تيك توك” منصة فريدة من منصات التواصل الاجتماعي. وتجربة جديرة بالتقييم. وصل عدد مشتركيها خلال سنوات قليلة لمليار ونصف مشترك، منهم نصف مليار مستخدم نشط شهريا أغلبهم من الشباب.

ويتيح التطبيق لمستخدميه مشاهدة مقاطع فيديو موسيقية قصيرة. وإنتاج مقاطع فيديو لا يزيد طول كل منها عن 60 ثانية. وإرفاقها بمؤثرات وخدع بصرية من مكتبة التطبيق المجانية.

وصلت أرباح منصة تيك توك في عام 2019 حوالي 176.9 مليون دولار. وتُعتبر شركة “بيتدنيث”. الشركة الأم للتطبيق الشركة الناشئة الأكثر قيمة في العالم. إذ تُقدر قيمة الشركة بحوالي 75 مليون دولار.

ويمثل التطبيق رعبا لوسائل التواصل الأخرى. حيث اجتاح الفضاء السيبراني منذ العام 2018. عالميا بعد أن كان تطبيقا صينيا محليا في عام 2016. حيث ظلت المنافسة لوقت طويل تقتصر على موقعي “فيس بوك”، و”سناب شات”.

الربع الأول من العام 2020 شهد زيادة هائلة في عدد المستخدمين. إذ سجلت تنزيلات التطبيق الرقم القياسي لأكبر عدد من التنزيلات لأي تطبيق في ربع واحد عند 315 مليون تنزيل. وتم تنزيل ما يقرب من 120 مليونًا من إجمالي أكثر من ملياري عملية تنزيل في أبريل 2020 وحده. في خضم عمليات الحجر الصحي بسبب جائحة كورنا.

التيك توك يشكل الرأي العام

ساهمت ميزات تصميم التطبيق المبتكرة والفريدة. في تدشين موجة جديدة من وسائل التواصل الاجتماعي. التي تعمل على تغيير الطريقة التي نتفاعل بها مع بعضنا البعض ونستهلك بها المحتوى الرقمي. كما أنها نجحت في ضم الجميع على مختلف الفئات، والأعمار، لتصبح منصة تشكل الرأي العام، والحشد الجماعي. بعيدا عن حسابات مواقع التواصل الاجتماعية الأمريكية خاصة فيسبوك. الذي أصبح مستخدميه يشتكون من انحيازاته السياسية.

وصف موقع “هارفارد بوليتكال ريفيو” التطبيق بنسمة من الهواء النقي. تأخر معظم الشركات، والسياسيين، والمؤسسات الإخبارية، وحتى المشاهير في اكتشافها، وجميعهم أصبح لديهم حد أدنى من التواجد على التطبيق.

الطريف أنرغم  إحجام الشركة الأم عن الانخراط في السياسة. حيث لا تسمح الخدمة بالإعلانات السياسية. فالتطبيق يمثل مكاناً بارزاً للتشكيل الإيديولوجي والنشاط السياسي على اعتباره مكاناً يقوم فيه ملايين الشباب حول العالم باستكشاف هوياتهم واهتماماتهم علناً. كما يعد حيزاً لجمع الناس والضغط عليهم لفرض تأثير سريع.

وخلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة. التزم التطبيق بمكافحة التضليل الانتخابي من جميع المصادر على عكس المنافسين. كما أنشأ بعض السياسيين مثل بيرني ساندرز وإليكساندريا أوكاسيو كورتيز حسابات. لكن نشاطهم لا يُذكر فيه.

تيك توك.. انتصارات جماهيرية

في نوفمبر عام 2019 تابع الملايين الفتاة الأمريكية من أصل أفغاني فيروزا عزيز. التي خدعت التطبيق لتدافع عن مسلمي الإيجور من اضطهاد السلطات الصينية لهم. لتلافي منع سلطات بكين للفيديو. كما قام آخرون بتكرار نفس الحيلة، للفت الانتباه لتلك القضية، ومعها بدأ الانتباه ليصبح التطبيق منصة للحشد السياسي.

