“في حملي كنت مستعدة لفعل أي شيء حتى لا أفقد جنيني؛ فتتفاقم مأساتي بعدما غيّب الموت أمي بسبب الوباء اللعين”.. هكذا بدأت إحدى الأمهات ترصد جانبا من تجارب الحوامل، المقترنة بهواجس المرأة في ظل تفشي جائحة كورونا.

كثير من السيدات خاضت صراعًا مع حالة اللايقين بشأن مستقبل أجنّتهم. وحاولنّ فرض قلاع من الحماية قدر استطاعتهن نالت من قوتهن النفسية والعصبية. لاسيما في ظل عدم حسم الدراسات والأبحاث الطبية الجدل المصاحب لحصول الحامل على اللقاح المضاد للفيروس.

في بداية الجائحة، وعندما توصلت عديد الشركات للقاحات مضادة لفيروس كورونا، أوصت بعدم تلقي المرأة الحامل المصل. ذلك أن الأمر قيد الاختبار، ولا يحتمل المخاطرة بحياة الأجنَّة، لكنهم ظلوا كثيرًا يتجادلون: هل خطر إصابة المرأة الحامل أقل خطورة من تلقيها التطعيم؟

وزارة الصحة المصرية أصدرت منذ البداية إرشادات تحذيرية لبعض المرضى ووضعت الحوامل على رأس قائمة الممنوعين من تلقي اللقاح. وظل الأمر هكذا في مربع الشك المصاحب لاستعجال طرح الدراسات. إلى أن فاجأت دراسة حديثة بأن النساء الحوامل اللاتي يحصلن على اللقاح ينقلنّ أجسامًا مضادة لأطفالهن؛ مما يساعد على حمايتهن من الوباء في أشهرهم الأولى بل ونصحت بتناوله.

باحثون يفجرون مفاجأة: اللقاح يحمي الحوامل وأطفالهن

وجد باحثون في كلية جروسمان بجامعة نيويورك أن 36 مولودًا، خضعوا لاختبار، جميعهم حاملون أجسامًا مضادة ناتجة عن تلقي أمهاتهم لقاح كورونا. وهو ما يكسب الطفل حماية ضرورية في ظل الأوضاع الوبائية الراهنة. كما وجدوا أن النسبة الأكبر من الأجسام المضادة موجودة في دم الحبل السري بالنصف الثاني من حملهن بعد تلقيهم التطعيم.

واعتبرت الدراسة الأمريكية الحديثة أن النساء اللاتي يحصلن على لقاح كورونا أثناء فترة الحمل ينقلنّ أجسامًا مضادة لأطفالهن حديثي الولادة. وهي ما تحميهم في الأشهر الأولى من الإصابة بالوباء.

النساء اللاتي يحصلن على لقاح كورونا أثناء فترة الحمل ينقلنّ أجسامًا مضادة لأطفالهن

 

واعتمدت الدراسة على تحليل بيانات نحو 2500 سيدة حصلن على اللقاح في بداية حملهن. وتوصلت إلى أن نسبة الإجهاض على العينة سجل نحو 13%. وهو أمر طبيعي خاصة أن معدل الإجهاض قبل تلقي اللقاح كان يتراوح من 11 لـ 16%.

اعتمادًا على هذه الدراسة، نصحت مركز السيطرة على الأمراض والوقاية في الولايات المتحدة الأمريكية النساء الحوامل باللحصول على لقاح كورونا. خاصة أن ثمة بيانات تفيد بأن التطعيم آمن على الأم والجنين.

وقالت مديرة مركز السيطرة على الأمراض الأمريكي، روشيل والينسكي، في بيان، إن “نشجع جميع الحوامل أو السيدات اللواتي يفكرن في الحمل أو المرضعات على التطعيم لحماية أنفسهن من مرض “كوفيد-19″. فالقاحات آمنة وفعّالة، والتطعيم بات ملحًا أكثر من أي وقت مضى،. لأننا نواجه متحور دلتا، حيث نرى تداعيات خطيرة على الحوامل غير الملقحات”.

