تحمل مصر أجندة اقتصادية عريضة خلال مشاركتها في قمة دول تجمع “فيشجراد” في المجر. التي تضم أربعة دول بوسط أوروبا تربطها مصالح مشتركة مع مصر في مقدمتها حركة السياحة والأمن والطاقة.
يضم التجمع أربعة دول هي المجر والتشيك وسلوفاكيا وبولندا. ولم تدع أي أطراف خارجية لحضور اجتماعاتها منذ تدشينها في التسعينيات سوى ألمانيا واليابان ومصر. ما يشير إلى أن القاهرة ثالث أهم دولة بالعالم من منظور التجمع.
تمثل مجموعة فيشجراد “Visegrad” محاولة من دول منطقة وسط أوروبا للعمل معًا ضمن التكامل الأوروبي منذ انضمامها للاتحاد الأوروبي عام 2004. بالارتكان على كونها جزء من حضارة واحدة تشترك في القيم الثقافية والفكرية والتقاليد الدينية المتنوعة. التي يرغبون في الحفاظ عليها وتعزيزها.
تسعى المجموعة لدعم الهيكل الأمني الأوروبي. ومن تلك النقطة تحديدًا تبرز أهمية مصر بالنسبة لذلك التحالف. فالقمة تتناول ضمن محاورها شق كبير حول دور القاهرة في منطقة الشرق الأوسط. والتعاون في مجال مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، وأمن الطاقة.
وفقا لبيان رئاسة الجمهورية. فإن القمة التي يحضرها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي. كأول مسئول عربي وشرق أوسطي، ستتطرق إلى فرص تطوير العلاقات التجارية والاستثمارية والسياحية بين الجانبين. فضلاً عن سبل تطوير التعاون بين مصر والاتحاد الأوروبي. الذي تتمتع دول التجمع بعضويته.
تستهدف مصر أيضًا للاستفادة من التجارب الاقتصادية لدول المجموعة التي تتسم بأنها من أصحاب الدخول العالية والاقتصاد المستقر. وتحظى بفرص استثمارية كبيرة، بجانب تحقيقها قفزات اقتصادية بغضون أعوام قليلة.
وتوقعت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني أن تنتعش دول فيشجراد بقوة رغم من الموجة الثالثة من فيروس كورونا. بفضل مرونتها الاقتصادية والدعم الاستثماري من صندوق الاتحاد الأوروبي (NGEU). فأداء الدول الأربعة في 2020 تجاوز التوقعات مدعومًا في الغالب باستهلاك حكومي قوي ومساهمة ثابتة لصافي الصادرات في معدل النمو.
وساهم صافي صادرات بولندا بـ1.1% في النمو الاقتصادي بسبب ضبط الواردات وانتعاش الطلب الخارجي. خاصة النصف الثاني من عام 2020. كما تكيفت معظم القطاعات في الاقتصاديات الأربعة مع بعض الاستثناءات مثل السياحة والخدمات الغذائية مع قيود التباعد الاجتماعي.
تجمع اقتصادي
تتوقع الوكالة تحقيق انتعاش في الاستثمار بالدول الأربعة ليقفز من متوسط 8.4٪ على أساس سنوي في المجر في 2021 و 2022 إلى 18.3٪ على أساس سنوي. والأمر ذاته بالنسبة لتوقعات النمو في سلوفاكيا والتشيك التي يتوقع أن تنمو بمعدلات أعلى بكثير من متوسطات فئة النظراء “الاقتصادات المناظرة لها” لعام 2022.
وحمل التجمع، الذي يحمل اسم مدينة “فيشجراد” الواقعة شمال العاصمة المجرية بوادبست، على الضفة اليمنى من نهر الدانوب. تلك التي اجتمع فيها زعماء التحالف للمرة الأولى في 15 فبراير 1991. هدفًا بمنحهم قوة أكبر داخل الاتحاد الأوروبي كتحالف عما لو كانت دولًا منفردة. وكل عام يتولى عضو مختلف من المجموعة رئاستها.
أعضاء “فيشجراد” دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي لكن سلوفاكيا فقط هي جزء من منطقة اليورو. والفرق بينهما في كون الأخيرة اتحاد يتكون على أساس عملة مشتركة ويضم 19 دولة أوروبية. بينما الاتحاد الأوروبي تم تشكيله على أساس تسهيل التجارة والنشاط الاقتصادي الأفضل ويضم 29 دولة.
