يومًا تلو الآخر تتزايد انتصارات الصحافة المُستقلة. يمتلئ دولابها بالجوائز التي يحصدها صحفيون خاطروا كثيرًا من أجل كشف الحقائق. أو يقاوموا هيمنة الأنظمة. هو نوع آخر من الكفاح قد لا يرى الناس تفاصيله، لكنهم يُشيدون عند رؤية نتيجته.

وعندما أعلنت لجنة نوبل النرويجية منح جائزة نوبل للسلام هذا العام، للصحفيين الفيليبينية ماريا ريسا، والروسي دميتري موراتوف. كانت الكلمات التي تنطقها بيريت ريس-أندرسن رئيسة اللجنة، أمام الحضور في أوسلو، تؤكد أن المخاطر التي يتحملها الصحفيون في بعض البلدان قد لا تذهب سدى.

“هي مكافأة لهما على كفاحهما الشجاع من أجل حرية التعبير في بلديهما. ماريا ريسا، ودميتري موراتوف، يمثلان جميع الصحفيين المدافعين عن هذا المثل الأعلى، في عالم تواجه فيه الديمقراطية وحرية الصحافة ظروفًا غير مواتية بشكل متزايد”.

 

 

غير متوقعة

“في هذه اللحظة هناك شعور بالفرح وآخر بالإلحاح”.

ساد الاندهاش عقب إعلان النتيجة من داخل معهد نوبل النرويجي في أوسلو. فعبر تاريخها الممتد 120 عاماً، لم تلتفت جائزة نوبل للسلام يوماً الصحافة المستقلة. التي تسمح بمحاسبة صانعي القرار، وتساعد على التخلص من المعلومات المضللة.

بل، هي المرة الأولى التي يحصل فيها صحفيون على الجائزة منذ فوز الألماني كارل فون أوسيتسكي في عام 1935، لكشفه عن برنامج بلاده السري لإعادة التسلح بعد الحرب العالمية الأولى.

من بين 329 مرشحا، كان ريسا وموراتوف نفسهما لا يتوقعان ذكر اسميهما من قِبل لجنة نوبل. خاصة أن منظمات مثل “مراسلون بلا حدود”، و”لجنة حماية الصحفيين” من الأسماء الدائمة على طاولة الترشيح. كذلك التكهنات هذا العام كانت ترجح منح الجائزة لناشطين، أو منظمات تعمل ضد ظاهرة الاحتباس الحراري.

لذلك خالط الفرح الأمين العام لمنظمة مراسلون بلا حدود كريستوف ديلوار الذي أضاف: “الفرح لأنها رسالة رائعة وقوية للغاية لصالح الصحافة. تحية طيبة جدا لصحفيين، يمثلان جميع الصحفيين على هذا الكوكب. الذين يخاطرون لتعزيز الحق في المعلومات”.

 

اعترافًا بالصحافة المستقلة

الفرح كان بدوره شعور الاتحاد الوطني للصحفيين في الفلبين. والذي أصدر بيانًا قال فيه إن هذه الجائزة ليست اعترافا بعملهم فحسب. وإنما أيضا بأهمية حرية الصحافة والتعبير في بلادهم، وفي جميع أنحاء العالم “نأمل أن تسلط هذه الجائزة المزيد من الضوء على الذين يكشفون الحقيقة، في وقت تتعرض فيه الحريات الأساسية والديموقراطية للهجوم”.

وكانت ماريا ريسا، البالغة من العمر 58 عامًا، قد سلطت الضوء على “حملة نظام الرئيس الفيليبيني رودريجو دوتيرتي، المثيرة للجدل، والدموية لمكافحة المخدرات”. كما وصفتها لجنة نوبل.

في عام 2012، شاركت ريسا في تأسيس المنصة الرقمية للصحافة الاستقصائية “رابلر”.  وفي العامين الماضيين، صدر بحقها 10 أوامر اعتقال بتهم جنائية متنوعة، تتراوح بين التشهير، والتهرب الضريبي. كانتقام من تغطيات وانتقادات الموقع.

وتستأنف ريسا، التي تحمل أيضًا الجنسية الأمريكية، حاليًا، حكمًا أدانها بتهمة “التشهير الإلكتروني” في يونيو 2020. وربما يتم سجنها لمدة تصل إلى ست سنوات إذا خسرت القضية. كذلك تحارب منصتها الرقمية أمر إغلاق حكومي، بتهمة انتهاك الحظر الدستوري على الملكية الأجنبية لشركات الإعلام.

وأوضحت جمعية المراسلين الأجانب في الفلبين، في بيان بمناسبة فوز ريسا: “يواجه المراسلون بشكل روتيني مضايقات عبر الإنترنت. وتواجه غرف الأخبار المحلية ضغوطًا لفرض الرقابة الذاتية، ويظل الصحفيون الإقليميون الأكثر عرضة للعنف. بما في ذلك الاحتجاز والقتل”.

وأضاف البيان “نأمل في أن يدفع فوز ريسا إلى الاهتمام الدولي بمحنة العاملين في وسائل الإعلام المحلية الفلبينية. ويرسل إشارة بأن الصحافة الحرة وغير المفككة والناقدة ضرورية من أجل ديمقراطية صحية”.

 

تدوينة الصحفي الروسي دميتري موراتوف

ضد الكريملن

وبينما قالت ريسا، في مقابلة أذاعتها على الهواء مباشرة عبر موقعها الاستقصائي إن منح جائزة نوبل للسلام لصحفيين “يثبت أن لا شيء ممكن بدون الحقائق”، وأن “عالمًا بلا حقائق يعني عالمًا بلا حقيقة وبدون ثقة”. كان ميتري موراتوف، الذي يتقاسم معها الجائزة، قد اختار منح الجائزة إلى أليكسي نافالني، أكبر معارضي فلاديمير بوتين.

كذلك أهدى الجائزة مرة جديدة إلى زملائه في الصحيفة الذين تعرضوا للاغتيال. وأضاف لوكالة الأنباء الروسية “لا يمكنني أن أستأثر بكل الفضل في ذلك. الفضل يرجع إلى نوفايا جازيتا. إنه يرجع إلى من ماتوا وهم يدافعون عن حق الناس في حرية التعبير”.

وأعلن أنه سيتبرع بجزء من المبلغ المصاحب للجائزة لدعم وسائل الإعلام المستقلة الروسية. وتابع: “لا أعرف كيف ستؤثر هذه الجائزة على الرقابة التي فرضت”.

ورغم تحديه السافر للرئيس الروسي، هنأ الكرملين دميتري موراتوف. ونوّه بـ”موهبته وشجاعته”. وقال دميتري بيسكوف المتحدث باسم الرئيس فلاديمير بوتين للصحافيين “نهنئه. إنه موهوب وشجاع، ومتمسك بمبادئه”.

ونال مورتوف الجائزة فيما تشن السلطات الروسية حملة قمع. تستهدف المعارضة، ووسائل الإعلام المستقلة، والمنظمات غير الحكومية. التي يتهمها الكرملين بالتطرف، أو يصنفها عميلًا لجهات خارجية.