“على مدار قرن تقريبًا، تم ترقيع قانون الأحوال الشخصية عدة مرات. لم نعد نحتاج لهذا. بل نحتاج إلى منظومة جديدة تُراعي مصلحة جميع أفراد الأسرة الأب، والأم، والطفل. والأخير هو أهم أفراد المُعادلة”.

تحت عنوان “قانون أكثر عدالة للأسرة” أقامت مؤسسة قضايا المرأة المصرية، على مدار الأيام الثلاثة الماضية. ورشة عمل لمجموعة من الصحفيين والإعلاميين. حول مقترح المؤسسة لمشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد.

وتهدف الورشة إلى توضيح مزايا مقترح القانون الجديد، وتوضيح الفارق بين القوانين الموجودة التي شملت العديد من التعديلات. والعمل على مقترحات لخطة إعلامية لكسب تأييد الرأي العام وصُنّاع القرار.

 

الصحفيون والإعلاميون المشاركون في الورشة

قانون يضمن العدالة للأسرة

الورشة التي حاضر فيها عبد الفتاح يحيى، ومحمود عبد الفتاح، وجواهر الطاهر، المحامون بالمؤسسة. تضمنت جزء معرفي حول قوانين الأحوال الشخصية. بداية من القانون 25 لسنة 1920، وهو أول قوانين الأحوال الشخصية في مصر. مرورًا بتعديلاته والقوانين اللاحقة، حتى القانون رقم 126 لعام 2008.

وقال المحامي عبد الفتاح يحيى، مدير الوحدة القانونية بمؤسسة قضايا المرأة المصرية. إن كثرة التعديلات الموجودة في قانون الأحوال الشخصية، قد تُصيب بعض المحامين بالارتباك خلال عملهم. موضحًا أن اللوائح التنفيذية والمواد الإجرائية عديدة ومليئة بالثغرات “كذلك لا توجد مدة زمنية مُحددة لفترة التقاضي. هذا يُثقِل كاهل الطرف المظلوم”.

وأوضح يحيى، خلال حديثه عن فلسفة المشروع الذي يسعى إلى تحقيق العدالة بين أفراد الأسرة. أن المقترح الجديد يتضمن تعديلات على بعض المواد الموجودة بالفعل، ومواد أخرى مستحدثة بالكامل.

المحامي عبد الفتاح يحيى مدير الوحدة القانونية بمؤسسة قضايا المرأة المصرية

قوانين بالية

عرفت مصر خلال القرن الماضي قوانين الأحوال الشخصية. أولها القانون رقم 25 لسنة 1920. والذي ضم 13 مادة، وتضمن بعض أحكام النفقة، والتطليق لعدم الإنفاق، أو فقد الزوج. لم يدم هذا القانون طويلًا، حيث جاء القانون رقم 25 لسنة 1929، وكان أكثر تفصيلًا. وتناول أحكام الأسرة، وقضايا الطلاق، والنسب، والنفقة، والعدة، والمهر، والحضانة، والمفقود.

رغم إلغاء المحاكم الشرعية المختصة بالنظر في الدعاوى الشخصية في سبتمبر 1955. استمر العمل بالقانون نفسه حتى عام 1979. ولم يتواكب مع التغيرات التي حدثت في المجتمع المصري طيلة نصف قرن تقريبًا. حتى صدر القانون 44 لسنة 1979. والذي عُرف إعلاميًا باسم “قانون جيهان”، نسبة إلى الراحلة جيهان السادات.

قانون غير دستوري

عدّل القانون أحكام سابقيه، وضم 7 مواد، شملت الطلاق، النفقة، نفقة المتعة، توثيق الطلاق، إعلان المطلقة. كذلك تضمن حق التطليق عند إثبات الضرر في حال تزوج الزوج بأخرى. لكنه واجه اعتراضات كثيرة، انتهت بالحكم بعدم دستوريته.

شهد عهد الرئيس الراحل حسني مبارك عدة قوانين للأحوال الشخصية. أولها القانون 155 لسنة 1985، والذي حل محل “قانون جيهان”. واستمر حتى تم تعديله بالقانون رقم 1 لسنة 2000، والمعروف إعلاميًا بـ “قانون الخُلع”، وأعقبه القانون 10 لسنة 2004 الخاص بإنشاء محكمة الأسرة.

وكانت آخر قوانين الأحوال الشخصية هو القانون رقم 126 لسنة 2008، والذي تضمن تعديلات قانون الطفل، ليصير سن الزواج 18 عام، مع إعطاء الولاية التعليمية للأم الحاضنة.

مواد مُستحدثة

وشمل مشروع مقترح القانون الجديد العديد من المواد المستحدثة. فجاءت في المواد من 14 وحتى 16 شروط تنظيم تعدد الزوجات، وليس التقييد أو المنع. كذلك المادة 18 الخاصة بوثيقة الزواج، والمادة 19 التي تقضي باقتسام العائد المشترك بين الزوجين بعد الطلاق.

واحتوت المادة 77 على آلية التطليق بيد المحكمة. وتناولت المادة 105 تعديل دور الأب في حضانة الطفل. والمواد من 111 إلى 115 الخاصة بحضانة الطفل.

كما تناول المقترح إنشاء شرطة خاصة بالأسرة، تكون مهمتها تنفيذ الأحكام تحت إشراف نيابة الأسرة.

