كشف تحقيق استقصائي، أجرته شبكة سي إن إن الأمريكية، استغلال الحكومة الإثيوبية للطائرات التجارية. وقيامها بشحن الأسلحة من وإلى إريتريا خلال النزاع في منطقة تيجراي. وهي المرة الأولى التي يتم فيها توثيق تجارة الأسلحة بين البلدين، اللذان تنافسا كثيرًا في الماضي.

وأظهر التحقيق مجموعة من وثائق الشحن. مُثبت فيها نقل شحنات من الأسلحة. بين مطار أديس أبابا الدولي، والمطارات في مدينتي أسمرة ومصوع الإريتريين. على متن العديد من طائرات الخطوط الجوية الإثيوبية، في نوفمبر 2020. بالإضافة إلى شهادات شهود العيان وأدلة فوتوغرافية، توثّق هذه العمليات.

الوثائق والشهادات المنشورة، تدعم اتهامات سابقة للنظام الإريتري بارتكاب جرائم حرب. حيث اتهمت منظمة العفو الدولية، مطلع العام الجاري، القوات الإريترية بما وصفته في تيجراي بأنها “جرائم ضد الإنسانية”. من بينها العنف الجنسي والقتل الجماعي. بينما نفت إريتريا هذه الاتهامات، بعدما أقرت بأن لديها جنوداً في تيجراي.

من أجل الإبادة

رحلات الأسلحة بين إثيوبيا وإريتريا، بدأت في الأيام الأولى من بداية النزاع في تيجراي. وفي الفترة بين 9 إلى 28 نوفمبر. أصدرت الخطوط الإثيوبية فواتير لوزارة الدفاع قيمتها عشرات الآلاف من الدولارات، مقابل نقل مواد عسكرية تم شحنها إلى إريتريا. من بينها بنادق وذخيرة. تكررت هذه الفواتير ست مرات خلال تلك الفترة، وفق الوثائق المنشورة.

وتظهر الوثائق أرقام بوليصة الشحن التي تحمل بيانات كل شحنة. وفي إحدى الوثائق. تحت بند “طبيعة وعدد البضائع”، كُتب “تعبئة عسكرية” و”أغذية جافة”. وكانت بقيمة 166 ألف دولار تقريباً، مقابل نقل 2643 قطعة. حملت تلك الرحلات في الغالب نفس الرقم ET3312, ET3313, ET3314  وET  وهو رمز الخطوط الإثيوبية. وعملت عليها طائرات من صناعة شركة بوينج الأمريكية. والتي رفضت التعليق على الأمر.

 

بيان شحن الخطوط الجوية الإثيوبية للرحلة التي تحمل بنادق في 12 نوفمبر

مأزق آبي أحمد

ويعيش رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، أوقاتًا صعبة منذ أغسطس الماضي. بسبب الانتصارات المتسارعة لجبهة تحرير تيجراي، وتقدمها في مناطق الأمهرة. بعدما انهيار الجيش الإثيوبي في ميكيلي، وأصبح بينها وبين العاصمة أديس أبابا 80 كم فقط.

الصراع في تيجراي تسبب في نزوح عشرات الآلاف من الإثيوبيين إلى الأراضي السودانية. في الوقت الذي خشي مراقبون من امتداد الحرب الإثيوبية إلى مخيمات اللاجئين في السودان، بعد نزوح آلاف الأشخاص من عرقية الأمهرة، إلى المخيمات التي تؤوى التيجرانيين.

وفي وقت سابق هذا العام، كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” في تقرير لها أن آبى أحمد، متورط في استهداف القوافل الإنسانية إلى إقليم تيجراى. عبر تحريض ميليشيات تابعة له في الهجوم على القوافل.

وتأتي تواريخ الرحلات في الفترة نفسها التي عملت فيها حكومة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد. على تعزيز وضعها العسكري في الإقليم الذي يشهد نزاعًا دمويًا. حيث وقعت مذابح في مدينة إكسوم وقرية دينجيلات على يد القوات الإريترية في 19 و30 نوفمبر.

وتشير التقديرات إلى مقتل آلاف الأشخاص في الصراع الذي يحمل بصمات الإبادة الجماعية والتطهير العرقي.

ونقلت سي إن إن، عن موظفين حاليين وسابقين بالخطوط الجوية الإثيوبية. قولهم إن أغلب عمليات نقل الأسلحة لإريتريا تمت في نوفمبر الماضي.

صور لبعض الشحنات حصلت عليها سي إن إن

السلاح بدلًا من الورود

وأكد موظف سابق بالخطوط الإثيوبية، أنهم تلقوا أوامر بتحميل الأسلحة، والبنادق، وأربع مركبات عسكرية، على متن طائرة شحن. كانت وجهة الطائرة الأصلية بلجيكا “ولكن تم تغيير مسارها لإريتريا”، وفق قوله.

وأضاف: “السيارات كانت نقل تويوتا (بيك أب) معدة لوقوف القناصة. تلقيت مكالمة من مديري في وقت متأخر من الليل يعلمني فيها بالتعامل مع الشحنة. وجاء الجنود في الخامسة صباحاً لبدء تحميل شاحنتين كبيرتين محملتين بالأسلحة وسيارات النقل”.

