اتجه منحنى اهتمام العالم إلى الأزمات الناجمة عن الكوارث المناخية، باعتبارها باتت التحدي الأكبر والأخطر الذي يواجه البشرية. ورغم أنها كوارث ناجمة عن ما يحلو للبعض تسميته بـ”غضب الطبيعة”، لكن للبشر دورًا في تغذية التفاقم، ذلك أيضًا مرتبط بالتقدم العلمي والتكنولوجي.
هنا المعادلة بين كوارث تنتج في العادة عن تفاعلات الكون وتغيرات مناخية، وبين تدخلات بشرية جراء التقدم العلمي. الذي نقل معه كمًا هائلاً من الملوثات للجو والبر والبحر، وهو ما سرّع وتيرة تلك الكوارث، وترك خسائر كبيرة في الاقتصاد والبشر.
هذه العلاقة أثارها مؤخرًا تقرير “الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ”. وناقش بشكل منهجي التأثير المباشر للأنشطة البشرية على الكوارث المناخية. وشجع التقرير نشطاء البيئة على طرح حملة لتغيير لغة الحديث عن الكوارث البيئية ومنع وصفها بـ”كوارث طبيعية”. ومواجهة الواقع بالبحث الموضوعي عن أسبابها ودور البشر الذي فاقم الأزمة.
زيادة عدد الكوارث التي تتعلق بأخطار الطقس أو المناخ أو المياه، بمقدار خمسة أضعاف. خلال فترة الخمسين عامًا الماضية، مدفوعة بتغير المناخ، والطقس الأكثر تطرفا. (المنظمة العالمية للأرصاد الجوية)
إزاء ذلك، نشطت حملة إنجليزية بعنوان “لا كوارث طبيعية”، وقدمت توضيحًا مرتبطا بهذا الوصف عبر موقعها الإلكتروني. وقالت في بداية حملتها: “إذا أدركنا ووافقنا على تعريف الكارثة باعتبارها اضطرابا في وظيفة المجتمع على أي نطاق. وذلك بسبب الأحداث الخطرة التي لايمكن مواجهتها نتيجة ضعف القدرات، فيجب الأخذ في الاعتبار دور البشر في صناعة هذه الحالة”.
الكارثة ليست طبيعية
واعتبرت المجموعة أن وصف الكارثة بـ”الطبيعية” أمر خاطئ. والأسوأ من ذلك، أنه يرسخ في اعتقاد الناس حتمية النتائج المدمرة؛ لأنها بهذا الوصف خارجة عن السيطرة باعتبارها عملية طبيعية.
الحديث ليس فقط عن مسببات الكارثة بقدر البحث عن رد الفعل البشر في التعامل مع تلك الكوارث. وهو ما يبرر أن أغلب خسائر تلك الكوارث في البلدان النامية، حتى وإن كان أغلب حدوثها في بلدان متقدمة. ذلك أن التعامل مع الكارثة لا يكون على القدر المطلوب لحماية السكان.
لذلك يقول مؤسس حملة “لا لمسمى الكوارث الطبيعية”، كيفين بلانشارد، “إن وصف كارثة بأنها (طبيعية) يعفي صناع القرار من المسؤولية. لكونهم أجبروا البشر على العيش في ظروف معرضة للخطر”. واعتبر أن استخدام وصف “الطبيعية” يعزل الكوارث عن مسبباتها الاجتماعية والسياسية والبيئية والاقتصادية”.
حدث أكثر من 91% من الوفيات الناجمة عن الكوارث المناخية في البلدان النامية (تصنيف الأمم المتحدة القطري).
ويشارك في هذه الحملة عدد من المنظمات منها “Shelterbox وUNDRR والاتحاد الدولي للصليب الأحمر”. وترفض جميعها مصطلح “الكوارث الطبيعية” لما يسببه ذلك من تحول في التفكير والأفعال التي تحمل آثار مدمرة على البيئة.
واقترحت حملة “لا كوارث طبيعية”، على الصحفيين استبدال توصيف الـ”كارثة طبيعية “بمصطلح “كارثة”. على اعتبار أنه أدق وأقرب للواقع، ويفتح المجال أمام البحث الموضوعي عن الأسباب دون إلصاق التهمة بالطبيعة. وذلك رغم أنها صنيعة البشر والممارسات المخربة في مختلف أنحاء العالم.
