تخطط وزارة التموين للاعتماد بقوة على القمح الفرنسي متجاوزة التحفظات السابقة المتعلقة بتكلفة الشحن. في تحرك يتجاوز كثيرًا الحديث السابق عن مساعٍ لتنويع مصدر أهم محاصيل الإستراتيجية ويجعل الحبوب الفرنسية مزاحمة للروسية للمرة الأولى.

زار الدكتور علي المصيلحي، وزير التموين والتجارة الداخلية، باريس قبل أيام. وتلقى خلالها اقتراحًا فرنسيًا بالتعاقد لمدة 3 سنوات على أقل تقدير. حتى يتسنى التفاوض مع شركات الشحن الفرنسية لتخفيض الأسعار.

وأكد وزير الاقتصاد والمالية الفرنسى أن باريس لديها كمية كبيرة من القمح متاحة للتصدير بنحو 15 مليون طن. وأنه حال وجود احتياج مصري، فإنه سيوجه بدراسة آليات التنفيذ بشكل فوري.

تعتبر مصر، أكبر مستورد بالعالم، بنحو 10 ملايين طن سنوياً بينها 6 ملايين تشتريها وزارة التموين لصالح المخابز والباقي للقطاع الخاص. وقررت بعد جائحة كورونا تنويع مصادر وارداتها لتعزيز مخزونها الاستراتيجي، بعد فرض الدول المصدرة إجراءات حمائية.

من شأن التعاقد طويل الأجل مع رابطة موردي القمح الفرنسيين منح مصر أفضلية على مستوى الأسعار. خاصة أن المنتج ذاته أفضل من أوروبا الشرقية ممثلة في روسيا وأوكرانيا، لكن المحك في تكاليف النقل فقط. حيث اقترحت مصر مشاركة الشركة الوطنية للملاحة في عمليات الشحن.

القمح.. مواصفات خاصة

عدّلت وزارة التموين، أخيرًا، المواصفات الخاصة بالقمح الفرنسي للسماح بنسبة رطوبة تبلغ 13,5%. ومن حق كل دولة تحديد نسبة الرطوبة التي تلاءم مناخها بما لا يتجاوز اشتراطات الهيئة الدولية “كوديكس” بألا تزيد نسبة الرطوبة عن 14.5%.

تسعى فرنسا بقوة لتعزيز صادراتها في المنطقة العربية بعيدًا عن أماكن تواجدها بالمغرب العربي. فوفق جوليان دينورماندي، وزير الزراعة الفرنسي، فإن أحد أسباب الربيع العربي هو ارتفاع أسعار القمح اعتباراً من عام 2007. مؤكدًا أن حكومة بلاده تدرك أهمية توفير الدقيق بأسعار معقولة بالنسبة لاستقرار الدول.

القمح المصري
القمح المصري

على الجانب الآخر، تسعى وزارة التموين المصرية إلى تذليل العقبات القانونية التي تقف في طريق عمل الرابطة الفرنسية للحبوب في مصر. لتصبح شركة أو مكتب مبيعات اتساقاً مع الضوابط المصرية. كما بدأت شركة Rungis لإدارة سوق الجملة في برج العرب غربي الإسكندرية، لإيجاد سلاسل توريد تتسم بالكفاءة في مجال السلع الغذائية.

تدرس مصر وفرنسا حاليًا الجدوى الاقتصادية لإنشاء الشركة المصرية الفرنسية المشتركة. التي ستتولى إدارة وتنظيم سوق الجملة وتنظيم جميع جوانب التجارة الداخلية المختلفة في قانون واحد مع إفراد باب مخصص لأسواق الجملة.

تعيد وزارة التموين النقاش حول شروط الاتفاق ذاتها خلال اجتماع مجلس الأعمال المصري الفرنسي الذي أُنشأ عام 2006 بمبادرة من رئيسي الدولتين. بهدف تدعيم العلاقات الفرنسية-المصرية، وتسوية المشكلات التي تلاقيها الشركات ورفع توصيات بشأنها لسلطات البلدين. ويضم لجنتين مشكلتين من حوالي عشرين عضواً.

منفعة مشتركة

يمثل الاتفاق المزمع بين مصر وفرنسا حاليًا أمرًا إيجابيًا للطرفين خاصة بعد الأزمة التي نشبت بين الأخيرة والجزائر. والتي قررت بعدها الأخيرة الاستغناء عن القمح الفرنسي الذي يمثل 40% من جملة وارداتها تدريجياً لصالح القمح الروسي.

كانت الحكومة الروسية قد فرضت ضريبة أعلى على تصدير القمح اعتباراً من أول مارس الماضي 61 دولاراً لطن قمح التصدير. بدءاً من أول مارس إلى 30 يونيو مقارنة مع ضريبة محددة عند 25 يورو للطن في الفترة من 15 فبراير إلى أول مارس.

القمح الفرنسي
القمح الفرنسي

وجرى تحديد ضريبة تصدير للشعير والذرة عند 10 يورو للطن و15 يورو للطن على الترتيب. في الفترة من 15 مارس إلى 30 يونيو لتحجيم التصدير بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية في روسيا.

