تسير اقتصادات العالم حالياً صوب أزمة طاقة معقدة، عادت بالفحم للواجهة، بعدما ارتفع سعر النفط عالمياً لأعلى مستوى في ثلاث سنوات. وتسجيل الغاز الطبيعي أعلى سعر منذ 12 عامًا، مع استمرار دول “أوبك” في سياساتها لضبط التصدير. رغم تحسن الاقتصاد العالمي الذي فتح بابًا أمام مزيد من الاستهلاك.
وبلغ سعر خام برنت، الأربعاء، مستوى 83 دولارًا للمرة الأولى منذ أكتوبر 2018، بعد قرار مجموعة “أوبك +”، الإبقاء على حجم الإنتاج مع زيادة طفيفة. متجاهلين دعوات الولايات المتحدة والهند لرفع الإنتاج، مع تعافي الاقتصاد العالمي جزئيًا من جائحة فيروس كورونا.
كما ارتفعت أسعار الغاز بنسبة 250% خلال عام؛ مسجلة أعلى مستوى في عامين. ووصل سعر الغاز الأوروبي 100 يورو لكل ميجاواط للساعة، مقابل 20 يورو عام 2019؛ قبل أزمة كورونا وجمود الاقتصاد العالمي.
ومع نقص إمدادات الوقود، ارتفعت أسعار الفحم الأمريكي لأعلى مستوى لها في عامين. وصعد سعر فحم أبالاتشيا (منطقة بشرق أمريكا بداية من ألاباما إلى نيويورك) بنحو 2.20 دولارًا إلى 73.25 دولارًا للطن. وهي نسبة صعود 35% عن بداية العام، ليسجل أعلى مستوى منذ مايو 2019.
كما عادت محطات الكهرباء في أمريكا للعمل بالفحم، وسط تخوفات من حدوث أزمة طاقة مع اقتراب فصل الشتاء. لاسيما أن ثمة توقعات بأن يتصاعد الاستهلاك من منتجي الكهرباء بالولايات المتحدة بنسبة 23% العام الحالي، بحسب إدارة معلومات الطاقة.
وتراجع إنتاج الفحم بالولايات المتحدة بشكل مطرد منذ 2008؛ ما يجعل المناجم عاجزة عن تلبية الطلب المفاجئ الذي قفز بنسبة 10%. وتوقعات بوصول إجمالي الإنتاج العام الجاري إلى حوالي 601 مليون طن.
كما أعادت بريطانيا تشغيل معامل الفحم الحجري لإنقاذ محطات الكهرباء العاملة لديها. ما يعرقل الجهود الحكومية لإيقاف العمل بالفحم بصورة كاملة خلال 3 سنوات.
تعقد أزمة الغاز
تعقدت أزمة الغاز الطبيعي مع انخفاض مستوى المخزونات الأوروبية بشكل كبير. بسبب التغيرات المناخية التي عرضت دولة مثل فرنسا لموجة طقس شديد البرودة في أبريل الماضي.
وفقدت أوروبا أحد المصادر الرئيسية لتوريد الغاز بعد خروج إحدى منشآتها الأساسية عن الخدمة بسبب حريق لم تتم معالجة آثاره. واستئناف العمل مجددًا؛ بسبب تداعيات جائحة كورونا.
وإذا كانت وكالة الطاقة الدولية تطلب من دولها الأعضاء الثلاثين الاحتفاظ بما يعادل 90 يومًا من واردات النفط؛ كاحتياطي استراتيجي في حال حدوث صدمات غير متوقعة في العرض. فإن الأمر لا يمكن حدوثه مع الغاز الطبيعي.
تعتمد أوروبا على تغطية احتياجاتها من شركة “غاز بروم” التي تحتكر تصدير الغاز إليها. باستثناء بريطانيا التي تعتمد على الاستيراد من أماكن مختلفة، بينها قطر والولايات المتحدة والنرويج. لكن ذلك لم يحل دون إفلاس ستة موردين صغارًا وتدخل الحكومة لدعم الإنتاج.
أمريكا خرجت من سوق تصدير الطاقة منذ 21 يومًا في أعقاب إعصار لويزيانا، الأكثر تدميرًا لمشغلي النفط منذ 2008. وذلك بعدما ضرب 31 منصة وتسبب في خسارة 294.414 برميلاً من النفط بشكل عام، وجعل المخزون الأمريكي في أدني مستوياته منذ 2018.
حتى مصادر الطاقة النظيفة عالميًا تعرضت هي الأخرى لتقلص غير عادي في الإنتاج، خاصة “الرياح والمياه”. وذلك بسبب سرعات الرياح البطيئة غير المتوقعة، وانخفاض هطول الأمطار في مناطق، بما في ذلك النرويج والتي تتحول إلى مجاري مائية تولد معها توربينات كهربائية.