كيف تؤثر أزمة المناخ على مستقبل الأطفال والشباب؟
يقول كيفين بلانشارد إن “أزمة المناخ ستؤدي إلى المزيد من العواصف والفيضانات وحرائق الغابات. التي تؤثر على أكبر عدد من البشر، مع التأثير المباشر على المهمشين لعدد من الأسباب الاقتصادية أو الجنسية أو الدينية”.
وأكدت الحملة أن هناك أكثر من 700 مليون طفل يعيشون في الخطوط الأمامية لأزمة المناخ. وأن القلق المناخي آخذ في الارتفاع في جميع أنحاء العالم. وحذرت من التأثير المتزايد لتلك الكارثة على الصحة العقلية للأطفال والشباب.
وفي سياق متصل، أشارت دراسة استقصائية أجريت عام 2020 على مجموعة من الأطباء النفسيين للأطفال في إنجلترا. أن 57% منهم يعالجون أطفالاً وشباباً متوترين؛ بسبب أزمة المناخ وحالة البيئة والخوف من المستقبل”.
العواصف أحدثت خسائر تقدر بنحو 521 مليار دولار، والفيضانات 115 مليار دولار. وخلال الـ50 عامًا الماضية، بلغ متوسط الأضرار اليومية 202 مليون دولار. (الأمم المتحدة)
وكشفت الدراسة أن القلق المناخي والأعباء النفسية يؤثر على عدد كبير من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و25 عامًا. واعتبر الشباب موضع الدراسة أن حكوماتهم تخلت عنهم ولا تستجيب بشكل كافٍ لمعالجة الخلل المناخي وتركتهم “بلا مستقبل”. بل إنها “تضحي بالإنسانية” مقابل تحقيق مصالحها الشخصية.
وتوقعت الأمم المتحدة أنه بحلول عام 2030 سترتفع انبعاثات الكربون بنسبة 16%. بدلاً من تحقيقها المطلوب للحفاظ على ارتفاع درجة حرارة الأرض تحت الحد المتفق عليه دولياً والمقدر بنحو 1.5 درجة مئوية. وهو الأمر الذي يتطلب انخفاض هذه الانبعاثات للنصف بدلاً من ارتفاعها.
كيف يساهم البشر تجنب تلك الكوارث؟
رأت حملة “لا لمسمى الكوارث الطبيعية” أن لكل شخص دورًا في منع الكوارث, وأن للحكومات أيضاً دور في وضع المخطط الملائم للتقليل من عدد الأشخاص الذين يعيشون في الفقر. وإنشاء هياكل لإعادة بناء المناطق المتضررة من هذه الكوارث التي عادة ما تخلق حالة من الفوضى. وتابعت: “في حين أن المخاطر لا مفر منها، لا ينبغي أن يكون تأثيرها كارثيًا على البشر”.
وأضافت الحملة أن الحكومات يمكنها إنهاء استخدام الوقود الأحفوري في نهاية المطاف. واعتبرت أن وضع السلطة في يد المجتمعات واحدة من الحلول التي قد تساهم في تجاوز تلك الأزمة، وتوفر ملايين الوظائف الخضراء الجديدة. فضلاً عن إتاحة وسائل نقل بأسعار معقولة ومنازل دافئة لمعالجة فقر الوقود. كما أشارت إلى أن البديل عن ذلك هو “الانتقال البطيء” وله أضرار معاكسة تمامًا لما يرجوه ملايين البشر؛ فهو يفوت فرص تجنب الانهيار الكارثي للمناخ. ويؤدي إلى فقدان الملايين من الوظائف. ويزيد من عدم المساواة ويحتفظ بالفوائد فقط للشركات والأثرياء دون غيرهم.
وأكد بحث جديد نشر في المجلة الطبية البريطانية “BMJ” أن تغيير السلوك غير الصحي، يمكن أن يكون مفتاح تحقيق صافي انبعاثات صفرية للغازات الدفيئة بحلول عام 2050. قائلة: “إن اعتماد نظام غذائي نباتي واستخدام المشي وركوب الدراجات في الرحلات القصيرة والتنقل بشكل عام. من شأنه أن يقلل حجم انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ويحسن الصحة.