ينظر الأوروبيون لذلك التحالف بأنه “2 + 2” بسبب مواقفهما المختلفة تجاه التكامل الأوروبي. فسلوفاكيا والتشيك صديقتان نسبيًا لأوروبا، في حين تتخذ المجر وبولندا نهجًا أكثر تشككًا في منطقة اليورو.
قضية اللاجئيين
تجمع الدول الأربعة تخوفا من قضية اللاجئين وترفض حصص التوزيع الثابتة في الاتحاد الأوروبي. وكانوا السبب في عدم إحراز تقدم في إصلاح قوانين اللاجئين الخاصة به منذ نهاية عام 2017.
تنص مقترحات نظام الحصص على تخصيص الدول التي لا تستقبل لاجئين مباشرة. حصصا ثابتة من اللاجئين الذين تستقبلهم باقي الدول الأوروبية. التي تستقبل العدد الأكبر منهم على حدودها وهو نظام بديل باتفاقية دبلن. التي تضمنت قواعد استقبال طالبي اللجوء في أوروبا.
لا تريد أي من الدول الأربعة أن تصبح دولة هجرة. وشيدت المجر جدارا فاصلا على طول الحدود مع صربيا وكرواتيا. رغم تقدم أكثر من 170 ألف شخص بطلبات لجوء لها عام 2015. كما كانت من أقسى منتقدي المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا اللكالاأنجيلا ميركل وسياستها تجاه اللاجئين.
ووفق تقارير محلية لم يخرج مركب هجرة غير شرعية واحد من السواحل المصرية منذ 2016. بعد تدشين مبادرة “مراكب النجاة” التي كانت معروفة قبل تحرك الدولة لمواجهتها “مراكب الموت والهلاك”. وتشديد الأمن على السواحل ما يجعل مصر رمانة ميزان لأمن وسط أوروبا.
وتتسم تلك الدول أيضًا بتمتعها بعلاقات دولية متزنة خاصة المجر التي رغم عضويتها في الاتحاد الأوروبي. فلها أيضًا علاقة جيدة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ولهما مصالح اقتصادية وأمنية متكاملة ورغم حالة الجدل التي تحدث بين دول الاتحاد الأوروبي و”فيشجراد”. لكن الأخير لا يستطيع التخلي عن الدول الأربعة للفوائد الاقتصادية الكبيرة لها.
مكاسب مصر
بدأت مصر طرق أبواب المجموعة قبل خمس سنوات. حينما استقبل وزير الخارجية المصرية سامح شكري وزراء خارجية “فيشجراد”. وبدأ التعاون يأخذ منحى آخر تجاه الزراعة ومعالجة المياه والسكك الحديدية. وإنتاج الآلات والسياحة خاصة السياحة العلاجية.
تنظر دول التحالف حاليا لمصر. كبوابة نفاذ لمنتجاتها إلى أفريقيا. ورحبت بإقامة مشروعات مشتركة وفتح أسواق ثالثة في الشرق الأوسط وأفريقيا. بجانب الاهتمام بنقل التكنولوجيا لمصر في مجالات التصنيع.
بحسب إحصائية صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، اليوم الإثنين. فإن قيمة التبادل التجاري بين مصر والمجر سجلت 201.1 مليون دولار خلال النصف الأول من عام 2021 مقابل 138.5 مليون دولار خلال الفترة ذاتها من عام 2020 بنسبة ارتفاع قدرها 45.2%.
وارتفعت قيمة الواردات المصرية من المجر لتبلغ 163.2 مليون دولار مقابل 90.2 مليون دولار خلال الفترة ذاتها من عام 2020. بنسبة ارتفاع قدرها 81 %. بينما انخفضت قيمة الصادرات المصرية للمجر لتسجل 37.8 مليون دولار مقابل 48.3 مليون دولار خلال الفترة ذاتها.
ووقعت مصر أخيرًا اتفاقًا مع شركة «ترانسماش» الروسية المجرية لتوريد 1300 عربة جديدة التي يقع مقرها في المجر. وصل منها حتى الآن 51% من إجمالي الصفقة لتطوير السكك الحديدية.