نظام الطاقة أكثر هشاشة
يقول دانيال يرجين، أحد أبرز محللي الطاقة في العالم ومؤلف كتاب “الخريطة الجديدة للطاقة.. المناخ وصراع الدول”: إن نظام الطاقة في العالم أكثر هشاشة بشكل لافت للنظر وأسهل في الصدمة. فمع توتر سوق الغاز العالمي ارتفعت أسعار الكهرباء بشكل قياسي في أوروبا.
من المتوقع أن يزداد استهلاك الطاقة بنسبة 60% بحلول عام 2050. حيث يتخلص العالم تدريجياً من الوقود التقليدي، ويتحول إلى السيارات والمواقد وأنظمة التدفئة التي تعمل بالكهرباء.
يقول فؤاد رزاق زاده، محلل أسواق المال لـ”الجارديان“، إن ارتفاع أسعار الطاقة زاد المخاوف من أن التضخم لن يكون مؤقتًا، كما كان يأمل العديد من البنوك المركزية. فارتفاع الأسعار لن يؤثر على الأسر فحسب، بل على الشركات أيضًا، ما يزيد من تكاليفها. وستكون النتيجة الصافية هي التضخم (زيادة أسعار السلع والخدمات)؛ ما يقلل استهلاك الجماهير وبالتالي إنتاج الشركات.
أزمة الصين
تأثيرات ارتفاع أسعار الوقود ستنعكس على الدول المستوردة للطاقة، خاصة الصين التي شددت سياستها في تقليل استهلاك الكهرباء. وتعهد الرئيس الصيني “شي جين بينج” بتحقيق الحياد الكربوني؛ لتصبح سماؤها صافية قبل دورة الألعاب الأولمبية الشتوية بكين 2022.
قبل أزمة أسعار النفط والغاز الحالية، أغلقت الصين على إصبعها بعدما امتنعت عن استيراد الفحم الأسترالي. وذلك اعتقادًا منها بأنّها ستضر أستراليا التي اتجهت لتصدير الفحم لدول أخرى مثل الهند. حاولت الصين حل المشكلة باستيراد الفحم من إندونيسيا، لكن منتج الأخيرة أقل كفاءة بنسبة 50% مقارنة بالمنتج الأسترالي. خاصة مع حلول فصل الخريف الذي يشهد بدء تخزين الصينين الفحم لاستخدامه في التدفئة. وهو ما قلص إمدادات الفحم، وحد من قدرات المحطات التي تعتمد عليه في الإنتاج.
وتوقفت 143 شركة تمامًا بمقاطعة جيانجسو، بينما اضطر أكثر من ألف مصنع للعمل بنظام “2 – 2” (اثنان يعملان مع توقف اثنان آخران في الوقت ذاته). وأمرت السلطات بإبقاء استهلاك الكهرباء للشركات أقل من مستوى الحمل الكامل بنسبة 15% بمقاطعة جوانجدونج، مع إغلاق حوالي 160 شركة ومصنعًا.
موقف مصر
يمثل ارتفاع أسعار النفط ضغطًا على وزارة المالية المصرية، التي وضعت تقديرًا لمتوسط سعر برميل النفط عند 60 دولارًا في موازنة العام المالي الحالي 2021- 2022. ومع كل دولار ارتفاع بسعر برميل النقط يرتفع معه العجز في الموازنة المصرية.
بحسب الدكتور محمد معيط، وزير المالية، فإن كل دولار زيادة في سعر برميل البترول عن السعر المقدر له في الموازنة الجديدة، يضيف تكلفة إضافية على الحكومة بقيمة 2.3 مليار جنيه.
وتراجع وزارة البترول أسعار البنزين والسولار كل 3 أشهر بناءً على تحركات الأسعار العالمية للبترول خلال التسعين يومًا السابقة. والتغير في سعر الصرف، منذ أن قررت تحرير أسعار الطاقة خلال يوليو 2019.
وتراجعت واردات مصر من النفط (البنزين والسولار) من 10 ملايين طن خلال 2016، بقيمة 72 مليار جنيه. إلى 3.5 مليون طن خلال 2020 بقيمة 24 مليار جنيه.
جاء ذلك التراجع بفضل مشروعات التكرير الجديدة، وأهمها معمل مسطرد. فضلاً عن التوسع الملحوظ في استخدام الغاز الطبيعي في السيارات ومد مظلة توصيله للمنازل. وتستهدف الحكومة تحويل نحو 400 ألف سيارة للعمل بالغاز الطبيعي المضغوط حتى 2023. بجانب توصيله لنحو 1.2 مليون وحدة سكنية بنهاية يونيو 2022.