ويشكل القمح الروسي 80% من إجمالي واردات مصر الموسم الماضي كما تعد موسكو أحد أكبر مصدري القمح في العالم. وبحسب تقديرات لمعهد دراسات السوق الزراعية (إيكار) يصل المحصول الروسي لعام 2021 ما بين 74 و75 مليون طن. مقابل 77 مليون طن في توقعات تعود لمطلع أغسطس الماضي.

تستحوذ روسيا على المركز الأول بين البلدان الموردة للحبوب عالميًا بنسبة 51% وبحصة 3.5 مليون طن. تليها أوكرانيا بنسبة 25.9% وبحصة 1.7 مليون طن. ثم فرنسا ورومانيا وأستراليا ثم بلغاريا وكندا والمجر بالترتيب.

خطط تطوير

تتولى وكالة التنمية الفرنسية مع وزارة التموين، حاليًا، تطوير أسواق الجملة بمصر، بداية من برج العرب. لتقليل حلقات التداول والفاقد والعمل من خلال بنية أساسية ومعلوماتية للأسواق.

يفي المنتج الفرنسي أيضًا باحتياجات سوق علف الماشية بمصر والذي يباع بأقل 10% من سعر قمح الدقيق لأغراض المعجنات. وكميته كبيرة من إنتاج العام الحالي بسبب الأمطار الصيفية التي استمرت لمدة شهرين. وقللت من جودة جزء من الإنتاج الفرنسي.

يقول سيباستيان بونسيليه، مستشار شركة أجريتيل الفرنسية، إن الطلب سيكون كبيرا على المنتج الفرنسي. خاصة مع قلة إنتاج المنافسين مثل كندا، التي تؤكد المؤشرات انخفاض إنتاجها من القمح المحلي لعام 2021.

ويؤكد عبدالرضا عباسيان، كبير الاقتصاديين في منظمة الفاو، أن القمح سيحمل أهمية خاصة في الأسابيع المقبلة مع مستوى الطلب والأسعار. ما يجعل المنظمة مطالبة بمتابعة كيف يتطور الطلب في مواجهة الارتفاع السريع في الأسعار؟”.

أعلى مستوى

ارتفعت أسعار القمح الروسي خلال أغسطس، لتسجل أعلى مستوى منذ عقد عكس الانخفاض المعتاد الذي تشهده خلال الفترة ذاتها من العام. التي تتزامن مع تدفق الحصاد الجديد.
أحجم مزارعو روسيا عن بيع الحبوب تخوفاً من عقد صفقات تغبن حقوقهم في ظل ضريبة التصدير التي طبقتها الحكومة. حيث كان من المفترض أن تساعد بكبح جماح التضخم، الذي سجل أعلى معدل سنوي في خمس سنوات عند 6.5%.

ويؤكد خبراء الزراعية أن القمح الفرنسى ذو جودة عالية وأصبح يتسم بمفاضلة سعرية. بعد فرض روسيا ضريبة رفعت أسعار طن القمح بنسبة تقارب بقيمة 60.18 دولار للطن، بعد مضاعفة الرسوم 3 مرات.

وتمتلك مصر مشروعًا خاصة بزيادة الاعتماد على القمح المحلي والاستثمار في إنتاجه مع السودان بعد الإعلان عن مشروع مشترك بينهما لزراعة 1.5 مليون فدان منذ شهور. وتسعى لتنويع مصادر الحبوب أكثر من الاعتماد على دولة بعينها.

مصر تمتلك مشروعًا خاصة بزيادة الاعتماد على القمح المحلي
مصر تمتلك مشروعًا خاصة بزيادة الاعتماد على القمح المحلي

يقول أحمد الباشا إدريس، رئيس شعبة الحاصلات الزراعية بغرفة القاهرة التجارية. إن سلعة القمح إستراتيجية تتعلق بالأمن الغذائي للدول وظهر ذلك جليا خلال أزمة كورونا بعد قيام الدول المصدرة الرئيسية للسلع الغذائية. وفى مقدمتها القمح، بتقييد صادراتها منها في خضم أزمة كورونا تحسًبا لظروف حالة عدم اليقين السائدة حينها.

القمح ومعادلات السعر

يضيف إدريس أن الحكومة لا تخطط لاستبدال القمح الفرنسي بالروسي. ولكن تنويع مجالات الاستيراد بصرف النظر عن معادلات السعر، حتى لا تتوقف الإمدادات في وقت الطوارئ. والقمح للمصريين هو عصب وجباتهم حتى أنهم يسمونه “عيش” بدلاً من “خبز”. ووجود أي نقص بأي سلعة أخرى مهما كانت استراتيجية يمكن معالجته باستثناء القمح تحديدًا.

يأتي القمح الفرنسي انعكاسا لتطور التعاون الاقتصادي بين القاهرة وباريس. فوفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ارتفعت قيمة الاستثمارات الفرنسية بمصر خلال 2019/2020 لتسجل 349 مليون دولار. مقابل 296.1 مليون دولار خلال العام السابق.

وسجل التبادل التجاري بين مصر وفرنسا 2.2 مليار دولار خلال عام 2020. موزعة بين صادرات مصرية بنحو 530.5 مليون دولار وواردات بنحو 1.70 مليار دولار خلال العام ذاته.