بين الخوف والقلق وساعات الانتظار الطويلة التي تتجاوز ست ساعات يوميا. تعيش أسر محتجزين مآسي تجدد بشكل يومي خلال رحلة تسليم حقيبة الإعاشة والرسائل. وانتظار خطاب للاطمئنان على ذويهم، ليكون رد إدارة سجون طرة: “مفيش جواب”.
هكذا تحولت حياة الدكتورة ليلى سويف والدة المحتجز علاء عبد الفتاح وغيرها من أسر المحتجزين. ليصبح الانتظار دون جدوى روتين يومي أملا في تلقي رسائل تسكن آلام ووجع الفراق. وتخبرهم بأن ذويهم بخير ومازالوا على قيد الحياة.
جاءت آخر زيارة للدكتورة الجامعية ليلى سويف، الإثنين الماضي، فبعد ذهابها لمقر سجن طرة في العاشرة صباحا لتسليم الطبلية والجوابات. انتظرت 6 ساعات أخرى على أمل أن تأتي لها إدارة السجن بجواب من علاء، ولكن كان الانتظار دون جدوى.
سبق تلك المرة، ذهاب “ليلى” 5 مرات أخرى، انتظرت خلالها أيضا على بوابة السجن للحصول على جواب. لكن الإجابة نفسها تتكرر “مفيش جواب”، ما دفعها لإرسال تلغرافات إلى مأمور السجن. ووزير الداخلية، ورئيس قطاع حقوق الإنسان في وزارة الداخلية. ومساعد الوزير لشؤون السجن، مطالبة بحقها المشروع في تلقي جوابات من ابنها للاطمئنان عليه.
ما يحدث مع أسرة المحتجز علاء عبد الفتاح وغيره يأتي مخالفا لقانون تنظيم السجون. حيث نصت المادة 38 منه على أن “يكون لكل محكوم عليه الحق في التراسل والاتصال التليفوني بمقابل مادي ولذويه أن يزوروه مرتين شهريًا تحت رقابة وإشراف إدارة السجن”.
وفي محاولة لتغيير الوضع، قامت ليلى في 28 سبتمبر بتقديم بلاغ إلى نيابة المعادي في مأمور سجن طرة. بسبب رفضه خروج جواب من سجين محتجز لديه لأهله.
“آخر جواب”
يختلف وضع علاء عن باقي المحتجزين خاصة بعد إعلانه في 14 سبتمبر الماضي، خلال جلسة تجديد حبس علاء عبد الفتاح. نيته في لانتحار. قائلا: “أنا عارف القضية الجديدة هيحيلوها للمحاكمة. وكده أنا من 2011 مخرجتش من السجن سنة على بعضها، لو مطلوب إني أموت يبقى انتحر وخلاص”. وأنهى حديثه برسالة لوالدته “قولوا لليلى سويف تاخد عزايا” ما أصاب أسرته بالذعر والخوف.
وقال بيان لأسرة علاء عبد الفتاح “فوجئنا بامتناع إدارة السجن عن تسليمنا جواب من علاء. وتركوا والدته تنتظر بالساعات دون تقديم أي توضيح أو معلومة تفسر الوضع وتطمئننا عليه. على الرغم من كونه إجراء انتظم بشكل أسبوعي منذ القبض على شقيقته الصغرى سناء وحبسها في 23 يونيو 2020”.
وتابع البيان “انتظرنا لليوم التالي والمفترض فيه انعقاد جلسة نظر تجديد حبس علاء لعل المحامين يأتون بأخبار تطمئنا. وأن منع التواصل مع علاء كان خطأ إداري أو لوجيستي وليس له أي دلالات أشد وطأة. لكن للأسف ما عرفناه عنما حدث في الجلسة. وكلام علاء للقاضي والمحامين أصابنا بالخوف والهلع”.
حالة الارتباك التي شهدتها الجلسة أعقبها الموافقة على تسليم خطاب من علاء إلى أسرته، في 14 سبتمبر الماضي. قال فيه: “الفترة اللي فاتت كانت صعبة قوي وإحساسي إن عمري كله هقضيه هنا بدون داع أو سبب مسيطر عليا”. مشيرا إلى ظروف حبسه السيئة “مقفول عليا 24 ساعة، هستحمل عشان خاطرك”.
لم يكن ذلك الجواب كافيا للأسرة، فمنذ ذلك اليوم وانقطعت الجوابات والمراسلات مرة أخرى. ولتكرار ذلك الأمر أكثر من مرة. جددت الأسرة مطالبها، بنقل علاء من سجن شديد الحراسة 2 لوجود بلاغات وخصومة بينه وبين إدارة السجن. وتنفيذ لائحة مصلحة السجون المصرية، بدخول وخروج خطابات في موعدها القانوني وتمكين علاء من التريض، والسماح بإدخال كتب وصحف وراديو.