قلق وشك وتقصي.. تجارب نساء وضعن أطفالهن في ذروة كورونا

ما بين التحذير أول الأمر، ثم التوصية بتلقي الحوامل للقاح، ثمة تجارب حقيقة لسيدات مررنّ بمرحلة الوضع في ظل الوباء. بعضهنّ أصبنّ بالفيروس وآخريات كان الحذر والقلق مسيطرًا على  حياتهن. وهو ما يستدعي إلقاء نظرة فاحصة عليه.

تقول زينب قتاية، وهي ثلاثينية، وضعت طفلتها الثانية في ذروة الوباء إنها عانت على جميع المستويات خلال فترة حملها. ففي الأشهر الأولى أصيب زوجها بالوباء واضطرت لعزل نفسها خوفاً على الجنين. ثم أخبرها أكثر من طبيب بأن اللقاح لم يختبر على الحوامل ولا يمكنها الحصول عليه حرصاً على المضاعفات المستقبلية.

الرهان على المجهول

وأضافت زينب: “قال لي الطبيب إن التأثير السلبي قد لا يظهر إلا بعد عامين من ولادة طفلتي. خوفي عليها جعلنى لا أراهن على المجهول؛ فاللقاح لم يختبر بشكل كافٍ، وخرج على عجالة. وأغلب الأطباء أكدوا أن الحوامل لا يمكنهم الحصول عليه. نعم خفت على طفلتي أكثر من خوفي على مستقبلي، خاصة بعد متابعتي معاناة زوجي مع الوباء. والآن أيضاً لم أحصل على اللقاح بنصيحة الأطباء؛ خوفاً على رضيعتي، ولن أغامر بحياتها في ظل ذلك الغموض”.

وصفت زينب فترتي الحمل وبعد الولادة التي لم يمر عليها سوى بضعة أشهر: “جاءت طفلتي في ظروف سيئة وأوضاع مضطربة. عانيت خلالها نفسياً وكنت أراقب حملي، وسط حالة خوف من كل شيء حتى طبيبي المتابع كنت أخاف على جنيني منه. ولازلت أعاني الخوف، وقد لا أتعافى منه قريباً، فنحن نمر بأزمة لا مثيل لها على جميع المستويات. ولم أعد أثق كثيراً في القادم تحت مظلة هذا الوباء”.

موقف المرضعات من اللقاح؟

أما آية أشرف جاءت روايتها مؤلمة والتي فقدت أمها تأثراً بإصابتها بالفيروس. فتقول: “لو علمت في أي مرحلة من الحمل أن هناك إمكانية للحصول على اللقاح لكنت حصلت عليه. فأمي ماتت لإصابتها بكورونا أمام ناظري، ولازلت أرقب السماح للمرضعات بالحصول على اللقاح، ولن أتردد لحظة في ذلك. كفانا ما عانيناه من هذا الوباء القاتل الذي انتزع أمي من بيننا في لحظات معدودة”.

آية لم تحصل على اللقاح أثناء حملها، لأنَّ وزارة الصحة تمنعه عن الحوامل، وأنها خشيت على طفلتها من مضاعفاته. وتقول: “كنت حائرة، ولكني فضّلت الحفاظ على سلامة طفلتي بعدم إخضاعها للتجارب، خاصة أن الخلاف كان محسومًا بعدم الحصول على اللقاح”.

ريهام تتقصى بنفسها.. ورضيعتها تتلقى الفيروس منها

ريهام عبدالوهاب اعتمدت على المطالعة الذاتية، لتقصي كل ما يتعلق باللقاح، ووجدت مخاطر حصول المرضعات على المصل. وتقول: “وضعت طفلتي نهاية عام 2020 قبل تداول اللقاح وأثناء فترة حملها كنت حريصة على الامتناع عن الاختلاط مع الترقب. وبعد توفير اللقاح الآن لن أحصل عليه؛ لأني تأكدت أن مكونات اللقاح ستنتقل لطفلتي التي تعتمد على الرضاعة الطبيعية. وحتى الآن لم يتم حسم أمر اللقاح وتأثيره على الأجنّة في فترة الحمل أو الرّضّع”.