وفي الانتخابات الأمريكية تحديدا ورغم تجنب المنافسين على منصب الرئاسة لاستغلال التطبيق كمكان للدعاية. ساهم جمهور “تيك توك” في توجيه ضربة للرئيس الأمريكي الخاسر ولايته الثانية دونالد ترامب. حيث حجز جمهور عريض تذاكر وهمية لحضور حملته الرئاسية في تولسا.

وفي حين تباهي ترامب حينها بأن حوالي مليون شخص حجزوا تذاكر للحضور. فإن عدد المشاركين بالحدث لم يتخط بضعة آلاف من أنصاره، وبدت القاعة فارغة.

وحينها تردد أن جهود تيك توك كانت في أغلبها من قبل المراهقين. ظهرت الجدة ماري لوب التي تبلغ من العمر 51 عامًا. لتلعب دورًا محوريًا في تشجيع الناس على زيارة موقع ترامب على الإنترنت، والتسجيل لحضور الحدث وليس للحضور.

وأصبحت دعوة الجدة ملهمة لمستخدمي تيك توك. الذين نشروا مقاطع فيديو تظهر أنهم سجلوا أيضًا في الحدث. كما دعا أحد مقاطع الفيديو، الذي حصل على أكثر من ربع مليون مشاهدة. محبي موسيقى البوب الكورية الجنوبية على وجه الخصوص إلى الانضمام إلى الحملة.

كما لعب التطبيق دورا كبيرا في الحشد لقضية “حياة السود مهمة”. وتجديد نشاطها بعد مقتل الأمريكي جورج فلويد،.كما ساهم في تكوين رأيا عالميا، يدعم القضية.

وتصف شبكة سي إن إن الإخبارية “تيك توك”. بأنه مركز لنشاط الحركة حيث يقوم المستخدمون الشباب على التطبيق بزيادة الوعي بالعنصرية المنهجية. وتعزيز المساواة من خلال مقاطع الفيديو الخاصة بهم.

تيك توك متنفس القضية الفلسطينية

على المستوى العربي اختبر التطبيق خلال أحداث انتفاضة القدس. حين استعان به الجمهور في نشر الأخبار عن قضيّة الشيخ جراح وبقية الأحياء العربية في القدس، وذلك في ظل القيود المسلطة على المحتوى الفلسطيني في المنصات الأخرى مثل فيسبوك وتويتر وإنستجرام.

@dycl3csw4i6c

♬ الصوت الأصلي – #أنقذوا -حي-الشيخ-جراح

الحشد الرقمي للقضية الفلسطينية عبر التيك توك أقلقت مضاجع الاحتلال. إلى درجة أن الكاتب الإسرائيلي ميكي ليفي. قال إن المواجهة العسكرية بين حركة المقاومة حماس و”إسرائيل” خلّفت نتائج عكسية، حيث حصدت مقاطع الفيديو التي تُظهر أشخاصا يلوحون بالعلم الفلسطيني مئات الآلاف من المشاهدات في جميع أنحاء العالم. كذلك انتشرت مقاطع فيديو توثق الاحتجاجات في المدن المختلطة داخل مدن الاحتلال.

وأوضح ليفي أن تطبيق تيك توك كان المنصة الأكثر نشرا. للمحتوى المتعلق بالصراع في الفترة الأخيرة. ومنها مقاطع الفيديو التي تحتوي على وسوم فلسطينية.

وبالعادة يستخدم الفلسطينيون مثل معظم الشباب العربي، التيك توك لغايات ترفيهية. لكنهم سرعان ما استغلوا التطبيق لدعم قضية القدس وأهالي الشيخ جراح وحشد التأييد والتعاطف العربي والدولي.