مواجهة الفقر حل إنساني
إزاء ذلك، عملت حملة إنقاذ شديدي الفقر “UPGI” عبر مبادرة “BRAC” على إعداد الأسر المستهدفة لمواجهة الآثار الكارثية لتغير المناخ. وذلك من خلال مشروعات لتنويع مصادر الدخل لخلق أدوات مناسبة للخروج من دائرة الفقر والاستعداد لمواجهة أي تغيرات مناخية مرتقبة.
وقالت مديرة برنامج إنقاذ شديدي الفقر، جولي كيدروسكي، إن هناك مناطق معرضة للجفاف مثل كينيا. والتي يعيش بها المواطنون في فقر مدقع يجعلهم أكثر تأثراً بالتغيرات المناخية. كما أن حياتهم نفسها معرضة للخطر؛ لأن مصدر دخلهم يعتمد على تربية المواشي وأزمات المناخ التي تزيد تلك الحياة صعوبة، بل تقضي عليها تماماً.
خلال الفترة (2019-1970)، تم الإبلاغ عن أكثر من 11 ألف كارثة على مستوى العالم أدت لأكثر من مليوني حالة وفاة وخسائر قيمتها 3.64 تريليون دولار. (أطلس المنظمة العالمية للأرصاد الجوية)
ويشجع البرنامج على الاحتفاظ بمصادر متعددة للدخل والادخار من أجل الصدمات الاقتصادية والمناخية لتقليل مخاطر فقدان سبل العيش. ومع قرب انتهاء المدة الموضوعة لعمل مبادرة إنقاذ شديدي الفقر كان لدى جميع المشاركين مدخرات. وذلك بمتوسط زيادة تقدر بنحو 151 دولاراً لكل مشارك. وكان لدى أكثر من 80% من الأسر مصدران للدخل، وهو ما خلق مزيدا من المرونة الاقتصادية ضد الصدمات المتوقعة.
وأكدت “جولي كيدروسكي”، أهمية وضع الجهات الفاعلة في التنمية الدولية الأزمات المناخية المتوقعة في عين اعتبارها عند التخطيط للمستقبل. وقالت: “نحن الآن بحاجة إلى جهد عالمي للقضاء على الفقر المدقع والعوامل التي تبقي الناس محاصرين في براثن الفقر مثل الصدمات المناخية. مع تنسيق أكبر بين جميع الأطراف من منظمات وحكومات محلية”.
ملامح المستقبل.. بريطانيا نموذجًا
فرضت حملات الضغط بشأن قضايا المناخ حالة من التغيير خلال فترات سابقة متعددة. ففي عام 2008 تمكنوا من حشد أكثر من 1000 شخص للاحتجاج على إنشاء محطة للطاقة تعمل بالفحم في منطقة “كنت” بالمملكة المتحدة. ورغم قمع الشرطة الشديد نجح مخيم أقامته الحملة في موقع المحطة في تأخير المشروع، ثم إلغائه فيما بعد. ولم يكن الأمر قاصراً على تلك المحطة وحدها، بل نال من جميع مشاريع الفحم في بريطانيا. كما تمكن النشطاء من توجيه دفة المشروعات الجديدة نحو الطاقة المتجددة كبديل مناسب.
وفي العام نفسه نجح معسكر أقامه نشطاء البيئة بجوار مطار “هيثرو” في وقف مشروع بناء مدرج ثالث للطائرات. وألهمت هذه الحملة من خلال أعمالها الإبداعية نشطاء الملف البيئي حتي اليوم. بل اقترحت إنشاء قرية بيئية على موقع المدرج نفسه.
وفي عام 2011، سمع الكثيرون للمرة الأولى عن ما يسمي “التكسير الهيدروليكي” حين تجمعت الجدات مع أطفال المدارس لحصار موقع “شركة النفط والغاز كوادريلا، في منطقة بلاكبول شمال غرب بريطانيا. وذلك لوقف عمليات الشركة المتهمة بالتسبب في حدوث زلزال بالمنطقة. ورغم اعتقال الكثيرات منهن وبينهم النائبة البرلمانية عن حزب الخضر، كارولين لوكاس. إلا أن الجدات تمكن من إرغام الحكومة على سحب دعمها للمشروع وتوقفه نهائيا.
وكانت بريطانيا أول دولة في العالم تصدر قانونًا يلزم الحكومة بالوصول إلى انبعاثات كربونية صفرية بحلول عام 2050. وأعلن برلمانها أيضاً حالة طوارئ مناخية وأنشأ أول جمعية مناخية ومقرها المملكة المتحدة.