إثر انطلاق عملية التصويت الخاص في الانتخابات البرلمانية بالعراق، نهاية الأسبوع الماضي. وذلك قبل يومين من تدشين التصويت العام، أمس. تتعدد المسارات المحتملة للاستحقاق الانتخابي، وكذا تداعياته، محلياً وإقليمياً. فضلاً عن الاختبارات المفتوحة من الناحية الإجرائية لقانون الانتخابات الجديد، المعروف بنظام الدوائر المتعددة.

ومن الناحية السياسية، تبدو الانتخابات المبكرة مختلفة عن مثيلاتها في السابقة. إذ إنها تجري وفي الخلفية متغيرات جمة تتصل بالحراك السياسي الذي خاضته القوى “التشرينية”، منذ أكتوبر 2019. ضد الفساد السياسي والسلاح بيد المجموعات السياسية الطائفية. وتحديدًا التنظيمات الولائية المدعومة من إيران. بينما من المرجح أن يحصد شباب الحراك عددًا من المقاعد النيابية وتشكل نواة لمعارضة سياسية أمام الكتل التقليدية والأحزاب التقليدية الكبرى المتقاربة في قوائمها الانتخابية. التي ستفرز مساراً محافظاً لا يخرج عن قواعد المحاصصة القديمة.

نسبة التصويت

وتراجعت نسبة الإقبال على التصويت في الانتخابات العراقية إلى مستوى قياسي وسط إحباط واسع النطاق من النخبة السياسية في البلاد.

وأعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق اليوم الاثنين أن نسبة التصويت في انتخابات البرلمان العراقي بلغت 41 %. ويمثل هذا الرقم أدنى نسبة مشاركة في الانتخابات الخمس التي أجريت منذ الإطاحة بالرئيس السابق صدام حسين من السلطة عام 2003.

وكان أدنى مستوى سابق في انتخابات عام 2018 عندما بلغت النسبة 44.5%.

نسب التصويت في الانتخابات العراقية
نسب التصويت في الانتخابات العراقية

وبحسب بيان مفوضية الانتخابات، فإن عدد المسجلين للإدلاء بأصواتهم في سجلات الاقتراع بلغت 22 مليونا و116 ألفا و368 ناخب في حين بلغ عدد الذين أدلوا بأصواتهم في الانتخابات 9 ملايين و77 ألفا و779 ناخبا.

ومن المنتظر أن تعلن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق في وقت لاحق اليوم الاثنين نتائج أولية للانتخابات البرلمانية.

قانون الانتخابات الجديد

اللافت أنه تم إقرار قانون بتعديل تشكيل مجلس المفوضية العليا للانتخابات في نهاية العام 2019، كما أقر البرلمان قانون الانتخابات الجديد رقم 9 لعام 2020. الذى اعتمد نظام الدوائر الانتخابية المتعددة، والترشح الفردي وليس من خلال القوائم النسبية، حسبما يوضح مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، وبهذا تم تقسيم العراق إلى 83 دائرة انتخابية مقسمة وفقاً للتعداد السكاني في كل محافظة. أي أن القانون قسّم المحافظة الواحدة إلى عدة دوائر انتخابية. حيث استبدل نظام “القوائم المتعددة” بـنظام “الدوائر المتعددة”. ما يعنى زيادة في تمثيل الأقضية والمناطق داخل المحافظة. الأمر الذي من شأنه أن يعزز من حظوظ المرشحين المستقلين والكتل السياسية الصغيرة نسبياً.

انتخابات العراق
انتخابات العراق

ويضيف: “يعتبر الفائز في الانتخابات – وفقاً لهذا التعديل- هو الحاصل على أعلى عدد من أصوات المقترعين في الدائرة، حيث لم يحدد القانون نسبة المقترعين. وبهذا النظام الانتخابي الجديد، تم إلغاء نظام “سانت ليجو” ففي توزيع أصوات الناخبين والمعمول به منذ عام 2006. وضمنياً يظل التعديل الذي أجرى على قانون الانتخابات خادماً فعلياً للسياسيين الكبار. بالرغم من أن هدف تعديله – وفقاً للاحتجاجات الشعبية – هو القفز على احتكار الأحزاب التقليدية وساستها للتمثيل البرلماني”.

غضب شعبي 

ويقول الباحث العراقي محمد الجبوري لـ”مصر 360″. إن الشارع العراقي أمسى في ذروة الاحتجاج على القوى السياسية الماسكة بالنظام. وأن الأغلبية الصامتة غير المتحزبة تذهب باتجاه المقاطعة، أما جمهور الطبقة السياسية هو من تعول عليه هذه الأحزاب التي تخدمها كثيراً المقاطعة الشعبية لجهة قطع الطريق على الأصوات السياسية المعارضة من الوصول إلى قبة البرلمان الجديد.

