفاده أن الفقر والعجز يمكن تجنبه ويمكن القضاء عليهما من خلال العمل البشري والإرادة السياسية.

أوكسفام
أوكسفام

بعض الدول تعتبر الملاذات الضريبية أحد شرايين التمويل، فالحكومة الأيرلندية ترفض جميع المطالبات برفع معدل الضريبة لديها وتحافظ عليه عند 12.5%. وهو واحد من أقل معدلات الضرائب على الشركات في الاتحاد الأوروبى مقارنة بفرنسا التي تفرض 28.4% وإسبانيا بنسبة 25% وإيطاليا بنسبة 24% وبريطانيا بنسبة 19%.

ووفق صندوق النقد الدولي فإن الملاذات الضريبيـة مجتمعة تكلـف الحكومـات مـا بيـن 500 مليـار دولار إلى 600 مليـار دولار سـنويا. علـى هيئـة إيـرادات ضائعـة مـن ضرائـب الشـركات، ويمثـل نصيـب الاقتصـاديات ذات الدخـل المنخفـض مـن تلـك الإيـرادات الضائعـة حـوالي 200 مليـار دولار.

موقف مصر

لا تمثل مصر ملاذًا ضريبيًا لكن بعض الدراسات تطالب بإلزام أي شركة متعددة الجنسيات بتقديم جزء من إقراراتها الضريبية في مصر. واستخدام الضريبة المستقطعة على الأرباح والأموال المحولة بحيث يمكن التأكد من طبيعة هذا التحويل.

تستفيد مصر من التحركات العالمية لرفع الضرائب عالميًا إلى 15% على الأقل، فوفقًا لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية. فإن إخضاع أكبر 100 شركة عالمية للضرائب بنسبة 15%، ستتراوح بين 5 مليارات دولار إلى 12 مليار دولار. ما يعني أن مصر ستجني ما بين 300 مليون جنيه على الأقل من إخضاع تلك الشركات المئة فقط.

تسعى التحركات العالمية لمنح الدول حق تقاسم الضرائب على أرباح الشركات العالمية الكبرى. مثل فيسبوك وجوجل وتوتير على أساس حجم الإيرادات التى تحققها الشركة بكل دولة. بدلا من النظام الضريبي القائم على أن الدول المقر هي الدول التى لها حق في فرض الضرائب.

وزارة المالية المصرية
وزارة المالية المصرية

تبلغ نسب الضرائب بمصر على الشركات 22.5%، في حين تفرض على الأشخاص بين 10 و25%. وتشكل الإيرادات الضريبية بمصر 75% من الناتج المحلي الإجمالي. بحيث بلغت الحصيلة الضريبية 677 مليار جنيه في العام المالي الماضي. ومن المستهدف أن تصل إلى 965 مليار جنيه العام المالي الحالي.

ضريبة الدخل

بالمقارنة، فإن دولة الإمارات لا تفرض ضريبة دخل بصورة اتحادية (كاملة). وتم إصدار مرسوم ضريبة الدخل من قبل كل إمارة. ولكن من الناحية العملية. يقتصر تطبيق هذه المراسيم على البنوك الأجنبية وشركات النفط. قبل أن تطبق حكومة الإمارات العربية المتحدة ضريبة القيمة المضافة اعتبارًا من 1 يناير 2018 بمعدل قياسي قدره 5٪.

كشف تقرير “غير مٌعمم” أرسله صندوق النقد الدولي لوزارة المالية مطلع عام 2017، أن 3 من أصل كل 10 شركات مصرية لديها ارتباط بفروع في ملاذات. مما يوحي بوجود تجنب ضريبي، بينما أكد بحث مبدئي لوحدة تسعير المعاملات الدولية بمصلحة الضرائب. أن الشركات المصرية ذات الارتباط بفروع في الملاذات الضريبية تبلغ نحو 4.5 شركة من أصل كل 10 شركات.

وتبلغ حجم الخسائر الضريبية الناتجة عن التسعير المتعمد للمعاملات الضريبية بهدف التهرب نحو 10 مليارات جنيه. وفق تقدير مبدئي معتمد على فروق تسعير المعاملات التي أظهرها الفحص الخاص لعدد ضئيل من الملفات بداية من عام 2017.

لم تكن الملاذات الضريبية مصدر تهديد للاقتصاد العالمي، فإن وقـوع الأزمـة الماليـة لعـام 2008. أظهرت أنها لم تكن عرضا جانبيا للاقتصاد العالمي في جـزر الكاريبـي أو جبال الألب التـي يرتادهـا المشـاهير وأفـراد العصابـات والأرسـتقراطيون الأثريـاء. فمنـذ ذلـك التاريخ اسـتيقظ العـالم علـى حقيقتيـن تبعثـان علـى القلـق: أولهما أن هـذه الظاهـرة أكبـر بكثيـر وأكثـر أهميـة للاقتصـاد العالمـي. ممـا كان يتصـور أي شـخص تقريبـا؛ وثانيـًا، أن أكبـر الملاذات ليسـت في تلك الجزر.