تعد أحكام الإعدام من العقوبات التي طالما أثارت اللغط. بينما تحول الاصطفافات الدينية العقائدية دون إلغائها كلية. جرت المياه الراكدة خلال السنوات الأخيرة وبدأت الأصوات الحقوقية تتعالى باعتبارها ارثا إمبرياليا بالأساس.
وباستثناء الصين، هناك ثلاث دول مسؤولة عن أكثر من 80٪ من عمليات الإعدام في العالم، هي السعودية والعراق وإيران.
ووفقاً للأرقام الصادرة من قبل منظمة العفو الدولية. فإن الصين من أكثر البلدان التي تنفذ حكم الإعدام رغم عدم وضوح المعلومات الخاصة بهذا الشأن.
كما كانت السعودية الدولة الوحيدة التي أدرجت قطع الرأس كطريقة للإعدام.

وبحسب منظمة الجبهة المصرية لحقوق الانسان فلا تزال المحاكم المصرية مُستمرة في استخدام عقوبة الإعدام في أحكامها على جرائم كثيرة. تصل إلى 105 جريمة نص عليها عدد من التشريعات المصرية مثل قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937 وتعديلاته. وقانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة 1966. وقانون الأسلحة والذخائر رقم 394 لسنة 1954. وحتى قانون مكافحة المخدرات رقم 182 لسنة 1960.
وبمناسبة احتفالات اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام، نشرت صحيفة الجارديان البريطانية مقال يتعلق بفلسفة عقوبة الإعدام، والنظر لها كأداة قمع استعمارية، بواسطة أستاذ التاريخ الأفريقي بجامعة ولاية كارولينا الجنوبية ديور كوناتي.
الانقلاب على الإرث الامبريالي
بحسب كوناتي فمؤخرا انقلب المد في غرب أفريقيا ضد الأداة الأشهر في يد الكونياليات. ففي يوليو الماضي، أصبحت سيراليون الدولة الإفريقية رقم 23 التي تلغي عقوبة الإعدام.
وذلك على الرغم من تضاؤل استخدامها كعقوبة نسبيا في جميع أنحاء القارة. بفضل الجهود المتضافرة من منظمات حقوق الإنسان والحكومات. ولكن تظل عقوبة الإعدام في العديد من كتب القوانين المحلية نظرا للإرث الاستعماري القوي. فضلا عن مكتسبات عقائدية في الحالة الإسلامية.

وخلال الفترة الاستعمارية، وجدت العقوبات التي تم التخلي عنها في أوروبا فيما بعد الثورة الصناعية. أرضًا خصبة في إفريقيا. ويأتي على رأسها عقوبة الإعدام، فتم استغلالها كعنصر أساسي في آلية القمع الاستعماري.
ويعد اللجوء إلى السجن الرد الأكثر شيوعًا على الجرائم في إفريقيا الاستعمارية. ولكن مع ذلك كانت عقوبة الإعدام في قلب المشروع الاستعماري. بشكل جعل ممارستها تنسج بعمق في تشكيل الدولة وبناء المواطنة، وإيجاد مبررات لها من داخل الثقافات المحلية.
ترسيخ عقوبة الإعدام وتجاهل الإرث الثقافي
يؤرخ المقال لتسعينيات القرن التاسع عشر باعتبارها فترة تكوينية لفرض عقوبة الإعدام في البلدان الأفريقية. وقد تم تقديمه في أفريقيا البريطانية. ومنها مصر على سبيل المثال، وفي الكونغو البلجيكية وفي إفريقيا الألمانية التي منها الكاميرون وجنوب غرب أفريقيا.
ولكنها كانت تمارس بشكل أساسي في أفريقيا الفرنسية في هذا الوقت تقريبًا. التي تتضمن دول مثل الجزائر. ما يتوافق مع نهاية الفتوحات العسكرية في المنطقة والجهود الفرنسية المبكرة لتوطيد حكمها من خلال إدارة سياسية قانونية راسخة.
تم تطبيق العقوبة لأول مرة في المنطقة عبر السنغال. التي تعد أقدم مستعمرة فرنسية في غرب أفريقيا. وفي وقت مبكر من العام 1824. بعد فترة وجيزة من استيلاء الفرنسيين على الحكم عام 1817.