وكانت هناك توقعات بمشاركة مشاركة مقبولة في العملية الانتخابية بعد صدور بيان المرجعية الدينية الشيعية التي حثت على المشاركة الواعية، وفقا للجبوري، ويردف: “الجميع يعلم حجم التأثير الروحي للمرجعية على عموم شيعة العراق الذين يمثلون الأغلبية الاجتماعية في البلاد”.

أما نتائج الانتخابات، فيرجح الباحث العراقي أنها لن تتغير كثيراً عن سابقاتها عدا وصول بعض الأصوات المستقلة التي لن تتمكن فعل تغيير ملموس. ما يجعل الأوضاع المحلية معقدة جداً والشارع في غضب دائم وقد يولد احتجاجات قادمة.

 الوضع الإقليمي

وفي ما يتصل بالوضع الاقليمي فيشدد. على أن التدخلات التي تقوم بها الفصائل الحزبية والطائفية التي تملك سلاحا متفلتا ما زالت وستبقى وفق حجمها. لأن حلفاءها من قوى السلطة سيعودون مجددا لصدارة المشهد السياسي عبر الاقتراع التشريعي.

ومن جانبه، يشير الأكاديمي العراقي الدكتور محمد نعناع، إلى أن استقراء عملية التصويت الخاص التي جرت الجمعة الماضية إنما تؤشر على مجموعة اعتبارات حيوية، حيث إن نسبة المشاركة وصلت 60% وهي نسبة مقبولة وواقعية. على خلاف التلاعب الذي كان يجري في الانتخابات السابقة حيث وصلت نسبة المشاركة الى 97% في أحد المواسم الانتخابية وهي نسبة غير حقيقية أو منطقية، لافتا في حديثه لـ”مصر 360″ إلى أن “عدد المصوتين 612.000 تقريباً عنصر من مجموع 1.100.000 تقريباً، بينما على المستوى الأمني كانت عملية التصويت مؤمنة بشكل هائل.”

ويضيف نعناع: على المستوى الفني حققت عملية التصويت نجاحا لافتا، كما لفت إلى أنه “ليس هناك كتلة او مرشح مكتسح للأصوات فعملية الاختيار متوازنة نسبياً”.

وفي المحصلة تبدو عملية التصويت الخاص حققت أغراضها بصورة متقدمة، كما يوضح الأكاديمي العراقي، ولكن هذا لا يعني أن خيارات المصوتين “مرضية” لأن المؤشرات تدل على التصويت بكثرة للقوائم المؤدلجة على حساب المستقلين والمرشحين الجدد.

وبالعودة لمركز الأهرام، فإن التغيير الممكن حدوثها في المشهد السياسي العراقي كنتيجة للانتخابات التشريعية الجديدة. يتوقف بعضها على درجة التباين في توجهات جمهور المحتجين منذ عام 2019 وحتى الآن. موضحاً أن الحركات الاحتجاجية ليست ذات توجهات واحدة بشأن العملية الانتخابية.  ولكن في الوقت نفسه فإن الاحتجاج بصفة عامة لن يكون ذا جدوى. إذا لم يترجم فعلياً في صناديق الاقتراع، لأنه وفى حالة عزوف قطاع كبير من المحتجين عن المشاركة فى الانتخابات بالترشيح أو التصويت سيتيح ذلك الفرصة أمام غيرهم من الموالين للأحزاب السياسية التقليدية، وهذا سيؤدى ببساطة إلى استمرار الوضع السياسي على ما هو عليه.

الأذرع العسكرية للتيارات السياسية

ونتيجة لعدم إجراء تعديلات جذرية على النظام الانتخابى. لاسيما فيما يتعلق بنزع سلاح فصائل الأذرع العسكرية للتيارات السياسية. أو لفصائل هيئة الحشد الشعبي. وبعض العشائر السنية، فضلاً عن توظيف المال السياسي انتخابياً. فمن الصعوبة بمكان تصور حدوث تغيير مرتقب قد تسفر عنه الانتخابات الجديدة، وفقا لمركز الاهرام. ومن الصعوبة كذلك اعتبارها وسيلة لإعادة بناء نظام سياسى يقوم على تقليل حالة الاحتقان الطائفي الشديدة بين مكونات المجتمع العراقي سياسياً واجتماعياً.

الحشد الشعبي
الحشد الشعبي

ويختتم: “تلك المكونات التي توظف امتلاكها للسلاح في الحفاظ على البنية السياسية القائمة دون تغيير. لأنه وفى حالة وجود نظام سيأسى وانتخابي يمتلك القدرة على نزع سلاح الجماعات ما دون الدولة به. فإننا سنكون أمام نظام قادر على إعادة توزيع موازين السلطة على كافة القوى السياسية الموجودة وفقاً لأوزانها الانتخابية. وتوزيع فائض الثروة الاقتصادية على كافة فئات المجتمع دون تمييز. وهنا فقط يمكن أن يتغير النظام ويكتسب شرعية تقوم على “عدالة توزيع السلطة السياسية والاقتصادية” على ممثلي جماهيره، وليس على أسس محاصصية طائفية أو سياسية”.