مع إعلان اسم الفائز بجائزة نوبل للآداب، كل عام، يتجدد الجدل حول غياب العرب عن الجائزة المرموقة. ينتظر القراء حول العالم اسم الفائز باعتبار المناسبة فرصة لاختيار أعمال أدبية أو كاتب لم يسمعه به من قبل. أما الكتاب فلا شرف أرفع من أن ينضم اسمه إلى قائمة الفائزين بـ”نوبل”، والذي وصل عددهم إلى 117 فائزا في فئة الآداب، منذ بدء منح جوائز نوبل عام 1901، بلغ عدد الأدباء الأوروبيين أو الأمريكيين الشماليين بها لـ95، أي أكثر من 80%. أما عدد الرجال من هذه اللائحة فبلغ 102، في مقابل 16 امرأة ففط.
ومنحت الجائزة عبر تاريخها لـ5 كتاب ذوي أصول أفريقية لكنهم يكتبون باللغة الإنجليزية ويعيشون في دول أجنبية، ليظل “نجيب محفوظ” هو الكاتب الوحيد الذي كتب بالعربية وعاش في دولة عربية، لكن الترجمة كانت بوابته للأكاديمية السويدية.
بورصة الترشيحات
قبل الإعلان الرسمي عن الجائزة، تتصدر قوائم ترشيحات للفائزين ولكنها– غير رسمية بالتأكيد- فأهم ما يميز الجائزة السويدية هي صعوبة اختراقها لمعرفة كواليس اختيار المرشحين أو توقع الفائزين بها. وعلى عكس غيرها من الجوائز الأدبية المهمة، لا تصدر لجنة التحكيم المكونة قوائم طويلة أو قصيرة للمرشحين. أما قوائم الترشيح التي تنشرها الصحف الأجنبية- فهي أشبه برهانات- يحاول أصحابها إضفاء طابع المنطقية عليها، إذ يبحث المحررون الثقافيون في قوائم الأعمال الفائزة التي وصلت للجوائز الهامة مثل البوكر البريطانية أو الجونكور الفرنسية، وعادة ما تخسر هذه الرهانات، وتذهب لجنة تحكيم نوبل باختياراتها بعيدًا عن كل هذا الضجيج.
هذا ينفي تمامًا صحة المعلومات التي تنتشر في العالم العربي حول استبعاد شخصية ما أو تزكية شخص آخر. والأمر الذي أشيع كثيرًا في العالم العربي بعد فوز “نجيب محفوظ” بالجائزة، فتم تداول أسماء أدباء كبار مثل الأديبة نوال السعداوي قبل رحيلها أو أدونيس باعتبارهما مرشحين قويين لنوبل.
لا أحد يعلم كواليس اختيار المرشحين. وما ينشر من ترشيحات هي رهانات. كما أن اللجنة لا تختار عملاً بعينه للكاتب الفائز، ولكنه يحصد الجائزة عن مجمل أعماله
لا أحد يعلم كواليس اختيار المرشحين. وما ينشر من ترشيحات هي رهانات. كما أن اللجنة لا تختار عملاً بعينه للكاتب الفائز، ولكنه يحصد الجائزة عن مجمل أعماله. هكذا يبدأ “شريف بكر” مدير دار العربي للنشر وعضو اتحاد الناشرين الدوليين حديثه لموقع “360”.
كما ينفي “بكر” ترشيح أي دولة لأسماء بعينها للجائزة من قبل وزارات الثقافة أو لجان النشر والتأليف بها؛ لأنه أمر لا يدخل ضمن صلاحيتها، مضيفًا أن “نوبل” قائمة بذاتها، وتحاط النتيجة بسرية كاملة. كما أن الجائزة لا تنشر قوائم طويلة وقصيرة للمرشحين لأنها لا تعول على المبيعات؛ على عكس جائزة البوكر البريطانية التي دشنها عدد من بائعي الكتب في بريطانيا من أجل زيادة مبيعات الكتب.
الترجمة إلى الإنجليزية
يفسّر “بكر” أسباب غياب الأدباء العرب عن الجائزة الرفيعة منذ فوز نجيب محفوظ في 1988 بأن أعضاء لجنة التحكيم لا يقرأون سوى الأدب المكتوب بالإنجليزية، أو ما تم ترجمته إلى اللغة الإنجليزية.
ويعتبر “بكر” أن الاهتمام بالترجمة هو السبيل الوحيد، لكي يخطو الكتاب العرب خطواتهم الأولى نحو الأكاديمية. مع التأكيد على توافر عنصر الجودة في الترجمة،.وكذلك نشر الأعمال في دور نشر أجنبية معتمدة. وهذا ما يتطلب حسب “بكر” جهودًا مؤسسية وليست فردية، مشيرًا إلى أن قارة أفريقيا كاملة لا يتوافر فيها برنامج دعم للناشر الأجنبي، كما هو معمول به في دول العالم.
أدرك الكتاب العرب أهمية الترجمة، وتحديدًا عقب فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل، إضافة إلى اتجاه بعضهم للكتابة باللغات الأجنبية مثل أمين معلوف الذي يكتب بالفرنسية وأدونيس وغيرهما
ولكن مؤخرًا أدرك الكتاب العرب أهمية الترجمة، وتحديدًا عقب فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل، إضافة إلى اتجاه بعضهم للكتابة باللغات الأجنبية مثل أمين معلوف الذي يكتب بالفرنسية وأدونيس وغيرهما، ورغم ذلك لم تظهر أسمائهم، حتى في قوائم الترشيح غير الرسمية.
وفي هذا الصدد، يقول الناشر محمد البعلي مدير دار صفصافة للنشر والترجمة، إن هناك أدباء ترجمت أعمالهم بالفعل، وحققوا مبيعات عالية، ولكن المنافسة في جائزة نوبل كبيرة، كما أن الترجمة الموجهة للفوز بالجوائز، لن تجدي نفعًا أو تأتي بنتيجة، حسب قوله.