وارتبطت مصر بعلاقات أقوى مع بولندا خلال الأعوام الثلاثة الماضية، ومن أهم معالمها توقيع اتفاقية إطارية بين المنطقة الاقتصادية لقناة السويس ونظيرتها البولندية بإقليم كاتوفيتسا. لإنشاء منطقة صناعية بولندية في العين السخنة بالمنطقة الاقتصادية على مساحة قد تصل لمليون متر مربع تستهدف صناعات غذائية وصناعات إلكترونية وقطع غيار السيارات.
منطقة كاتوفيتسا
لمنطقة كاتوفيتسا أهمية كبيرة في أوروبا فترتبيها ضمن الأكبر بوسط وشرق أوروبا واقتنصت المركز الأول أوروبياً في جذب الاستثمار خلال عام 2019. ما يشير لوجود خطة مصرية طموحة لنقل التكنولوجيا.
ويعتبر المشروع أول منطقة صناعية لدولة من الاتحاد الأوروبي. بمصر بما يسهم في فتح آفاق جديدة للتجارة البينية والاستثمارات المشتركة بين البلدين ونقل الخبرات الصناعية البولندية الكبيرة للصناعة الوطنية في مجالات تكنولوجيا المعلومات والآلات والمعدات والسكك الحديدية والنقل والمواصلات. بحسب بيان لوزارة التجارة والصناعة المصرية حينها.
تدرس البلدان أيضًا مشروعات في مجالات الثروة السمكية. وتحويل المركبات للعمل بالغاز الطبيعي. والتعاون بين بورصتي القاهرة ووارسو وترجمتها لمشروعات تعاون ملموسة تصب في مصلحة الاقتصادين المصري والبولندي على حد سواء ، خاصة بعد تضاعف حجم التجارة بين البلدين ليبلغ نحو 672 مليون دولار خلال عام 2019.
في يوليو الماضي. استضافت “المنتدى الاقتصادي مصر – التشيك” بمشاركة كبار الشركات التشيكية في مختلف القطاعات الاقتصادية، بهدف تعزيز فرص التجارة. وخصص بعدها بنك دعم الصادرات التشيكي 350 مليون دولار لضخها بمصر وهو ما يمثل نحو 75% من حجم الصادرات الحالي للمنتجات التشيكي في السوق المحلية.
تعتبر دول المجموعة المناطق السياحية المصرية على رأس المقاصد الترفيهية والأثرية. التي يجب زيارتها على مستوى العالم، ويعتبر مواطنوها شواطئ البحر الأحمر أهم مناطق بحرية سياحية ولذلك تسعى السياسية المصرية إلى زيادة أعداد السائحين من مواطني تلك الدول لدعم القطاع السياحي.
ملف السياحة
في كل اللقاءات المشتركة مع دول “فيشجراد”. كان التركيز المصري منصب على السياحة باعتبارها تمثل 10% من الدخل القومي وتوفر 4 ملايين وظيفة. ونظمت زيارات لوفود رسمية أخرها لسفير سلوفاكيا مع وفد من بلاده للمتحف القومي للحضارة في الفسطاط الذي تسعى مصر لتقديمه كمنتج ثقافي جديد أمام السياحة.
والسوق السلوفاكية، تعتبر من الأسواق الواعدة. نظرا لارتفاع أعداد السائحين الوافدين منها إلى مصر. التي بلغ أعلى رقم لها 120 ألف سائح عام 2010. قبل أن تتراجع بفعل الأوضاع الأمنية التي شهدتها مصر في الفترة الانتقالية.
يتكرر الأمر ذاته مع بولندا التي احتلت المرتبة السابعة في عدد السياح الوافدين لمصر عام 2014 قبل حادث سقوط الطائرة الروسية. قبل أن تعاود الارتفاع بنسب قاربت 150% في عام 2017. بينما سجلت السياحة المجرية في 2017 قفزة بنسبة 138% عام 2017. فيما تنظم مصر للطيران 7 رحلات أسبوعية لنقل السياحة التشيكية التي تزايدت أعدادها بصورة ملحوظة منذ استئناف حركة السياحية التي توقف تماما في خضم أزمة كورونا.