وأضافت ريهام: “للأسف أصبت بالفيروس أثناء الرضاعة وانتقلت العدوي لطفلتي الرضيعة في أبريل الماضي. رغم حرصي الشديد، فالوضع مؤسف والأمهات يحمون في قلوبهن نيران الخوف على أبنائهن، وجميعهن بلا استثناء يحتجن للدعم النفسي”.

الأطباء منقسمون 

أما الأطباء فلم يختلف حالهم كثيراً عن الدراسات المنقسمة والمتشككة؛ نتيجة افتقاد البيانات الدقيقة واختبار الأمر فعلياً على الحوامل والمرضعات.

إخصائية التغذية العلاجية، جيهان الدمرداش، اعتبرت تلقي اللقاح مخيفًا لعدم خضوع المرأة الحامل للتجارب السريرية. بالاضافة إلى أن الدول لم تعمم الحصول على اللقاح، والكثير منعه وحذر من تناوله. وأشارت إلى أن الأفضل للأم الحامل أن تحصل على اللقاح بعد وضع جنينها، أو قبل قرار الحمل بفترة كافية.

هناك مجموعة من البدائل المعززة للجهاز المناعي سردتها الدكتورة جيهان وجميعها متمثلة في نظام غذائي صحي. يتمثل في تناول البروتينات والخضراوات والفاكهة، مع الابتعاد عن تناول الأطعمة الغنية بالنشويات. كذلك التوتر والقلق لأنهما يضعفون المناعة.

سيدة حامل
فيروس كورونا تسبب في الكثير من القلق للحوامل

في المقابل، دعم مدير مركز الدراسات الدوائية، الدكتور علي عبد الله، الرأي القائل بضرورة حصول المرأة الحامل على اللقاح. واعتبارها من الفئات التي لها أولوية، كحاملي الأمراض المزمنة. وأشار إلى أنَّ الولايات المتحدة سمحت لهنّ بتناول اللقاح بعد إجراء بعض الدراسات التي اعتبرت أن لقاح فايزر الأكثر أماناً. بينما في مصر الوضع مختلف و”هناك تأخر يجب أن يتم تداركه في السماح للحوامل بالتطعيم”.

وأضاف عبدالله أن اللقاح بات متوفراً ويمكن أن يصل الإنتاج الرسمي للدولة منه لنحو 90 مليون جرعة شهرية. هذا فضلاً عن القطاع الخاص الذي سيتعاقد على إنتاج لقاحات في الداخل من مختلف الأنواع. ولذلك فقد أصبحت الأجواء مناسبة في التوسع لإعطاء اللقاح.

وأكد أن المرأة الحامل تقع تحت ضغط وتوتر أكبر، وبالتالي مناعتها منخفضة وعُرضة أكثر من غيرها للإصابة بالفيروس. لذلك الكثير من الأطباء يرونها صاحبة أولوية في التطعيم لحمايتها وطفلها. وذلك بالقياس على لقاح الإنفلونزا التي توضع المرأة الحامل على قوائم متلقيه بل ولها الأولوية في الحصول عليه.

دول منعت تلقي اللقاح.. وأخرى وضعت القرار في يد الأم

اعتبر الكثير من الخبراء تلقي الحوامل لقاح كورونا مخاطرة تتطلب وعي الأم بنتائجه المجهولة على صحتها وجنينها في المستقبل القريب. ولذلك حرصت عدد من الدول على منع تلقي اللقاح للحوامل. بينما تركت دول أخرى القرار في يد صاحبة الشأن لتحميلها مسؤولية النتائج.

مصر واحدة من الدول التي وضعت المرأة الحامل ضمن قائمة الممنوعين من الحصول على لقاح كورونا. وأرجعت وزارة الصحة والسكان السبب في ذلك لعدم خضوع الحوامل للتجارب السريرية. كما فعلت المملكة المتحدة الأمر نفسه وأرجعت قرارها لنقص البيانات.

بينما سمحت دول أخرى للحوامل بالحصول على اللقاح، ومنها الولايات المتحدة، لإخلاء مسؤوليتها من الأمر. وترك خيار تلقي اللقاح من عدمه في يد الأم، يتخذن قرارهن بأنفسهن ويتحملن تبعاته.