ما الذي تبحث عنه لجنة نوبل؟
نشط مؤخرًا اهتمام الكتاب والناشرين العرب بالترجمة من اللغة العربية وإليها، بل إن بعض الكتاب قد يشترطوا في عقودهم إضافة إلى التقديم للجوائز سعي الناشر لترجمة الكتاب. كما أنّ بعض الجوائز مثل جائزة نجيب محفوظ بالجامعة الأمريكية قد تخفض قيمتها المالية، في مقابل ترجمة الأعمال الفائزة إلى الإنجليزية. فترجمت الكتب بما فيها تلك التي يصفها النقاد بأنها أعمال تجارية.
وهنا يؤكد البعلي أن نوبل جائزة مرقوقة جدًا في المجال الأدبي، ولذلك فهي تبتعد عن الكتاب التجاريين؛ ضاربًا مثالاً بالروائي ميلان كونديرا أو الياباني هاروكي موراكامي، إذ يتوقع قراؤهم ظهور أسمائهم في قوائم المرشحين في كل عام، ولكنه أمر لن يحدث لأنهم يكتبون أدبًا تجاريًا، حسب تعبيره.
ابتعاد لجنة التحكيم عن الأعمال الأدبية التجارية، يتوافق مع ما أعلنته اللجنة من قبل باهتمامها بالقيمة الأدبية أو موضوعات محددة في الأعمال المرشحة.
الناشر “شريف بكر” يقول إن أمورا أو تقنيات لابد من توافرها كي تحظى هذه الأعمال الأدبية بالاهتمام في الخارج أو تجذب انتباه المثقفين، مشيرًا إلى وجود أعداد كبيرة من الكتاب ذوو الأصول الأفريقية أو العربية مع زيادة الهجرة، لكنهم يكتبون باللغة الإنجليزية، ويعيشون في الخارج.
الجمهور الغربي
يولي الكتاب الجديد أهمية بالمجتمع الثقافي الذي ينتقلون إليه، لكنهم في الوقت نفسه يسعون لتقديم أعمال أدبية تتناول قضايا يهتم بها الغرب ولا يتوافر لديهم المعرفة الكاملة عنها.
وفي هذا الصدد، يقول الناشر شريف بكر: “تكون أعمالهم الأدبية موجهة بالأساس للجمهور الغربي، وليس عملاً موجهًا لقراء العربية وتم ترجمته بعد ذلك”. يذكر “بكر” مثالاً للكاتب علاء الأسواني، الذي حظيت روايته عمارة يعقوبيان بإشادة واسعة في الخارج.
المتابع لكتابات “علاء الأسواني” يدرك تماما اهتمامه بالغرب ومخاطبته، كما أن أعماله الأدبية قد تأثرت لفرط اهتمامه بهذا الأمر، ومنها رواية (نادي السيارات) التي كتبت على فترتين قبل وبعد ثورة 25 يناير عام 2011
ويضيف بكرة أن “المتابع لكتابات علاء الأسواني يدرك تماما اهتمامه بالغرب ومخاطبته، كما أن أعماله الأدبية قد تأثرت لفرط اهتمامه بهذا الأمر، فمن يقرأ رواية (نادي السيارات) التي كتبت على فترتين قبل وبعد ثورة 25 يناير عام 2011، يدرك هذا التفاوت، لكي يتناول “الأسواني” قضايا تحظى باهتمام الغرب، بها فقرات تلائم القراء في الخارج، أو موضوعات قد تكون مسارا لسؤال في الندوات الثقافية أو تثير جدلاً في الصحافة الغربية وهكذا، كل هذه الأمور إضافة إلى اهتمامه بتسويق أعماله في الخارج تجعله حسب “بكر” اسما مطروحًا بقوة في الوسط الثقافي الغربي.
لماذا تغيب أعمال الأدباء المتميزين عن المكتبة العربية؟
بعد إعلان فوز عبد الرازق قرنة بجائزة نوبل لعام 2021، تساءل القراء العرب عن أعمال الأديب ذي الأصول الإفريقية – العربية والتي يقدر عددها بـ 10 كتب، تتنوع ما بين الرواية والقصة القصيرة، ولكنها لم تترجم أيًا منها إلى العربية رغم وصوله للقائمة القصيرة لجائزة البوكر برواية “الفردوس” عام 1994.
ويقول “بكر ” عن أسباب هذا الاختفاء هو عدم الاهتمام الكبير من قبل القراء العرب بالأدباء الأفارقة، مشيرًا إلى أن العرب يتطلعون بشكل أكبر للكتاب الأوروبين أو كتاب أمريكا الجنوبية، أو الكتاب الآسيويين، مضيفًا أن هناك نظرة متعالية أو عنصرية تجاه هذا الأدب تنعكس بالطبع على عملية الشراء ما يجعل تحمس الناشرين العرب لترجمة هذه الأعمال أمرا صعبًا.
الناشر محمد البعلي مدير دار صفصافة، يضيف بعدًا آخر وهو اعتماد الناشرين العرب على شهرة الكاتب في المجال الثقافي الذي يتواجد فيه لترجمة أعماله، مضيفًا أن “قرنة” ترشح لجائزة البوكر في عام 1994، أي قبل عصر السوشيال ميديا، ما جعل شهرته تنحصر في نطاق المتابعين للصحافة الغربية. كما أن شراء حقوق ترجمة عمل أدبي لكاتب مجهول أمر قد يرى فيه الناشرون مجازفة أو مغامرة ربما لن تغطي حجم تكاليف الطباعة في ظل أزمات النشر المتعددة.