رؤية جديدة للأحوال الشخصية

جاءت أهم ملامح المقترح الجديد في 11 بندًا. منها أن يكون الزواج والطلاق بيد المحكمة. وذلك بأن يقوم الراغبين في الطلاق بتقديم طلب يتم فيه إبداء أسباب الطلاق. وبعد محاولات الإصلاح عن طريق اللجان المختصة، وفي حالة فشلها مع إصرار الزوج على إيقاع الطلاق. تقوم المحكمة بإجابة طلبه بطلاق زوجته، مع إعطائها كافة الحقوق المترتبة على الطلاق وتحديد نفقة للأطفال.

وفى حالة ما إذا كانت الزوجة هي مقدمة الطلب، ووجدت المحكمة أسباب منطقية للطلاق، قامت بتطليقها مع إعطائها كافة حقوقها القانونية. بينما في حالة عدم وجود أسباب منطقية وإصرارها على الطلاق، يتم الطلاق مع تنازلها عن كافة حقوقها القانونية.

كذلك تضمن المقترح أن يكون من حق الأم المغتصبة إثبات نسب طفلها الناتج عن الواقعة إلى أبيه المغتصب. وذلك من خلال الوسائل الحديثة مثل فحص الحمض النووي. أيضًا احتفاظ الأم بأولادها في حالة زواجها للمرة الثانية، مع مراعاة المصلحة الفضلى للطفل.

كذلك التأكيد على أن سن الزوج 18 عام للفتيات، وذلك من خلال لفظ “لا تزويج”. حيث أن القانون الحالي ينص على انه “لا توثيق”. ومن ثم يفتح باب التلاعب لتزويج الفتيات دون السن، ثم يتم التوثيق بعد بلوغهن السن القانونية المشترطة للتوثيق.

 

جواهر الطاهر مدير برنامج الوصول للعدالة بمؤسسة قضايا المرأة المصرية

حضانة المسيحية

ولفتت جواهر الطاهر، مدير برنامج الوصول للعدالة بمؤسسة قضايا المرأة المصرية. إلى أن المقترح شمل مادة خاصة بتعويض الزوجة في حالة الطلاق، سواء كان لديها أطفال أم لم تنجب. وذلك باحتساب سنوات الزوجية.

وأكدت الطاهر أن التعديلات تشمل حق الأم المسيحية المطلقة بحضانة أولادها من زوجها المسلم. أو الذي كان مسيحيًا واعتنق الإسلام حتى يبلغ 15 عامًا مساواة بالأم المسلمة.

 

المحامي محمود عبد الفتاح مع المشاركين خلال ورشة العمل الأولى

الأب.. الحضانة والرؤية

أوضح المحامي محمود عبد الفتاح، أن مقترح مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد يتضمن تعديلات لمنظومة ترتيب الحاضنين. بحيث يكون الأب في المرتبة الثانية بعد الأم مباشرة، بما يحقق المصلحة الفضلى للطفل.

وقال: “القانون الحالي يُعطي أولوية الحضانة لكثيرين قبل الأب، رغم أنه -في العموم- هو الأولى بالعناية بطفله”.

وبالنسبة للرؤية يشمل المقترح حق الطرف غير الحاضن في اصطحاب الطفل. وذلك من خلال قضاء وقت أطول قد يتخلله مبيت ليوم أو عدة أيام، طبقًا لما يحدده القاضي مراعاة لمصلحة الطفل الفضلي، والتي تختلف من حالة طفل لآخر.

مفاهيم مغلوطة

وناقش المشاركون، وهم من الصحفيين والإعلاميين، بمحافظات قنا وسوهاج والقاهرة والقليوبية. المفاهيم المغلوطة التي تسود المجتمع المصري بشأن مصطلحات الأحوال الشخصية. ومن بينها الفرق بين “الطلاق” و”التطليق” الذي هو حق أصيل للمحكمة. وأن “نشوز الزوجة” لا يعني أنها لا تستطيع رفع دعوى للتطليق.

كذلك لا تعرف الأغلبية أنه حال فسخ الخطبة يُمكن لأحد الطرفين -إذا كان مُتضررًا- رفع دعوى مدنية للتعويض. وأن “الشروط المُضافة” في عقد الزواج لا تمس حقوق أو كرامة أيًا من الزوجين.

 

الصحفيون المشاركون خلال الحديث عن مواد تعدد الزوجات

ألغام التعدد

خلال حديثه، وصف عبد الفتاح المواد الخاصة بتنظيم تعدد الزوجات بأنها “ملغومة”. وسوف تواجه الكثير من الاعتراضات والهجوم، بدعوى أنها تُحارب الشريعة الإسلامية، وهي المصدر الرئيس للتشريع.

وأضاف: المقترح الجديد يتبنى فكرة تنظيم تعدد الزوجات. بناء على فهم صحيح للنص القرآني “وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا”.

واقترح المشروع تقديم الرجل راغب التعدد طلبًا للقاضي، يتم من خلاله توضيح الحالة الاقتصادية والصحية والاجتماعية. وبناء عليه، يتم إخطار الزوجة الأولى واستدعائها، والتأكد من موافقتها، والتزام الزوج بنفقتها ونفقة أولادها وجميع حقوقها الأخرى.

وفي حالة رفضها التعدد وطلب الطلاق، يتم تطليقها واعطائها حقوقها القانونية وتحديد نفقة ومسكن لأولادها. وبعد الانتهاء من الإجراءات واستيفاء كامل الحقوق، يتم الموافقة للرجل بالتزوج من أخرى، مع إعلان الزوجة الجديدة بالحالة الاجتماعية للزوج قبل إتمام الزواج.

ولفت عبد الفتاح إلى أن بعض الدول العربية، مثل الجزائر والمغرب، قامت بتقييد حق تعدد الزوجات. أو جعله مشروطًا بما يتماشى مع مصلحة أسرته والزوجة الأولى. فيما قامت دولة تونس بتجريمه بشكل كامل.