اضطر الجنود لوقف الرحلة المحملة بالورود المتجهة لبروكسل. وتم إفراغ نصف الشحنة لتوفير مساحة للأسلحة. كذلك حذّر الجنود من أن الشاحنات والسيارات تحمل وقوداً أكثر بكثير من المسموح به على متن الطائرات. لكنهم تجاهلوه بعد مكالمة مع قائدهم الذي قال إن المركبات ذاهبة للحرب وتحتاج للوقود.

وكانت الخطوط الجوية الإثيوبية قد أصدرت في وقت سابق نفيين بخصوص نقل أسلحة. وقالت إنها تلتزم بصرامة بجميع اللوائح الوطنية والإقليمية والدولية المتعلقة بالطيران. وأنها، حسب علمها وسجلاتها، لم تنقل أي سلاح حربي في أي من طرقها من خلال أي من طائراتها.

بيان شحن جوي يظهر “عبوة عسكرية” تم نقلها على متن رحلة الخطوط الجوية الإثيوبية في 13 نوفمبر

مواد جافة

من الوثائق ما يُظهر في 9 نوفمبر، بعد خمسة أيام من أمر أبي بشن هجوم عسكري في تيجراي. تظهر السجلات أن رحلة الخطوط الجوية الإثيوبية نقلت أسلحة وذخائر من أديس أبابا إلى أسمرة، عاصمة إريتريا.

وتُظهر بوليصة الشحن الجوي، وبيان الشحن، أن الخطوط الجوية الإثيوبية فرضت رسومًا على الدولة قدرها 166398.32 دولارًا. مقابل 2643 قطعة من “المواد الغذائية الجافة”، وفقا لمصادر في شركات الطيران.

كذلك بوليصة شحن جوي أخرى بتاريخ 13 نوفمبر، لها نفس المرسل والمرسل إليه. جاء فيها أن محتويات الشحنة عبارة عن “إعادة تعبئة عسكرية ومواد غذائية جافة”.

ونقلت سي إن إن عن أحد الشهود قوله إنهم رأوا دبابات ومدفعية ثقيلة محملة على طائرات قادمة إلى أديس أبابا. بينما تم إرسال أسلحة صغيرة، عبارة عن قذائف مورتر وقاذفات، إلى أسمرة. ويظن الشهود أن الأسلحة الأصغر كانت تُرسل إلى أسمرة لتسليح القوات الإريترية.

وأكد جميع الشهود أنهم تلقوا تعليمات من شركة الطيران بحذف صور الأسلحة من هواتفهم. لكن لم يفعل جميعهم ذلك، وتسربت في يونيو الماضي صور على منصات التواصل الاجتماعي. تُظهر صناديق تحتوي على قذائف مورتر على متن طائرة تابعة للخطوط الجوية الإثيوبية، ونفس الصناديق يتم تحميلها على متن الطائرة في مصوع بإريتريا.

رحلات خفية

رغم ذلك، لم تنشر الشبكة الأمريكية ما يُفيد بأن تلك الطائرات كانت تحمل ركاباً وقت نقلها للأسلحة لإريتريا. وبعض هذه الرحلات لا تظهر على موقع تتبع الطائرات flightradar24. وحين تظهر تلك الرحلات على الموقع، فإن وجهتها غالباً ما لا تكون ظاهرة، ويختفي مسار الطائرة لحظة دخولها أو خروجها من الحدود الإثيوبية.

ونقلت سي إن إن عن شهود من الموظفين قولهم إن طاقم الطائرة يُمكنه إغلاق إشارة ADS-B على متن الطائرة لمنع تتبعها بشكل مفتوح. وهناك عمال بالخطوط الإثيوبية قالوا إنهم رأوا موظفين آخرين يحملون وينزلون أسلحة ومركبات عسكرية من رحلات متجهة لأسمرة، وزعم بعضهم أنهم ساعدوا في تحميل الأسلحة بأنفسهم.

 

بعض الرحلات التي تم تتبع مسارها عبر flightradar24

انتهاك دولي

ووفق خبراء الطيران والقانون الدولي، تُمثِّل هذه الرحلات الغير قانونية انتهاكا للقانون الدولي. الذي يحظر تهريب الأسلحة للاستخدام العسكري على الطائرات المدنية. ما يتعارض مع اتفاقية شيكاغو للطيران المدني.

ويتضمن الملحق السابع عشر للاتفاقية النقاط الأساسية لبرنامج الايكاو لأمن الطيران المدني، ويهدف الى حماية الطير ان المدني وتجهيزاته من أفعال التدخل غير المشروع.

كذلك، تُشكِّل العملية خرق واضح من الخطوط الإثيوبية لبرنامج التجارة الأمريكي. والذي مثّل منحها الوصول للسوق الأمريكي فائدة ضخمة. لا يبدو أنها ستستمر بعد انتهاكات الشركة المملوكة للحكومة الإثيوبية. وعضو تحالف “ستار”. فمن المتوقع أن تقوم إدارة الرئيس بايدن بمُعاقبة الحكومتين، بعد خروج هذه الوثائق إلى العلن.

ويشترط البرنامج على أن الدول الأعضاء ببرنامج النمو والفرص الأمريكي الإفريقي(AGOA)  لا يجوز لها ارتكاب مخالفات كبيرة لحقوق الإنسان المعترف بها عالمياً.

وفي أواخر أغسطس الماضي، حذرت الممثلة التجارية الأمريكية كاثرين تاي، كبير المفاوضين التجاريين الإثيوبيين، من أن “الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان المعترف بها دوليًا في تيجراي “يمكن أن تؤثر على أهلية إثيوبيا المستقبلية إذا لم يتم التصدي لها”.