كما طالبت الأسرة بالسماح لاستشاري نفسي بالدخول لعقد جلسات علاج لعلاء بعد تأثر حالته النفسية بسبب طول مدة الحبس الاحتياطي أكثر من عامين بالمخالفة للقانون، إضافة لظروف الحبس.
وقائع مستمرة
يذكر أن أفراد الأسرة تعرضوا لانتهاكات أكثر من مرة، في 20 يونيو قضت الدكتورة ليلى سويف ليلة أمام سجن طره بمفردها. بعد أن استنفذت كل الطرق للمطالبة بخطاب يطمئنها على علاء، وفي 21 يونيو صباحا انضمت منى وفي المساء حضرت سناء. وفي فجر 22 يونيو تم التعدي على سناء وأسرتها أمام سجن طرة بالضرب والسحل وسرقة متعلقاتهن. ثم اتجهت الأسرة في 23 يونيو والمحامين لمكتب النائب العام لتقديم بلاغ وإثبات الإصابات.
تم اختطاف سناء من على بوابة مكتب النائب العام من ضباط بلبس مدني في ميكروباص أبيض، ثم ظهرت أمام نيابة أمن الدولة ووجهت لها قائمة اتهامات. وقالت الأسرة “لم يتم التحقيق في أي من بلاغات سناء أو الأسرة”.
وانتقلت سناء إلى سجن القناطر على خلفية اتهامها بنشر أخبار كاذبة والترويج لجريمة إرهابية وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. وحكم عليها عاما و6 أشهر، في القضية رقم 659 لسنة 2020 أمن دولة عليا.
منهج متكرر
أسرة علاء عبد الفتاح لم تكن الوحيدة التي واجهت تعنت وحجب المراسلات المكتوبة، حيث انضمت إليها أسرة رئيس حزب مصر القوية، عبد المنعم أبو الفتوح. تشكو الأسرة من القيود التي تفرضها إدارة السجن على المراسلات خلال الفترة الأخيرة. حيث تسلم نجله حذيفة خطابا لمدة بضعة دقائق قبل استرداده مرة أخرى من جانب أحد ضباط السجن.
قال حذيفة نجل رئيس حزب مصر القوية، إنه للمرة الخامسة منذ 23 أغسطس، والثانية على التوالي، التي يتم حرماننا من حقنا في تلقي جواب للاطمئنان على والدي.
كان حذيفة انتظر أيضا أمام أبواب السجن، للحصول على جواب من والده، ولكن لم يكن هناك جواب هذه المرة أيضا، بعد أن تم استرداد الجواب السابق بدون أسباب.
وذكر حذيفة أنه خلال انتظاره لرسالة والده بعد تسليم خطاب من الأسرة، قام أحد الضباط باسترداده مرة أخرى، زاعما أنه خرج بالخطأ وأنه ليس من والده. ولكنه قام بقراءة أول سطور من الخطاب وتعرف عليه وعلى كلمات والده. وهو ما اضطر حذيفة للانتظار حتى الساعة 7 مساء للحصول على الجواب ولكن دون جدوى.
تكرر انقطاع الجوابات أكثر من مرة عن الأسرة وبعد ساعات الانتظار الطويلة أمام السجن. يأتي الرد “مفيش جواب”، ويشير حذيفة إلى صعوبة ذلك الوضع في ظل القلق الدائم على صحة والده الفترة الأخيرة.
آخر خطاب استلمته الأسرة في 13 سبتمبر الماضي بعد انقطاع دام 3 أسابيع قبلها، لتعاود الانقطاع مرة أخرى، وتنتظر الأسرة تلك المراسلات بعد أن قررت إدارة السجن قصر الزيارة على فرد واحد ولمدة 20 دقيقة وهاتفيا من خلف حاجز زجاجي.
ولمدة 3 سنوات و8 أشهر يقبع أبو الفتوح في حبس انفرادي، بدون إتاحة دخول الكتب والجرائد والمجلات أو راديو. ممنوع من التواصل البشري، وفي عزلة كاملة، ويقول الابن: “تخيل ساعتها جواب صغير لا يتجاوز عدد سطوره الـ 20 سطرا ممكن يكون مهم لأي درجة”.
وألقي القبض على أبو الفتوح من منزله في 14 فبراير 2018، بتهمة “عقد لقاءات سرية مع أعضاء التنظيم الدولي للإخوان. والسعي لتنفيذ مخطط يهدف إلى البلبلة وعدم الاستقرار”، حسبما ورد في بيان لوزارة الداخلية وقتها.