المحتوى الفلسطيني

وقد شعرت دولة الاحتلال بخطورة الأمر إلى حد اجتماع وزير الدفاع الإسرائيلي بيني جانتس مؤخّرا بعدد من المسؤولين في تيك توك. لحثهم على اتخاذ إجراءات سريعة لمكافحة المحتوى الفلسطيني و”إزالة أي محتوى يحرض على العنف ضد الاحتلال “.

وعلى إثر هذا الاجتماع، تم حظر حساب تيك توك الخاص بشبكة قدس الإخبارية، ومع ذلك يظل التطبيق المنصة الأهم لنشر المحتوى الفلسطيني، وهو ما ظهر بوضوح خلال التصعيد الأخير في غزة.

@qudsn

#شبكة_قدس

♬ الصوت الأصلي – شبكة قدس الإخبارية

وقد بلغ عدد التغريدات التي تستخدم الوسوم الفلسطينية -في وقت من الأوقات خلال الأحداث الأخيرة- 8 ملايين تغريدة في غضون ساعة واحدة. وقد كان الفلسطينيون ينشرون مقاطع فيديو باللغة العبرية توثّق ما يحدث في القدس. فيردّ عليهم الإسرائيليون، ما خلق جدلا على المنصة.

وعندما اندلعت الحرب في غزة في وقت لاحق. استمروا في توثيق ما يحدث على أرض الواقع وحشد التعاطف والدعم الدولي. حيث أن خوارزمية تيك توك تسمح بنشر المعلومات بسهولة أكبر. والوصول إلى عدد كبير من الأشخاص. بما في ذلك جماهير متنوعة للغاية، بحسب خبراء في الرقمنة.

تيك توك والقدرة على الإجماع

تعد قدرة تيك توك على اقتراح المحتوى لجميع المستخدمين الموجودين في نفس المنطقة الجغرافية. من أهم ميزاته التي تسهل عمليات الحشد السياسي. إذ أن خوارزميات تيك توك تتعلم بسرعة كيفيّة التعرف على المحتوى ذي الصلة وتقديمه إلى جماهير متنوعة. بحسب تصريح الخبير في مواقع التواصل الفلسطيني عز الدين الأخرس لموقع مونيتور.

كما انه أصبح من المساحات الآمنة للتعبير خاصة بالنسبة لمجموعات جندرية مختلفة عدة. خاصةً اللذين لم يطلعوا الأصدقاء أو العائلة على هوياتهم، بشكل أساسي في البلدان التي لا تعترف بحقوق المختلفين جنسيا.

فغالبًا ما يكون تيك توك مساحة يمكن فيها للشباب مشاركة هويتهم الجنسية وجنسهم والتعبير عنها بأمان، والاحتفال بالأعياد الخاصة بأمان.

وفي عصر يتعرض فيه الشباب غالبًا لانتقادات بسبب عدم تصويتهم أو اهتمامهم بالسياسة، فإن هذا النوع من النشاط هو دليل على أن يمكن للجيل الجديد أو الجيل زد كما يطلق عليه، قيادة التغيير الاجتماعي عبر الإنترنت.

وفي هذا الصدد أشارت صحيفة نيويورك تايمز. إلى أنه من الصعب وصف الحالة التي يخلقها التيك توك بالإجماع. ولكنه الأكثر قدرة على تمكينهم من التعبير السياسي الجماعي للشباب، فيسمح لهم بالتواصل بجمهور مشابه لهم في التفكير.

في السياق نفسه يمنح ” تيك توك” الشباب وسيلة رائعة لمشاركة آرائهم السياسية. غالبًا من خلال العدسة الشخصية لتجاربهم الخاصة عبر هويات متنوعة. سواء كنت أسود، أم مختلف هوياتيا وجنسيا، أو حتى عقائديا، ويخرج من الفردانية، والعيش في الوحدة التي خلقها عالم ما بعد الحداثة، إذا ما أحسن استغلاله.