ولكنها تأخرت قليلا في استخدامها وبدأت في تنفيذها عام 1899. حيث تم تنفيذ أول إعدام علني بالمقصلة في سانت لويس، العاصمة الإدارية للمستعمرة. في الوقت الذي ابتعدت فيه الجمهورية الفرنسية الثالثة عن عمليات الإعدام العلنية داخل فرنسا.
المقصلة
آنذاك كانت السنغال الدولة الوحيدة في غرب أفريقيا الفرنسية التي استخدمت المقصلة. أما في أفريقيا الاستوائية الفرنسية. وتوجو الفرنسية ، والكاميرون الفرنسية. ظلت فرقة الإعدام هي الطريقة الرئيسية حتى عام 1957.
وكانت العقوبة في أفريقيا الفرنسية مؤسسة ذات تاريخ معقد، وفوضوي، ومتعدد الطبقات. حيث تجاوزت العدالة القانونية وشكلت من نواح كثيرة بحسب العوامل السياسية والاجتماعية.
كما عُرضت عقوبة الإعدام في أفريقيا الفرنسية أيضًا كأداة لسلطة الدولة وشرعيتها، فمنذ إضفاء الطابع المؤسسي على عقوبة الإعدام في تسعينيات القرن التاسع عشر وحتى الستينيات. عندما انسحبت فرنسا من معظم مستعمراتها في المنطقة. كانت سياسات عقوبة الإعدام تتنقل بين الأفكار الإمبريالية والممارسات المحلية.
وتم تطبيق عقوبة الإعدام على جرائم مثل هجمات العصابات والنهب المسلح والتمرد ضد الإدارة الاستعمارية. فضلا عن كافة التهديدات التي تواجه الاقتصاد الاستعماري. وحماية الأصول الفرنسية في أفريقيا.
لكن العديد من التشريعات التي عكست الافتراضات الثقافية حول الأفارقة. التي كانت تمييزية وعنصرية بالأساس، مثل الوحشية والهمجية الطبيعية. والطابع البدائي والغريزة الطبيعية للعنف، أعادت تشكيل كيفية تطبيق عقوبة الإعدام بشكل مستمر.
تمييز وصور نمطية
تم إعادة تعريف الجرائم الكبرى باستمرار للاستجابة للمخاوف المتزايدة بشأن أي نوع من الأعمال أو السلوك الإجرامي من وجهة نظر المستعمر. ما أدى إلى توسيع فئات الجرائم التي يُعاقب عليها بالإعدام طوال الفترة الاستعمارية.
ومُنح القضاة الاستعماريون، ومعظمهم إداريون بدون تدريب قضائي. سلطات تقديرية لتحديد ما يشكل جريمة وأصدروا أحكامًا بالإعدام على أساس العادات الأفريقية التي لم يعرفوا عنها شيئًا أو لديهم فهم محدود لها.
وعقوبة الإعدام متجذرة بعمق في العنصرية، والصور النمطية، بعد أن تم تسيسها وتسليحها. حيث استهدف المسؤولون الاستعماريون مجموعات عرقية أو دينية أو سياسية معينة ووصفوها كمجرمين محتملين أو مشتبه بهم.
وقد بنى القضاة المستعمرون محاكماتهم على شخصيات المتهمين الأفارقة بدلاً من ملابسات الجرائم التي ارتكبوها.
وفي قلب أفريقيا أدت القوالب النمطية العنصرية والتحيز، لتجريم أنشطة مثل السحر وأكل لحوم البشر، فقد حاكم قضاة المستعمرات بشدة هذه الجرائم، التي كانت بمثابة دليل على ما يسمى بـ “وحشية” الأفارقة. ما يضفي الشرعية على ضرورة “مهمة الحضارة” الفرنسية في أفريقيا.
ورغم ذلك لم تنته عقوبة الإعدام بزوال الاستعمار الأوروبي في إفريقيا، إذ لم تلغ السنغال عقوبة الإعدام حتى عام 2004، وبدلاً من ذلك. شكّل استمرار التشريعات والتقاليد الاستعمارية المتعلقة بعقوبة الإعدام ممارستها في البلدان بعد الاستقلال بفترة طويلة.
اليوم، لا تزال العديد من البلدان الأفريقية تحسب حساب هذا الميراث الكئيب من الاستعمار. ولكن مع الزخم المتزايد للحركة المناهضة لعقوبة الإعدام في جميع أنحاء القارة والعالم، هناك سبب وجيه للاعتقاد بأن المزيد من البلدان ستتخلص من العقوبة النهائية.